تلميذ يقتل تلميذا... و الجاني "الدولة"/الرفيق حميد مجدي
تلميذ يقتل تلميذا... و الجاني "الدولة"
قمت مساء يوم أمس 21/06/2018، بزيارة لعائلة الفقيد التلميذ المدعو قيد حياته "ياسين العزيري" و الذي قضى نتيجة لطعنه غادرة من قبل أحد زملائه في القسم أثناء الاستراحة الفاصلة بين فترة اجتياز مادتي اللغة الفرنسية و الفيزياء للامتحان الجهوي الموحد للسنة الثالثة إعدادي بثانوية أبي بكر القادري الإعدادية بقلعة السراغنة، يوم الثلاثاء 19 يونيو 2018. القاتل و المقتول في عز شبابهما، لا يتجاوز عمرهما بعد 16 عاما.. ! السبب المباشر الذي أدى إلى هذه الكارثة هو سرقة أحدهما للآخر "النقلة" و هي عبارة عن وريقة صغيرة الحجم تتضمن معلومات يستطيع عن طريقها الممتحن من الغش في الامتحان...
أحسست بفاجعة بمجرد أن علمت - مثلي مثل غيري- بالخبر، خصوصا و أن الحدث وقع بمؤسسة تربوية و تعليمية و تتعلق بشباب واعد و في مقتبل العمر..
و لكن الفاجعة تضاعفت عندما استمعت لعائلة الهالك و زملائه، فهم معنيون مباشرة بالمصيبة التي حلت و لا أحد غيرهم سيحس أكثر بالنير المشتعل في صدر والديه و جدته و إخوته و عائلته و زملائه. "ما كيحس بالمزود غير لمضروب به". حرقة قاسية جدا...
في بيت الضحية، حملتني عائلة الضحية و زملاؤه، كحقوقي و سياسي، العديد من التساؤلات و مظاهر الارتياب و العتاب من غيابنا عن المشهد و عن الساحة و كوننا لم نقم بأي شيء "ينصفهم" في ما تعرض له فلذة كبدهم.
و بالبساطة و الوضوح و المباشرة و الحرقة التي طرحوا بها أسئلتهم علي و عتابهم من عدم فعلنا أي شيء يقيهم من الفاجعة أو ما ترتب عنها بعد ذلك من إحساسهم بالغبن و المهانة و الضعف. كانت أسئلتهم الحارقة - و أنا أتشاطرها معهم و أكثر- من قبيل:
- لماذا يلج التلاميذ المدرسة مدججين بأسلحتهم. و هو السلاح الذي فتك بابننا..؟
- على حد علمنا، يتم تفتيش التلاميذ خلال فترة الامتحان، فلماذا تركوا الجاني يدخل معه سكينه الفتاك..؟
- أين كان رجال الشرطة و حراس الأمن و الفترة هي فترة امتحان. و نحن نعلم أن تواجدهم ضروري خلال الامتحانات بمراكز الامتحان أو بالقرب منها. و قد كان الجاني يجول بسكينه بعد طعناته للهالك و لزميل آخر حاول أن ينقد الهالك، لما يزيد عن 30 دقيقة في ساحة المدرسة و إدارتها..؟
- لماذا لم يكن يتواجد بساحة المدرسة أي إطار مدرسي أو حارس، و ترك التلاميذ لحالهم مع المصيبة التي حلت بهم و هم صغار لا يعرفون ماذا يفعلون... ! و قد قام بعض الأطفال بكل ما استطاعوا لنجدة الضحية من الموت بقدر ما يعرفون على صغرهم و هم يحملون من الإنسانية و من الشجاعة ما لا يملكه "الكبار" في مثل هذه الحالات... !؟
- زملاؤه "الصغار" من المدرسة قاموا بأعظم الأعمال و علمونا درسا في الإنسانية و في الشجاعة و هم يحاولون بكل من استطاعوه من جهد، وقف نزيف الدم السائل من عنق الضحية.. أين "الكبار"..؟ ماذا لو تعلق الأمر بأحد أبنائهم، من صلبهم... هل كانوا سيتصرفون بنفس الطريقة... ؟؟؟
- لماذا لم تكن سيارة إسعاف أمام المدرسة خصوصا و أن اليوم يوم امتحان؟ لماذا تأخرت في الحضور...؟
- لماذا لم يتم استدعاء سيارة الإسعاف في بمجرد وقوع الجريمة...؟
- لماذا لم يتم إسعاف الضحية أوليا من قبل المدرسة و وقف نزيف الدم، مما قد ينجيه من الموت، و ترك شأنه لزملائه من التلاميذ الذين لا دراية لهم بأمور الإسعافات الأولية..؟
- لماذا رفض رجال الوقاية المدنية وضعه بسيارة الإسعاف و تكفل بذلك زملاؤه من التلاميذ و أحد الأساتذة..؟ !
كان كلام زملاء الضحية أشد مرارة، يعاتبون و يتساءلون و هم يبكون من الحرقة و الفاجعة:
لقد مات في أحضاننا، و ولجنا قاعة الامتحان، و دماء المرحوم تكسونا و نحن و جميع تلاميذة المؤسسة في حالة من الغيظ و الصدمة و الخوف و الاندهاش و التساؤل... كنا في حالة نفسية يرثى لها. ألم يكن جديرا بالنيابة أو المؤسسة تأجيل الامتحان و لو لساعة أو ساعتين فقط حتى نتمكن من استرداد وعينا..؟ لقد كان امتحانا ممرغا في الدماء... !
هل كان على المصاب الثاني أن يدخل قاعة الامتحان و هو ينزف دما...؟ ما هذا الاستخفاف بصحة التلاميذ و مستقبلهم و نفسيتهم... ؟ أي امتحان و أي تربية و أي تكوين هذا... !
كانت هذه أسئلتهم الحارقة... و كان إحساس العائلة أيضا شديدا جراء الغبن و الضيم و العتاب الموجه للمندوب الإقليمي و إدارة المؤسسة و أطرها الذين لم يكلفوا أنفسهم تعزية العائلة في بيتها و مواساتهم و لا مصاحبة الضحية "تلميذهم قيد حياته" إلى المقبرة و هذا أمر غريب حقا... ! لقد استصغرونا كثيرا.. تقول العائلة. و هو أمر يناقض ادعاء المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بقلعة السراغنة في بلاغه الصادر بوسائل الإعلام... !
للأسف الشديد أن بلدنا بلغ هذا الحد من الإفلاس و الرداءة. فقد تهدمت فيه أشياء لا علاقة لها، بتشييد الطرق و لا البنايات... تهدم المعنى و تفسخت القيم... و هي أمور يصعب كثيرا إعادة بنائها....
لو كنا في بلد يحترم مواطنيه و يعتبرهم و يقدرهم في الحد الأدنى، و لو كان لمسؤوليه حدا أدنى من الحس الإنساني و الوطني، لكان استقال من منصبه وزير التربية و التعليم على أقل تقدير، بسبب هذه الفاجعة... و لكن قدر لنا أن نبتلى بالسوء و الأسوأ في تدبير شؤون قطاع التربية و التكوين و شؤون المواطنين في مختلف مجالات الحياة...
يقول جيته:
يا لنبل من يستطيع البكاء من الرجال. و لتغرب عن وجهي يا من له قلب بارد، و عينان لا تدمعان! ألا لعنة الله على السعيد الذي لا يرى في الشقي إلا مشهدا تبصره العيون."
تعازي الحارة لعائلة الفقيد و أصدقائه و متمنياتي لهم جميعا بالصبر و السلوان...
قمت مساء يوم أمس 21/06/2018، بزيارة لعائلة الفقيد التلميذ المدعو قيد حياته "ياسين العزيري" و الذي قضى نتيجة لطعنه غادرة من قبل أحد زملائه في القسم أثناء الاستراحة الفاصلة بين فترة اجتياز مادتي اللغة الفرنسية و الفيزياء للامتحان الجهوي الموحد للسنة الثالثة إعدادي بثانوية أبي بكر القادري الإعدادية بقلعة السراغنة، يوم الثلاثاء 19 يونيو 2018. القاتل و المقتول في عز شبابهما، لا يتجاوز عمرهما بعد 16 عاما.. ! السبب المباشر الذي أدى إلى هذه الكارثة هو سرقة أحدهما للآخر "النقلة" و هي عبارة عن وريقة صغيرة الحجم تتضمن معلومات يستطيع عن طريقها الممتحن من الغش في الامتحان...
أحسست بفاجعة بمجرد أن علمت - مثلي مثل غيري- بالخبر، خصوصا و أن الحدث وقع بمؤسسة تربوية و تعليمية و تتعلق بشباب واعد و في مقتبل العمر..
و لكن الفاجعة تضاعفت عندما استمعت لعائلة الهالك و زملائه، فهم معنيون مباشرة بالمصيبة التي حلت و لا أحد غيرهم سيحس أكثر بالنير المشتعل في صدر والديه و جدته و إخوته و عائلته و زملائه. "ما كيحس بالمزود غير لمضروب به". حرقة قاسية جدا...
في بيت الضحية، حملتني عائلة الضحية و زملاؤه، كحقوقي و سياسي، العديد من التساؤلات و مظاهر الارتياب و العتاب من غيابنا عن المشهد و عن الساحة و كوننا لم نقم بأي شيء "ينصفهم" في ما تعرض له فلذة كبدهم.
و بالبساطة و الوضوح و المباشرة و الحرقة التي طرحوا بها أسئلتهم علي و عتابهم من عدم فعلنا أي شيء يقيهم من الفاجعة أو ما ترتب عنها بعد ذلك من إحساسهم بالغبن و المهانة و الضعف. كانت أسئلتهم الحارقة - و أنا أتشاطرها معهم و أكثر- من قبيل:
- لماذا يلج التلاميذ المدرسة مدججين بأسلحتهم. و هو السلاح الذي فتك بابننا..؟
- على حد علمنا، يتم تفتيش التلاميذ خلال فترة الامتحان، فلماذا تركوا الجاني يدخل معه سكينه الفتاك..؟
- أين كان رجال الشرطة و حراس الأمن و الفترة هي فترة امتحان. و نحن نعلم أن تواجدهم ضروري خلال الامتحانات بمراكز الامتحان أو بالقرب منها. و قد كان الجاني يجول بسكينه بعد طعناته للهالك و لزميل آخر حاول أن ينقد الهالك، لما يزيد عن 30 دقيقة في ساحة المدرسة و إدارتها..؟
- لماذا لم يكن يتواجد بساحة المدرسة أي إطار مدرسي أو حارس، و ترك التلاميذ لحالهم مع المصيبة التي حلت بهم و هم صغار لا يعرفون ماذا يفعلون... ! و قد قام بعض الأطفال بكل ما استطاعوا لنجدة الضحية من الموت بقدر ما يعرفون على صغرهم و هم يحملون من الإنسانية و من الشجاعة ما لا يملكه "الكبار" في مثل هذه الحالات... !؟
- زملاؤه "الصغار" من المدرسة قاموا بأعظم الأعمال و علمونا درسا في الإنسانية و في الشجاعة و هم يحاولون بكل من استطاعوه من جهد، وقف نزيف الدم السائل من عنق الضحية.. أين "الكبار"..؟ ماذا لو تعلق الأمر بأحد أبنائهم، من صلبهم... هل كانوا سيتصرفون بنفس الطريقة... ؟؟؟
- لماذا لم تكن سيارة إسعاف أمام المدرسة خصوصا و أن اليوم يوم امتحان؟ لماذا تأخرت في الحضور...؟
- لماذا لم يتم استدعاء سيارة الإسعاف في بمجرد وقوع الجريمة...؟
- لماذا لم يتم إسعاف الضحية أوليا من قبل المدرسة و وقف نزيف الدم، مما قد ينجيه من الموت، و ترك شأنه لزملائه من التلاميذ الذين لا دراية لهم بأمور الإسعافات الأولية..؟
- لماذا رفض رجال الوقاية المدنية وضعه بسيارة الإسعاف و تكفل بذلك زملاؤه من التلاميذ و أحد الأساتذة..؟ !
كان كلام زملاء الضحية أشد مرارة، يعاتبون و يتساءلون و هم يبكون من الحرقة و الفاجعة:
لقد مات في أحضاننا، و ولجنا قاعة الامتحان، و دماء المرحوم تكسونا و نحن و جميع تلاميذة المؤسسة في حالة من الغيظ و الصدمة و الخوف و الاندهاش و التساؤل... كنا في حالة نفسية يرثى لها. ألم يكن جديرا بالنيابة أو المؤسسة تأجيل الامتحان و لو لساعة أو ساعتين فقط حتى نتمكن من استرداد وعينا..؟ لقد كان امتحانا ممرغا في الدماء... !
هل كان على المصاب الثاني أن يدخل قاعة الامتحان و هو ينزف دما...؟ ما هذا الاستخفاف بصحة التلاميذ و مستقبلهم و نفسيتهم... ؟ أي امتحان و أي تربية و أي تكوين هذا... !
كانت هذه أسئلتهم الحارقة... و كان إحساس العائلة أيضا شديدا جراء الغبن و الضيم و العتاب الموجه للمندوب الإقليمي و إدارة المؤسسة و أطرها الذين لم يكلفوا أنفسهم تعزية العائلة في بيتها و مواساتهم و لا مصاحبة الضحية "تلميذهم قيد حياته" إلى المقبرة و هذا أمر غريب حقا... ! لقد استصغرونا كثيرا.. تقول العائلة. و هو أمر يناقض ادعاء المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بقلعة السراغنة في بلاغه الصادر بوسائل الإعلام... !
للأسف الشديد أن بلدنا بلغ هذا الحد من الإفلاس و الرداءة. فقد تهدمت فيه أشياء لا علاقة لها، بتشييد الطرق و لا البنايات... تهدم المعنى و تفسخت القيم... و هي أمور يصعب كثيرا إعادة بنائها....
لو كنا في بلد يحترم مواطنيه و يعتبرهم و يقدرهم في الحد الأدنى، و لو كان لمسؤوليه حدا أدنى من الحس الإنساني و الوطني، لكان استقال من منصبه وزير التربية و التعليم على أقل تقدير، بسبب هذه الفاجعة... و لكن قدر لنا أن نبتلى بالسوء و الأسوأ في تدبير شؤون قطاع التربية و التكوين و شؤون المواطنين في مختلف مجالات الحياة...
يقول جيته:
يا لنبل من يستطيع البكاء من الرجال. و لتغرب عن وجهي يا من له قلب بارد، و عينان لا تدمعان! ألا لعنة الله على السعيد الذي لا يرى في الشقي إلا مشهدا تبصره العيون."
تعازي الحارة لعائلة الفقيد و أصدقائه و متمنياتي لهم جميعا بالصبر و السلوان...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق