تاريخ الحركة الطلابية التأريخ والإمتداد عبد المومن الشباري
تاريخ الحركة الطلابية
التأريخ والإمتداد
عبد المومن الشباري
تقـــــــديم
ثمة ضرورة ملحة للوقوف على تاريخ الحركة الطلابية المغربية, لرصد المراحل وأهم الأحداث التي عرفها الإتحاد الوطني لطلبة المغرب, والمسار النضالي الزاخر الذي قطعه من أواسط الخمسينات إلى الآن.
ولقد استدعت هذه العودة إلى تاريخ الحركة الطلابية, الظروف والملابسات التي تمر منها, وما عرفته منذ بداية الثمانينات من ظروف استثنائية بسبب الإجراءات القمعية المتمثلة في الحظر غير المعلن على الإتحاد الوطني لطلبة المغرب, مع ما رافق هذه الفترة غير القصيرة من اعتقالات ومحاكمات وإجهاز على مكتسبات الجماهير الطلابية, لفرض الإصلاح الجامعي التخريبي, وتوظيف كل الإمكانيات في محاولة يائسة لإسكات الصوت الطلابي, ومحو الرصيد النضالي التاريخي لإ.و.ط.م.
وقد يحدث في فترات استثنائية دقيقة من تاريخ الحركة الطلابية, خاصة في ظروف الجزر, أن تشهد الجامعة المغربية والحركة الطلابية فراغا تنظيميا, يكون مؤثرا تأثيرا سلبيا على نضالات الجماهير الطلابية, كما هو الشأن بالنسبة للفترة الممتدة بين سنتي 1973 و1978 , ونفس الشيء حصل بالنسبة للفترة الممتدة من سنة 1981 إلى الآن. ويحدث في هذه الفترات غياب التواصل النضالي للحركة الطلابية بين راهنية معاركها وتراثها النضالي. هذا التواصل الذي يمكنها من استيعاب الماضي وتمثله لفهم الحاضر واستشراف آفاق المستقبل. إن هذه العملية الجدلية هي المؤهلة لتمكين الحركة الطلابية وطلائعها المناضلة من تجنب المنزلقات, والاستفادة من تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب, لتصليب عوده, وتسطير المهام النضالية الكفيلة بإخراج المنظمة الطلابية من التشتت التنظيمي, والإسهام في نضال الحركة الجماهيرية بشكل عام.
كما يحدث خلال فترات الفراغ التنظيمي, أن يستغلها البعض, بحكم الطبيعة الانتقالية للقطاع الطلابي, ليعيد صياغة تاريخ الحركة الطلابية بشكل مجرد, ويقفز معها على مراحل نضالية مشرقة في التاريخ النضالي لأ.و.ط.م. ويعمل جاهدا, في نفس الوقت, لتشويهها بما يخدم نزعاته الضيقة والآنية على حساب التراث النضالي الزاخر للحركة الطلابية. وقد تصل هذه النزاعات الشوفينية أحيانا إلى اختزال نضالات الحركة الطلابية في ذاتها والتماهي معها, وجعل الرصيد النضالي الجماهيري للقطاع الطلابي حكرا عليها دون غيرها من مكونات الحركة الطلابية وجماهيرها المناضلة.
في هذا السياق تأتي هذه المقاربة لرصد أهم الأحداث التي عرفتها الحركة الطلابية وتاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب, مع الربط بين دينامية الحركة الطلابية كجزء لا يتجزء من نضال الجماهير, وموضعتها في خريطة الصراع الاجتماعي الذي عرفه المغرب في مختلف مراحله, وذلك لكي لا يبقى هذا التاريخ مجرد سرد لأحداث تاريخية خالية من أية دلالة سياسية, وحتى يتبين لنا الدور الهام الذي لعبه الاتحاد الوطني الذي لطلبة المغرب في مجرى الحياة السياسية في البلاد, ومدي ارتباطه النضالي التاريخي بنضالات الجماهير الشعبية.
وسوف ترتكز هذه المحاولة على بعض المراحل التي ظلت تحت ركام الخطابات السياسية التعتيمية, لتأخذ مكانتها الطبيعية والموضوعية في صيرورة التاريخ النضالي للحركة الطلابية, لما لحقها من التشويهات المبيتة. غير أن تركيزنا على هذه المراحل سوف لن تحكمه خلفيات, بل تستدعيه الحقيقة التاريخية لتعريف الأجيال الحالية بهذا الثرات النضالي الذي ظل مطموسا بفعل المزايدات السياسية في القطاع الطلابي. إن الإلمام بتاريخ الحركة الطلابية, يقتضي مرحلته وتحقيبه حتى يتسى لنا الوقوف على مميزات كل مرحلة من مراحل تطوره, ويسعفنا في نفس الآن على الإحاطة الشاملة والنقدية لفهم الحركة الطلابية في شموليتها وموقعها في الصراع العام.
I -مرحلة التأسيس 1956- 1958
لقد جاء تأسيس الإتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1956 كضرورة تاريخية لتأطير الطلبة المغاربة كفئة اجتماعية لعبت أدوارا طلائعية في مرحلة النضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي, سواء ضمن الحركة الوطنية أو في هيئات طلابية مستقلة. كما جاء تأسيسه كامتداد واستمرار لهذه المنظمات الطلابية التي عرفها المغرب في عهد الحماية الفرنسية, كجمعية طلبة مسلمي شمال إفريقيا التي تأسست سنة 1912, واتحاد طلاب المغرب سنة 1925, وجمعية الطلاب المغاربة 1948, هذه الجمعيات التي لعبت أدوارا هامة في مناهضة الإحتلال, وساهمت في الحفاظ على الهوية والثقافة المغربية ومقومات الحضارة التي حاول المستعمر طمسها, كما تخرج منها العديد من الأطر والكوادر التي قادت الحركة الوطنية.
غير ان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في فترته التأسيسية الممتدة من سنة 1956 تاريخ نشأته إلى حدود المؤتمر الثالث المنعقد بتطوان سنة 1958, ظل على مستوى توجهه السياسي يحمل نفس تصور ورؤية الحركة الوطنية فيما يتعلق بفهم هذه الأخيرة للاستقلال الشكلي ومتطلبات المرحلة.وهكذا ظلت إ. و. ط. م تساير الحركة الوطنية التي كانت آنذاك تضع رهانها الكلي على الاستقلال الشكلي, وتعتقد أنه سوف يلبي طموحات الجماهير الشعبية في القضاء على مخلفات الاستعمار الذي رفعته آنذاك وعملت من أجله, وهو شعار" الوحدة الوطنية".
إن هذه التطورات التي كانت تحملها المنظمة الطلابية إ . و . ط .م جعلتها تحتل موقعا توافقيا مع بقية المكونات السياسية داخل المجتمع بما فيها القصر, الشيء الذي جعل الحركة الطلابية خلال هذه المرحلة لم تعرف أي صدام بينها وبين النظام, وظلت مواقفها مهادنة ومسالمة ومسايرة للسياسية الرسمية في ميدان التعليم, مستندة في ذلك إلى أوهامها السياسية التي كانت تطبع مواقف كل القوى السياسية. ولقد شهد الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ثلاثة مؤتمرات جاءت كالتالي:
- المؤتمر الأول : انعقد بالرباط في دجنبر 1956 وانتخب مجدي أول رئيس لإ.و.ط . م.
- المؤتمر الثاني: انعقد بفاس في شتنبر 1957 وانتخب عبد الرحمان القادري رئيسا لإ.و. ط . م.
- المؤتمر الثالث: انعقد بتطوان في يوليوز 1958 وانتخب السرغوشني رئيسا لإ.و.ط.م
II -مرحلة الإنخراط في النضال الجماهيري والمواجهة السياسية لمخططات الإستعمار الجديد 1959-1964
إذا كانت المرحلة الأولى من تاريخ الحركة الطلابية اتسمت بالتوافق والتسوية السياسية لإ.و.ط.م مع بقية الأطراف والمكونات السياسية في فترة الحماس الوطني تحت مظلة" الوحدة الوطنية" فإن المرحلة الثانية من مسيرة لإ.و. ط . م.ستعرف تحولا جذريا في توجهها السياسي والنقابي, وستحتل الحركة الطلابية موقعا هاما في خريطة الصراع السياسي على ضوء التناقضات الجديدة التي أفرزتها مرحلة الإستعمار الجديد, والتي ستتبخر معها أوهام الحركة الوطنية حول طبيعة" الاستقلال" والرهانات التي كانت تعقدها عليه. ولم يكن للإتحاد الوطني للطلبة من خيار سوى الدخول في حلبة الصراع والمواجهة إلى جانب الجماهير الشعبية في نضالها حول مستقبل البلاد.ولقد كانت لهذه الظروف السياسية والملابسات التي رافقتها في سنة 1959 دلالة بالغة في تاريخ أ.و. ط . م. والحركة الطلابية وستكون حاسمة ومحددة لتطورها النضالي وصيرورتها التاريخية فيما بعد.
إن التناقضات الطبقية الجديدة التي برزت في مغرب الاستقلال الشكلي حول مصير البلاد سوف تخترق الحركة الوطنية, حيث انشق على إثرها حزب الإستقلال, ليبرز إلى الوجود الجناح الراديكالي للحركة الوطنية ممثلا في الإتحاد الوطني للقوات الشعبية في شتنبر 1958.
وإزاء هذا الصراع السياسي سارع النظام في إطار مناوراته لربح المزيد من الوقت لترتيب أوضاعه, إلى توريط الجناح الراديكالي في حكومة بدون حكم تحت رئاسة عبد الله إبراهيم لضمان حياد المركزية النقابية الإتحاد المغربي للشغل (UMT), ولإضعاف حزب الإستقلال, ولاستمراره في تصفية حركة المقاومة وجيش التحرير, وسحق انتفاضة الريف في 1958-1959 , كما تم حظر الحزب الشيوعي في ظل حكومة عبد الله إبراهيم.
لقد انتهى هذا الصراع لصالح القصر بعد أن استكمل بناء أجهزته القمعية (الجيش والشرطة) على أنقاض المقاومة وجيش التحرير, وإضعاف الجركة الوطنية بجناحيها اليميني البرجوازي واليساري الراديكالي, وإقالة حكومة عبد الله إبراهيم في ماي 1960 , ليدشن بعد ذلك النظام مرحلة جديدة من الصراع السياسي, بعد تثبيت ركائزه وتحصينها. ولقد تم ذلك من خلال فرض الدستور المنوح عبر استفتاء 1962 , وتجاوز وتجاهل مطالب الحركة الوطنية بانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور للبلاد. واستمرارا في نفس النهج لجأ النظام إلى الإعلان عن الإنتخابات في سنة 1963 , معتقدا بالفوز الساحق لصنائعه وعلى رأسهم جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (FDIC), إلا أنه لم يكتب له النجاح في ذلك بالحصول على الأغلبية التي تؤهله لتمرير مخططاته, خاصة بعد التصدع الذي أصاب الأحزاب الموالية له داخل البرلمان.(1)
وعلى ضوء هذا الصراع السياسي الدائر حول مصير البلاد, لم يكن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بمنآى عنه, بل انخرط فيه وانحاز إلى صف الجماهير الشعبية. ويشهد له التاريخ باتخاذ مواقف سياسية جريئة ومشرفة في هذا الصراع جعلته في خندق القوى التقدمية المناضلة التي ربطت مصيرها بمصير الجماهير. وفي هذا الإطار طالب المؤتمر الرابع المنعقد بأكادير في غشت 1959 .بطرد الخبراء الفرنسيين الذين كانوا يشرفون على تنظيم الجيش وأجهزة البوليس, كما انتقد ولي العهد آنذاك الذي كان مكلفا بهذا التنظيم, كما طالب بالإصلاح الزراعي, وبالحريات الديمقراطية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين, ورفع الحظر على الحزب الشيوعي المغربي وأعلن تضامنه معه. وفور انتهاء هذا المؤتمر سارع النظام إلى شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف مناضلي إ.و.ط.م.
كما تخلت إ.و.ط.م. في مؤتمرها السادس بآزرو عن الرئاسة الشرفية لولي العهد على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب, لوضع القطيعة النهائية مع الجهات الرسمية, ولتعميق خطها النضالي التقدمي. كما ستدعو أ.و. ط . م. خلال هذه الفترة إلى مقاطعة دستور 1962 الممنوح.
وإلى جانب هذه المواقف السياسية المناهضة لسياسة النظام, سوف تخوض الحركة الطلابية معارك نضالية للدفاع عن المطالب المادية والمعنوية لعموم الجماهير الطلابية, كان أضخمها وأطولها الإضراب الذي خاضه التعليم الأصلي والذي دام 6 أشهر.
ولقد اتخذ أ.و. ط . م. خلال هذه الفترة مواقف قومية مساندة وداعمة لنضالات الشعوب العربية من أجل تحريرها من ربقة الإستعمار, وسارعت الجماهير الطلابية إلى احتلال السفارة الفرنسية بتاريخ11و12 نونبر 1961 بالرباط تضامنا مع نضال الشعب الجزائري ضد الإحتلال, كما ذهب أ.و. ط . م. في شخص رئيسه حميد برادة إلى إدانة الحرب الجزائرية المغربية سنة 1963, حينما أيد تصريحات الشهيد بنبركة الشيء الذي دفع بالنظام إلى محاكمة رئيس الإتحاد الوطني لطلبة المغرب حميد برادة غيابيا بالإعدام.
وأمام تنامي نضالات الحركة الطلابية, وازدياد حجم الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في الحياة السياسية سارع النظام للحد من فعالية أ.و. ط . م.السياسية, والتقليص من حجم جماهيريته إلى إصدار إجراء من طرف وزير الداخلية بتاريخ 21 يونيو 1964 يمنع بموجبه انضمام غير الجامعيين(التلاميذ) لإ.و. ط . م, كما التجأ بتاريخ 15 أكتوبر 1964 إلى القضاء لحل الإتحاد الوطني لطلبة المغرب بدعوى أن قانونه التأسيسي لم يعد مطابقا لمقتضيات إجراءات 21 يونيو 1964'إلا أنه تراجع تحت ضغط نضالات الحركة الطلابية, بإبطال الدعوة في دجنبر 1964, كما صدر في نفس الفترة ظهير يلغي ظهير 1961 الذي كان يعتبر أ.و. ط . م.كجمعية ذات منفعة عمومية.
لقد شكلت هذه المرحلة, أهم المراحل التي حددت التوجه التقدمي لإ.و. ط . م.وجعلت الحركة الطلابية تساهم إلى جانب القوى التقدمية وإلى النضال بجانب الجماهير الشعبية للدفاع عن مطامح الشعب المغربي في الحرية والعدالة الإجتماعية, ومواجهة المخططات السياسية للإستعمار الجديد, وتجليات هذه السياسة في المجال التعليمي. ولقد كان للنضال على الواجهة السياسية مكانة كبيرة في النضال الطلابي خلال هذه الفترة بالمقارنة مع النضال المطلبي, نظرا لطبيعة المرحلة, وطبيعة الصراع السياسي الدائر في البلاد,,و وما كان يتطلبه هذا الصراع من طاقات وجهود.
ولقد شهدت هذه المرحلة ستة مؤتمرات جاءت كالتالي:
- المؤتمر الرابع: انعقد بأكادير في غشت 1959 وانتخب ادريس السرغوشني رئيسا.
- المؤتمر الخامس: انعقد بالبيضاء في صيف 1960وانتخب عبد الرحمان القادري رئيسا.
- المؤتمر السادس: انعقد بآزرو في يوليوز 1961 وانتخب محمد الفاروقي رئيسا.
- المؤتمر السابع: انعقد بالرباط في يوليوز 1962 وانتخب محمد الفاروقي رئيسا.
- المؤتمر الثامن انعقد بالبيضاء في يوليوز 1963 وانتخب حميد برادة رئيسا.
- المؤتمر التاسع: انعقد بالرباط في شتنبر 1964 وانتخب محمد الحلوي رئيسا.
III -القمع الشامل والانعطافة النضالية للحركة الطلابية 1965-1973
قد تعرضت الحركة الطلابية في الفترة الفاصلة بين سنتي1965 و1973 إلى قمع شامل ومتواصل على امتداد هذه المرحلة, شأنها في ذلك شأن الحركة الجماهيرية نتيجة الأزمة البنيوية الشاملة التي كانت تتخبط فيها الكتلة الطبقية السائدة .ووجد النظام مخرجا لها في سحق كل التنظيمات السياسية المعارضة له ولسياسته في مختلف المجالات, حيث ساد في هذه الفترة جو الإرهاب البوليسي والقمع الدموي, توج بالإعلان عن حالة الإستثناء.
وعلى الرغم من هذا القمع الشامل الذي تأثرت به الحركة الطلابية وإطارها المناضل الإتحاد الوطني لطلبة المغرب, في سنوات 65-66-67, فإنها سرعان ما استجمعت قواها النضالية الكامنة في جماهيريتها الواسعة للتصدي للمخططات التآمرية للنظام والرامية إلى خنق الصوت الطلابي المناضل, وتحقيق مكتسبات هامة. ولقد تبلور في خضم هذا القمع الشامل فصيل الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين كتيار نقابي وجذري في الجامعة المغربية كان له أثر بالغ في خلق أشكال نضالية متقدمة, ساهمت في تطوير نضالات الحركة الطلابية, وتجذير مواقف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. غير أن الانعطافة النضالية للحركة الطلابية التي دشنتها مع المؤتمر 13 سنة 1969 غالبا ما تجد طمسها لأغلب من تناول تاريخ الحركة الطلابية, لأسباب أصبحت غير خافية عن الجماهير الطلابية.
لقد تفاعلت الحركة الطلابية بالمحيط العام الذي كانت تتحرك داخله, مؤثرة ومتأثرة به وبالجو العام الذي كان يسود البلاد في هذه المرحلة التي كان عنوانها الرئيسي القمع والإرهاب.
ولقد تميزت هذه المرحلة بحملات قمعية شرسة استهدفت كل النضالات الجماهيرية, كان أعنفها انتفاضة 23 مارس بالدار البيضاء سنة 1965. هذه الانتفاضة التي شكلت صداما دمويا مباشرا بين الجماهير الشعبية الكادحة والنظام,ولعبت الشبيبة المدرسية دور المفجر الرئيسي في إشعال فتيلها كرد فعل على المخطط التعليمي التصفوي الذي قرره النظام في شتاء 1965, بتحديد سن التلاميذ في المرور من قسم لآخر. وبمجرد ما انطلقت بالبيضاء حتى انتقلت إلى فاس ومراكش والرباط, وخرجت الجماهير لتلتحم بها بعد أن اكتوت بنيران الأزمة الإقتصادية والسياسية التي كانت تعرفها البلاد آنذاك. والتجأ النظام كعادته لإخمادها إلى استعمال العنف الدموي بقوة الحديد والنار مخلفا العديد من القتلى, والآلاف من المعتقلين والمختطفين, كما التجأ إلى سن مجموعة من الإجراءات السياسية, وركز كل السلط في يد الملك, وتم حل البرلمان, وأعلنت حالة الإستثناء في7 يونيو1965
وأقيلت حكومة اباحنيني, وتم استبدالها بحكومة جديدة برئاسة الملك. والتجأ النظام في نفس الفترة إلى استخدام المناورة السياسية لاستمالة القوى الديمقراطية بفتح مفاوضات معها قصد ربح الوقت لإعادة ترتيب أوضاعه. وفي هذا السياق أطلق سراح معتقلي سنة1963.
في ظل هذه الأوضاع القمعية الشاملة, عرفت الحركة الجماهيرية مسلسلا نضاليا متصاعدا, وخاضت الحركة العمالية معارك بطولية ابتداء من سنة 1968 وصلت إلى حجم لا مثيل له سنة 1971, كما عرفت البوادي المغربية انتفاضات قادها الفلاحون الفقراء في نفس الفترة (أولاد اخليفة- تسلطانت- أولاد تايمة..).
ووقفت القوى السياسية إزاء القمع الدموي الشامل وإزاء الحركة النضالية الجماهيرية العارمة, مواقف مخجلة ومتخاذلة, أبانت عن عجزها وإفلاسها, في قيادة النضالات الجماهيرية والشعبية, والتجائها إلى المساومة والتفرج كما هو الشأن في مفاوضاتها مع القصر أثناء انتفاضة مارس 1965 بالبيضاء. غير أنه بدأت تتبلور, من جهة أخرى, داخل الأحزاب الإصلاحية, خلال هذه الفترة, القناعة بالمواقف البروليتارية, والبحث عن الأداة التنظيمية الثورية البديلة لقيادة نضالات الجماهير وعلى رأسها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء, توجت بالإعلان عن ميلاد الحركة الماركسية-اللينينية المغربية في سنة 1970, هذه الحركة الثورية الفتية التي ستعطي نفسا جديدا وقوة للنضالات الجماهيرية, وعملت على تجذيرها عبر تنظيماتها الشبه الجماهيرية, كالجبهة الموحدة للطلبة التقدميين في القطاع الطلابي, والنقابة الوطنية للتلاميذ السرية في الشبيبة المدرسية.
أما الحركة الطلابية فقد تأثرت هي الأخرى فترة 65-73 بالمناخ السياسي العام الذي كانت تمر منه البلاد ولم تسلم من سياسة النظام القمعية والإرهابية التي طالت الحركة الجماهيرية على امتداد هذه السنوات.ولقد استهدفت الضربات القمعية خلال هذه الفترة الهيآت القيادية للإتحاد الوطني لطلبة المغرب, لتعطيل المنظمة الطلابية, وشل فعاليتها النضالية, للتأثير على مجمل نشاطاتها, وتوفير شروط الإجهاز عليها في الظروف المناسبة. فقبل انعقاد المؤتمر الحادي عشر بشهر واحد فقط سنة 1966, أقدم النظام على فرض نظام التجنيد الإجباري على ثمانية أعضاء من اللجنة التنفيذية, لعرقلة انعقاد المؤتمر.إلا أن الحركة الطلابية رفعت التحدي أمام هذا الإجراء القمعي بعقد المؤتمر في وقته المحدد, وانتخبت أجهزتها القيادية لمواصلة مسيرتها النضالية. إلا أن قيادة المنظمة المنبثقة عن هذا المؤتمر سوف تتعرض هي الأخرى على امتداد فترة تحملها للمسؤولية للمضايقات والملاحقة, توجت باختطاف رئيس إ.و. ط . م. فتح الله ولعلو وعضو آخر من اللجنة التنفيذية, ونقلا بطريقة سرية إلى طرفاية بتاريخ 14 أبريل 1964, كما أقدم النظام في نفس السنة إلى منع انعقاد المؤتمر الثاني عشر في ميعاده المقرر.
ولقد عرفت أنشطة إ.و. ط . م بعض التعثر والتشثت بفعل واقع القمع المسلط عليها, وبسبب نهج الجمود والانتظار الذي سلكته قيادة إ.و. ط . م حتى سنة 1967 حيث لم تعمل على تأطير الجماهير الطلابية وتوجيه نضالاتها المطلبية, كما أنها لم تعمل على تطوير الأشكال التنظيمية الجماهيرية لاستيعاب التحولات التي عرفها القطاع الطلابي في تلك المرحلة.
ففي ظل هذه الأوضاع داخل الجامعة, بدأ اتجاه ديمقراطي جذري في القطاع الطلابي, سيعرف فيما بعد بالجبهة الموحدة للطلبة التقدميين. هذا الفصيل المرتبط بالحركة الماركسية- اللينينية, سوف يسهم بشكل كبير في تأطير الحركة الطلابية وقيادة معاركها على مستوى قاعدة المنظمة الطلابية وفي أجهزتها التحتية في المؤسسات الجامعية, كما سوف تعمل الجبهة على تفجير الطاقات النضالية لدى الجماهير الطلابية, وإبداع أشكال تنظيمية تشركها في توجيه إ.و.ط.م.
إن هذه التحولات التي بدأت تعرفها الحركة الطلابية سوف تجد ترجمتها في مقررات المؤتمر الثالث عشر سنة 1969, هذا المؤتمر الذي وضع الحركة الطلابية على أبواب مرحلة جديدة, وسيمنح الحركة الطلابية وإطارها إ.و. ط . م. قوة دفع جديدة بإعادة المبادرة للجماهير الطلابية في توجيه إ.و. ط . م., وإشراكها النضالي في بلورة القرارات بعد أن كانت ممركزة في اللجنة التنفيذية. ولقد أقر المؤتمر أشكالا نضالية تنظيمية متقدمة تصون مبادئ الديمقراطية والجماهيرية, وتأخذ بعين الاعتبار التحولات النوعية والكمية التي عرفها القطاع الطلابي. وخلال هذا المؤتمر ستحدد لأول مرة مبادئ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التي ستحكم ممارسات وتوجهات الحركة الطلابية, وهي التقدمية, والاستقلالية, والديمقراطية, والجماهيرية. إن مقررات المؤتمر 13 تعطي للجماهير الطلابية انطلاقة نضالية جديدة على مبادئ وبرامج واضحة, ستعرف معها الحركة الطلابية تحركا نضاليا عارما للدفاع عن مكتسباتها. وأمام هذا الزحف النضالي سارع النظام في سنة 1970 إلى عقد مناظرة إفران لامتصاص قوة الحركة الطلابية والحد من شوكتها النضالية. وأما الفشل الذريع لنتائج مناظرة إفران على مستوى الواقع, التجأ النظام إلى سياسته القمعية, حيث استدعى 15 عضوا من قيادة إ.و. ط . م. من بينهم أعضاء من اللجنة التنفيذية في ماي 1970 للخدمة العسكرية, الشيء الذي دفع بالحركة الطلابية لشن إضراب عام عن الدراسة لعدة أسابيع من أجل فرض مبدأ تأجيل الخدمة العسكرية إلى ما بعد الدراسة.
ولم تتخلف الحركة الطلابية خلال هذه الفترة على الرغم من القمع, على نضالها السياسي ضد تحالفات النظام مع القوى الاستعمارية, ففي 4 ماي 1970 شن طلبة جامعة محمد الخامس بالرباط إضرابا عاما احتجاجا على زيارة الوزير الإسباني الفرنكاوي "لوبيز برافو" للمغرب, هذا الإضراب الذي أوقف مشروع اتفاق بين النظام المغربي ونظام فرانكو الديكتاتوري يهدف إلى الاستغلال المشترك لفوسفاط بوكراع في ظل سيادة الاستعمار الإسباني, والمساومة على مصير الصحراء.
إن هذا التطور النضالي الذي عرفته الحركة الطلابية, واتساع نفوذ الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين, دفعت بالنهج البيروقراطي في قيادة إ.و. ط . م. إلى اتباع نهج الجمود والانتظار لكي لا ينفلت من يدها زمام المبادرة, فسلكت أسلوب الإقصاء والممارسات اللاديمقراطية في عملية انتخاب مؤتمري المؤتمر الرابع عشر سنة 1970, والتي نتج عنها رفض مؤتمري المدرسة المحمدية للمهندسين, والمعهد الوطني للإحصاء, والمدرسة العليا للأساتذة, وكلية الآداب بالرباط. وقد أسفر المؤتمر الرابع عشر عن مقررات أعادت الحركة الطلابية إلى الوراء, حيث تقزم دور الجماهير الطلابية, ولا تشركها في صياغة القرارات وتوجيه إ.و. ط . م. وحددت هيكلة تنظيمية تحول دون تطوير النضال الجماهيري القاعدي, حيث حدفت بعض الهيئات الوسطية الفاعلة كالفروع وتهميش دور المجالس(2).
غير أن الجماهير الطلابية في معاركها النضالية سوف تتجاوز القرارات البيروقراطية, وستبدع أشكالا نضالية ملائمة لحجمها, إذ سيعرف القطاع الطلابي سنة 1970 أضخم المعارك, لم يسبق للحركة الطلابية أن عرفت مثلها, لا من حيث طول نفسها واتساع رقعتها فقط, وإنما من حيث شعاراتها المتجذرة وأبعادها السياسية. كما سمحت الظروف الموضوعية التي عرفتها البلاد بعملية تسييس واسعة النطاق للقطاع الطلابي, مما كان له أثر مباشر في إطلاق الحركة الطلابية تيارا اجتماعيا فاعلا لعب أدوارا ريادية على صعيد النضال الجماهيري. إن عملية التسييس دفعت بالنضال الطلابي قويا في الساحة النضالية, الشيء الذي جعل أحد مذيعي التلفزة آنذاك يصرخ بقوله :"إنه لكارثة أن يسيس التعليم". وتعتبر بحق المرحلة الفاصلة بين المؤتمر 10 والمؤتمر 15 من أخصب فترات الحركة الطلابية في معاركها النضالية, حققت مكاسب لم يسبق للحركة الطلابية أن تمتعت بها من قبل, كما ارتقت الحركة الطلابية إلى مهام المرحلة ومتطلباتها سواء من حيث الشعارات التي رفعتها, ولا من حيث الضغط الذي مارسته على النظام. وقد كان سندها في ذلك النضالات التي خاضتها فروع إ.و. ط . م. في الخارج حيث احتل الطلبة المغاربة في سوريا السفارة المغربية بدمشق في مارس 1972 احتجاجا على الوضعية الطلابية في المغرب, انتهت باعتقال الطلبة هناك.
ولقد رضخ النظام لمطالب الحركة الطلابية تحت ضغط نضالاتها الواسعة, وأذاع وزير التعليم عبر الراديو والتلفزيون وبشكل رسمي مطالب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب, وتمكنت الجماهير الطلابية من تحقيق المكتسبات التالية:
- الزيادة في المنحة بنسبة %15
- ضمان حق التلاميذ في التنظيم النقابي في إطار الوداديات.
- إقرار احترام حرمة الجامعة واستقلاليتها الإدارية والمالية والبيداغوجية.
- إقرار مشاركة الطلبة في التسيير الذاتي للأحياء الجامعية.
- التزام النظام بوعد إصلاح التعليم.
كما مارست الحركة الطلابية ضغوطا قوية, وخاضت معارك نضالية واسعة لإطلاق سراح مناضلي إ.و. ط . م. ولأول مرة يرضخ النظام لمثل هذا المطلب, حيث قام وزير التعليم الفهري بتصريح رسمي عبر الإذاعة بتاريخ 17 أبريل 1972 يؤكد فيه بأن الملك قرر الإفراج عن كل الطلبة المعتقلين للتخفيف من حدة أزمة التعليم.
وبالإضافة إلى ذلك ساهمت إ.و. ط . م, إلى جانب الإتحاد الوطني للمهندسين, والنقابة الوطنية للتعليم, وجمعية المحامين الشباب في تشكيل لجنة مناهضة القمع في المغرب, لعبت أدوارا مهمة في فضح أشكال القمع والإرهاب المسلط على الشعب المغربي, وقدمت الدعم والمساندة للمعتقلين السياسيين.
ولقد لعبت الجامعة بتأطير من الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في هذه الفترة دورا فكريا وإديولوجيا وسياسيا إشعاعيا, حيث شكلت الجامعة نقطة عبور الفكر الثوري الماركسي-اللينيني الجديد إلى باقي الفئات الإجتماعية, كما تخرجت منها العديد من الأطر والكوادر المتمرسة في النضال, والتي لازالت تقود العديد من المنظمات الجماهيرية والسياسية.
إن هذه الفترة الغنية من تاريخ الحركة الطلابية, والتي شكلت فترة مشرقة في مسار إ.و. ط . م سوف تجد تعبيراتها السياسية والنقابية والثقافية والنضالية في مقررات المؤتمر الخامس عشر, هذا المؤتمر الذي شكل قفزة نوعية في تاريخ الحركة الطلابية, عمقت من اختيارات إ.و. ط . م التقدمية, حيث ارتقت مقرراته إلى مستوى المرحلة التي كانت تجتازها البلاد, وعكست مواقف أكثر تقدما على جميع المستويات. كما تجاوز المؤتمر 15 الحدود التي رسمها النهج البيروقراطي, وجسد نمو وتجدر الوعي النقابي والسياسي الذي راكمته الجماهير الطلابية في ممارستها النضالية(3).
فعلى المستوى السياسي, طرح المؤتمر برنامجا نضاليا واضح المعالم استنادا إلى تحليل دقيق للمرحلة, مؤكدا استعداد الحركة الطلابية لربط نضالها بنضال الجماهير الشعبية, ودعم ومساندة هذه الأخيرة, ولخص ذلك في الشعار الذي رفعه المؤتمر:" لكل نضال جماهيري صداه في الجامعة". كما أكد على مساندته لكل حركات التحرر العالمية وفي مقدمتها الثورة الفلسطينية. أما على المستوى النقابي فقد أكد المؤتمر على النضال من أجل تعليم شعبي عربي ديمقراطي علماني وموحد, وكذا على ضرورة النضال من أجل إعطاء مضمون تقدمي لاستقلال الجامعة, والنضال من اجل حرمتها.
أما على المستوى التنظيمي فقد أفرز المؤتمر هيكلة تنظيمية مرنة قادرة على استيعاب الجماهير الطلابية وفتح آفاق رحبة للطاقات النضالية الخلاقة للقواعد الطلابية. كما شرع المؤتمر لكل الأشكال النضالية التي أبدعنها الجماهير في نضالها اليومي, وقد أسفر المؤتمر على المستوى التنظيمي على :
1- إعطاء مجالس المناضلين الصفة الشرعية القانونية بعد أن أبدعتها في الساحة النضالية القواعد الطلابية.
2- إعادة تأسيس مكاتب الفروع بشكل يمنح المنظمة الفعالية اللازمة على مستوى المدن الجامعية.
3- إعادة تأسيس لجنة التنسيق الوطنية وإعطاؤها دور التقرير وفق توجيه المؤتمر, وتمكينها من رسم وتقييم وقيادة المعارك النضالية.(4)
ونظرا لهذه القفزة النوعية التي عرفتها لحركة الطلابية في مؤتمرها الخامس عشر, والتي كانت نتاجا موضوعيا لتطور نضالات القطاع الطلابي, منذ انعطافته النضالية التي دشنت مع المؤتمر 13, ونظرا لما أصبحت تحتله الحركة الطلابية من قوة فاعلة في خريطة الصراع الإجتماعي, ولما سوف تشكله مقررات المؤتمر 15 من قوة دفع جديدة لهذا النهوض الجماهيري في القطاع الطلابي, سارع النظام بعد انتهاء المؤتمر بأسبوع إلى اعتقال رئيس المنظمة عبد العزيز المنبهي ونائبه عبد الواحد بلكبير بتاريخ 2 فشت 1972 , وظلا مختطفين بالمعتقل السري بآنفا بالدار البيضاء, وللتمويه عمل النظام إلى محاكمتهما غيابيا في صيف 1973 , وحكم عليهما بالسجن المؤبد. إن اعتقال الأطر القيادية ل إ.و. ط . م., كانت خطوة أولية ضمن مخطط شامل, سوف يأخذ صيغته النهائية في حظر الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في يناير 1973 , وكان من ضمن ما يهدف إليه هذا المخطط هو القضاء النهائي والكلي على الحركة الطلابية التي أصبحت تقض مضجع النظام. وأصبح يضع لها حساباته. ولقد عبر عن هذه الحقيقة "جون واتيربوري" بقوله:"لقد فقد النظام منذ 1970 المبادرة على مواجهة نضالية الطلبة, ولم يعد قادرا على رد الفعل, وطبق سياسة أنتم وشأنكم" . (5)
إن اختطاف رئيس المنظمة عبد العزيز المنبهي ونائبه جعل من الدخول الجامعي لسنة 72-73 ساخنا, حيث فجرت الحركة الطلابية معارك نضالية ضخمة وموسعة شملت كل المؤسسات الجامعية تحت شعار إطلاق سراح رئيس المنظمة وبقية أعضاء القيادة. وأمام اتساع الإضرابات الطلابية على الصعيد الوطني شرع النظام في حملة اعتقالات واسعة في صفوف الطلبة ومسؤولي إ.و. ط . م. على مختلف المستويات, وتم طرد العديد من الطلبة, وأغلقت بعض الجامعات, وتوجت هذه الحملة القمعية الشاملة بالقرار المخزني بحظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 24 يناير 1973 .
إن قرار الحظر جعل النهج البيروقراطي يستغله للهجوم على المؤتمر الخامس عشر, وعلى فصيل الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين, محملينه مسؤولية الهجمة القمعية فهل يمكننا أن نعتبر هذا القرار كما روج له البعض –ومازال- مسؤولية الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين؟
ألا يمكن أن نعتبر هذا التفسير التبسيطي والساذج يبرؤ بشكل ضمني همجية النظام ومعاداته لأي عمل جماهيري منظم مناهض لسياسته؟ وهل يمكننا أن نبرر بفصيل تقدمي تحمل مسؤولية قيادة إ.و. ط . م. في ظروف قمعية شرسة, في الوقت الذي تهرب منها البعض, انهيار مرحلة اتسمت بأزمة سياسية شاملة؟
إن الرجوع إلى الوضع السياسي العام الذي تميزت به مرحلة بداية السبعينات لكفيل بالإجابة الموضوعية والبعيدة عن المزايدات السياسية لفهم خلفية قرار الحظر دون أن نغفل بعض الأخطاء التي وقع فيها المؤتمر 15 والتي سوف نتطرق لها في موضع لاحق.
لقد جاء قرار حظر الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في ظروف سياسة بالغة التعقيد (6) كان يعيش فيها النظام أزمة سياسية خانقة اتسمت بالعزلة الداخلية والخارجية, عرف على إثرها النظام هزات عنيفة كادت أن تطيح بأركانه. وكان من نتائج هذا الوضع المأزوم أن تصدعت الكتلة الطبقية السائدة, وتفكك التحالف الطبقي الرجعي الحاكم. هذا التصدع الذي اتخذ شكل انقلابين عسكريين في 10 يوليوز 1971 و 16 غشت 1972 , يعد أن أصبحت مصالح الملاكين العقاريين الشبه الإقطاعيين الذين كان يمثلهم الشلطاوي والمذبوح, مهددة من طرف موجة الرأسمالية المتوحشة للمستعمرين الجدد (7).
ففي ظل هذه الاوضاع العامة المتردية, احتد الصراع الطبقي, وعرفت الحركة الجماهيرية نضالات واسعة شملت مختلف القطاعات, غير أن هذه النضالات لم ترق إلى مستوى صد الهجمة, وتحصين مكاسب الجماهير. كما أن واقع الجمود والإنتظار الذي نهجته الأحزاب الإصلاحية آنذاك عمق اليأس في صفوف مناضليها ودفع بتيارات المقاومة داخل الإتحاد للقوات الشعبية-فرع الرباط- إلى تبني العمل البلانكي الإنقلابي, وفجر الكفاح المسلح في منطقتي مولاي بوعزة بخنيفرة, وكلميمة بالجنوب في 3 مارس 1973 .
إن هذه الأوضاع السياسية, جعلت النظام يقوم بحملة قمعية شرسة للسيطرة على مجريات الوضع, شملت حتى أجهزته القمعية كمؤسسة الجيش بعد الإنقلابين, حيث حوكم عدد كبير من الضباط وأعدم البعض الآخر, وليخضع في النهاية إلى القيادة الفعلية والمباشرة للملك, بعد حذف منصب وزير الدفاع. كما تعرضت الحركة الماركسية-اللينينية المغربية إلى اعتقالات واسعة شملت العديد من أطرها في مختلف المدن المغربية منذ سنة 1972 توجت بمحاكمة صيف 1973. كما عمد النظام في هذه الفترة بالذات لتصفية بعض القادة السياسيين بإرسال طرود ملغومة إلى محمد اليازغي والشهيد عمر بن جلون من UNFP, ومحمد الدويري من حزب الاستقلال, وتعرض الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في شهر مارس 1973 إلى اعتقالات واسعة شملت العديد من قادته وأطره, ومنعت أنشطة الحزب في 2 أبريل 1973 , وانتهت هذه الحملة بمحاكمة يونيو التي حوكم فيها 150 مناضلا, أعدم فيها 16 مناضلا من ضمنهم الشهيد عمر دهكون في يونيو 1973. كما راجع النظام قانون الحريات العامة, لإحكام قبضته على الجماهير, وتعززت السلطة التنفيذية على حساب السلطة القضائية من خلال الظهائر الثلاثة الصادرة في ابريل 1973 , واستهدفت قانون الجمعيات والتجمعات العامة وحرية الصحافة, وأصبح المنع غير مقتصر على الهيئة القضائية فقط, بل امتد ليصبح من اختصاص السلطات الإدارية, أعطيت لوزير الداخلية صلاحيات واسعة لتوقيف المطبوعات, بما فيها الجرائد التي من شأنها المس بأسس المؤسسات السياسية أو الدينية للمملكة.
ففي ظل هذا الوضع القمعي الشامل لم يكن من الممكن أن تنفلت منه الحركة الطلابية, لموقعها في الصراع الإجتماعي وريادتها في هذه الفترة للحركة الجماهيرية, فلقد شمل القمع قادة إ.و. ط . م. وأطرها, كما أقدم النظام على طرد العديد من الطلبة, وأغلق الكثير من المؤسسات الجامعية, وتوج هذه الهجمة بقرار حظر الإتحاد الوطني لطلبة المغرب.
إن قرار الحظر لم يكن وليد الحركة النضالية للقطاع الطلابي فحسب, بل هو حلقة جزئية ضمن مسلسل قمعي شامل كما رأينا, شنه النظام على الجماهير الشعبية الكادحة وتنظيماتها السياسية والنقابية والجماهيرية للحد من تنامي نضاليتها, وللتخفيف من حدة أزمته السياسية الخانقة التي تفاقمت مع مطلع السبعينات.
إن النظرة التحليلية الشمولية لقرار الحظر, ووضعه في إطاره التاريخي والملابسات السياسية التي عرفها المغرب آنذاك, سوف يقينا من الأحكام التبسيطية الساذجة التي لا ترى قرار الحظر إلا داخل أسوار الجامعة, واختزاله في حدود القطاع الطلابي بشكل مجرد عن الصراع السياسي والاجتماعي لتلك الفترة التاريخية. كما أن إلقاء المسؤولية على الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين, ما هو إلا حكم باطل وشكل من أشكال المزايدة السياسية التي تفتقر لفهم عميق للظرف السياسي الذي جاء فيه قرار حظر إ.و. ط . م.
ولكن كانت الحركة الطلابية وإطارها العتيد إ.و. ط . م. قد لعبت أدوارا مهمة في صيرورة النضال الطلابي خلال فترة 1965-1973 , وحققت من المكاسب الهامة ما لم تحققه من قبل على المستوى المطلبي, وكذلك لما اكتسبته من قوة في الساحة السياسية, ومن موقع في الحركة الجماهيرية, وكذا الدور الفكري والإديولوجي والسياسي الذي لعبته الحركة الطلابية على صعيد المجتمع, فإنها مع ذلك سقطت في بعض الأخطاء التي تستدعي التقويم والمراجعة والنقد للإستفادة منها ولتجاوزها في الحاضر والمستقبل, لأن ممارسة النقد الذاتي هي الضمانة الوحيدة لتطوير الممارسة النضالية بتجنيب الحركة الطلابية من إعادة إنتاج أخطاءها.
ولعل أهم الأخطاء التي سقطت فيها الحركة الطلابية آنذاك, تلك المعارك النضالية الضخمة التي خاضها إ.و. ط . م في سنة 1972, والتي شكلت قوة ضغط فاعلة على النظام جعلته يتنازل عن بعض المكاسب الهامة, ويرضخ لمطالب إ.و. ط . م غير أن الحركة الطلابية وإطارها لم تستطع استثمار تلك التنازلات بتوقيف المعارك, وتحصين المكتسبات, وذلك لتعزيز مواقعها بما يخدم مصالحها المستقبلية و" دون أن نتوقف كثيرا عند ملابسات هذه المعركة المتميزة في تاريخ الحركة الطلابية والتلاميذية المغربية إلى يومنا هذا, نذكر أنها امتدت خلال ثلاثة أشهر مدعومة من طرف حركة واسعة وعميقة لصالحها, ولكن نشير أيضا إلى أن المنظمات الثورية الماركسية-اللينينية التي تشكل وسطها القوة المحركة الأساسية, لم تعرف كيف توقف هذا الإضراب بالاستثمار الجيد للتنازلات التي قدمها النظام حتى تعزز قواها وقوى الحركة الطلابية والتلاميذية, وتستطيع ضمان ارتباط أكثر دواما مع الجماهير الشعبية"(8).
وتوجد أخطاء عكستها مقررات المؤتمر الخامس عشر المنعقد سنة 1972,والتي اتسمت بالخلط بين العمل النقابي والعمل السياسي, ولم تضع حدودا فاصلة بينهما, وحل السياسي محل النقابي, وافتقد هذا الأخير استقلاله النسبي, وهذا لا يعني أن النضال النقابي يستقل استقلالا مطلقا عن النضال السياسي, ويبرز هذا الخلط بشكل واضح حينما حددت المقررات مهاما سياسية ليست من طبيعة العمل النقابي الجماهيرية, وذهبت إلى إسقاط بعض التصورات ذات طابع استراتيجي لا علاقة له بمنظمة نقابية جماهيرية وديمقراطية, وهذا ناتج عن الخلط السائد في الساحة الطلابية في فترة المؤتمر 15 بين مفهوم العمل الديمقراطي الجماهيري الذي يستند إلى أهداف ومبادئ تخدم مصلحة فئة أو فئات اجتماعية معينة, ومفهوم العمل السياسي الذي يستند إلى خط ايديلوجي وسياسي وتنظيمي له بعده الطبقي المحدد (9).
كما ارتكز الصراع بين مكونات إ.و. ط . م على أشكال خاطئة, وسادت الحلقية, والحسابات الضيقة , والمزايدات السياسية, غابت معها المهام الحقيقية للجماهير الطلابية, التي كان من المفروض التجند لإنجازها على قاعدة الحوار الديمقراطي والاحتكام إلى الجماهير الطلابية, الشيء الذي أضعف من قدرات إ.و. ط . م لمواجهة الضربات القميعة التي عرفتها هذه المرحلة. ولقد ساهمت في هذا الخطأ القاتل كل الفصائل بدون استثناء.
ولقد تدارك الطلبة التقدميون أخطاءهم, وبادروا قبل غيرهم إلى ممارسة نقد ذاتي جماهيري مسؤول وجريء ينم عن نضج في الوعي والممارسة النضالية لم يسبق لأي فصيل أن ارتقى إلى مستواها بالرغم من الأخطاء القاتلة التي ارتكبها البعض.ولقد جاء هذا النقد في مجلة 24 يناير التي أصدرها الطلبة التقدميون بالمغرب في دجنبر 1975(10), غير أن إشهارها هذا النقد في النهج الديمقراطي, لا يعدو أن يكون سوى ورقة خاسرة لمواجهة الطلبة القاعديين.
ومهما بلغ حجم الأخطاء, فإن فترة 1965-1973 تعد من الفترات المشرقة في تاريخ إ.و. ط . م, حيث ارتقت الحركة الطلابية إلى مستوى المهام المطروحة عليها آنذاك, حركة وازنة لها فعاليتها في مجرى الحياة السياسية في البلاد ولا غرابة في أن نجد هذه الفترة مطموسة لدى البعض ويتجاهلها وإن تناولها فغالبا ما يتهجم عليها مجانيا.
IV النضال من أجل رفع الحظر عن إ.و. ط . م 1974-1981
لقد عاشت الحركة الطلابية على امتداد هذه المرحلة فترة عسيرة من تاريخها, بفعل القمع الشامل الذي تعرضت له وقرار الحظر المخزني الصادر في حق المنظمة الطلابية إ.و. ط . م, مما كان له انعكاسات سلبية على المسار النضالي للحركة الطلابية. ولقد جاء هذا الإنحسار الطلابي في ظروف سياسية بالغة التعقيد استطاع من خلالها النظام تجاوز أزمته السياسية,وإعادة ترتيب أوضاعه والسيطرة من جديد على مجريات الأحداث في البلاد. فالأزمة السياسية الحادة التي عرفها النظام, والتي اتخذت شكل انقلابين عسكريين في سنتي 1971 و 1972 مع ما رافقها من قمع دموي شامل, سوف تجعله يدرك أن القمع وحده غير كاف لتجاوز أزمته السياسية, ورأب الصدع الذي أصاب الكتلة الطبقية السائدة, وأنه في نفس الوقت غير قادر على احتواء التحولات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي آنذاك.
وقد سلك النظام لتحقيق هذا الغرض, نهجين سياسيين يلتقيان عند هدف إحكام السيطرة على الوضع, وإعادة هيكلة وترتيب تحالفاته الطبقية! نهج قمعي منظم للحركة الثورية وبالأخص الحركة الماركسية- اللينينية المغربية, ونهج سياسي للف القوى الإصلاحية حوله من خلال تاكتيك سياسي دقيق لازال تأثير مفعوله ساريا إلى الآن.
وفي هذا السياق واصل النظام حملته القمعية الشرسة التي ابتدأها منذ 1972 في صفوف الحركة الماركسية- اللينينية المغربية, لتستمر حتى سنة 1977 بشكل متواصل بهدف القضاء على هذه الحركة الثورية لما كانت تمثله من معارضة جذرية للنظام, وللحجم الذي بدأت تكتسبه وسط الشباب المغربي, وبالأخص وسط الحركة الطلابية, والشبيبة المدرسية. ولقد شملت هذه الإعتقالات عددا من أطر وقياديي هذه الحركة , وخلفت وراءها المئات من المعتقلين والمنفيين الذين اضطرتهم شروط القمع مغادرة البلاد, وقد تلازم مع هذا المسلسل القمعي أن عمل النظام على إعادة لحم الكتلة الطبقية السائدة التي أصابها التصدع في بداية السبعينات, وإعادة السيطرة على الجيش بعد تصفية شاملة داخله, وكذا تحييد الطبقات والفئات الوسطى عبر صيرورة تداخل فيها الإقتصادي والسياسي والإديلوجي. كما استطاع النظام منذ ماي 1974 أن يلف من حوله كل الاحزاب, تحت شعار الإجماع الوطني المزعوم حول قضية الصحراء. هذا الإجماع الذي كان يستلزم من بين ما يستلزمه إطار للضبط بالنسبة للنظام للتحكم في رقعة اللعبة السياسية. فكان المسلسل الديمقراطي المزعوم الإطار المناسب لذلك, مع ما ارتبط به من شعارات سياسية خادعة" كالسلم الإجتماعي", و" تمتين الجبهة الداخلية", و"الانفتاح", و" المغرب الجديد".إن هذا المسلسل الديمقراطي لم يكن في حقيقة الأمر سوى ديمقراطية لكبار الملاكين العقاريين والكمبرادور, واستبدادا في حق الشعب المغربي, كما ستؤكده الأحداث بعد ذلك حيث استطاع النظام من خلاله احتواء التطلعات العميقة لعموم الجماهير الكادحة في الحرية والعدل والديمقراطية الشعبية.ولقد تمكنت الكتلة الطبقية السائدة عبر هذا المسلسل السياسي من إعادة هيكلة نفسها سياسيا واجتماعيا عبر المغربة, والإجماع الوطني, والمسلسل الديمقراطي, وتعزيز مواقعها تحت هيمنة البرجوازية الكمبرادورية. وتمكنت في نفس الوقت من تحييد الطبقات الوسطى وإدماجها في النظام السياسي القائم. إلا أن هذا المسلسل المزعوم لم يوفر السلم الإجماعي للكتلة الطبقية السائدة, بل أعطى تقاطبا داخل المجتمع. وأصبح الإجماع الوطني الذي اندرجت فيه القوى الإصاحية في تقابل مع إجماع شعبي يضم كل الفئات والطبقات الاجتماعية المتضررة من الوضع. وسوف يحتد الصراع الطبقي منذ سنة 1978 وستخوض من خلاله الجماهير نضالات واسعة وطويلة النفس في مختلف القطاعات, توجت بانتفاضة البيضاء 20 يونيو1981 التي كشفت زيف الديمقراطية, وزيف الإجماع المزعوم, كما أشرت على نقطة فاصلة بين مرحلتين متميزتين, سواء بالنسبة للنضالات الجماهيرية, أو بالنسبة للنهج السياسي الذي يسلكه النظام.
إن هذه التحولات السياسية والإقتصادية التي عرفها المغرب خلال هذه الفترة سوف تتفاعل معه الحركة الطلابية في نضاليتها عبر مد وجزر الحركة الجماهيرية على قاعدة الصراع الاجتماعي العام الذي مرت منه البلاد على مختلف المراحل. لهذا ستعرف الحركة الطلابية هي الأخرى تراجعا وتصادعا مشروطا بتطور صيرورة الصراع العام.
لقد كان لقرار الخطر تأثير كبير على مسيرة القطاع, وستعرف معه الحركة الطلابية انحسارا كبيرا, من خلال حملات القمع الشامل التي عرفتها سنتي 1973-1974, وما عرفته الجامعة من فراغ تنظيمي وسياسي لم يسبق للحركة الطلابية أن عرفت مثله من قبل. كما كان للقمع الأسود الذي تعرضت له الحركة الماركسية-اللينينية المغربية تأثير على الوضع الجامعي لما كانت تشكله هذه الحركة الثورية من تأطير سياسي للحركة الطلابية منذ نهاية الستينات إلى حدود الحظر سنة 1973.
لهذا ستعرف الحركة الطلابية تراجعا كبيرا وجمودا ملموسا, نظرا للإرهاب الذي ساد في الجامعة المغربية وتجريم العمل النقابي داخلها, واقتصرت الجماهير الطلابية إلى حدود سنة 1975 في المطالبة بشرعية العمل النقابي, وإحياء ذكرى 24 يناير لإدانة حظر الإتحاد الوطني لطلبة لمغرب.
في ظل القمع والإرهاب الذي ساد الجامعة المغربية خلال سنوات 73-74-75, عمد النظام إلى تمييع الجو الجامعي لمحو التقاليد النضالية التي رسخها الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في الجامعة المغربية, وذلك بإحياء السهرات داخل المؤسسات والأحياء الجامعية والمعاهد العليا, ونشر الاستيلاب الفكري, والتفسخ الأخلاقي لتهيئة الأرضية الملائمة لخلق تمثيلية مزيفة لطلبة المغرب. وهذا ما جاء به الإصلاح الجامعي الذي طبخ في مكاتب وزارة الداخلية, والذي عرف آنذاك بالمراسيم التطبيقية في سنة1975 .
إلا أن هذا الإصلاح الجامعي الذي حاول النظام تمريره في الوقت لا زالت فيه الحركة الطلابية متأثرة بالضربات القمعية الموجهة لها, شكل منطلقا نضاليا جديدا, تجندت له كل الطاقات النضالية, ورفضته الجماهير الطلابية متشبثة بمنظمتها العتيدة إ.و. ط . م هذا الرفض الجماهيري الذي وقف سدا منيعا في طريق تطبيق هذا الإصلاح التخريبي في الوقت الذي قبلت به بعض الفصائل واعتبرته خطوة على درب استرجاع إ.و. ط . م ومثلت في التعاضديات الإدارية(طلبة حزب التقدم الإشتراكية). وارتبك البعض الأخر, حيث تأرجح بين القبول والرفض( طلبة الإتحاد الإشتراكي: القبول في الرباط والرفض في البيضاء لنفس الفصيل), ثم الرفض الخجول والمحتشم بعدما ناهضت الجماهير الطلابية الإصلاح الجامعي المزعوم. كما أحبطت القواعد الطلابية لكلية الآداب بالرباط إصلاحا مماثلا ومشتقا من المراسيم التطبيقية سنة 1977, تقدم به بعض الأساتذة الاتحاديين ويدعم من طلبة الإتحاد الإشتراكي, إلا أن مقاطعة الطلبة للامتحانات الجزئية أقبرت هذا المشروع.
إن انتصار الحركة الطلابية في معاركها النضالية, في التصدي للمخططات التعليمية التصفوية مدها بقوة دفع جديدة, استعادت معه قوتها النضالية, وشكل حافزا لها للدخول في معارك نضالية جديدة وضعت على رأس مطالبها إطلاق سراح قياديي ومسؤولي إ.و. ط . م.
ورفع الحظر على المنظمة الطلابية.
ولقد فجرت الجماهير الطلابية مسلسلا نضاليا عارما شمل مختلف المؤسسات الجامعية, كان من نتائجه أن أطلق سراح عبد العزيز المنبهي رئيس الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ونائبه عبد الواحد في سنة 1976. ولقد لعبا بعد الإفراج عنهما أدوارا مهمة في توجيه نضالات الحركة الطلابية. وأمام تنامي هذه النضالات شن النظام حملة اعتقالات في ماي 1977, شملت العديد من مناضلي جامعة محمد الخامس بالرباط, وطالت نائب رئيس إ.و. ط . م. عبد الواحد بلكبير, واضطرمعها الرئيس عبد العزيز المنبهي إلى الإغتراب في المنفى, بعد إعتقاله في 23 مارس 1977 نظرا لوضعه الصحي الخطير الناتج عن الإعتقال والتعذيب.
لكن هذه الإعتقالات لم تحد من دينامية القطاع الطلابي, ولم توقف المعارك النضالية, وابتدعت الجماهير الطلابية أشكالا تنظيمية ملائمة وقادرة على استيعاب التحولات في ظل الحظر, وانتزعت الحركة الطلابية مشروعية العمل النقابي, وشكلت تعاضديات في إطار الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في عدد كبير من الكليات والمعاهد العليا. ولقد لعب طلبة المدرسة المحمدية للمهندسين دورا كبيرا في توحيد النضالات الطلابية من خلال دعوتهم للتنسيق على الصعيد الوطني, وهذه الدعوة التي استجابت لها مختلف المؤسسات الجامعية, وتشكل على إثرها المجلس الوطني للتنسيق في أواخر 1977.
ولقد شكل المجلس الوطني للتنسيق خطوة حاسمة لرفع الحظر عن إ.و. ط . م ومنطلقا متقدما في صيرورة النضال الطلابي, حيث عمل على توحيد نضالات الحركة الطلابية, وتحديد آفاقها, كما سطر ملفا مطلبيا على الصعيد الوطني, وقاد المعارك الطلابية في مختلف المؤسسات الجامعية, وجعل من مطلب رفع الحظر عن إ.و. ط. م مطلبا مركزيا في كل التحركات الطلابية.
أمام تسارع وثيرة الدينامية النضالية في مختلف المؤسسات الجامعية, نظم التنسيق الوطني مهرجانا تضامنيا تعبويا ضخما بمدرج المغرب الكبير بكلية الحقوق بالرباط في 8 أبريل 1978, حضرته الجماهير الطلابية من كل المدن الجامعية, إلا أن بعض العناصر الطلابية الرجعية نسفت هذا المهرجان مدعومة في ذلك بالبوليس السري والعلني (11). كما قاد مجلس التنسيق إضرابات عامة على الصعيد الوطني. وفي هذا الإطار لبت الجماهير الطلابية نداء مجلس التنسيق بشن إضراب عام على الصعيد الوطني لمدة48 ساعة يومي 24و25 يناير 1978, كما جعل المجلس يوم 26 أبريل 1978 يوما وطنيا من أجل رفع الحظر الوطني لطلبة المغرب خاضت فيه الحركة الطلابية إضرابا عاما تخللته مهرجانات جددت من خلالها الجماهير الطلابية تشبثها بإ.و. ط . م, وتأكيد عزمها على النضال من أجل رفع الحظر عن منظمتها.
إن هذا المسلسل النضالي العام, بطول نفسه واتساع رقعته, أجبر النظام على التراجع عن قراره المخزني الجائز, وتم الإعلان الرسمي عن رفع الحظر عن الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في 9 نونبر 1978, بعد أن تبين للنظام وبشكل ملموس أن إ.و. ط . م أصبح قوة مادية ملموسة في الساحة النضالية في ظل الحظر, وأن رفع الحظر الجائر ما هو إلا إقرار بواقع موضوعي فرض نفسه على النظام. وقد شكل رفع الحظر عن إ.و. ط . م مكسبا فعليا للحركة الطلابية, بفضل نضالاتها المريرة على امتداد سنوات الحظر التعسفي, فأمام تشبث الحركة الطلابية بمنظمتها العتيدة, ورفضها للإصلاح الجامعي المزعوم, ولأي بديل عن إ.و. ط . م, وإصرارها على الإستمرار في النضال من أجل انتزاع مشروعيتها, واتجاهها إلى إبداع أشكال وأساليب تنظيمية كفيلة بتأطير نضالات القواعد الطلابية في ظل الحظر, لم يجد الحكم بدا من رفع الحظر عنها محاولا في نفس الوقت إفراغها من محتواها الكفاحي والنضالي وعزلها عن نضالات الجماهير الشعبية وترويضها بالقدر الذي يستلزمه"السلم الجماعي" "والمسلسل الديمقراطي" المزعوم. وهذا ما تجسد في استمرار اعتقال مسؤوليها والعديد من مناضليها, والرهان على إمكانية احتوائها وفرض الوصاية عليها وجرها إلى مستنقع المسالمة والمهادنة من طرف النهج البيرقراطي المسالم. "وفي نفس الوقت اعتبرته أوسع القواعد الطلابية, موضحة في نفس الوقت الإطار الذي جاء فيه والملابسات المحيطة به مؤكدة على إسقاط رهان الحكم, وذلك بالنضال من أجل إعطاء أ.و.ط.م. محتواها النضالي والكفاحي, وربط نضالات الحركة الطلابية بنضالات الشعب المغربي, وهذا ما يتطلبه بناؤه بشكل قاعدي وصلب على أساس مبادئه, وقانونه الأساسي ومقررات مؤتمره الخامس عشر (12).
إن رفع الحظر سيجعل الحركة الطلابية تدخل في مرحلة متميزة هي الأخرى بإشكاليتها السياسية والنقابية والتنظيمية. هذه الإشكاليات التي تركزت على المسار النضالي المستقبلي لأ.و.ط.م. ولقد اكتست صيغا مختلفة في النقاشات الدائرة في القطاع الطلابي. إلا أنها تجسدت بشكلها البارز في المسألة التنظيمية, عاكسة في عمقها صراعا سياسيا بين تصويرين متناقضين للعمل النقابي داخل القطاع الطلابي وطبيعة مضمونه. اختلاف بين تصور بيروقراطي يعمل على هيكلة أ.و.ط.م. بشكل فوقي ومعزول عن الجماهير, وجعل هذه الأخيرة تحت رحمة الوصاية, مع ربط عجلة الحركة الطلابية ب"الإجماع الوطني" و"السلم الإجتماعي" ومستلزماته, وبين تصور ديمقراطي كان همه الأساسي هيكلة المنظمة الطلابية على أسس نضالية وكفاحية, ترتكز على مبادئ أ.و.ط.م., وتعطي فيه المبادرة للجماهير الطلابية, وإشراكها في بلورة تعاضديات تنفيذية منبثقة عن مجالس الطلبة, مع ربط نضال الحركة الطلابية بنضال الحركة الجماهيرية وعموم الجماهير الشعبية.
ولقد أخذ الصراع أشكالا متعددة في الجامعة المغربية ليحسم في النهاية لصالح النهج البيرقراطي الذي استخدم أساليب صراعية لا تمت بصلة لأعراف ومبادئ أ.و.ط.م. حيث استعمل الإرهاب السياسي والفكري في مختلف المؤسسات الجامعية, ونقلها إلى مجلس التنسيق الوطني. ومارس ضغوطات على أعضاء القيادة السابقة للتسريع بعقد المؤتمر16, الذي حدد تاريخ انعقاده في صيف سنة 1979, في وقت لم تكن شروطه متوفرة بالقدر اللازم, ودون مراعاة الظروف الموضوعية والذاتية للحركة الطلابية, وبمعزل عن أوسع القواعد والأجهزة التحتية للمنظمة. ولقد ساهم في حسم هذا الصراع لصالح النهج البيرقراطي, التشتت الذي كان حاصلا في صفوف الطلبة القاعديين, الشيء الذي عزز مواقع البيرقراطية, ومكنها من عقد المؤتمر في شروط تخدم نزعتها الهيمنية, بعد أن أقصى النهج البيرقراطي إحدى فيدراليتي أوربا الغربية, وقبل بالمكتب الفيدرالي الموالي دون البث والحسم في هذه المسألة على مستوى المؤتمر.
وبتاريخ 31 غشت 1979 افتتح المؤتمر السادس عشر بكلية العلوم بالرباط, تحت رئاسة المنظمة في المؤتمر 14, ورفض إلقاء رسالة صوتية للرئيس الشرعي للمؤتمر 15 عبد العزيز المنبهي من المنفى. وانطلق المؤتمر بتجاوزات خطيرة لم يسبق لأ.و.ط.م. أن عرف مثلها, كطريقة تشكيل لجنة الرئاسة ولجنة الفرز والبث في الطعون المقدمة إلى المؤتمر... ولقد شكلت هذه الخروقات مع ما رافقها من إرهاب سياسي, وشوفينية مقيتة, لتمرير أطروحات ومقررات متخلفة لا تعكس واقع الحركة الطلابية, ولا ترقى إلى مستوى طموحاتها وتطلعاتها, ولا إلى مستوى التجسيد الفعلي لمبادئ وأهداف إ.و.ط.م. وفق بنامج نضالي يحدد بدقة المهام الجسيمة المطروحة على الحركة الطلابية, ولا تستهدف تلك الأطروحات سوى إعطاء توجيه محدد ينسجم وشعارات السلم الإجتماعي, ولا يتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها النظام في إطار اللعبة الديمقراطية والإجماع(13). ولقد عزز ذلك, الموقف السلبي الذي اتخذه الطلبة القاعديون في المؤتمر بعدم الصراع داخل المؤتمر تحت أجواء الإرهاب الذي سلط عليهم, وعدم المشاركة في التصويت, الشيء الذي مكن النهج البيرقراطي من تمرير أطروحاته دون أية معارضة تذكر.
بهذا سوف تعكس المقررات الصادرة عن المؤتمر 16 نهج الجمود والإنتظارية, تنسجم مع مستلزمات الإجماع والسلم الإجتماعي, مسجلة تراجعا كبيرا على ما راكمته الحركة الطلابية في تاريخها النضالي. فعلى المستوى السياسي زكى البيان السياسي الصادر عن المؤتمر 16 المسلسل الديمقراطي المزعوم, في الوقت الذي كانت تتعرض فيه الجماهير الشعبية إلى الإستبداد السياسي, والقهر الإجتماعي. كما سكت البيان عن تدخل النظام في بنين والزايير بدعم من الإمبريالية. أما على المستوى القومي فبعد تأكيد المؤتمر للقضية الفلسطينية كقضية وطنية, فإن النهج البيرقراطي رفض ترجمة هذا المبدأ على المستوى الواقع, وذلك برفضه لتشكيل لجان فلسطين على مستوى المؤسسات الجامعية. وأعطت المقررات لبعض القضايا أبعادا ضخمة وأكثر من حجمها, وأصبحت مقياسا محددا للتعامل داخل إ.و.ط.م. مع بقية مكوناته بدل الإستناد في ذلك إلى مبادئ إ.و.ط.م.
أما على المستوى التنظيمي, فقد سجلت المقررات تراجعا ملموسا, حيث أقر المؤتمر هيكلة تنظيمية جعلت الجماهير الطلابية تحت سلطة الوصاية والحجر, وخاضعة لقرارات البيرقراطية. وقد ركزت هذه المقررات سلطة القرار في يد اللجنة التنفيذية على المستوى المركزي, وفي يد التعاضديات على المستوى المحلي داخل المؤسسات الجامعية. وأفرغت المجالس من محتوياتها الكفاحية, وأعطى لها الطابع الإستشاري بدل دور التقرير ومحاسبة التعاضديات على ضوء التجمعات العامة والتوجه السياسي والنقابي لإ.و.ط.م., الشيء الذي جعل الجماهير الطلابية في موقع هامشي في حياة المنظمة الطلابية, وقام بضرب أحد المبادئ الأساسية التي تنهض عليها إ.و.ط.م. وهو مبدأ الجماهيرية.
إن النتائج التي أسفر عنها المؤتمر 16 تشكل "سواء من حيث توجهها النقابي والسياسي والتنظيمي أو من حيث الممارسات التي سادت فيه, مؤتمر تراجع ليس بالنسبة للمؤتمر 15 فحسب, وإنما للمؤتمرات السابقة: 12, 13, 14(14).
وإذا كانت الظروف والشروط التي انعقد فيها المؤتمر 16 مع ما رافقه من تجاوزات وخروقات قد حسم الصراع الدائر في الساحة الطلابية, فإن القواعد الطلابية سوف تتجاوز تلك التقييدات في نضالها اليومي عن طريق الإبداع الخلاق للأشكال النضالية الملائمة.
ولقد بادرت الجماهير الطلابية إلى تفجير مسلسل نضالي واسع شمل مختلف المدن الجامعية, متجاوزة في ذلك المقررات الصادرة عن المؤتمر 16 المهادنة, ومتجاوزة في نفس الآن الأشكال التنظيمية اللاجمة لتحركاتها, وأبدعت على مستوى نضالها لجانا تعزز مواقعها, وتخدم مبادئها الراسخة, كلجان اليقظة لحماية حرمة الجامعة, ولجان فلسطين. وأمام الزحف النضالي الطلابي المتنامي تحت قيادة الأجهزة التحتية للمنظمة, شن النظام حملة اعتقالات واسعة في مختلف المدن الجامعية,واستهدفت بالأساس مسؤولي ومناضلي إ.و.ط.م في الجامعات, وكذا مندوبي المؤتمر السادس عشر في شهر يناير 1980. وقد سارعت قيادة إ.و.ط.م إلى تبني هذه المعارك استجابة لنداءات الجماهير الطلابية, وعقدت القيادة ندوة صحفية لإطلاع الرأي العام الوطني والدولي على هذه الحملة القمعية, رافعة شعار" كلنا في خندق واحد لمواجهة القمع". وانتهت الهجمة القمعية بمحاكمات صورية في حق مناضلي إ.و.ط.م.
ولقد تميزت مرحلة ما بعد المؤتمر 16 بميزة خاصة طبعت الحركة الطلابية إلى حدود المؤتمر 17 في سنة 1981, حيث اتسمت بمفارقة تجسدت في جمود الأجهزة القيادية لإ.و.ط.م ومهادنتها للهجمات التي تعرضت لها الجماهير الطلابية, وعجزها عن قيادة نضالاتها لإلتزامها السياسي بمستلزمات الإجماع الوطني, وتمتين الجبهة الداخلية, والسلم الإجتماعي, وبين دينامية القواعد الطلابية والأجهزة التحتية في المؤسسات الجامعية, واختيارها للنضال دون مهادنة لتحقيق مكاسبها المادية والمعنوية. ولقد زاد من تعميق هذا الشرخ الحاصل في جسم المنظمة الطلابية, وعدم استكمال الهيكلة التنظيمية من طرف النهج البيرقراطي في قيادة المنظمة الذي لم يعمل على تشكيل مجالس الفروع,ولجنة التنسيق الوطنية, والتلويح بحل جمعيات المعاهد العليا التي لعبت أدوارا طلائعية في دفترة الحظر.
وتحكمت في هذه التجاوزات, الخلفيات السياسية السابقة الذكر, الشيء الذي جعل التحركات النضالية للقطاع الطلابي مطبوعة بالتشتت ومحصورة في حدود دفاعية.إن هذا الوضع المتردي, والشلل التنظيمي على الصعيد الوطني قلص من حجم جماهيرية إ.و.ط.م, وجعل الحركة الطلابية تقف على أبواب مؤتمرها السابع عشر, وهي مفككة الأوصال, وغير قادرة على تجاوز أزمتها وتوفير الشروط الذاتية والموضوعية لإنجاح المؤتمر 17, الشيء الذي جعل من هذه الأوضاع التي طبعت إ.و.ط.م خلال هذه الفترة تشكل إحدى الأسباب العميقة وغير المباشرة في الفشل الذي عرفه المؤتمر 17 في صيف 1981.
إن هذه المميزات التي طبعت الحركة الطلابية خلال هذه الفترة, جعلت النهج البيرقراطي على المستوى القيادي يفقد مصداقيته وسط الجماهير الطلابية, وأصبحت قراراته المهادنة غير نافذة في الساحة الطلابية, مما جعله يعيش في عزلة, وليمنى بهزيمة كبيرة في انتخابات مندوبي المؤتمر السابع عشر. هذه الهزيمة دفعت به وبالفصيل المهيمن داخله إلى توفير كل شروط إفشال المؤتمر الوطني 17, وإيصاله إلى الباب المسدود, بعد أن تبين له أن سطوته على المنظمة قد انتهت. ولقد تبين هذا في ممارسته اللاديمقراطية في عملية تهيئ المؤتمر 17, حيث وزع البطائق بشكل غير متكافئ بين المؤسسات الجامعية, وفي ظروف الامتحانات التي تعرف فيه الكليات والمعاهد العليا غياب الطلبة وانهماكهم في تهيئ الإمتحانات, مما أفقد هذه العملية التهيئية جوهرها التعبوي الجماهيري, وتمكين القواعد الطلابية من تعميق النقاشات حول الإشكاليات السياسية والنقابية والتنظيمية التي كان يحبل بها الواقع الطلابي. كما كان التوقيت القسري الذي حدد للمؤتمر 17 في صيف 1981, عاملا من عوامل فشل المؤتمر. ولقد رفض النهج الديمقراطي هذا التوقيت مقترحا تأجيله إلى شهر دجنبر 1981 لإدراكه لطبيعة الظرف, والوضع الذاتي المتردي للحركة الطلابية, وحتى يتمكن مناضلوا إ.و.ط.م. من توفير شروط إنجاح المؤتمر, وإشراك الجماهير الطلابية في عملية التهييء.
كما أن النهج البيرقراطي لم يعمل على توفير المأوى والأكل للمؤتمرين, ولم يستدع المنظمات الطلابية العالمية الصديقة للمؤتمر لأسباب لازالت مجهولة إلى الآن. ومع ذلك أصر على عقد المؤتمر في صيف 1981 , موفرا كل الإمكانيات المادية والسياسية لإفشال المؤتمر قبل انعقاده مضحيا بالإتحاد الوطني لطلبة المغرب لنزوعه الهيمني البيرقراطي (15). لهذا انعقد المؤتمر 17 في أوضاع ذاتية مهتزة داخل الحركة الطلابية مع غياب أدنى الشروط المادية الضرورية لعقد المؤتمر, وفي ظروف موضوعية اتسمت بتفاقم الأزمة البنيوية للنظام على المستوى السياسي والاقتصادي, كان لها انعكاسات خطيرة على أوضاع الجماهير الشعبية التي التجأت إلى الخروج للشارع لتفجير غضبها في انتفاضة 20 يونيو بالبيضاء. والتي وجابهها النظام بقمع وحشي سقط على إثره 600 قتيل والمئات من الجرحى والمعتقلين, شملت عددا كبيرا من مناضلي إ.و.ط.م. ولقد حط هذا الإرهاب القمعي والسياسي السائد في البلاد على أجواء المؤتمر بشكل ضاغط, وجعلته أمام تحديات كبيرة ليس من السهل تجاوزها سيما في شروط كالتي كانت تعرفها الحركة الطلابية آنذاك, وما اجترته معها من أزمة منذ المؤتمر السادس عشر.
ولعل أول تحد وضع أمام المؤتمر في جلسته الأولى, والذي أراد من خلاله أصحابة عرقلة السير العادي والطبيعي لأشغال المؤتمر, هو نقل الصراع داخل الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية إلى المؤتمر, وإسقاطه على الحركة الطلابية, ومحاولة حسمه في منظمة جماهيرية نقابية لا تربطها أية صلة بذلك الخلاف السياسي, حيث طرح طلبة الإتحاد الإشتراكي لائحة أنصار الكنفدرالية الديمقراطية للشغل رفضهم لتمثيلية طلبة الإتحاد الإشتراكي لائحة رفاق الشهداء في رئاسة المؤتمر.
غير أن تشتبت الطلبة القاعديين بالتقاليد والأعراف الديمقراطية لإ.و.ط.م., ودفاعهم عن تمثيلية كل اللوائح في رئاسة المؤتمر, وانتهازية بقية مكونات النهج البيرقراطي بتخليهم عن رفاقهم بالأمس, وطموحهم الانتهازي بعدما خلا لهم الجو للهيمنة على قيادة المنظمة, دفع بطلبة الاتحاد الإشتراكي أنصار ك.د.ش. إلى الإنسحاب من المؤتمر بعد أن فشل في عملية الابتزاز السياسي. ولقد رافق انسحابه من المؤتمر سطوه على وثائق المنظمة وممتلكاتها من مقر إ.و.ط.م., لتتأكد خلفياته في إيصال المؤتمر إلى الباب المسدود.
ولقد وضع انسحاب القطب الرئيسي في النهج البيرقراطي حلفائه التقليديين في المحك, حيث أصابهم الإرتباك, وأصبحوا واعين من خلال الجلسات المتعثرة للمؤتمر, استحالة هيمنتهم على قيادة إ.و.ط.م., فعملوا على عرقلة سير الجلسات تحت مبررات وأسباب مختلفة.
أما النهج الديمقراطي, فأصبح عاجزا وغير قادر على تجاوز خلافاته التي برزت في المؤتمر, ولم يرق إلى مستوى التحديات التي وضعت أمام المؤتمر, وتعرض هو الآخر للإبتزاز السياسي باسم الغطاء السياسي تارة وبالنزعة الشوفينية تارة أخرى أما رفاق الشهداء فقد اعتبروا انسحاب خصومهم بمثابة انتصار سياسي لهم, أما أشغال المؤتمر فكانت ثانوية بالنسبة لهم.
وأمام احتداد التناقضات واستشراء الخلافات السياسية وسط الفصائل المتبقية داخل المؤتمر, بين المتشبتين بالمسلسل الديمقراطي, والإجماع الوطني والسلم الإجتماعي, وبين المناهضين لهذه المزاعم الكاذبة, والمتشبتين بخط النضال الجماهيري الجذري, لم يستطع المؤتمرون بعد جلسات ماراطونية طولية ومتعثرة الوصول إلى الحدود الدنيوية لإنقاذ المؤتمر من المأزق الذي دخل فيه, وصياغة مقررات وحدوية تفتح الآفاق للحركة الطلابية لمواجهة المرحلة المستقبلية, والأخطار المحدقة بالحركة الطلابية, لينتهي المؤتمر بفشل لم يسبق
لإ. و. ط.م أن عرفته في تاريخها, ولم يخرج المؤتمر إلا بقرار وحيد وهو تجديد الثقة فيما تبقى من أعضاء اللجنة التنفيذية غير المنسحبة, وإعطائها صلاحية عقد المؤتمر الاستثنائي.
V- مرحلة الحظر العملي والنضال من أجل الحفاظ على إ.و ط .م 1981/1990
لقد مرت الحركة الطلابية منذ سنة 1981 إلى الآن بظروف دقيقة وصعبة, جعلت منها مرحلة في أصعب المراحل التي قطعها الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في مسيرته النضالية, حيث عرفت الحركة الطلابية فراغا تنظيميا تلاشت معه كل الهياكل التنظيمية التحتية مع مرور الوقت بسبب ذاتية مرتبطة بفشل المؤتمر 17, وعوامل موضوعية تجسدت في الحملات القمعية التي لازمت مناضلي إ .و .ط .م, وبشكل متواصل على طول هذه المرحلة, سقط على إثرها العديد من الشهداء, شهداء وجدة في دجنبر 1982, والشهيدين بلهواري مصطفى, ومولاي بوبكر الدريدي سنة 1984, وشهداء جامعة فاس, الأجراوي محمد عادل وخليفة زبيدة وسعاد في يناير 1988, والشهيد أحمد أوزكار في شهر فبراير 1990 بكلية العلوم بمراكش.
ولقد كان الظرف السياسي حاسما في هذا التراجع الذي عرفته الحركة الطلابية مرتبطة في ذلك بالحركة الجماهيرية التي عرفت هي الأخرى إنحسارا وترديا كبيرا تداخلت في تحديده عوامل متعددة ومختلفة.
وإذا كانت سنة 1981 وانتفاضة البيضاء قد شكلت إجابة صارخة على الإجماع الوطني والسلم الإجتماعي, تبخرت معها أوهام ومزاعم القوى الإصلاحية وكشفت تخاذلها أمام نضالات الجماهير الشعبية. فالانتفاضة سوف تشكل إنطلاق مرحلة جديدة, اتسمت بهجمة شاملة على مكاسب الشعب المغربي, وبحملات قمعية إستهدفت كل المنظمات الجماهيرية, كمدخل للإنصياع التام للدوائر الإمبريالية المالية.
ولقد عرفت أوضاع الجماهير المغربية التقهقر وتعمق ذلك بعد تشديد السياسية التقشفية منذ صيف 1983. وهو ما شكل عاملا مباشرا للانتفاضة الشعبية في يناير 1984 والتي انطلقت من مدينة مراكش لتمتد إلى باقي المدن في الشمال, وجابهها النظام بالحديد والنار مخلفا آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين.
استطاع النظام بفضل استيعابه للشرائح المثقفة من الطبقات المتوسطة بناء أجهزة متعددة هدفها تأطير الجماهير وتزييف وعيها, حيث شهدت هذه المرحلة تشكيل أحزاب وإصدار صحف رجعية وجمعيات مختلفة (منها الإقليمية والثقافية) تدين الولاء للنظام, فضلا عن تضخم الأجهزة القمعية, وقد سهل إجماع الأحزاب حول النظام مهمته في إحكام قبضته على الجماهير الشعبية وتصعيده لإضطهاد المناضلين ونهب عرق الكادحين. ويستجيب هذا الطابع القمعي أيضا إلى حاجة الطبقات السائدة المراهنة على تطوير الصادرات, وتوفير شروط الاستغلال لليد العاملة في الضيعات والمعامل. إلا أن الكتلة الطبقية السائدة لم ترتكز من حيث قاعدتها المادية إلى تحول نوعي في البنية الإنتاجية للبلاد بقدر ما استندت إلى قاعدة إقتصادية هشة تتميز بطابعها التبعي, وأصبح النمو المشوه مرتبطا إلى حد كبير بتضخم أجهزة الدولة والقطاع الشبه عمومي, وتم تمويل ذلك باللجوء إلى القروض الخارجية واستجداء إعانات الدول النفطية الخليجية, وتشجيع كل ما من شأنه جلب العملة الصعبة من عهارة وتجارة المخدرات, وإعطاء الإمبريالية قواعد عسكرية وفتح الأبواب أكثر للشركات الإمبريالية. ووصلت سياسة النظام إلى المأزق إذ بلغت المديونية 22 مليار دولار.
في ظل هذه الأوضاع ستعرف الحركة الجماهيرية تراجعا ملموسا, لم تنفلت منه الحركة الطلابية باعتبارها مكونا من مكونات هذه الحركة, حيث تعرضت مكاسب الشعب المغربي للإجهاز على جميع الأصعدة.
على المستوى الطلابي خلف فشل المؤتمر 17 وضعا ذاتيا مترديا, تميز بالفراغ التنظيمي والتشتت, ولقد استغل النظام هذا الوضع للهجوم على الحركة الطلابية لإجتثاتها وتهيئة الظروف لتطبيق الإصلاح التخريبي مدعوما بنصائح المؤسسات الإمبريالية المالية.
وكانت أولى حلقات الإصلاح التخريبي هي بولسة الجامعة, بزرع جهاز الأواكس القمعي داخل الكليات سنة 1981, لخنق العمل النقابي وقمع أي تحرك نضالي, باعتقال مناضلي إ.و.ط.م والاعتداء على الطلبة بالسلاح الأبيض والسلاسل, وإشاعة جو الرعب والإرهاب داخل الجامعة المغربية.
إن هذا الوضع جعل الحركة الطلابية تضع على رأس مطالبها الدفاع عن حرمة الجامعة وتكثيف تعبئتها للنضال من أجل طرد الأواكس من الحرم الجامعي, وإعادة هيكلة إ.و.ط.م على مستوى الأجهزة التحتية وعقد ندوة الأطر لإنجاح المؤتمر الإستثنائي.
وفي هذا الإطار إنعقد مجلس التنسيق الوطني تحت إشراف قيادة إ.و.ط.م بتاريخ 1981/11/28 لتدارس أوضاع الحركة الطلابية على ضوء المتغيرات التي عرفتها الجامعة المغربية, وأعلن عن إضراب عام وطني لمدة 24 ساعة بتاريخ 3 دجنبر 1981.
غير أن النظام إستغل التشرذم الذي تعرفه الحركة الطلابية وانسحاب النهج البيروقراطي من القطاع الطلابي والإضراب العام ليشن هجوما قمعيا شاملا على إ.و.ط.م. فاعتقل ما تبقى من أعضاء اللجنة التنفيذية, والعديد من مسؤولي ومناضلي إ.و.ط.م على الصعيد الوطني, وأقيمت عدة محاكمات في مختلف المدن الجامعية, وجرم العمل النقابي داخل الجامعة, ومنع المناضلون من ولوج الكليات, واتخذت إجراءات قمعية وردعية للقضاء النهائي على التواجد النضالي لإ.و.ط.م... وقد بلغ هذا الهجوم ذروته في الحملة القمعية التي تعرضت لها جامعة محمد الأول بوجدة في دجنبر 1982 على إثر الإضرابات التي عرفتها, حيث داهمت قوات القمع الحي الجامعي ليلا بشكل همجي, مخلفة العديد من القتلى والجرحى والمعتقلين, وأغلقت الجامعة أسبوعا قبل عطلة نهاية السنة, نفس الهجوم عرفته كلية الآداب بالرباط, وكلية الحقوق بالبيضاء وجامعة مجمد بن عبد الله بفاس. كما زاد من تعقيد هذه الوضعية فشل معركة مقاطعة الإمتحانات سنة 1983 والتي جاءت للرد على تطبيق الإصلاح الجامعي التخريبي.
لكن المعارك المحدودة التي خاضتها الحركة الطلابية, في ظل التشتت التنظيمي وغياب قيادة موجهة للنضالات, لم ترق إلى مستوى التصدي الفعلي والشامل لهذا المخطط التصفوي. واكتفت الحركة الطلابية بردود فعل انفعالية, الشيء الذي مكن النظام من فرض إصلاحه التخريبي, وإجهازه على المكاسب التي حققها إ.و .ط .م في مسيرته النضالية, وقلص المنحة بنسبة 50% بالنسبة للطلبة القاطنين في نفس المدينة الجامعية، وحذف المنحة الإحتياطية في حالة الرسوب, وبدأ في تطبيق البند السادس من الإصلاح التخريبي المتعلق بالطرد وكذلك البندين 12 و13 وحذف الدورة الثانية من الإمتحانات الشفوية ...وفي ظل هذه الأجواء تمت عسكرة المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1982.
ولم يكتف النظام بحملته القمعية, بل سارع إلى خلق بدائل وهمية إ.و .ط .م, من خلال بعض الأحزاب الرجعية الموالية له, حيث عرف صيف 1982 فبركة منظمة طلابية تحت إسم الإتحاد الوطني للطلبة الديمقراطيين" تابعة للحزب الوطني الديمقراطي, وانتهت بانتهاء مهرجانها الذي سمي مؤتمرا. كما عمد النظام إلى تنصيب تعاضديات إدارية واجهتها الجماهير الطلابية بالرفض, مؤكدة تشبثها بمنظمتها الوحيدة والشرعية إ.و .ط .م.
أمام سقوط رهانات النظام على البدائل الوهمية, عمد إلى إنشاء كليات جديدة مشتتة, تفتقد إلى أدنى المقومات المادية والتربوية للمؤسسات الجامعية, بهدف عزل قلعات إ.و .ط .م وحصرها في الجامعات التقليدية, وللحيلولة دون تأطير الطلبة الجدد داخل إ.و .ط .م.
ولقد فاقم من هذه الوضعية الوضع الذاتي المتفكك للحركة الطلابية التي ظلت نضالاتها محدودة وغير قادرة على صد الهجمة القمعية, واكتفت ببعض النضالات المطلبية المحدودة والمتفرقة على صعيد المؤسسات الجامعية.
ولئن كان الطلبة القاعديون قد لعبوا أدوارا طلائعية في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الحركة الطلابية, وتحملوا مسؤولياتهم الكاملة في الدفاع عن إ.و .ط .م عندما إنسحبت بعض الفصائل من الساحة النضالية, وتحملوا أعباء هذه المرحلة على إمتداد عقد الثمانينات بقمعها الأسود والدموي, فإن الصراعات التي إخترقتهم والانقسامات التي طالتهم, مع ما رافقها من صراعات تدميرية سوف تزيد من تعطيل فعالية الحركة الطلابية, وتعميق الشرخ في صفوفها. وكان تأثير هذه الخلافات والصراعات قويا على نضالية القطاع الطلابي بحكم أن القاعديين ظلوا الفصيل الذي صامدا في الساحة الطلابية ومخلصا لمبادئ إ.و .ط .م, بالرغم من الحملات القمعية التي استهدفته بقي طيلة هذه المرحلة.
واستمرت الحركة الطلابية على هذه الوضعية المتردية إلى حدود سنة 1987, حيث ستعرف بعض النهوض الجماهيري, بعد أن تفاقمت وضعية القطاع الطلابي, بتعمق الأزمة, وأضحت الجامعة المغربية تخرج الآلاف من حاملي الشهادات الجامعية العليا إلى الشارع, وطرد المئات من الطلبة, ولعبت جامعة محمد بن عبد الله بفاس دورا رياديا في استنهاض الحركة الطلابية, حيث ظلت في فترة الحظر قلبا نابضا للإتحاد الوطني لطلبة المغرب.
ولقد أعادت الحركة الطلابية في هذه الفترة ربط نضالها الوطني بنضالات الشعوب العربية على المستوى القومي,واتخدت مواقف متميزة في نصرة قضايا الشعوب العربية, حيث عرفت الجامعة تظاهرات عارمة للتنديد بالغارة الإمبريالية الأمريكية على ليبيا في أبريل 1986, تعرضت على إثرها الحركة الطلابية إلى حملة إعتقالات واسعة في الرباط وفاس ووجدة. كما ظلت إ.و .ط .م وفيه للقضية الفلسطينية كقضية وطنية, حيث نظمت تظاهرات مساندة للإنتفاضة الفلسطينية المجيدة تدخلت على إثرها قوات القمع في جامعة فاس مستخدمة الرصاص سقط على إثرها الشهداء, الأجراوي, محمد عادل, وخليفة زيدة وسعاد السعدي, إضافة إلى العديد من الجرحى والمعتقلين. غير أن الضربات القمعية التي وجهت للحركة الطلابية لم تحد من تنامي التحركات النضالية, بل زادت من توسيعها وشموليتها, وعمت مختلف المؤسسات الجامعية, وارتكزت على ملفات مطلبية حيوية مرتبطة بمشاكل مادية ملموسة وعلى رأسها إرجاع كافة المطرودين وتجميد الأواكس في أفق إجلائه من الحرم الجامعي.
ولقد رافق هذا التحرك النضالي, عملية تعبوية شاملة وسط الجماهير الطلابية, التفت حول إ.و .ط .م وأبدت استعدادها للنضال من أجل مطالبها, وتوج هذا المسلسل النضالي بمعركة مقاطعة الإمتحانات في سنة 1989, هذا القرار الذي ساهمت في بلورته الجماهير الطلابية عبر تجمعاتها( فاس, وجدة, مكناس , القنيطرة , تطوان)
إن توسع هذه الحركة على الصعيد الوطني, والزخم الجماهيري الذي استقطبته داخل الجامعة المغربية, قد جرت النهج البيروقراطي إلى مسلسل النضال, وعودة نشاطه من جديد في الجامعة وتبنيه للمعارك النضالية التي فرضتها الجماهير الطلابية في الساحة, غير أن عدم توفر الشرط الذاتي, وغياب قيادة مركزية توحد وتوجه نضالات الحركة الطلابية على الصعيد الوطني, وغياب الدعم السياسي لهذه المعركة بحكم طبيعتها السياسية, والقمع المسلط على الجماهير الطلابية قبيل وأثناء المعركة, والحملة السياسية المغرضة للنظام, وللأحزاب السياسية الرجعية والإصلاحية وعلى رأسها حزب التقدم والإشتراكية, سوف تفشل معركة مقاطعة الإمتحانات, وستتعرض معها الحركة الطلابية إلى حملة قمعية مسعورة, انتهت بعدة محاكات صورية في مختلف المدن الجامعية.
لكن أهم ما استخلصته الحركة الطلابية من فشل معركة المقاطعة هو الإدراك الواعي والمسؤول للمسألة التنظيمية وحيويتها في العمل النضالي, لذلك ستكرس معاركها النضالية في الموسم الجامعي 1990 لتحركات نضالية واسعة وطويلة النفس على الصعيد الوطني, تحت شعار واحد هو: النضال من أجل رفع الحظر العملي على الإتحاد الوطني لطلبة المغرب, وإعادة هيكلة المنظمة الطلابية في أفق عقد المؤتمر الإستثنائي, للخروج من التشتت التنظيمي الذي إستفاد منه النظام في التمرير مخططه التصفوي وصهر النضالات الطلابية في بوثقة النضال الوحدوي و الموحد, كخطوة حاسمة على إستعادة شرعية النضال النقابي داخل الجامعة, والعمل على إحباط الإصلاح الجماعي التخريبي.
ولعل أهم المكاسب التي استطاعت الحركة الطلابية تحقيقها في الفترة الأخيرة, هو وضع اللبنات الأساسية لهيكلة إ.و .ط .م وتأسيس أجهزة تحتية, عملت خلال الموسم الجامعي لسنة 1990, على تأطير وتعبئة الحركة الطلابية, وقيادة المعارك النضالية في مختلف الكليات, وصياغة الملفات المطلبية بشكل جماهيري, والتعريف بتاريخ إ.و .ط .م , وتنشيط الجو الثقافي, وبعث التقاليد النضالية للحركة الطلابية. إن هذا المكسب النضالي , أعطى ديناميكية ونفسا جديدين للحركة الطلابية, لم يسبق أن عرفت مثلها خلال عقد الثمانينات, وتعتبر إعادة الهيكلة على المستوى التحتي خطوة حاسمة, ومدخلا أساسيا لإعادة لحم صفوف الحركة الطلابية, ورفع الحظر العملي على إ.و .ط .م .
غير أن هذا النهوض الطلابي النوعي والمتميز في هذه الفترة, دفع بالنظام إلى أساليبه القمعية بمحاولة تفجير الحركة الطلابية من داخلها, بعد فشله الذريع في القضاء عليها بأساليبه الكلاسيكية. في هذا الإطار سيدفع النظام بالعناصر الظلامية الرجعية إلى عرقلة النضالات الطلابية وممارسة العنف والإرهاب في حق الجماهير الطلابية, ونسف التجمعات, والعمل على إفشال المعارك النضالية باسم الإتحاد الوطني لطلبة المغرب.
وقد عمدت العناصر الظلامية الرجعية بدعم من النظام, إلى ارتكاب مجازر دموية في حق الجماهير الطلابية وطلائعها المناضلة, مستخدمة السلاسل و السكاكين, ومجندة في ذلك عناصر مشبوهة لا علاقة لها بالقطاع الطلابي (...) والتي أصبح تواطؤها مكشوفا مع النظام. هذا الأخير الذي أصبح يعمل على تقويتها في الساحة الطلابية للقضاء على الحركة الطلابية (...).
إن بروز ظاهرة العناصر الظلامية وممارستها التخريبية والإجرامية في حق الحركة الطلابية, وتواطؤها المكشوف مع النظام, وعرقلة النشاط النضالي داخل الجامعة, يستدعي من مكونات إ.و .ط .م تحديد مواقفها بشكل واضح, ومواجهة هذا المد الرجعي المتآمر على الحركة الطلابية ومحاصرته في الساحة الطلابية.
إن المراحل المتقدمة التي قطعتها الحركة الطلابية في الآونة الأخيرة, من خلال إعادة هيكلة إ.و .ط .م بخلق لجان تمثيلية سيضع الحركة الطلابية في عتبة مرحلة جديدة من نضالها المرير. وأمام تحديات ليست بيسيرة, تتطلب منها الإدراك والوعي العميق بمتطلبات المرحلة, وتحديد الآفاق النضالية للحركة الطلابية بما يخدم مراميها الآنية والبعيدة, وبما يسهم في إعادة الدور النضالي المشرق لإ. و. ط. م في النضال السياسي الذي يخوضه الشعب المغربي, والموقع المتميز الذي كان يحتله في الحركة الجماهيرية. ولن يتم ذلك إلا من خلال إعادة النظر في تاريخ الحركة الطلابية, مع خلق وإبداع ضوابط وأسس جديدة على قاعدة المبادئ الأربعة لإ.و .ط .م, وتجاوز كل المعيقات التي تحول دون تقدم النضال الجماهيري الطلابي, مع تجميد الخلافات والصراعات مرحليا للحم الصف الطلابي, وتوجيه الطاقات النضالية لما هو أساسي .
إن عملية التجاوز تتطلب في الظرف الراهن:
أولا – لحم صفوف الحركة الطلابية, وتذويب الخلافات للتصدي للمخططات التصفوية والتخريبية من خلال العمل الوحدوي بين مختلف مكونات إ.و .ط .م , على أسس نضالية وكفاحية جماهيرية وغير مهادنة لأي مخطط, يستهدف النيل من مكاسب ومطالب الحركة الطلابية وعبر تقويم العلاقة النضالية بين الفصائل العاملة في إ.و .ط .م, وتصحيحها على قاعدة الحوار الديمقراطي الذي يستند إلى منظومة : وحدة- نقد- وحدة. بمعنى أن الوحدة على أساس برنامج نضالي, مع الإحتكام إلى الصراع الديمقراطي المعتمد على النقد البناء,
بعيدا عن كل أشكال العنف, وتحكيم الممارسة النضالية, والإحتكام إلى القواعد الطلابية, وذلك بغية العودة من جديد إلى الوحدة التي تكون وحدة نضالية من مستوى أرقى, لتقديم وتطوير المسيرة النضالية للحركة الطلابية. وبهذا يكون الثابت هو الوحدة, والنقد لا يستهدف إلا تعزيزها.
ثانيا – خلق وإبداع أشكال تنظيمية مرنة تستجيب للتحولات الكمية والنوعية التي عرفها القطاع الطلابي, وتوسعه الجغرافي, وقادرة على استيعاب الجماهير الطلابية وتأطيرها وتفجير طاقاتها النضالية الخلاقة, بما يؤهلها للإسهام في تسيير وتوجيه نضالات الحركة الطلابية في إرتباط مع طبيعة المهام النضالية الجسيمة المطروحة مرحليا على القطاع الطلابي. ويقتضي هذا من اللجن التمثيلية في مختلف الجامعات, إعادة هيكلة إ.و .ط .م في الكليات, بتشكيل لجن الأقسام, وانتخاب تعاضديات كمرحلة أولى, لتشكيل لجنة تنسيق وطنية يكون من مهامها التهييء لعق المؤتمر الإستثنائي بتنسيق مع قيادة إ.و.ط.م وفق القرار الصادر عن المؤتمر 17.
ثالثا- التنسيق مع مختلف الفعاليات والهيئات المناضلة المرتبطة بقضايا التعليم(1), وفي مقدمتها النقابة الوطنية للتعليم العالي, والمنظمات النقابية المهتمة بالمسألة التعليمية, لكون التعليم قضية تهم الشعب المغربي بمختلف فئاته وطبقاته ومكوناته, وتستدعي النضال من مختلف المواقع النضالية للدفاع عن حق أبناء الجماهير الكادحة في التعليم بمختلف أطواره, بما فيه التعليم الجامعي والعالي.
رابعا- الصراع السياسي والإيديولوجي بدون هوادة مع أعداء الحركة الطلابية, وفي مقدمتهم العناصر الظلامية التخريبية والرجعية, وفضح ممارساتهم الإجرامية المرتكبة في حق الجماهير الطلابية, ونسف التجمعات وأنشطة إ.و.ط.م داخل الجامعة (فاس, وجدة, الرباط, البيضاء...), وتاريخهم الإجرامي الدموي في حق المناضلين التقدميين كاغتيال المناضل عمر بن جلون, وتوظيفهم من طرف النظام في السبعينات ضد اليسار الجديد, وكذا فضح إرتباطهم بالنظام لتخريب الحركة الطلابية, وعزلهم جماهيريا والكشف عن طبيعتهم الفاشية, وطبيعة مشاريعهم السياسية المتسترة وراء الدين.
وفي هذا السياق يجب على مناضلي إ.و.ط.م التمييز في هذا الصاع بين الإسلام كعقيدة والإسلام السياسي كتصور لتنظيم العلاقات بين الأفراد, وبينهم و بين السلطة, أسس مشروعيتها على أساس أحكام منزلة من السماء لا يمكن مناقشتها بناء على تأويلهم السياسي للإسلام. لذا يجب على مناضلي إ.و.ط.م كمناضلين ديمقراطيين الإيمان بحرية العقيدة وبالحق في ممارسة الشعائر الدينية والعبادات, واحترام المشاعر الدينية للجماهير الطلابية, استنادا إلى مبدأ الديمقراطية كأحد المبادئ الأساسية من مبادئ إ.و.ط.م في نفس الوقت يتوجب عليهم المواجهة والصراع السياسي والإيديولوجي الحازم ودون أي تردد للإسلام السياسي المتزيي بزي الإسلام وفضح أبعاده ومراميه السياسية المرتكزة على العنف والإرهاب, ونقد أفكاره وآرائه. إن تقويم العلائق الناظمة بين مختلف مكونات الحركة الطلابية والعاملة في إ.و.ط.م, وتصحيحها فيما بينها من جهة, وبينها وبين الجماهير الطلابية من جهة أخرى على أسس التحديدات السابقة واستنادا إلى مبادئ إ.و.ط.م سوف يضع عجلات الحركة الطلابية على سكة النضال الوحدوي والجماهيري المؤهل لصهر كل الطاقات النضالية, في بوثقة النضال الموحد لانتزاع مشروعية العمل النقابي وهيكلة إ.و.ط.م وتحصين الحركة الطلابية حتى تستعيد مكانتها النضالية وطابعها الكفاحي إلى جانب الجماهير الشعبية.
وإذا كانت الحركة الطلابية ومنظمتها العتيدة إ.و.ط.م قد قطعت خطوات مهمة لتجاوز وضع التشتت والركود الذي رافقها منذ بداية الثمانينات, مقدمة تضحيات جسام وعددا من الشهداء والمئات من المعتقلين الذين ذهبوا ضحية القمع, فإن دقة المرحلة التي تمر منها الحركة الطلابية حاليا وخطورتها تتطلب تعزيز صمودها ووحدتها, على أساس برنامج ديمقراطي.
أبريل 1990
الهـــوامش
(1)- للإطلاع على هذه المرحلة يمكن الرجوع إلى الدراسة التحليلية المهمة الواردة في كتاب مجدي ماجد" :Les luttes des classes pp 13 à 36.
(2)- ك.ق. :"وجهة نظر: في التطورات الأخيرة للحركة الطلابية". مجلة أمفي للمدرسة المحمدية للمهندسين, ماي 1980.
(3)- نفس المرجع.
(4)- نفس المرجع.
(5)- أنظر : les luttes des classes au Maroc, pp 44. MAJDI MAJID
(6)- يمكن الرجوع إلى مقال ك.ق. :"وجهة نظر: في التطورات الأخيرة للحركة الطلابية "
(7)- لقد صدرت هذه النشرة في دجنبر 1975 وباسم الطلبة الديمقراطيين, إلا أنه لم يصدر منها إلا عدد واحد نظرا للإعتقالات التي شملت الطلبة التقدميين في تلك الفترة مما أوقفها عن الصدور, ولقد جاءت هذه النشرة مكان نشرة 4 مايو التي تصدر باسم الحركة الماركسية-اللينينية. ولم يكن تغيير النشرة واسمها مجانيا بقدر ما كان تغييرا في التصور والرؤية للقطاع الطلابي, ويعكس الوعي بالأخطاء التي سقط فيها الطلبة التقدميون في ممارستهم النضالية داخل الحركة الطلابية, وفي نفس الوقت التجاوز الواعي والمسؤول لها. وذلك عبر ممارسة النقد الذاتي المشار إليه أعلاه, وترجمته على أرضية الواقع.
(8)- لقد تزعم هذه العصابة الظلامية الإجرامية "بن كيران عبد الإله" أحد قادة حزب العدالة والتنمية حاليا.
(9)- ك.ق. : "وجهة نظر : في التطورات الأخيرة للحركة الطلابية "
(10)- للمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى نفس المرجع السابق.
(11)- نفس المرجع
(12)- إن النزعة الهيمنية المرتبطة بالاتحاد الإشتراكي تجعله يعصف بالمنظمات كلما تقلص نفوذه داخلها. ويظهر هذا في انسحابه من المؤتمر 15 لإ.و.ط.م, وينسحب من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنة 1983 ليساهم في إنشاء منظمة حقوقية جديدة يضمن فيها نفوذه,نفس الشيء حصل بالنسبة للإتحاد المغربي للشغل بعد حسمه مع جناح عبد الله إبراهيم في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية, لينشئ الكنفدرالية الديمقراطية للشغل سنة 1978
عن مدونة الرفيق عبد المومن الشباري
https://chbari.skyrock.com
التأريخ والإمتداد
عبد المومن الشباري
تقـــــــديم
ثمة ضرورة ملحة للوقوف على تاريخ الحركة الطلابية المغربية, لرصد المراحل وأهم الأحداث التي عرفها الإتحاد الوطني لطلبة المغرب, والمسار النضالي الزاخر الذي قطعه من أواسط الخمسينات إلى الآن.
ولقد استدعت هذه العودة إلى تاريخ الحركة الطلابية, الظروف والملابسات التي تمر منها, وما عرفته منذ بداية الثمانينات من ظروف استثنائية بسبب الإجراءات القمعية المتمثلة في الحظر غير المعلن على الإتحاد الوطني لطلبة المغرب, مع ما رافق هذه الفترة غير القصيرة من اعتقالات ومحاكمات وإجهاز على مكتسبات الجماهير الطلابية, لفرض الإصلاح الجامعي التخريبي, وتوظيف كل الإمكانيات في محاولة يائسة لإسكات الصوت الطلابي, ومحو الرصيد النضالي التاريخي لإ.و.ط.م.
وقد يحدث في فترات استثنائية دقيقة من تاريخ الحركة الطلابية, خاصة في ظروف الجزر, أن تشهد الجامعة المغربية والحركة الطلابية فراغا تنظيميا, يكون مؤثرا تأثيرا سلبيا على نضالات الجماهير الطلابية, كما هو الشأن بالنسبة للفترة الممتدة بين سنتي 1973 و1978 , ونفس الشيء حصل بالنسبة للفترة الممتدة من سنة 1981 إلى الآن. ويحدث في هذه الفترات غياب التواصل النضالي للحركة الطلابية بين راهنية معاركها وتراثها النضالي. هذا التواصل الذي يمكنها من استيعاب الماضي وتمثله لفهم الحاضر واستشراف آفاق المستقبل. إن هذه العملية الجدلية هي المؤهلة لتمكين الحركة الطلابية وطلائعها المناضلة من تجنب المنزلقات, والاستفادة من تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب, لتصليب عوده, وتسطير المهام النضالية الكفيلة بإخراج المنظمة الطلابية من التشتت التنظيمي, والإسهام في نضال الحركة الجماهيرية بشكل عام.
كما يحدث خلال فترات الفراغ التنظيمي, أن يستغلها البعض, بحكم الطبيعة الانتقالية للقطاع الطلابي, ليعيد صياغة تاريخ الحركة الطلابية بشكل مجرد, ويقفز معها على مراحل نضالية مشرقة في التاريخ النضالي لأ.و.ط.م. ويعمل جاهدا, في نفس الوقت, لتشويهها بما يخدم نزعاته الضيقة والآنية على حساب التراث النضالي الزاخر للحركة الطلابية. وقد تصل هذه النزاعات الشوفينية أحيانا إلى اختزال نضالات الحركة الطلابية في ذاتها والتماهي معها, وجعل الرصيد النضالي الجماهيري للقطاع الطلابي حكرا عليها دون غيرها من مكونات الحركة الطلابية وجماهيرها المناضلة.
في هذا السياق تأتي هذه المقاربة لرصد أهم الأحداث التي عرفتها الحركة الطلابية وتاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب, مع الربط بين دينامية الحركة الطلابية كجزء لا يتجزء من نضال الجماهير, وموضعتها في خريطة الصراع الاجتماعي الذي عرفه المغرب في مختلف مراحله, وذلك لكي لا يبقى هذا التاريخ مجرد سرد لأحداث تاريخية خالية من أية دلالة سياسية, وحتى يتبين لنا الدور الهام الذي لعبه الاتحاد الوطني الذي لطلبة المغرب في مجرى الحياة السياسية في البلاد, ومدي ارتباطه النضالي التاريخي بنضالات الجماهير الشعبية.
وسوف ترتكز هذه المحاولة على بعض المراحل التي ظلت تحت ركام الخطابات السياسية التعتيمية, لتأخذ مكانتها الطبيعية والموضوعية في صيرورة التاريخ النضالي للحركة الطلابية, لما لحقها من التشويهات المبيتة. غير أن تركيزنا على هذه المراحل سوف لن تحكمه خلفيات, بل تستدعيه الحقيقة التاريخية لتعريف الأجيال الحالية بهذا الثرات النضالي الذي ظل مطموسا بفعل المزايدات السياسية في القطاع الطلابي. إن الإلمام بتاريخ الحركة الطلابية, يقتضي مرحلته وتحقيبه حتى يتسى لنا الوقوف على مميزات كل مرحلة من مراحل تطوره, ويسعفنا في نفس الآن على الإحاطة الشاملة والنقدية لفهم الحركة الطلابية في شموليتها وموقعها في الصراع العام.
I -مرحلة التأسيس 1956- 1958
لقد جاء تأسيس الإتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1956 كضرورة تاريخية لتأطير الطلبة المغاربة كفئة اجتماعية لعبت أدوارا طلائعية في مرحلة النضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي, سواء ضمن الحركة الوطنية أو في هيئات طلابية مستقلة. كما جاء تأسيسه كامتداد واستمرار لهذه المنظمات الطلابية التي عرفها المغرب في عهد الحماية الفرنسية, كجمعية طلبة مسلمي شمال إفريقيا التي تأسست سنة 1912, واتحاد طلاب المغرب سنة 1925, وجمعية الطلاب المغاربة 1948, هذه الجمعيات التي لعبت أدوارا هامة في مناهضة الإحتلال, وساهمت في الحفاظ على الهوية والثقافة المغربية ومقومات الحضارة التي حاول المستعمر طمسها, كما تخرج منها العديد من الأطر والكوادر التي قادت الحركة الوطنية.
غير ان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في فترته التأسيسية الممتدة من سنة 1956 تاريخ نشأته إلى حدود المؤتمر الثالث المنعقد بتطوان سنة 1958, ظل على مستوى توجهه السياسي يحمل نفس تصور ورؤية الحركة الوطنية فيما يتعلق بفهم هذه الأخيرة للاستقلال الشكلي ومتطلبات المرحلة.وهكذا ظلت إ. و. ط. م تساير الحركة الوطنية التي كانت آنذاك تضع رهانها الكلي على الاستقلال الشكلي, وتعتقد أنه سوف يلبي طموحات الجماهير الشعبية في القضاء على مخلفات الاستعمار الذي رفعته آنذاك وعملت من أجله, وهو شعار" الوحدة الوطنية".
إن هذه التطورات التي كانت تحملها المنظمة الطلابية إ . و . ط .م جعلتها تحتل موقعا توافقيا مع بقية المكونات السياسية داخل المجتمع بما فيها القصر, الشيء الذي جعل الحركة الطلابية خلال هذه المرحلة لم تعرف أي صدام بينها وبين النظام, وظلت مواقفها مهادنة ومسالمة ومسايرة للسياسية الرسمية في ميدان التعليم, مستندة في ذلك إلى أوهامها السياسية التي كانت تطبع مواقف كل القوى السياسية. ولقد شهد الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ثلاثة مؤتمرات جاءت كالتالي:
- المؤتمر الأول : انعقد بالرباط في دجنبر 1956 وانتخب مجدي أول رئيس لإ.و.ط . م.
- المؤتمر الثاني: انعقد بفاس في شتنبر 1957 وانتخب عبد الرحمان القادري رئيسا لإ.و. ط . م.
- المؤتمر الثالث: انعقد بتطوان في يوليوز 1958 وانتخب السرغوشني رئيسا لإ.و.ط.م
II -مرحلة الإنخراط في النضال الجماهيري والمواجهة السياسية لمخططات الإستعمار الجديد 1959-1964
إذا كانت المرحلة الأولى من تاريخ الحركة الطلابية اتسمت بالتوافق والتسوية السياسية لإ.و.ط.م مع بقية الأطراف والمكونات السياسية في فترة الحماس الوطني تحت مظلة" الوحدة الوطنية" فإن المرحلة الثانية من مسيرة لإ.و. ط . م.ستعرف تحولا جذريا في توجهها السياسي والنقابي, وستحتل الحركة الطلابية موقعا هاما في خريطة الصراع السياسي على ضوء التناقضات الجديدة التي أفرزتها مرحلة الإستعمار الجديد, والتي ستتبخر معها أوهام الحركة الوطنية حول طبيعة" الاستقلال" والرهانات التي كانت تعقدها عليه. ولم يكن للإتحاد الوطني للطلبة من خيار سوى الدخول في حلبة الصراع والمواجهة إلى جانب الجماهير الشعبية في نضالها حول مستقبل البلاد.ولقد كانت لهذه الظروف السياسية والملابسات التي رافقتها في سنة 1959 دلالة بالغة في تاريخ أ.و. ط . م. والحركة الطلابية وستكون حاسمة ومحددة لتطورها النضالي وصيرورتها التاريخية فيما بعد.
إن التناقضات الطبقية الجديدة التي برزت في مغرب الاستقلال الشكلي حول مصير البلاد سوف تخترق الحركة الوطنية, حيث انشق على إثرها حزب الإستقلال, ليبرز إلى الوجود الجناح الراديكالي للحركة الوطنية ممثلا في الإتحاد الوطني للقوات الشعبية في شتنبر 1958.
وإزاء هذا الصراع السياسي سارع النظام في إطار مناوراته لربح المزيد من الوقت لترتيب أوضاعه, إلى توريط الجناح الراديكالي في حكومة بدون حكم تحت رئاسة عبد الله إبراهيم لضمان حياد المركزية النقابية الإتحاد المغربي للشغل (UMT), ولإضعاف حزب الإستقلال, ولاستمراره في تصفية حركة المقاومة وجيش التحرير, وسحق انتفاضة الريف في 1958-1959 , كما تم حظر الحزب الشيوعي في ظل حكومة عبد الله إبراهيم.
لقد انتهى هذا الصراع لصالح القصر بعد أن استكمل بناء أجهزته القمعية (الجيش والشرطة) على أنقاض المقاومة وجيش التحرير, وإضعاف الجركة الوطنية بجناحيها اليميني البرجوازي واليساري الراديكالي, وإقالة حكومة عبد الله إبراهيم في ماي 1960 , ليدشن بعد ذلك النظام مرحلة جديدة من الصراع السياسي, بعد تثبيت ركائزه وتحصينها. ولقد تم ذلك من خلال فرض الدستور المنوح عبر استفتاء 1962 , وتجاوز وتجاهل مطالب الحركة الوطنية بانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور للبلاد. واستمرارا في نفس النهج لجأ النظام إلى الإعلان عن الإنتخابات في سنة 1963 , معتقدا بالفوز الساحق لصنائعه وعلى رأسهم جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (FDIC), إلا أنه لم يكتب له النجاح في ذلك بالحصول على الأغلبية التي تؤهله لتمرير مخططاته, خاصة بعد التصدع الذي أصاب الأحزاب الموالية له داخل البرلمان.(1)
وعلى ضوء هذا الصراع السياسي الدائر حول مصير البلاد, لم يكن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بمنآى عنه, بل انخرط فيه وانحاز إلى صف الجماهير الشعبية. ويشهد له التاريخ باتخاذ مواقف سياسية جريئة ومشرفة في هذا الصراع جعلته في خندق القوى التقدمية المناضلة التي ربطت مصيرها بمصير الجماهير. وفي هذا الإطار طالب المؤتمر الرابع المنعقد بأكادير في غشت 1959 .بطرد الخبراء الفرنسيين الذين كانوا يشرفون على تنظيم الجيش وأجهزة البوليس, كما انتقد ولي العهد آنذاك الذي كان مكلفا بهذا التنظيم, كما طالب بالإصلاح الزراعي, وبالحريات الديمقراطية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين, ورفع الحظر على الحزب الشيوعي المغربي وأعلن تضامنه معه. وفور انتهاء هذا المؤتمر سارع النظام إلى شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف مناضلي إ.و.ط.م.
كما تخلت إ.و.ط.م. في مؤتمرها السادس بآزرو عن الرئاسة الشرفية لولي العهد على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب, لوضع القطيعة النهائية مع الجهات الرسمية, ولتعميق خطها النضالي التقدمي. كما ستدعو أ.و. ط . م. خلال هذه الفترة إلى مقاطعة دستور 1962 الممنوح.
وإلى جانب هذه المواقف السياسية المناهضة لسياسة النظام, سوف تخوض الحركة الطلابية معارك نضالية للدفاع عن المطالب المادية والمعنوية لعموم الجماهير الطلابية, كان أضخمها وأطولها الإضراب الذي خاضه التعليم الأصلي والذي دام 6 أشهر.
ولقد اتخذ أ.و. ط . م. خلال هذه الفترة مواقف قومية مساندة وداعمة لنضالات الشعوب العربية من أجل تحريرها من ربقة الإستعمار, وسارعت الجماهير الطلابية إلى احتلال السفارة الفرنسية بتاريخ11و12 نونبر 1961 بالرباط تضامنا مع نضال الشعب الجزائري ضد الإحتلال, كما ذهب أ.و. ط . م. في شخص رئيسه حميد برادة إلى إدانة الحرب الجزائرية المغربية سنة 1963, حينما أيد تصريحات الشهيد بنبركة الشيء الذي دفع بالنظام إلى محاكمة رئيس الإتحاد الوطني لطلبة المغرب حميد برادة غيابيا بالإعدام.
وأمام تنامي نضالات الحركة الطلابية, وازدياد حجم الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في الحياة السياسية سارع النظام للحد من فعالية أ.و. ط . م.السياسية, والتقليص من حجم جماهيريته إلى إصدار إجراء من طرف وزير الداخلية بتاريخ 21 يونيو 1964 يمنع بموجبه انضمام غير الجامعيين(التلاميذ) لإ.و. ط . م, كما التجأ بتاريخ 15 أكتوبر 1964 إلى القضاء لحل الإتحاد الوطني لطلبة المغرب بدعوى أن قانونه التأسيسي لم يعد مطابقا لمقتضيات إجراءات 21 يونيو 1964'إلا أنه تراجع تحت ضغط نضالات الحركة الطلابية, بإبطال الدعوة في دجنبر 1964, كما صدر في نفس الفترة ظهير يلغي ظهير 1961 الذي كان يعتبر أ.و. ط . م.كجمعية ذات منفعة عمومية.
لقد شكلت هذه المرحلة, أهم المراحل التي حددت التوجه التقدمي لإ.و. ط . م.وجعلت الحركة الطلابية تساهم إلى جانب القوى التقدمية وإلى النضال بجانب الجماهير الشعبية للدفاع عن مطامح الشعب المغربي في الحرية والعدالة الإجتماعية, ومواجهة المخططات السياسية للإستعمار الجديد, وتجليات هذه السياسة في المجال التعليمي. ولقد كان للنضال على الواجهة السياسية مكانة كبيرة في النضال الطلابي خلال هذه الفترة بالمقارنة مع النضال المطلبي, نظرا لطبيعة المرحلة, وطبيعة الصراع السياسي الدائر في البلاد,,و وما كان يتطلبه هذا الصراع من طاقات وجهود.
ولقد شهدت هذه المرحلة ستة مؤتمرات جاءت كالتالي:
- المؤتمر الرابع: انعقد بأكادير في غشت 1959 وانتخب ادريس السرغوشني رئيسا.
- المؤتمر الخامس: انعقد بالبيضاء في صيف 1960وانتخب عبد الرحمان القادري رئيسا.
- المؤتمر السادس: انعقد بآزرو في يوليوز 1961 وانتخب محمد الفاروقي رئيسا.
- المؤتمر السابع: انعقد بالرباط في يوليوز 1962 وانتخب محمد الفاروقي رئيسا.
- المؤتمر الثامن انعقد بالبيضاء في يوليوز 1963 وانتخب حميد برادة رئيسا.
- المؤتمر التاسع: انعقد بالرباط في شتنبر 1964 وانتخب محمد الحلوي رئيسا.
III -القمع الشامل والانعطافة النضالية للحركة الطلابية 1965-1973
قد تعرضت الحركة الطلابية في الفترة الفاصلة بين سنتي1965 و1973 إلى قمع شامل ومتواصل على امتداد هذه المرحلة, شأنها في ذلك شأن الحركة الجماهيرية نتيجة الأزمة البنيوية الشاملة التي كانت تتخبط فيها الكتلة الطبقية السائدة .ووجد النظام مخرجا لها في سحق كل التنظيمات السياسية المعارضة له ولسياسته في مختلف المجالات, حيث ساد في هذه الفترة جو الإرهاب البوليسي والقمع الدموي, توج بالإعلان عن حالة الإستثناء.
وعلى الرغم من هذا القمع الشامل الذي تأثرت به الحركة الطلابية وإطارها المناضل الإتحاد الوطني لطلبة المغرب, في سنوات 65-66-67, فإنها سرعان ما استجمعت قواها النضالية الكامنة في جماهيريتها الواسعة للتصدي للمخططات التآمرية للنظام والرامية إلى خنق الصوت الطلابي المناضل, وتحقيق مكتسبات هامة. ولقد تبلور في خضم هذا القمع الشامل فصيل الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين كتيار نقابي وجذري في الجامعة المغربية كان له أثر بالغ في خلق أشكال نضالية متقدمة, ساهمت في تطوير نضالات الحركة الطلابية, وتجذير مواقف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. غير أن الانعطافة النضالية للحركة الطلابية التي دشنتها مع المؤتمر 13 سنة 1969 غالبا ما تجد طمسها لأغلب من تناول تاريخ الحركة الطلابية, لأسباب أصبحت غير خافية عن الجماهير الطلابية.
لقد تفاعلت الحركة الطلابية بالمحيط العام الذي كانت تتحرك داخله, مؤثرة ومتأثرة به وبالجو العام الذي كان يسود البلاد في هذه المرحلة التي كان عنوانها الرئيسي القمع والإرهاب.
ولقد تميزت هذه المرحلة بحملات قمعية شرسة استهدفت كل النضالات الجماهيرية, كان أعنفها انتفاضة 23 مارس بالدار البيضاء سنة 1965. هذه الانتفاضة التي شكلت صداما دمويا مباشرا بين الجماهير الشعبية الكادحة والنظام,ولعبت الشبيبة المدرسية دور المفجر الرئيسي في إشعال فتيلها كرد فعل على المخطط التعليمي التصفوي الذي قرره النظام في شتاء 1965, بتحديد سن التلاميذ في المرور من قسم لآخر. وبمجرد ما انطلقت بالبيضاء حتى انتقلت إلى فاس ومراكش والرباط, وخرجت الجماهير لتلتحم بها بعد أن اكتوت بنيران الأزمة الإقتصادية والسياسية التي كانت تعرفها البلاد آنذاك. والتجأ النظام كعادته لإخمادها إلى استعمال العنف الدموي بقوة الحديد والنار مخلفا العديد من القتلى, والآلاف من المعتقلين والمختطفين, كما التجأ إلى سن مجموعة من الإجراءات السياسية, وركز كل السلط في يد الملك, وتم حل البرلمان, وأعلنت حالة الإستثناء في7 يونيو1965
وأقيلت حكومة اباحنيني, وتم استبدالها بحكومة جديدة برئاسة الملك. والتجأ النظام في نفس الفترة إلى استخدام المناورة السياسية لاستمالة القوى الديمقراطية بفتح مفاوضات معها قصد ربح الوقت لإعادة ترتيب أوضاعه. وفي هذا السياق أطلق سراح معتقلي سنة1963.
في ظل هذه الأوضاع القمعية الشاملة, عرفت الحركة الجماهيرية مسلسلا نضاليا متصاعدا, وخاضت الحركة العمالية معارك بطولية ابتداء من سنة 1968 وصلت إلى حجم لا مثيل له سنة 1971, كما عرفت البوادي المغربية انتفاضات قادها الفلاحون الفقراء في نفس الفترة (أولاد اخليفة- تسلطانت- أولاد تايمة..).
ووقفت القوى السياسية إزاء القمع الدموي الشامل وإزاء الحركة النضالية الجماهيرية العارمة, مواقف مخجلة ومتخاذلة, أبانت عن عجزها وإفلاسها, في قيادة النضالات الجماهيرية والشعبية, والتجائها إلى المساومة والتفرج كما هو الشأن في مفاوضاتها مع القصر أثناء انتفاضة مارس 1965 بالبيضاء. غير أنه بدأت تتبلور, من جهة أخرى, داخل الأحزاب الإصلاحية, خلال هذه الفترة, القناعة بالمواقف البروليتارية, والبحث عن الأداة التنظيمية الثورية البديلة لقيادة نضالات الجماهير وعلى رأسها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء, توجت بالإعلان عن ميلاد الحركة الماركسية-اللينينية المغربية في سنة 1970, هذه الحركة الثورية الفتية التي ستعطي نفسا جديدا وقوة للنضالات الجماهيرية, وعملت على تجذيرها عبر تنظيماتها الشبه الجماهيرية, كالجبهة الموحدة للطلبة التقدميين في القطاع الطلابي, والنقابة الوطنية للتلاميذ السرية في الشبيبة المدرسية.
أما الحركة الطلابية فقد تأثرت هي الأخرى فترة 65-73 بالمناخ السياسي العام الذي كانت تمر منه البلاد ولم تسلم من سياسة النظام القمعية والإرهابية التي طالت الحركة الجماهيرية على امتداد هذه السنوات.ولقد استهدفت الضربات القمعية خلال هذه الفترة الهيآت القيادية للإتحاد الوطني لطلبة المغرب, لتعطيل المنظمة الطلابية, وشل فعاليتها النضالية, للتأثير على مجمل نشاطاتها, وتوفير شروط الإجهاز عليها في الظروف المناسبة. فقبل انعقاد المؤتمر الحادي عشر بشهر واحد فقط سنة 1966, أقدم النظام على فرض نظام التجنيد الإجباري على ثمانية أعضاء من اللجنة التنفيذية, لعرقلة انعقاد المؤتمر.إلا أن الحركة الطلابية رفعت التحدي أمام هذا الإجراء القمعي بعقد المؤتمر في وقته المحدد, وانتخبت أجهزتها القيادية لمواصلة مسيرتها النضالية. إلا أن قيادة المنظمة المنبثقة عن هذا المؤتمر سوف تتعرض هي الأخرى على امتداد فترة تحملها للمسؤولية للمضايقات والملاحقة, توجت باختطاف رئيس إ.و. ط . م. فتح الله ولعلو وعضو آخر من اللجنة التنفيذية, ونقلا بطريقة سرية إلى طرفاية بتاريخ 14 أبريل 1964, كما أقدم النظام في نفس السنة إلى منع انعقاد المؤتمر الثاني عشر في ميعاده المقرر.
ولقد عرفت أنشطة إ.و. ط . م بعض التعثر والتشثت بفعل واقع القمع المسلط عليها, وبسبب نهج الجمود والانتظار الذي سلكته قيادة إ.و. ط . م حتى سنة 1967 حيث لم تعمل على تأطير الجماهير الطلابية وتوجيه نضالاتها المطلبية, كما أنها لم تعمل على تطوير الأشكال التنظيمية الجماهيرية لاستيعاب التحولات التي عرفها القطاع الطلابي في تلك المرحلة.
ففي ظل هذه الأوضاع داخل الجامعة, بدأ اتجاه ديمقراطي جذري في القطاع الطلابي, سيعرف فيما بعد بالجبهة الموحدة للطلبة التقدميين. هذا الفصيل المرتبط بالحركة الماركسية- اللينينية, سوف يسهم بشكل كبير في تأطير الحركة الطلابية وقيادة معاركها على مستوى قاعدة المنظمة الطلابية وفي أجهزتها التحتية في المؤسسات الجامعية, كما سوف تعمل الجبهة على تفجير الطاقات النضالية لدى الجماهير الطلابية, وإبداع أشكال تنظيمية تشركها في توجيه إ.و.ط.م.
إن هذه التحولات التي بدأت تعرفها الحركة الطلابية سوف تجد ترجمتها في مقررات المؤتمر الثالث عشر سنة 1969, هذا المؤتمر الذي وضع الحركة الطلابية على أبواب مرحلة جديدة, وسيمنح الحركة الطلابية وإطارها إ.و. ط . م. قوة دفع جديدة بإعادة المبادرة للجماهير الطلابية في توجيه إ.و. ط . م., وإشراكها النضالي في بلورة القرارات بعد أن كانت ممركزة في اللجنة التنفيذية. ولقد أقر المؤتمر أشكالا نضالية تنظيمية متقدمة تصون مبادئ الديمقراطية والجماهيرية, وتأخذ بعين الاعتبار التحولات النوعية والكمية التي عرفها القطاع الطلابي. وخلال هذا المؤتمر ستحدد لأول مرة مبادئ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التي ستحكم ممارسات وتوجهات الحركة الطلابية, وهي التقدمية, والاستقلالية, والديمقراطية, والجماهيرية. إن مقررات المؤتمر 13 تعطي للجماهير الطلابية انطلاقة نضالية جديدة على مبادئ وبرامج واضحة, ستعرف معها الحركة الطلابية تحركا نضاليا عارما للدفاع عن مكتسباتها. وأمام هذا الزحف النضالي سارع النظام في سنة 1970 إلى عقد مناظرة إفران لامتصاص قوة الحركة الطلابية والحد من شوكتها النضالية. وأما الفشل الذريع لنتائج مناظرة إفران على مستوى الواقع, التجأ النظام إلى سياسته القمعية, حيث استدعى 15 عضوا من قيادة إ.و. ط . م. من بينهم أعضاء من اللجنة التنفيذية في ماي 1970 للخدمة العسكرية, الشيء الذي دفع بالحركة الطلابية لشن إضراب عام عن الدراسة لعدة أسابيع من أجل فرض مبدأ تأجيل الخدمة العسكرية إلى ما بعد الدراسة.
ولم تتخلف الحركة الطلابية خلال هذه الفترة على الرغم من القمع, على نضالها السياسي ضد تحالفات النظام مع القوى الاستعمارية, ففي 4 ماي 1970 شن طلبة جامعة محمد الخامس بالرباط إضرابا عاما احتجاجا على زيارة الوزير الإسباني الفرنكاوي "لوبيز برافو" للمغرب, هذا الإضراب الذي أوقف مشروع اتفاق بين النظام المغربي ونظام فرانكو الديكتاتوري يهدف إلى الاستغلال المشترك لفوسفاط بوكراع في ظل سيادة الاستعمار الإسباني, والمساومة على مصير الصحراء.
إن هذا التطور النضالي الذي عرفته الحركة الطلابية, واتساع نفوذ الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين, دفعت بالنهج البيروقراطي في قيادة إ.و. ط . م. إلى اتباع نهج الجمود والانتظار لكي لا ينفلت من يدها زمام المبادرة, فسلكت أسلوب الإقصاء والممارسات اللاديمقراطية في عملية انتخاب مؤتمري المؤتمر الرابع عشر سنة 1970, والتي نتج عنها رفض مؤتمري المدرسة المحمدية للمهندسين, والمعهد الوطني للإحصاء, والمدرسة العليا للأساتذة, وكلية الآداب بالرباط. وقد أسفر المؤتمر الرابع عشر عن مقررات أعادت الحركة الطلابية إلى الوراء, حيث تقزم دور الجماهير الطلابية, ولا تشركها في صياغة القرارات وتوجيه إ.و. ط . م. وحددت هيكلة تنظيمية تحول دون تطوير النضال الجماهيري القاعدي, حيث حدفت بعض الهيئات الوسطية الفاعلة كالفروع وتهميش دور المجالس(2).
غير أن الجماهير الطلابية في معاركها النضالية سوف تتجاوز القرارات البيروقراطية, وستبدع أشكالا نضالية ملائمة لحجمها, إذ سيعرف القطاع الطلابي سنة 1970 أضخم المعارك, لم يسبق للحركة الطلابية أن عرفت مثلها, لا من حيث طول نفسها واتساع رقعتها فقط, وإنما من حيث شعاراتها المتجذرة وأبعادها السياسية. كما سمحت الظروف الموضوعية التي عرفتها البلاد بعملية تسييس واسعة النطاق للقطاع الطلابي, مما كان له أثر مباشر في إطلاق الحركة الطلابية تيارا اجتماعيا فاعلا لعب أدوارا ريادية على صعيد النضال الجماهيري. إن عملية التسييس دفعت بالنضال الطلابي قويا في الساحة النضالية, الشيء الذي جعل أحد مذيعي التلفزة آنذاك يصرخ بقوله :"إنه لكارثة أن يسيس التعليم". وتعتبر بحق المرحلة الفاصلة بين المؤتمر 10 والمؤتمر 15 من أخصب فترات الحركة الطلابية في معاركها النضالية, حققت مكاسب لم يسبق للحركة الطلابية أن تمتعت بها من قبل, كما ارتقت الحركة الطلابية إلى مهام المرحلة ومتطلباتها سواء من حيث الشعارات التي رفعتها, ولا من حيث الضغط الذي مارسته على النظام. وقد كان سندها في ذلك النضالات التي خاضتها فروع إ.و. ط . م. في الخارج حيث احتل الطلبة المغاربة في سوريا السفارة المغربية بدمشق في مارس 1972 احتجاجا على الوضعية الطلابية في المغرب, انتهت باعتقال الطلبة هناك.
ولقد رضخ النظام لمطالب الحركة الطلابية تحت ضغط نضالاتها الواسعة, وأذاع وزير التعليم عبر الراديو والتلفزيون وبشكل رسمي مطالب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب, وتمكنت الجماهير الطلابية من تحقيق المكتسبات التالية:
- الزيادة في المنحة بنسبة %15
- ضمان حق التلاميذ في التنظيم النقابي في إطار الوداديات.
- إقرار احترام حرمة الجامعة واستقلاليتها الإدارية والمالية والبيداغوجية.
- إقرار مشاركة الطلبة في التسيير الذاتي للأحياء الجامعية.
- التزام النظام بوعد إصلاح التعليم.
كما مارست الحركة الطلابية ضغوطا قوية, وخاضت معارك نضالية واسعة لإطلاق سراح مناضلي إ.و. ط . م. ولأول مرة يرضخ النظام لمثل هذا المطلب, حيث قام وزير التعليم الفهري بتصريح رسمي عبر الإذاعة بتاريخ 17 أبريل 1972 يؤكد فيه بأن الملك قرر الإفراج عن كل الطلبة المعتقلين للتخفيف من حدة أزمة التعليم.
وبالإضافة إلى ذلك ساهمت إ.و. ط . م, إلى جانب الإتحاد الوطني للمهندسين, والنقابة الوطنية للتعليم, وجمعية المحامين الشباب في تشكيل لجنة مناهضة القمع في المغرب, لعبت أدوارا مهمة في فضح أشكال القمع والإرهاب المسلط على الشعب المغربي, وقدمت الدعم والمساندة للمعتقلين السياسيين.
ولقد لعبت الجامعة بتأطير من الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في هذه الفترة دورا فكريا وإديولوجيا وسياسيا إشعاعيا, حيث شكلت الجامعة نقطة عبور الفكر الثوري الماركسي-اللينيني الجديد إلى باقي الفئات الإجتماعية, كما تخرجت منها العديد من الأطر والكوادر المتمرسة في النضال, والتي لازالت تقود العديد من المنظمات الجماهيرية والسياسية.
إن هذه الفترة الغنية من تاريخ الحركة الطلابية, والتي شكلت فترة مشرقة في مسار إ.و. ط . م سوف تجد تعبيراتها السياسية والنقابية والثقافية والنضالية في مقررات المؤتمر الخامس عشر, هذا المؤتمر الذي شكل قفزة نوعية في تاريخ الحركة الطلابية, عمقت من اختيارات إ.و. ط . م التقدمية, حيث ارتقت مقرراته إلى مستوى المرحلة التي كانت تجتازها البلاد, وعكست مواقف أكثر تقدما على جميع المستويات. كما تجاوز المؤتمر 15 الحدود التي رسمها النهج البيروقراطي, وجسد نمو وتجدر الوعي النقابي والسياسي الذي راكمته الجماهير الطلابية في ممارستها النضالية(3).
فعلى المستوى السياسي, طرح المؤتمر برنامجا نضاليا واضح المعالم استنادا إلى تحليل دقيق للمرحلة, مؤكدا استعداد الحركة الطلابية لربط نضالها بنضال الجماهير الشعبية, ودعم ومساندة هذه الأخيرة, ولخص ذلك في الشعار الذي رفعه المؤتمر:" لكل نضال جماهيري صداه في الجامعة". كما أكد على مساندته لكل حركات التحرر العالمية وفي مقدمتها الثورة الفلسطينية. أما على المستوى النقابي فقد أكد المؤتمر على النضال من أجل تعليم شعبي عربي ديمقراطي علماني وموحد, وكذا على ضرورة النضال من أجل إعطاء مضمون تقدمي لاستقلال الجامعة, والنضال من اجل حرمتها.
أما على المستوى التنظيمي فقد أفرز المؤتمر هيكلة تنظيمية مرنة قادرة على استيعاب الجماهير الطلابية وفتح آفاق رحبة للطاقات النضالية الخلاقة للقواعد الطلابية. كما شرع المؤتمر لكل الأشكال النضالية التي أبدعنها الجماهير في نضالها اليومي, وقد أسفر المؤتمر على المستوى التنظيمي على :
1- إعطاء مجالس المناضلين الصفة الشرعية القانونية بعد أن أبدعتها في الساحة النضالية القواعد الطلابية.
2- إعادة تأسيس مكاتب الفروع بشكل يمنح المنظمة الفعالية اللازمة على مستوى المدن الجامعية.
3- إعادة تأسيس لجنة التنسيق الوطنية وإعطاؤها دور التقرير وفق توجيه المؤتمر, وتمكينها من رسم وتقييم وقيادة المعارك النضالية.(4)
ونظرا لهذه القفزة النوعية التي عرفتها لحركة الطلابية في مؤتمرها الخامس عشر, والتي كانت نتاجا موضوعيا لتطور نضالات القطاع الطلابي, منذ انعطافته النضالية التي دشنت مع المؤتمر 13, ونظرا لما أصبحت تحتله الحركة الطلابية من قوة فاعلة في خريطة الصراع الإجتماعي, ولما سوف تشكله مقررات المؤتمر 15 من قوة دفع جديدة لهذا النهوض الجماهيري في القطاع الطلابي, سارع النظام بعد انتهاء المؤتمر بأسبوع إلى اعتقال رئيس المنظمة عبد العزيز المنبهي ونائبه عبد الواحد بلكبير بتاريخ 2 فشت 1972 , وظلا مختطفين بالمعتقل السري بآنفا بالدار البيضاء, وللتمويه عمل النظام إلى محاكمتهما غيابيا في صيف 1973 , وحكم عليهما بالسجن المؤبد. إن اعتقال الأطر القيادية ل إ.و. ط . م., كانت خطوة أولية ضمن مخطط شامل, سوف يأخذ صيغته النهائية في حظر الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في يناير 1973 , وكان من ضمن ما يهدف إليه هذا المخطط هو القضاء النهائي والكلي على الحركة الطلابية التي أصبحت تقض مضجع النظام. وأصبح يضع لها حساباته. ولقد عبر عن هذه الحقيقة "جون واتيربوري" بقوله:"لقد فقد النظام منذ 1970 المبادرة على مواجهة نضالية الطلبة, ولم يعد قادرا على رد الفعل, وطبق سياسة أنتم وشأنكم" . (5)
إن اختطاف رئيس المنظمة عبد العزيز المنبهي ونائبه جعل من الدخول الجامعي لسنة 72-73 ساخنا, حيث فجرت الحركة الطلابية معارك نضالية ضخمة وموسعة شملت كل المؤسسات الجامعية تحت شعار إطلاق سراح رئيس المنظمة وبقية أعضاء القيادة. وأمام اتساع الإضرابات الطلابية على الصعيد الوطني شرع النظام في حملة اعتقالات واسعة في صفوف الطلبة ومسؤولي إ.و. ط . م. على مختلف المستويات, وتم طرد العديد من الطلبة, وأغلقت بعض الجامعات, وتوجت هذه الحملة القمعية الشاملة بالقرار المخزني بحظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 24 يناير 1973 .
إن قرار الحظر جعل النهج البيروقراطي يستغله للهجوم على المؤتمر الخامس عشر, وعلى فصيل الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين, محملينه مسؤولية الهجمة القمعية فهل يمكننا أن نعتبر هذا القرار كما روج له البعض –ومازال- مسؤولية الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين؟
ألا يمكن أن نعتبر هذا التفسير التبسيطي والساذج يبرؤ بشكل ضمني همجية النظام ومعاداته لأي عمل جماهيري منظم مناهض لسياسته؟ وهل يمكننا أن نبرر بفصيل تقدمي تحمل مسؤولية قيادة إ.و. ط . م. في ظروف قمعية شرسة, في الوقت الذي تهرب منها البعض, انهيار مرحلة اتسمت بأزمة سياسية شاملة؟
إن الرجوع إلى الوضع السياسي العام الذي تميزت به مرحلة بداية السبعينات لكفيل بالإجابة الموضوعية والبعيدة عن المزايدات السياسية لفهم خلفية قرار الحظر دون أن نغفل بعض الأخطاء التي وقع فيها المؤتمر 15 والتي سوف نتطرق لها في موضع لاحق.
لقد جاء قرار حظر الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في ظروف سياسة بالغة التعقيد (6) كان يعيش فيها النظام أزمة سياسية خانقة اتسمت بالعزلة الداخلية والخارجية, عرف على إثرها النظام هزات عنيفة كادت أن تطيح بأركانه. وكان من نتائج هذا الوضع المأزوم أن تصدعت الكتلة الطبقية السائدة, وتفكك التحالف الطبقي الرجعي الحاكم. هذا التصدع الذي اتخذ شكل انقلابين عسكريين في 10 يوليوز 1971 و 16 غشت 1972 , يعد أن أصبحت مصالح الملاكين العقاريين الشبه الإقطاعيين الذين كان يمثلهم الشلطاوي والمذبوح, مهددة من طرف موجة الرأسمالية المتوحشة للمستعمرين الجدد (7).
ففي ظل هذه الاوضاع العامة المتردية, احتد الصراع الطبقي, وعرفت الحركة الجماهيرية نضالات واسعة شملت مختلف القطاعات, غير أن هذه النضالات لم ترق إلى مستوى صد الهجمة, وتحصين مكاسب الجماهير. كما أن واقع الجمود والإنتظار الذي نهجته الأحزاب الإصلاحية آنذاك عمق اليأس في صفوف مناضليها ودفع بتيارات المقاومة داخل الإتحاد للقوات الشعبية-فرع الرباط- إلى تبني العمل البلانكي الإنقلابي, وفجر الكفاح المسلح في منطقتي مولاي بوعزة بخنيفرة, وكلميمة بالجنوب في 3 مارس 1973 .
إن هذه الأوضاع السياسية, جعلت النظام يقوم بحملة قمعية شرسة للسيطرة على مجريات الوضع, شملت حتى أجهزته القمعية كمؤسسة الجيش بعد الإنقلابين, حيث حوكم عدد كبير من الضباط وأعدم البعض الآخر, وليخضع في النهاية إلى القيادة الفعلية والمباشرة للملك, بعد حذف منصب وزير الدفاع. كما تعرضت الحركة الماركسية-اللينينية المغربية إلى اعتقالات واسعة شملت العديد من أطرها في مختلف المدن المغربية منذ سنة 1972 توجت بمحاكمة صيف 1973. كما عمد النظام في هذه الفترة بالذات لتصفية بعض القادة السياسيين بإرسال طرود ملغومة إلى محمد اليازغي والشهيد عمر بن جلون من UNFP, ومحمد الدويري من حزب الاستقلال, وتعرض الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في شهر مارس 1973 إلى اعتقالات واسعة شملت العديد من قادته وأطره, ومنعت أنشطة الحزب في 2 أبريل 1973 , وانتهت هذه الحملة بمحاكمة يونيو التي حوكم فيها 150 مناضلا, أعدم فيها 16 مناضلا من ضمنهم الشهيد عمر دهكون في يونيو 1973. كما راجع النظام قانون الحريات العامة, لإحكام قبضته على الجماهير, وتعززت السلطة التنفيذية على حساب السلطة القضائية من خلال الظهائر الثلاثة الصادرة في ابريل 1973 , واستهدفت قانون الجمعيات والتجمعات العامة وحرية الصحافة, وأصبح المنع غير مقتصر على الهيئة القضائية فقط, بل امتد ليصبح من اختصاص السلطات الإدارية, أعطيت لوزير الداخلية صلاحيات واسعة لتوقيف المطبوعات, بما فيها الجرائد التي من شأنها المس بأسس المؤسسات السياسية أو الدينية للمملكة.
ففي ظل هذا الوضع القمعي الشامل لم يكن من الممكن أن تنفلت منه الحركة الطلابية, لموقعها في الصراع الإجتماعي وريادتها في هذه الفترة للحركة الجماهيرية, فلقد شمل القمع قادة إ.و. ط . م. وأطرها, كما أقدم النظام على طرد العديد من الطلبة, وأغلق الكثير من المؤسسات الجامعية, وتوج هذه الهجمة بقرار حظر الإتحاد الوطني لطلبة المغرب.
إن قرار الحظر لم يكن وليد الحركة النضالية للقطاع الطلابي فحسب, بل هو حلقة جزئية ضمن مسلسل قمعي شامل كما رأينا, شنه النظام على الجماهير الشعبية الكادحة وتنظيماتها السياسية والنقابية والجماهيرية للحد من تنامي نضاليتها, وللتخفيف من حدة أزمته السياسية الخانقة التي تفاقمت مع مطلع السبعينات.
إن النظرة التحليلية الشمولية لقرار الحظر, ووضعه في إطاره التاريخي والملابسات السياسية التي عرفها المغرب آنذاك, سوف يقينا من الأحكام التبسيطية الساذجة التي لا ترى قرار الحظر إلا داخل أسوار الجامعة, واختزاله في حدود القطاع الطلابي بشكل مجرد عن الصراع السياسي والاجتماعي لتلك الفترة التاريخية. كما أن إلقاء المسؤولية على الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين, ما هو إلا حكم باطل وشكل من أشكال المزايدة السياسية التي تفتقر لفهم عميق للظرف السياسي الذي جاء فيه قرار حظر إ.و. ط . م.
ولكن كانت الحركة الطلابية وإطارها العتيد إ.و. ط . م. قد لعبت أدوارا مهمة في صيرورة النضال الطلابي خلال فترة 1965-1973 , وحققت من المكاسب الهامة ما لم تحققه من قبل على المستوى المطلبي, وكذلك لما اكتسبته من قوة في الساحة السياسية, ومن موقع في الحركة الجماهيرية, وكذا الدور الفكري والإديولوجي والسياسي الذي لعبته الحركة الطلابية على صعيد المجتمع, فإنها مع ذلك سقطت في بعض الأخطاء التي تستدعي التقويم والمراجعة والنقد للإستفادة منها ولتجاوزها في الحاضر والمستقبل, لأن ممارسة النقد الذاتي هي الضمانة الوحيدة لتطوير الممارسة النضالية بتجنيب الحركة الطلابية من إعادة إنتاج أخطاءها.
ولعل أهم الأخطاء التي سقطت فيها الحركة الطلابية آنذاك, تلك المعارك النضالية الضخمة التي خاضها إ.و. ط . م في سنة 1972, والتي شكلت قوة ضغط فاعلة على النظام جعلته يتنازل عن بعض المكاسب الهامة, ويرضخ لمطالب إ.و. ط . م غير أن الحركة الطلابية وإطارها لم تستطع استثمار تلك التنازلات بتوقيف المعارك, وتحصين المكتسبات, وذلك لتعزيز مواقعها بما يخدم مصالحها المستقبلية و" دون أن نتوقف كثيرا عند ملابسات هذه المعركة المتميزة في تاريخ الحركة الطلابية والتلاميذية المغربية إلى يومنا هذا, نذكر أنها امتدت خلال ثلاثة أشهر مدعومة من طرف حركة واسعة وعميقة لصالحها, ولكن نشير أيضا إلى أن المنظمات الثورية الماركسية-اللينينية التي تشكل وسطها القوة المحركة الأساسية, لم تعرف كيف توقف هذا الإضراب بالاستثمار الجيد للتنازلات التي قدمها النظام حتى تعزز قواها وقوى الحركة الطلابية والتلاميذية, وتستطيع ضمان ارتباط أكثر دواما مع الجماهير الشعبية"(8).
وتوجد أخطاء عكستها مقررات المؤتمر الخامس عشر المنعقد سنة 1972,والتي اتسمت بالخلط بين العمل النقابي والعمل السياسي, ولم تضع حدودا فاصلة بينهما, وحل السياسي محل النقابي, وافتقد هذا الأخير استقلاله النسبي, وهذا لا يعني أن النضال النقابي يستقل استقلالا مطلقا عن النضال السياسي, ويبرز هذا الخلط بشكل واضح حينما حددت المقررات مهاما سياسية ليست من طبيعة العمل النقابي الجماهيرية, وذهبت إلى إسقاط بعض التصورات ذات طابع استراتيجي لا علاقة له بمنظمة نقابية جماهيرية وديمقراطية, وهذا ناتج عن الخلط السائد في الساحة الطلابية في فترة المؤتمر 15 بين مفهوم العمل الديمقراطي الجماهيري الذي يستند إلى أهداف ومبادئ تخدم مصلحة فئة أو فئات اجتماعية معينة, ومفهوم العمل السياسي الذي يستند إلى خط ايديلوجي وسياسي وتنظيمي له بعده الطبقي المحدد (9).
كما ارتكز الصراع بين مكونات إ.و. ط . م على أشكال خاطئة, وسادت الحلقية, والحسابات الضيقة , والمزايدات السياسية, غابت معها المهام الحقيقية للجماهير الطلابية, التي كان من المفروض التجند لإنجازها على قاعدة الحوار الديمقراطي والاحتكام إلى الجماهير الطلابية, الشيء الذي أضعف من قدرات إ.و. ط . م لمواجهة الضربات القميعة التي عرفتها هذه المرحلة. ولقد ساهمت في هذا الخطأ القاتل كل الفصائل بدون استثناء.
ولقد تدارك الطلبة التقدميون أخطاءهم, وبادروا قبل غيرهم إلى ممارسة نقد ذاتي جماهيري مسؤول وجريء ينم عن نضج في الوعي والممارسة النضالية لم يسبق لأي فصيل أن ارتقى إلى مستواها بالرغم من الأخطاء القاتلة التي ارتكبها البعض.ولقد جاء هذا النقد في مجلة 24 يناير التي أصدرها الطلبة التقدميون بالمغرب في دجنبر 1975(10), غير أن إشهارها هذا النقد في النهج الديمقراطي, لا يعدو أن يكون سوى ورقة خاسرة لمواجهة الطلبة القاعديين.
ومهما بلغ حجم الأخطاء, فإن فترة 1965-1973 تعد من الفترات المشرقة في تاريخ إ.و. ط . م, حيث ارتقت الحركة الطلابية إلى مستوى المهام المطروحة عليها آنذاك, حركة وازنة لها فعاليتها في مجرى الحياة السياسية في البلاد ولا غرابة في أن نجد هذه الفترة مطموسة لدى البعض ويتجاهلها وإن تناولها فغالبا ما يتهجم عليها مجانيا.
IV النضال من أجل رفع الحظر عن إ.و. ط . م 1974-1981
لقد عاشت الحركة الطلابية على امتداد هذه المرحلة فترة عسيرة من تاريخها, بفعل القمع الشامل الذي تعرضت له وقرار الحظر المخزني الصادر في حق المنظمة الطلابية إ.و. ط . م, مما كان له انعكاسات سلبية على المسار النضالي للحركة الطلابية. ولقد جاء هذا الإنحسار الطلابي في ظروف سياسية بالغة التعقيد استطاع من خلالها النظام تجاوز أزمته السياسية,وإعادة ترتيب أوضاعه والسيطرة من جديد على مجريات الأحداث في البلاد. فالأزمة السياسية الحادة التي عرفها النظام, والتي اتخذت شكل انقلابين عسكريين في سنتي 1971 و 1972 مع ما رافقها من قمع دموي شامل, سوف تجعله يدرك أن القمع وحده غير كاف لتجاوز أزمته السياسية, ورأب الصدع الذي أصاب الكتلة الطبقية السائدة, وأنه في نفس الوقت غير قادر على احتواء التحولات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي آنذاك.
وقد سلك النظام لتحقيق هذا الغرض, نهجين سياسيين يلتقيان عند هدف إحكام السيطرة على الوضع, وإعادة هيكلة وترتيب تحالفاته الطبقية! نهج قمعي منظم للحركة الثورية وبالأخص الحركة الماركسية- اللينينية المغربية, ونهج سياسي للف القوى الإصلاحية حوله من خلال تاكتيك سياسي دقيق لازال تأثير مفعوله ساريا إلى الآن.
وفي هذا السياق واصل النظام حملته القمعية الشرسة التي ابتدأها منذ 1972 في صفوف الحركة الماركسية- اللينينية المغربية, لتستمر حتى سنة 1977 بشكل متواصل بهدف القضاء على هذه الحركة الثورية لما كانت تمثله من معارضة جذرية للنظام, وللحجم الذي بدأت تكتسبه وسط الشباب المغربي, وبالأخص وسط الحركة الطلابية, والشبيبة المدرسية. ولقد شملت هذه الإعتقالات عددا من أطر وقياديي هذه الحركة , وخلفت وراءها المئات من المعتقلين والمنفيين الذين اضطرتهم شروط القمع مغادرة البلاد, وقد تلازم مع هذا المسلسل القمعي أن عمل النظام على إعادة لحم الكتلة الطبقية السائدة التي أصابها التصدع في بداية السبعينات, وإعادة السيطرة على الجيش بعد تصفية شاملة داخله, وكذا تحييد الطبقات والفئات الوسطى عبر صيرورة تداخل فيها الإقتصادي والسياسي والإديلوجي. كما استطاع النظام منذ ماي 1974 أن يلف من حوله كل الاحزاب, تحت شعار الإجماع الوطني المزعوم حول قضية الصحراء. هذا الإجماع الذي كان يستلزم من بين ما يستلزمه إطار للضبط بالنسبة للنظام للتحكم في رقعة اللعبة السياسية. فكان المسلسل الديمقراطي المزعوم الإطار المناسب لذلك, مع ما ارتبط به من شعارات سياسية خادعة" كالسلم الإجتماعي", و" تمتين الجبهة الداخلية", و"الانفتاح", و" المغرب الجديد".إن هذا المسلسل الديمقراطي لم يكن في حقيقة الأمر سوى ديمقراطية لكبار الملاكين العقاريين والكمبرادور, واستبدادا في حق الشعب المغربي, كما ستؤكده الأحداث بعد ذلك حيث استطاع النظام من خلاله احتواء التطلعات العميقة لعموم الجماهير الكادحة في الحرية والعدل والديمقراطية الشعبية.ولقد تمكنت الكتلة الطبقية السائدة عبر هذا المسلسل السياسي من إعادة هيكلة نفسها سياسيا واجتماعيا عبر المغربة, والإجماع الوطني, والمسلسل الديمقراطي, وتعزيز مواقعها تحت هيمنة البرجوازية الكمبرادورية. وتمكنت في نفس الوقت من تحييد الطبقات الوسطى وإدماجها في النظام السياسي القائم. إلا أن هذا المسلسل المزعوم لم يوفر السلم الإجماعي للكتلة الطبقية السائدة, بل أعطى تقاطبا داخل المجتمع. وأصبح الإجماع الوطني الذي اندرجت فيه القوى الإصاحية في تقابل مع إجماع شعبي يضم كل الفئات والطبقات الاجتماعية المتضررة من الوضع. وسوف يحتد الصراع الطبقي منذ سنة 1978 وستخوض من خلاله الجماهير نضالات واسعة وطويلة النفس في مختلف القطاعات, توجت بانتفاضة البيضاء 20 يونيو1981 التي كشفت زيف الديمقراطية, وزيف الإجماع المزعوم, كما أشرت على نقطة فاصلة بين مرحلتين متميزتين, سواء بالنسبة للنضالات الجماهيرية, أو بالنسبة للنهج السياسي الذي يسلكه النظام.
إن هذه التحولات السياسية والإقتصادية التي عرفها المغرب خلال هذه الفترة سوف تتفاعل معه الحركة الطلابية في نضاليتها عبر مد وجزر الحركة الجماهيرية على قاعدة الصراع الاجتماعي العام الذي مرت منه البلاد على مختلف المراحل. لهذا ستعرف الحركة الطلابية هي الأخرى تراجعا وتصادعا مشروطا بتطور صيرورة الصراع العام.
لقد كان لقرار الخطر تأثير كبير على مسيرة القطاع, وستعرف معه الحركة الطلابية انحسارا كبيرا, من خلال حملات القمع الشامل التي عرفتها سنتي 1973-1974, وما عرفته الجامعة من فراغ تنظيمي وسياسي لم يسبق للحركة الطلابية أن عرفت مثله من قبل. كما كان للقمع الأسود الذي تعرضت له الحركة الماركسية-اللينينية المغربية تأثير على الوضع الجامعي لما كانت تشكله هذه الحركة الثورية من تأطير سياسي للحركة الطلابية منذ نهاية الستينات إلى حدود الحظر سنة 1973.
لهذا ستعرف الحركة الطلابية تراجعا كبيرا وجمودا ملموسا, نظرا للإرهاب الذي ساد في الجامعة المغربية وتجريم العمل النقابي داخلها, واقتصرت الجماهير الطلابية إلى حدود سنة 1975 في المطالبة بشرعية العمل النقابي, وإحياء ذكرى 24 يناير لإدانة حظر الإتحاد الوطني لطلبة لمغرب.
في ظل القمع والإرهاب الذي ساد الجامعة المغربية خلال سنوات 73-74-75, عمد النظام إلى تمييع الجو الجامعي لمحو التقاليد النضالية التي رسخها الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في الجامعة المغربية, وذلك بإحياء السهرات داخل المؤسسات والأحياء الجامعية والمعاهد العليا, ونشر الاستيلاب الفكري, والتفسخ الأخلاقي لتهيئة الأرضية الملائمة لخلق تمثيلية مزيفة لطلبة المغرب. وهذا ما جاء به الإصلاح الجامعي الذي طبخ في مكاتب وزارة الداخلية, والذي عرف آنذاك بالمراسيم التطبيقية في سنة1975 .
إلا أن هذا الإصلاح الجامعي الذي حاول النظام تمريره في الوقت لا زالت فيه الحركة الطلابية متأثرة بالضربات القمعية الموجهة لها, شكل منطلقا نضاليا جديدا, تجندت له كل الطاقات النضالية, ورفضته الجماهير الطلابية متشبثة بمنظمتها العتيدة إ.و. ط . م هذا الرفض الجماهيري الذي وقف سدا منيعا في طريق تطبيق هذا الإصلاح التخريبي في الوقت الذي قبلت به بعض الفصائل واعتبرته خطوة على درب استرجاع إ.و. ط . م ومثلت في التعاضديات الإدارية(طلبة حزب التقدم الإشتراكية). وارتبك البعض الأخر, حيث تأرجح بين القبول والرفض( طلبة الإتحاد الإشتراكي: القبول في الرباط والرفض في البيضاء لنفس الفصيل), ثم الرفض الخجول والمحتشم بعدما ناهضت الجماهير الطلابية الإصلاح الجامعي المزعوم. كما أحبطت القواعد الطلابية لكلية الآداب بالرباط إصلاحا مماثلا ومشتقا من المراسيم التطبيقية سنة 1977, تقدم به بعض الأساتذة الاتحاديين ويدعم من طلبة الإتحاد الإشتراكي, إلا أن مقاطعة الطلبة للامتحانات الجزئية أقبرت هذا المشروع.
إن انتصار الحركة الطلابية في معاركها النضالية, في التصدي للمخططات التعليمية التصفوية مدها بقوة دفع جديدة, استعادت معه قوتها النضالية, وشكل حافزا لها للدخول في معارك نضالية جديدة وضعت على رأس مطالبها إطلاق سراح قياديي ومسؤولي إ.و. ط . م.
ورفع الحظر على المنظمة الطلابية.
ولقد فجرت الجماهير الطلابية مسلسلا نضاليا عارما شمل مختلف المؤسسات الجامعية, كان من نتائجه أن أطلق سراح عبد العزيز المنبهي رئيس الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ونائبه عبد الواحد في سنة 1976. ولقد لعبا بعد الإفراج عنهما أدوارا مهمة في توجيه نضالات الحركة الطلابية. وأمام تنامي هذه النضالات شن النظام حملة اعتقالات في ماي 1977, شملت العديد من مناضلي جامعة محمد الخامس بالرباط, وطالت نائب رئيس إ.و. ط . م. عبد الواحد بلكبير, واضطرمعها الرئيس عبد العزيز المنبهي إلى الإغتراب في المنفى, بعد إعتقاله في 23 مارس 1977 نظرا لوضعه الصحي الخطير الناتج عن الإعتقال والتعذيب.
لكن هذه الإعتقالات لم تحد من دينامية القطاع الطلابي, ولم توقف المعارك النضالية, وابتدعت الجماهير الطلابية أشكالا تنظيمية ملائمة وقادرة على استيعاب التحولات في ظل الحظر, وانتزعت الحركة الطلابية مشروعية العمل النقابي, وشكلت تعاضديات في إطار الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في عدد كبير من الكليات والمعاهد العليا. ولقد لعب طلبة المدرسة المحمدية للمهندسين دورا كبيرا في توحيد النضالات الطلابية من خلال دعوتهم للتنسيق على الصعيد الوطني, وهذه الدعوة التي استجابت لها مختلف المؤسسات الجامعية, وتشكل على إثرها المجلس الوطني للتنسيق في أواخر 1977.
ولقد شكل المجلس الوطني للتنسيق خطوة حاسمة لرفع الحظر عن إ.و. ط . م ومنطلقا متقدما في صيرورة النضال الطلابي, حيث عمل على توحيد نضالات الحركة الطلابية, وتحديد آفاقها, كما سطر ملفا مطلبيا على الصعيد الوطني, وقاد المعارك الطلابية في مختلف المؤسسات الجامعية, وجعل من مطلب رفع الحظر عن إ.و. ط. م مطلبا مركزيا في كل التحركات الطلابية.
أمام تسارع وثيرة الدينامية النضالية في مختلف المؤسسات الجامعية, نظم التنسيق الوطني مهرجانا تضامنيا تعبويا ضخما بمدرج المغرب الكبير بكلية الحقوق بالرباط في 8 أبريل 1978, حضرته الجماهير الطلابية من كل المدن الجامعية, إلا أن بعض العناصر الطلابية الرجعية نسفت هذا المهرجان مدعومة في ذلك بالبوليس السري والعلني (11). كما قاد مجلس التنسيق إضرابات عامة على الصعيد الوطني. وفي هذا الإطار لبت الجماهير الطلابية نداء مجلس التنسيق بشن إضراب عام على الصعيد الوطني لمدة48 ساعة يومي 24و25 يناير 1978, كما جعل المجلس يوم 26 أبريل 1978 يوما وطنيا من أجل رفع الحظر الوطني لطلبة المغرب خاضت فيه الحركة الطلابية إضرابا عاما تخللته مهرجانات جددت من خلالها الجماهير الطلابية تشبثها بإ.و. ط . م, وتأكيد عزمها على النضال من أجل رفع الحظر عن منظمتها.
إن هذا المسلسل النضالي العام, بطول نفسه واتساع رقعته, أجبر النظام على التراجع عن قراره المخزني الجائز, وتم الإعلان الرسمي عن رفع الحظر عن الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في 9 نونبر 1978, بعد أن تبين للنظام وبشكل ملموس أن إ.و. ط . م أصبح قوة مادية ملموسة في الساحة النضالية في ظل الحظر, وأن رفع الحظر الجائر ما هو إلا إقرار بواقع موضوعي فرض نفسه على النظام. وقد شكل رفع الحظر عن إ.و. ط . م مكسبا فعليا للحركة الطلابية, بفضل نضالاتها المريرة على امتداد سنوات الحظر التعسفي, فأمام تشبث الحركة الطلابية بمنظمتها العتيدة, ورفضها للإصلاح الجامعي المزعوم, ولأي بديل عن إ.و. ط . م, وإصرارها على الإستمرار في النضال من أجل انتزاع مشروعيتها, واتجاهها إلى إبداع أشكال وأساليب تنظيمية كفيلة بتأطير نضالات القواعد الطلابية في ظل الحظر, لم يجد الحكم بدا من رفع الحظر عنها محاولا في نفس الوقت إفراغها من محتواها الكفاحي والنضالي وعزلها عن نضالات الجماهير الشعبية وترويضها بالقدر الذي يستلزمه"السلم الجماعي" "والمسلسل الديمقراطي" المزعوم. وهذا ما تجسد في استمرار اعتقال مسؤوليها والعديد من مناضليها, والرهان على إمكانية احتوائها وفرض الوصاية عليها وجرها إلى مستنقع المسالمة والمهادنة من طرف النهج البيرقراطي المسالم. "وفي نفس الوقت اعتبرته أوسع القواعد الطلابية, موضحة في نفس الوقت الإطار الذي جاء فيه والملابسات المحيطة به مؤكدة على إسقاط رهان الحكم, وذلك بالنضال من أجل إعطاء أ.و.ط.م. محتواها النضالي والكفاحي, وربط نضالات الحركة الطلابية بنضالات الشعب المغربي, وهذا ما يتطلبه بناؤه بشكل قاعدي وصلب على أساس مبادئه, وقانونه الأساسي ومقررات مؤتمره الخامس عشر (12).
إن رفع الحظر سيجعل الحركة الطلابية تدخل في مرحلة متميزة هي الأخرى بإشكاليتها السياسية والنقابية والتنظيمية. هذه الإشكاليات التي تركزت على المسار النضالي المستقبلي لأ.و.ط.م. ولقد اكتست صيغا مختلفة في النقاشات الدائرة في القطاع الطلابي. إلا أنها تجسدت بشكلها البارز في المسألة التنظيمية, عاكسة في عمقها صراعا سياسيا بين تصويرين متناقضين للعمل النقابي داخل القطاع الطلابي وطبيعة مضمونه. اختلاف بين تصور بيروقراطي يعمل على هيكلة أ.و.ط.م. بشكل فوقي ومعزول عن الجماهير, وجعل هذه الأخيرة تحت رحمة الوصاية, مع ربط عجلة الحركة الطلابية ب"الإجماع الوطني" و"السلم الإجتماعي" ومستلزماته, وبين تصور ديمقراطي كان همه الأساسي هيكلة المنظمة الطلابية على أسس نضالية وكفاحية, ترتكز على مبادئ أ.و.ط.م., وتعطي فيه المبادرة للجماهير الطلابية, وإشراكها في بلورة تعاضديات تنفيذية منبثقة عن مجالس الطلبة, مع ربط نضال الحركة الطلابية بنضال الحركة الجماهيرية وعموم الجماهير الشعبية.
ولقد أخذ الصراع أشكالا متعددة في الجامعة المغربية ليحسم في النهاية لصالح النهج البيرقراطي الذي استخدم أساليب صراعية لا تمت بصلة لأعراف ومبادئ أ.و.ط.م. حيث استعمل الإرهاب السياسي والفكري في مختلف المؤسسات الجامعية, ونقلها إلى مجلس التنسيق الوطني. ومارس ضغوطات على أعضاء القيادة السابقة للتسريع بعقد المؤتمر16, الذي حدد تاريخ انعقاده في صيف سنة 1979, في وقت لم تكن شروطه متوفرة بالقدر اللازم, ودون مراعاة الظروف الموضوعية والذاتية للحركة الطلابية, وبمعزل عن أوسع القواعد والأجهزة التحتية للمنظمة. ولقد ساهم في حسم هذا الصراع لصالح النهج البيرقراطي, التشتت الذي كان حاصلا في صفوف الطلبة القاعديين, الشيء الذي عزز مواقع البيرقراطية, ومكنها من عقد المؤتمر في شروط تخدم نزعتها الهيمنية, بعد أن أقصى النهج البيرقراطي إحدى فيدراليتي أوربا الغربية, وقبل بالمكتب الفيدرالي الموالي دون البث والحسم في هذه المسألة على مستوى المؤتمر.
وبتاريخ 31 غشت 1979 افتتح المؤتمر السادس عشر بكلية العلوم بالرباط, تحت رئاسة المنظمة في المؤتمر 14, ورفض إلقاء رسالة صوتية للرئيس الشرعي للمؤتمر 15 عبد العزيز المنبهي من المنفى. وانطلق المؤتمر بتجاوزات خطيرة لم يسبق لأ.و.ط.م. أن عرف مثلها, كطريقة تشكيل لجنة الرئاسة ولجنة الفرز والبث في الطعون المقدمة إلى المؤتمر... ولقد شكلت هذه الخروقات مع ما رافقها من إرهاب سياسي, وشوفينية مقيتة, لتمرير أطروحات ومقررات متخلفة لا تعكس واقع الحركة الطلابية, ولا ترقى إلى مستوى طموحاتها وتطلعاتها, ولا إلى مستوى التجسيد الفعلي لمبادئ وأهداف إ.و.ط.م. وفق بنامج نضالي يحدد بدقة المهام الجسيمة المطروحة على الحركة الطلابية, ولا تستهدف تلك الأطروحات سوى إعطاء توجيه محدد ينسجم وشعارات السلم الإجتماعي, ولا يتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها النظام في إطار اللعبة الديمقراطية والإجماع(13). ولقد عزز ذلك, الموقف السلبي الذي اتخذه الطلبة القاعديون في المؤتمر بعدم الصراع داخل المؤتمر تحت أجواء الإرهاب الذي سلط عليهم, وعدم المشاركة في التصويت, الشيء الذي مكن النهج البيرقراطي من تمرير أطروحاته دون أية معارضة تذكر.
بهذا سوف تعكس المقررات الصادرة عن المؤتمر 16 نهج الجمود والإنتظارية, تنسجم مع مستلزمات الإجماع والسلم الإجتماعي, مسجلة تراجعا كبيرا على ما راكمته الحركة الطلابية في تاريخها النضالي. فعلى المستوى السياسي زكى البيان السياسي الصادر عن المؤتمر 16 المسلسل الديمقراطي المزعوم, في الوقت الذي كانت تتعرض فيه الجماهير الشعبية إلى الإستبداد السياسي, والقهر الإجتماعي. كما سكت البيان عن تدخل النظام في بنين والزايير بدعم من الإمبريالية. أما على المستوى القومي فبعد تأكيد المؤتمر للقضية الفلسطينية كقضية وطنية, فإن النهج البيرقراطي رفض ترجمة هذا المبدأ على المستوى الواقع, وذلك برفضه لتشكيل لجان فلسطين على مستوى المؤسسات الجامعية. وأعطت المقررات لبعض القضايا أبعادا ضخمة وأكثر من حجمها, وأصبحت مقياسا محددا للتعامل داخل إ.و.ط.م. مع بقية مكوناته بدل الإستناد في ذلك إلى مبادئ إ.و.ط.م.
أما على المستوى التنظيمي, فقد سجلت المقررات تراجعا ملموسا, حيث أقر المؤتمر هيكلة تنظيمية جعلت الجماهير الطلابية تحت سلطة الوصاية والحجر, وخاضعة لقرارات البيرقراطية. وقد ركزت هذه المقررات سلطة القرار في يد اللجنة التنفيذية على المستوى المركزي, وفي يد التعاضديات على المستوى المحلي داخل المؤسسات الجامعية. وأفرغت المجالس من محتوياتها الكفاحية, وأعطى لها الطابع الإستشاري بدل دور التقرير ومحاسبة التعاضديات على ضوء التجمعات العامة والتوجه السياسي والنقابي لإ.و.ط.م., الشيء الذي جعل الجماهير الطلابية في موقع هامشي في حياة المنظمة الطلابية, وقام بضرب أحد المبادئ الأساسية التي تنهض عليها إ.و.ط.م. وهو مبدأ الجماهيرية.
إن النتائج التي أسفر عنها المؤتمر 16 تشكل "سواء من حيث توجهها النقابي والسياسي والتنظيمي أو من حيث الممارسات التي سادت فيه, مؤتمر تراجع ليس بالنسبة للمؤتمر 15 فحسب, وإنما للمؤتمرات السابقة: 12, 13, 14(14).
وإذا كانت الظروف والشروط التي انعقد فيها المؤتمر 16 مع ما رافقه من تجاوزات وخروقات قد حسم الصراع الدائر في الساحة الطلابية, فإن القواعد الطلابية سوف تتجاوز تلك التقييدات في نضالها اليومي عن طريق الإبداع الخلاق للأشكال النضالية الملائمة.
ولقد بادرت الجماهير الطلابية إلى تفجير مسلسل نضالي واسع شمل مختلف المدن الجامعية, متجاوزة في ذلك المقررات الصادرة عن المؤتمر 16 المهادنة, ومتجاوزة في نفس الآن الأشكال التنظيمية اللاجمة لتحركاتها, وأبدعت على مستوى نضالها لجانا تعزز مواقعها, وتخدم مبادئها الراسخة, كلجان اليقظة لحماية حرمة الجامعة, ولجان فلسطين. وأمام الزحف النضالي الطلابي المتنامي تحت قيادة الأجهزة التحتية للمنظمة, شن النظام حملة اعتقالات واسعة في مختلف المدن الجامعية,واستهدفت بالأساس مسؤولي ومناضلي إ.و.ط.م في الجامعات, وكذا مندوبي المؤتمر السادس عشر في شهر يناير 1980. وقد سارعت قيادة إ.و.ط.م إلى تبني هذه المعارك استجابة لنداءات الجماهير الطلابية, وعقدت القيادة ندوة صحفية لإطلاع الرأي العام الوطني والدولي على هذه الحملة القمعية, رافعة شعار" كلنا في خندق واحد لمواجهة القمع". وانتهت الهجمة القمعية بمحاكمات صورية في حق مناضلي إ.و.ط.م.
ولقد تميزت مرحلة ما بعد المؤتمر 16 بميزة خاصة طبعت الحركة الطلابية إلى حدود المؤتمر 17 في سنة 1981, حيث اتسمت بمفارقة تجسدت في جمود الأجهزة القيادية لإ.و.ط.م ومهادنتها للهجمات التي تعرضت لها الجماهير الطلابية, وعجزها عن قيادة نضالاتها لإلتزامها السياسي بمستلزمات الإجماع الوطني, وتمتين الجبهة الداخلية, والسلم الإجتماعي, وبين دينامية القواعد الطلابية والأجهزة التحتية في المؤسسات الجامعية, واختيارها للنضال دون مهادنة لتحقيق مكاسبها المادية والمعنوية. ولقد زاد من تعميق هذا الشرخ الحاصل في جسم المنظمة الطلابية, وعدم استكمال الهيكلة التنظيمية من طرف النهج البيرقراطي في قيادة المنظمة الذي لم يعمل على تشكيل مجالس الفروع,ولجنة التنسيق الوطنية, والتلويح بحل جمعيات المعاهد العليا التي لعبت أدوارا طلائعية في دفترة الحظر.
وتحكمت في هذه التجاوزات, الخلفيات السياسية السابقة الذكر, الشيء الذي جعل التحركات النضالية للقطاع الطلابي مطبوعة بالتشتت ومحصورة في حدود دفاعية.إن هذا الوضع المتردي, والشلل التنظيمي على الصعيد الوطني قلص من حجم جماهيرية إ.و.ط.م, وجعل الحركة الطلابية تقف على أبواب مؤتمرها السابع عشر, وهي مفككة الأوصال, وغير قادرة على تجاوز أزمتها وتوفير الشروط الذاتية والموضوعية لإنجاح المؤتمر 17, الشيء الذي جعل من هذه الأوضاع التي طبعت إ.و.ط.م خلال هذه الفترة تشكل إحدى الأسباب العميقة وغير المباشرة في الفشل الذي عرفه المؤتمر 17 في صيف 1981.
إن هذه المميزات التي طبعت الحركة الطلابية خلال هذه الفترة, جعلت النهج البيرقراطي على المستوى القيادي يفقد مصداقيته وسط الجماهير الطلابية, وأصبحت قراراته المهادنة غير نافذة في الساحة الطلابية, مما جعله يعيش في عزلة, وليمنى بهزيمة كبيرة في انتخابات مندوبي المؤتمر السابع عشر. هذه الهزيمة دفعت به وبالفصيل المهيمن داخله إلى توفير كل شروط إفشال المؤتمر الوطني 17, وإيصاله إلى الباب المسدود, بعد أن تبين له أن سطوته على المنظمة قد انتهت. ولقد تبين هذا في ممارسته اللاديمقراطية في عملية تهيئ المؤتمر 17, حيث وزع البطائق بشكل غير متكافئ بين المؤسسات الجامعية, وفي ظروف الامتحانات التي تعرف فيه الكليات والمعاهد العليا غياب الطلبة وانهماكهم في تهيئ الإمتحانات, مما أفقد هذه العملية التهيئية جوهرها التعبوي الجماهيري, وتمكين القواعد الطلابية من تعميق النقاشات حول الإشكاليات السياسية والنقابية والتنظيمية التي كان يحبل بها الواقع الطلابي. كما كان التوقيت القسري الذي حدد للمؤتمر 17 في صيف 1981, عاملا من عوامل فشل المؤتمر. ولقد رفض النهج الديمقراطي هذا التوقيت مقترحا تأجيله إلى شهر دجنبر 1981 لإدراكه لطبيعة الظرف, والوضع الذاتي المتردي للحركة الطلابية, وحتى يتمكن مناضلوا إ.و.ط.م. من توفير شروط إنجاح المؤتمر, وإشراك الجماهير الطلابية في عملية التهييء.
كما أن النهج البيرقراطي لم يعمل على توفير المأوى والأكل للمؤتمرين, ولم يستدع المنظمات الطلابية العالمية الصديقة للمؤتمر لأسباب لازالت مجهولة إلى الآن. ومع ذلك أصر على عقد المؤتمر في صيف 1981 , موفرا كل الإمكانيات المادية والسياسية لإفشال المؤتمر قبل انعقاده مضحيا بالإتحاد الوطني لطلبة المغرب لنزوعه الهيمني البيرقراطي (15). لهذا انعقد المؤتمر 17 في أوضاع ذاتية مهتزة داخل الحركة الطلابية مع غياب أدنى الشروط المادية الضرورية لعقد المؤتمر, وفي ظروف موضوعية اتسمت بتفاقم الأزمة البنيوية للنظام على المستوى السياسي والاقتصادي, كان لها انعكاسات خطيرة على أوضاع الجماهير الشعبية التي التجأت إلى الخروج للشارع لتفجير غضبها في انتفاضة 20 يونيو بالبيضاء. والتي وجابهها النظام بقمع وحشي سقط على إثره 600 قتيل والمئات من الجرحى والمعتقلين, شملت عددا كبيرا من مناضلي إ.و.ط.م. ولقد حط هذا الإرهاب القمعي والسياسي السائد في البلاد على أجواء المؤتمر بشكل ضاغط, وجعلته أمام تحديات كبيرة ليس من السهل تجاوزها سيما في شروط كالتي كانت تعرفها الحركة الطلابية آنذاك, وما اجترته معها من أزمة منذ المؤتمر السادس عشر.
ولعل أول تحد وضع أمام المؤتمر في جلسته الأولى, والذي أراد من خلاله أصحابة عرقلة السير العادي والطبيعي لأشغال المؤتمر, هو نقل الصراع داخل الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية إلى المؤتمر, وإسقاطه على الحركة الطلابية, ومحاولة حسمه في منظمة جماهيرية نقابية لا تربطها أية صلة بذلك الخلاف السياسي, حيث طرح طلبة الإتحاد الإشتراكي لائحة أنصار الكنفدرالية الديمقراطية للشغل رفضهم لتمثيلية طلبة الإتحاد الإشتراكي لائحة رفاق الشهداء في رئاسة المؤتمر.
غير أن تشتبت الطلبة القاعديين بالتقاليد والأعراف الديمقراطية لإ.و.ط.م., ودفاعهم عن تمثيلية كل اللوائح في رئاسة المؤتمر, وانتهازية بقية مكونات النهج البيرقراطي بتخليهم عن رفاقهم بالأمس, وطموحهم الانتهازي بعدما خلا لهم الجو للهيمنة على قيادة المنظمة, دفع بطلبة الاتحاد الإشتراكي أنصار ك.د.ش. إلى الإنسحاب من المؤتمر بعد أن فشل في عملية الابتزاز السياسي. ولقد رافق انسحابه من المؤتمر سطوه على وثائق المنظمة وممتلكاتها من مقر إ.و.ط.م., لتتأكد خلفياته في إيصال المؤتمر إلى الباب المسدود.
ولقد وضع انسحاب القطب الرئيسي في النهج البيرقراطي حلفائه التقليديين في المحك, حيث أصابهم الإرتباك, وأصبحوا واعين من خلال الجلسات المتعثرة للمؤتمر, استحالة هيمنتهم على قيادة إ.و.ط.م., فعملوا على عرقلة سير الجلسات تحت مبررات وأسباب مختلفة.
أما النهج الديمقراطي, فأصبح عاجزا وغير قادر على تجاوز خلافاته التي برزت في المؤتمر, ولم يرق إلى مستوى التحديات التي وضعت أمام المؤتمر, وتعرض هو الآخر للإبتزاز السياسي باسم الغطاء السياسي تارة وبالنزعة الشوفينية تارة أخرى أما رفاق الشهداء فقد اعتبروا انسحاب خصومهم بمثابة انتصار سياسي لهم, أما أشغال المؤتمر فكانت ثانوية بالنسبة لهم.
وأمام احتداد التناقضات واستشراء الخلافات السياسية وسط الفصائل المتبقية داخل المؤتمر, بين المتشبتين بالمسلسل الديمقراطي, والإجماع الوطني والسلم الإجتماعي, وبين المناهضين لهذه المزاعم الكاذبة, والمتشبتين بخط النضال الجماهيري الجذري, لم يستطع المؤتمرون بعد جلسات ماراطونية طولية ومتعثرة الوصول إلى الحدود الدنيوية لإنقاذ المؤتمر من المأزق الذي دخل فيه, وصياغة مقررات وحدوية تفتح الآفاق للحركة الطلابية لمواجهة المرحلة المستقبلية, والأخطار المحدقة بالحركة الطلابية, لينتهي المؤتمر بفشل لم يسبق
لإ. و. ط.م أن عرفته في تاريخها, ولم يخرج المؤتمر إلا بقرار وحيد وهو تجديد الثقة فيما تبقى من أعضاء اللجنة التنفيذية غير المنسحبة, وإعطائها صلاحية عقد المؤتمر الاستثنائي.
V- مرحلة الحظر العملي والنضال من أجل الحفاظ على إ.و ط .م 1981/1990
لقد مرت الحركة الطلابية منذ سنة 1981 إلى الآن بظروف دقيقة وصعبة, جعلت منها مرحلة في أصعب المراحل التي قطعها الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في مسيرته النضالية, حيث عرفت الحركة الطلابية فراغا تنظيميا تلاشت معه كل الهياكل التنظيمية التحتية مع مرور الوقت بسبب ذاتية مرتبطة بفشل المؤتمر 17, وعوامل موضوعية تجسدت في الحملات القمعية التي لازمت مناضلي إ .و .ط .م, وبشكل متواصل على طول هذه المرحلة, سقط على إثرها العديد من الشهداء, شهداء وجدة في دجنبر 1982, والشهيدين بلهواري مصطفى, ومولاي بوبكر الدريدي سنة 1984, وشهداء جامعة فاس, الأجراوي محمد عادل وخليفة زبيدة وسعاد في يناير 1988, والشهيد أحمد أوزكار في شهر فبراير 1990 بكلية العلوم بمراكش.
ولقد كان الظرف السياسي حاسما في هذا التراجع الذي عرفته الحركة الطلابية مرتبطة في ذلك بالحركة الجماهيرية التي عرفت هي الأخرى إنحسارا وترديا كبيرا تداخلت في تحديده عوامل متعددة ومختلفة.
وإذا كانت سنة 1981 وانتفاضة البيضاء قد شكلت إجابة صارخة على الإجماع الوطني والسلم الإجتماعي, تبخرت معها أوهام ومزاعم القوى الإصلاحية وكشفت تخاذلها أمام نضالات الجماهير الشعبية. فالانتفاضة سوف تشكل إنطلاق مرحلة جديدة, اتسمت بهجمة شاملة على مكاسب الشعب المغربي, وبحملات قمعية إستهدفت كل المنظمات الجماهيرية, كمدخل للإنصياع التام للدوائر الإمبريالية المالية.
ولقد عرفت أوضاع الجماهير المغربية التقهقر وتعمق ذلك بعد تشديد السياسية التقشفية منذ صيف 1983. وهو ما شكل عاملا مباشرا للانتفاضة الشعبية في يناير 1984 والتي انطلقت من مدينة مراكش لتمتد إلى باقي المدن في الشمال, وجابهها النظام بالحديد والنار مخلفا آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين.
استطاع النظام بفضل استيعابه للشرائح المثقفة من الطبقات المتوسطة بناء أجهزة متعددة هدفها تأطير الجماهير وتزييف وعيها, حيث شهدت هذه المرحلة تشكيل أحزاب وإصدار صحف رجعية وجمعيات مختلفة (منها الإقليمية والثقافية) تدين الولاء للنظام, فضلا عن تضخم الأجهزة القمعية, وقد سهل إجماع الأحزاب حول النظام مهمته في إحكام قبضته على الجماهير الشعبية وتصعيده لإضطهاد المناضلين ونهب عرق الكادحين. ويستجيب هذا الطابع القمعي أيضا إلى حاجة الطبقات السائدة المراهنة على تطوير الصادرات, وتوفير شروط الاستغلال لليد العاملة في الضيعات والمعامل. إلا أن الكتلة الطبقية السائدة لم ترتكز من حيث قاعدتها المادية إلى تحول نوعي في البنية الإنتاجية للبلاد بقدر ما استندت إلى قاعدة إقتصادية هشة تتميز بطابعها التبعي, وأصبح النمو المشوه مرتبطا إلى حد كبير بتضخم أجهزة الدولة والقطاع الشبه عمومي, وتم تمويل ذلك باللجوء إلى القروض الخارجية واستجداء إعانات الدول النفطية الخليجية, وتشجيع كل ما من شأنه جلب العملة الصعبة من عهارة وتجارة المخدرات, وإعطاء الإمبريالية قواعد عسكرية وفتح الأبواب أكثر للشركات الإمبريالية. ووصلت سياسة النظام إلى المأزق إذ بلغت المديونية 22 مليار دولار.
في ظل هذه الأوضاع ستعرف الحركة الجماهيرية تراجعا ملموسا, لم تنفلت منه الحركة الطلابية باعتبارها مكونا من مكونات هذه الحركة, حيث تعرضت مكاسب الشعب المغربي للإجهاز على جميع الأصعدة.
على المستوى الطلابي خلف فشل المؤتمر 17 وضعا ذاتيا مترديا, تميز بالفراغ التنظيمي والتشتت, ولقد استغل النظام هذا الوضع للهجوم على الحركة الطلابية لإجتثاتها وتهيئة الظروف لتطبيق الإصلاح التخريبي مدعوما بنصائح المؤسسات الإمبريالية المالية.
وكانت أولى حلقات الإصلاح التخريبي هي بولسة الجامعة, بزرع جهاز الأواكس القمعي داخل الكليات سنة 1981, لخنق العمل النقابي وقمع أي تحرك نضالي, باعتقال مناضلي إ.و.ط.م والاعتداء على الطلبة بالسلاح الأبيض والسلاسل, وإشاعة جو الرعب والإرهاب داخل الجامعة المغربية.
إن هذا الوضع جعل الحركة الطلابية تضع على رأس مطالبها الدفاع عن حرمة الجامعة وتكثيف تعبئتها للنضال من أجل طرد الأواكس من الحرم الجامعي, وإعادة هيكلة إ.و.ط.م على مستوى الأجهزة التحتية وعقد ندوة الأطر لإنجاح المؤتمر الإستثنائي.
وفي هذا الإطار إنعقد مجلس التنسيق الوطني تحت إشراف قيادة إ.و.ط.م بتاريخ 1981/11/28 لتدارس أوضاع الحركة الطلابية على ضوء المتغيرات التي عرفتها الجامعة المغربية, وأعلن عن إضراب عام وطني لمدة 24 ساعة بتاريخ 3 دجنبر 1981.
غير أن النظام إستغل التشرذم الذي تعرفه الحركة الطلابية وانسحاب النهج البيروقراطي من القطاع الطلابي والإضراب العام ليشن هجوما قمعيا شاملا على إ.و.ط.م. فاعتقل ما تبقى من أعضاء اللجنة التنفيذية, والعديد من مسؤولي ومناضلي إ.و.ط.م على الصعيد الوطني, وأقيمت عدة محاكمات في مختلف المدن الجامعية, وجرم العمل النقابي داخل الجامعة, ومنع المناضلون من ولوج الكليات, واتخذت إجراءات قمعية وردعية للقضاء النهائي على التواجد النضالي لإ.و.ط.م... وقد بلغ هذا الهجوم ذروته في الحملة القمعية التي تعرضت لها جامعة محمد الأول بوجدة في دجنبر 1982 على إثر الإضرابات التي عرفتها, حيث داهمت قوات القمع الحي الجامعي ليلا بشكل همجي, مخلفة العديد من القتلى والجرحى والمعتقلين, وأغلقت الجامعة أسبوعا قبل عطلة نهاية السنة, نفس الهجوم عرفته كلية الآداب بالرباط, وكلية الحقوق بالبيضاء وجامعة مجمد بن عبد الله بفاس. كما زاد من تعقيد هذه الوضعية فشل معركة مقاطعة الإمتحانات سنة 1983 والتي جاءت للرد على تطبيق الإصلاح الجامعي التخريبي.
لكن المعارك المحدودة التي خاضتها الحركة الطلابية, في ظل التشتت التنظيمي وغياب قيادة موجهة للنضالات, لم ترق إلى مستوى التصدي الفعلي والشامل لهذا المخطط التصفوي. واكتفت الحركة الطلابية بردود فعل انفعالية, الشيء الذي مكن النظام من فرض إصلاحه التخريبي, وإجهازه على المكاسب التي حققها إ.و .ط .م في مسيرته النضالية, وقلص المنحة بنسبة 50% بالنسبة للطلبة القاطنين في نفس المدينة الجامعية، وحذف المنحة الإحتياطية في حالة الرسوب, وبدأ في تطبيق البند السادس من الإصلاح التخريبي المتعلق بالطرد وكذلك البندين 12 و13 وحذف الدورة الثانية من الإمتحانات الشفوية ...وفي ظل هذه الأجواء تمت عسكرة المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1982.
ولم يكتف النظام بحملته القمعية, بل سارع إلى خلق بدائل وهمية إ.و .ط .م, من خلال بعض الأحزاب الرجعية الموالية له, حيث عرف صيف 1982 فبركة منظمة طلابية تحت إسم الإتحاد الوطني للطلبة الديمقراطيين" تابعة للحزب الوطني الديمقراطي, وانتهت بانتهاء مهرجانها الذي سمي مؤتمرا. كما عمد النظام إلى تنصيب تعاضديات إدارية واجهتها الجماهير الطلابية بالرفض, مؤكدة تشبثها بمنظمتها الوحيدة والشرعية إ.و .ط .م.
أمام سقوط رهانات النظام على البدائل الوهمية, عمد إلى إنشاء كليات جديدة مشتتة, تفتقد إلى أدنى المقومات المادية والتربوية للمؤسسات الجامعية, بهدف عزل قلعات إ.و .ط .م وحصرها في الجامعات التقليدية, وللحيلولة دون تأطير الطلبة الجدد داخل إ.و .ط .م.
ولقد فاقم من هذه الوضعية الوضع الذاتي المتفكك للحركة الطلابية التي ظلت نضالاتها محدودة وغير قادرة على صد الهجمة القمعية, واكتفت ببعض النضالات المطلبية المحدودة والمتفرقة على صعيد المؤسسات الجامعية.
ولئن كان الطلبة القاعديون قد لعبوا أدوارا طلائعية في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الحركة الطلابية, وتحملوا مسؤولياتهم الكاملة في الدفاع عن إ.و .ط .م عندما إنسحبت بعض الفصائل من الساحة النضالية, وتحملوا أعباء هذه المرحلة على إمتداد عقد الثمانينات بقمعها الأسود والدموي, فإن الصراعات التي إخترقتهم والانقسامات التي طالتهم, مع ما رافقها من صراعات تدميرية سوف تزيد من تعطيل فعالية الحركة الطلابية, وتعميق الشرخ في صفوفها. وكان تأثير هذه الخلافات والصراعات قويا على نضالية القطاع الطلابي بحكم أن القاعديين ظلوا الفصيل الذي صامدا في الساحة الطلابية ومخلصا لمبادئ إ.و .ط .م, بالرغم من الحملات القمعية التي استهدفته بقي طيلة هذه المرحلة.
واستمرت الحركة الطلابية على هذه الوضعية المتردية إلى حدود سنة 1987, حيث ستعرف بعض النهوض الجماهيري, بعد أن تفاقمت وضعية القطاع الطلابي, بتعمق الأزمة, وأضحت الجامعة المغربية تخرج الآلاف من حاملي الشهادات الجامعية العليا إلى الشارع, وطرد المئات من الطلبة, ولعبت جامعة محمد بن عبد الله بفاس دورا رياديا في استنهاض الحركة الطلابية, حيث ظلت في فترة الحظر قلبا نابضا للإتحاد الوطني لطلبة المغرب.
ولقد أعادت الحركة الطلابية في هذه الفترة ربط نضالها الوطني بنضالات الشعوب العربية على المستوى القومي,واتخدت مواقف متميزة في نصرة قضايا الشعوب العربية, حيث عرفت الجامعة تظاهرات عارمة للتنديد بالغارة الإمبريالية الأمريكية على ليبيا في أبريل 1986, تعرضت على إثرها الحركة الطلابية إلى حملة إعتقالات واسعة في الرباط وفاس ووجدة. كما ظلت إ.و .ط .م وفيه للقضية الفلسطينية كقضية وطنية, حيث نظمت تظاهرات مساندة للإنتفاضة الفلسطينية المجيدة تدخلت على إثرها قوات القمع في جامعة فاس مستخدمة الرصاص سقط على إثرها الشهداء, الأجراوي, محمد عادل, وخليفة زيدة وسعاد السعدي, إضافة إلى العديد من الجرحى والمعتقلين. غير أن الضربات القمعية التي وجهت للحركة الطلابية لم تحد من تنامي التحركات النضالية, بل زادت من توسيعها وشموليتها, وعمت مختلف المؤسسات الجامعية, وارتكزت على ملفات مطلبية حيوية مرتبطة بمشاكل مادية ملموسة وعلى رأسها إرجاع كافة المطرودين وتجميد الأواكس في أفق إجلائه من الحرم الجامعي.
ولقد رافق هذا التحرك النضالي, عملية تعبوية شاملة وسط الجماهير الطلابية, التفت حول إ.و .ط .م وأبدت استعدادها للنضال من أجل مطالبها, وتوج هذا المسلسل النضالي بمعركة مقاطعة الإمتحانات في سنة 1989, هذا القرار الذي ساهمت في بلورته الجماهير الطلابية عبر تجمعاتها( فاس, وجدة, مكناس , القنيطرة , تطوان)
إن توسع هذه الحركة على الصعيد الوطني, والزخم الجماهيري الذي استقطبته داخل الجامعة المغربية, قد جرت النهج البيروقراطي إلى مسلسل النضال, وعودة نشاطه من جديد في الجامعة وتبنيه للمعارك النضالية التي فرضتها الجماهير الطلابية في الساحة, غير أن عدم توفر الشرط الذاتي, وغياب قيادة مركزية توحد وتوجه نضالات الحركة الطلابية على الصعيد الوطني, وغياب الدعم السياسي لهذه المعركة بحكم طبيعتها السياسية, والقمع المسلط على الجماهير الطلابية قبيل وأثناء المعركة, والحملة السياسية المغرضة للنظام, وللأحزاب السياسية الرجعية والإصلاحية وعلى رأسها حزب التقدم والإشتراكية, سوف تفشل معركة مقاطعة الإمتحانات, وستتعرض معها الحركة الطلابية إلى حملة قمعية مسعورة, انتهت بعدة محاكات صورية في مختلف المدن الجامعية.
لكن أهم ما استخلصته الحركة الطلابية من فشل معركة المقاطعة هو الإدراك الواعي والمسؤول للمسألة التنظيمية وحيويتها في العمل النضالي, لذلك ستكرس معاركها النضالية في الموسم الجامعي 1990 لتحركات نضالية واسعة وطويلة النفس على الصعيد الوطني, تحت شعار واحد هو: النضال من أجل رفع الحظر العملي على الإتحاد الوطني لطلبة المغرب, وإعادة هيكلة المنظمة الطلابية في أفق عقد المؤتمر الإستثنائي, للخروج من التشتت التنظيمي الذي إستفاد منه النظام في التمرير مخططه التصفوي وصهر النضالات الطلابية في بوثقة النضال الوحدوي و الموحد, كخطوة حاسمة على إستعادة شرعية النضال النقابي داخل الجامعة, والعمل على إحباط الإصلاح الجماعي التخريبي.
ولعل أهم المكاسب التي استطاعت الحركة الطلابية تحقيقها في الفترة الأخيرة, هو وضع اللبنات الأساسية لهيكلة إ.و .ط .م وتأسيس أجهزة تحتية, عملت خلال الموسم الجامعي لسنة 1990, على تأطير وتعبئة الحركة الطلابية, وقيادة المعارك النضالية في مختلف الكليات, وصياغة الملفات المطلبية بشكل جماهيري, والتعريف بتاريخ إ.و .ط .م , وتنشيط الجو الثقافي, وبعث التقاليد النضالية للحركة الطلابية. إن هذا المكسب النضالي , أعطى ديناميكية ونفسا جديدين للحركة الطلابية, لم يسبق أن عرفت مثلها خلال عقد الثمانينات, وتعتبر إعادة الهيكلة على المستوى التحتي خطوة حاسمة, ومدخلا أساسيا لإعادة لحم صفوف الحركة الطلابية, ورفع الحظر العملي على إ.و .ط .م .
غير أن هذا النهوض الطلابي النوعي والمتميز في هذه الفترة, دفع بالنظام إلى أساليبه القمعية بمحاولة تفجير الحركة الطلابية من داخلها, بعد فشله الذريع في القضاء عليها بأساليبه الكلاسيكية. في هذا الإطار سيدفع النظام بالعناصر الظلامية الرجعية إلى عرقلة النضالات الطلابية وممارسة العنف والإرهاب في حق الجماهير الطلابية, ونسف التجمعات, والعمل على إفشال المعارك النضالية باسم الإتحاد الوطني لطلبة المغرب.
وقد عمدت العناصر الظلامية الرجعية بدعم من النظام, إلى ارتكاب مجازر دموية في حق الجماهير الطلابية وطلائعها المناضلة, مستخدمة السلاسل و السكاكين, ومجندة في ذلك عناصر مشبوهة لا علاقة لها بالقطاع الطلابي (...) والتي أصبح تواطؤها مكشوفا مع النظام. هذا الأخير الذي أصبح يعمل على تقويتها في الساحة الطلابية للقضاء على الحركة الطلابية (...).
إن بروز ظاهرة العناصر الظلامية وممارستها التخريبية والإجرامية في حق الحركة الطلابية, وتواطؤها المكشوف مع النظام, وعرقلة النشاط النضالي داخل الجامعة, يستدعي من مكونات إ.و .ط .م تحديد مواقفها بشكل واضح, ومواجهة هذا المد الرجعي المتآمر على الحركة الطلابية ومحاصرته في الساحة الطلابية.
إن المراحل المتقدمة التي قطعتها الحركة الطلابية في الآونة الأخيرة, من خلال إعادة هيكلة إ.و .ط .م بخلق لجان تمثيلية سيضع الحركة الطلابية في عتبة مرحلة جديدة من نضالها المرير. وأمام تحديات ليست بيسيرة, تتطلب منها الإدراك والوعي العميق بمتطلبات المرحلة, وتحديد الآفاق النضالية للحركة الطلابية بما يخدم مراميها الآنية والبعيدة, وبما يسهم في إعادة الدور النضالي المشرق لإ. و. ط. م في النضال السياسي الذي يخوضه الشعب المغربي, والموقع المتميز الذي كان يحتله في الحركة الجماهيرية. ولن يتم ذلك إلا من خلال إعادة النظر في تاريخ الحركة الطلابية, مع خلق وإبداع ضوابط وأسس جديدة على قاعدة المبادئ الأربعة لإ.و .ط .م, وتجاوز كل المعيقات التي تحول دون تقدم النضال الجماهيري الطلابي, مع تجميد الخلافات والصراعات مرحليا للحم الصف الطلابي, وتوجيه الطاقات النضالية لما هو أساسي .
إن عملية التجاوز تتطلب في الظرف الراهن:
أولا – لحم صفوف الحركة الطلابية, وتذويب الخلافات للتصدي للمخططات التصفوية والتخريبية من خلال العمل الوحدوي بين مختلف مكونات إ.و .ط .م , على أسس نضالية وكفاحية جماهيرية وغير مهادنة لأي مخطط, يستهدف النيل من مكاسب ومطالب الحركة الطلابية وعبر تقويم العلاقة النضالية بين الفصائل العاملة في إ.و .ط .م, وتصحيحها على قاعدة الحوار الديمقراطي الذي يستند إلى منظومة : وحدة- نقد- وحدة. بمعنى أن الوحدة على أساس برنامج نضالي, مع الإحتكام إلى الصراع الديمقراطي المعتمد على النقد البناء,
بعيدا عن كل أشكال العنف, وتحكيم الممارسة النضالية, والإحتكام إلى القواعد الطلابية, وذلك بغية العودة من جديد إلى الوحدة التي تكون وحدة نضالية من مستوى أرقى, لتقديم وتطوير المسيرة النضالية للحركة الطلابية. وبهذا يكون الثابت هو الوحدة, والنقد لا يستهدف إلا تعزيزها.
ثانيا – خلق وإبداع أشكال تنظيمية مرنة تستجيب للتحولات الكمية والنوعية التي عرفها القطاع الطلابي, وتوسعه الجغرافي, وقادرة على استيعاب الجماهير الطلابية وتأطيرها وتفجير طاقاتها النضالية الخلاقة, بما يؤهلها للإسهام في تسيير وتوجيه نضالات الحركة الطلابية في إرتباط مع طبيعة المهام النضالية الجسيمة المطروحة مرحليا على القطاع الطلابي. ويقتضي هذا من اللجن التمثيلية في مختلف الجامعات, إعادة هيكلة إ.و .ط .م في الكليات, بتشكيل لجن الأقسام, وانتخاب تعاضديات كمرحلة أولى, لتشكيل لجنة تنسيق وطنية يكون من مهامها التهييء لعق المؤتمر الإستثنائي بتنسيق مع قيادة إ.و.ط.م وفق القرار الصادر عن المؤتمر 17.
ثالثا- التنسيق مع مختلف الفعاليات والهيئات المناضلة المرتبطة بقضايا التعليم(1), وفي مقدمتها النقابة الوطنية للتعليم العالي, والمنظمات النقابية المهتمة بالمسألة التعليمية, لكون التعليم قضية تهم الشعب المغربي بمختلف فئاته وطبقاته ومكوناته, وتستدعي النضال من مختلف المواقع النضالية للدفاع عن حق أبناء الجماهير الكادحة في التعليم بمختلف أطواره, بما فيه التعليم الجامعي والعالي.
رابعا- الصراع السياسي والإيديولوجي بدون هوادة مع أعداء الحركة الطلابية, وفي مقدمتهم العناصر الظلامية التخريبية والرجعية, وفضح ممارساتهم الإجرامية المرتكبة في حق الجماهير الطلابية, ونسف التجمعات وأنشطة إ.و.ط.م داخل الجامعة (فاس, وجدة, الرباط, البيضاء...), وتاريخهم الإجرامي الدموي في حق المناضلين التقدميين كاغتيال المناضل عمر بن جلون, وتوظيفهم من طرف النظام في السبعينات ضد اليسار الجديد, وكذا فضح إرتباطهم بالنظام لتخريب الحركة الطلابية, وعزلهم جماهيريا والكشف عن طبيعتهم الفاشية, وطبيعة مشاريعهم السياسية المتسترة وراء الدين.
وفي هذا السياق يجب على مناضلي إ.و.ط.م التمييز في هذا الصاع بين الإسلام كعقيدة والإسلام السياسي كتصور لتنظيم العلاقات بين الأفراد, وبينهم و بين السلطة, أسس مشروعيتها على أساس أحكام منزلة من السماء لا يمكن مناقشتها بناء على تأويلهم السياسي للإسلام. لذا يجب على مناضلي إ.و.ط.م كمناضلين ديمقراطيين الإيمان بحرية العقيدة وبالحق في ممارسة الشعائر الدينية والعبادات, واحترام المشاعر الدينية للجماهير الطلابية, استنادا إلى مبدأ الديمقراطية كأحد المبادئ الأساسية من مبادئ إ.و.ط.م في نفس الوقت يتوجب عليهم المواجهة والصراع السياسي والإيديولوجي الحازم ودون أي تردد للإسلام السياسي المتزيي بزي الإسلام وفضح أبعاده ومراميه السياسية المرتكزة على العنف والإرهاب, ونقد أفكاره وآرائه. إن تقويم العلائق الناظمة بين مختلف مكونات الحركة الطلابية والعاملة في إ.و.ط.م, وتصحيحها فيما بينها من جهة, وبينها وبين الجماهير الطلابية من جهة أخرى على أسس التحديدات السابقة واستنادا إلى مبادئ إ.و.ط.م سوف يضع عجلات الحركة الطلابية على سكة النضال الوحدوي والجماهيري المؤهل لصهر كل الطاقات النضالية, في بوثقة النضال الموحد لانتزاع مشروعية العمل النقابي وهيكلة إ.و.ط.م وتحصين الحركة الطلابية حتى تستعيد مكانتها النضالية وطابعها الكفاحي إلى جانب الجماهير الشعبية.
وإذا كانت الحركة الطلابية ومنظمتها العتيدة إ.و.ط.م قد قطعت خطوات مهمة لتجاوز وضع التشتت والركود الذي رافقها منذ بداية الثمانينات, مقدمة تضحيات جسام وعددا من الشهداء والمئات من المعتقلين الذين ذهبوا ضحية القمع, فإن دقة المرحلة التي تمر منها الحركة الطلابية حاليا وخطورتها تتطلب تعزيز صمودها ووحدتها, على أساس برنامج ديمقراطي.
أبريل 1990
الهـــوامش
(1)- للإطلاع على هذه المرحلة يمكن الرجوع إلى الدراسة التحليلية المهمة الواردة في كتاب مجدي ماجد" :Les luttes des classes pp 13 à 36.
(2)- ك.ق. :"وجهة نظر: في التطورات الأخيرة للحركة الطلابية". مجلة أمفي للمدرسة المحمدية للمهندسين, ماي 1980.
(3)- نفس المرجع.
(4)- نفس المرجع.
(5)- أنظر : les luttes des classes au Maroc, pp 44. MAJDI MAJID
(6)- يمكن الرجوع إلى مقال ك.ق. :"وجهة نظر: في التطورات الأخيرة للحركة الطلابية "
(7)- لقد صدرت هذه النشرة في دجنبر 1975 وباسم الطلبة الديمقراطيين, إلا أنه لم يصدر منها إلا عدد واحد نظرا للإعتقالات التي شملت الطلبة التقدميين في تلك الفترة مما أوقفها عن الصدور, ولقد جاءت هذه النشرة مكان نشرة 4 مايو التي تصدر باسم الحركة الماركسية-اللينينية. ولم يكن تغيير النشرة واسمها مجانيا بقدر ما كان تغييرا في التصور والرؤية للقطاع الطلابي, ويعكس الوعي بالأخطاء التي سقط فيها الطلبة التقدميون في ممارستهم النضالية داخل الحركة الطلابية, وفي نفس الوقت التجاوز الواعي والمسؤول لها. وذلك عبر ممارسة النقد الذاتي المشار إليه أعلاه, وترجمته على أرضية الواقع.
(8)- لقد تزعم هذه العصابة الظلامية الإجرامية "بن كيران عبد الإله" أحد قادة حزب العدالة والتنمية حاليا.
(9)- ك.ق. : "وجهة نظر : في التطورات الأخيرة للحركة الطلابية "
(10)- للمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى نفس المرجع السابق.
(11)- نفس المرجع
(12)- إن النزعة الهيمنية المرتبطة بالاتحاد الإشتراكي تجعله يعصف بالمنظمات كلما تقلص نفوذه داخلها. ويظهر هذا في انسحابه من المؤتمر 15 لإ.و.ط.م, وينسحب من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنة 1983 ليساهم في إنشاء منظمة حقوقية جديدة يضمن فيها نفوذه,نفس الشيء حصل بالنسبة للإتحاد المغربي للشغل بعد حسمه مع جناح عبد الله إبراهيم في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية, لينشئ الكنفدرالية الديمقراطية للشغل سنة 1978
عن مدونة الرفيق عبد المومن الشباري
https://chbari.skyrock.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق