مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير ومن أجل غد أفضل/1930- 1949 / محمد القري شهيد الوطنية
مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير
ومن أجل غد أفضل
تقديم:
إن أغلب المقاومين والأغلبية الساحقة لفئات الشعب المغربي تملكتهم الصدمة والشعور بالاحباط والقهر والغربة في بلدهم الذي ناضلوا وضحوا بالغالي والنفيس لإنعتاقه من بؤرة الاستعمار واستقلاله. لأنهم سرعان ما عاينوا أن لا صوت لهم ولا اعتبار بل أصبحوا طريدة للأجهزة الأمنية العلنية منها والسرية واضطهد أولادهم وعائلاتهم وذووهم. وانتشر الاحباط إلى درجة ان هؤلاء المناضلين بدؤوا يفكرون في طريق للخروج من العتمة التي أسقط فيها المغرب ليعيش في ظروف أنكى وأقسى من ظروف أنكى وأقسى من ظروف الإستعمار الفرنسي أو الاسباني.
واعتباراً للقمع والتسلط والاستبداد والرعب وإرهاب الدولة أضحى الكثير من المغاربة يرون في الاستقلال نقمة ويعتبرون أن البلاد عرفت تقهقراً ملحوظاً مقارنة بالماضي.
لذلك فإن النضال أو الكفاح أو المقاومة، كل ذلك ظل ولازال دائماً عملاً مشروعاً مادام هناك طغيان، سواء كان هذا الطغيان أجنبياً أو محلياً. وتضحية المناضلين والمكافحين والمقاومين من أجل قضية عادلة هي التي تعطي المعنى العميق للحياة والوجود والحرية والكرامة الانسانية.
فعلى امتداد عقود عاش المغاربة في نفق مظلم قوامه السجون والمعتقلات السرية والاختطافات والتعذيب والموت البطيء والاغتيالات والقتل والدفن قي أماكن سرية والاغتصاب والقهر الجسدي والقمع المادي والمعنوي والاهانة والدوس على الكرامة الانسانية والصفة الآدمية.
وقد أدى الشعب المغربي الثمن فادحاً في الغلاء بأرواح أبنائه سواء على امتداد مرحلة الحماية والاستعمار أو في سبيل الخبز ومن أجل الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية بعد الاستقلال في وقت كانت كمشة تراكم الثروات الفاحشة بدون موجب شرع ولا قانون على حساب أكثر من سبعة ملايين من أبناء هذا الوطن يعانون من وطأة الفقر المدقع.
وإذا كانت حصيلة الشهداء من أجل التغيير وغد أفضل ثقيلة وثقيلة جداً، فلا زال المغاربة ينتظرون هذا التغيير وهذا الغد الأفضل وقد طال انتظارهم.
وإذا كان لابد من الإقرار بحصيلة فإن المعطيات المتوفرة لازالت غير كافية بما يساعد على طرح حصيلة كاملة.
وقصد الاقتراب من الصورة يمكن الاكتفاء ببعض المعطيات التي أضحت واضحة للجميع ولا جدال فيها، ومن ضمنها الشهداء من أجل الاستقلال والاعدامات التي عرفها المغرب في عهد الاستقلال، وشهداء المظاهرات في ستينات وسبعينات وثمانيات القرن الماضي وشهداء المعتقلات السرية ومخافر الشرطة.
إنه لا مناص من جرد الحصيلة حتى نتعرف على الثمن الغالي الذي أداه الشعب المغربي من أجل التغيير وغد أفضل
عن الجريدة الالكترونية نون بريس
يوسف كمال
كانت ولادة العلامة الفقيه ،الأديب الأريب ،الشاعر المجيد ، محمد القري بتاونات في قرية بني قرة سنة 1900م وبها حفظ القرآن الكريم و بعض المختصرات في النحو والفقه و تعلم أولى مبادئ اللغة من والده ، و في ذلك يقول عن نفسه ” ثم ألزمني (والدي ) بحفظ عدة مصنفات فلم أبلغ العاشرة من عمري إلا و أنا أستظهر منها جملة وافرة حفظا كما تعهده في حفظ الإنسان حالة صغره من دون أن يكون مشتغل الفكر ”
وقد نشأ في صيانة وعفاف ومرد ذلك إلى حرص والده على تأديبه ، فكان ذلك أدعى إلى نبوغه في وقت مبكر وتيقظ جذوة قريحته إذ لم تصرفه عن العلم دواعي اللهو و العبث كما كان يحدث مع أقرانه حتى إن والده كان يلقي عليه الدروس في أوقات النوم والطعام لا يفوت فرصة دون أن يضيف إلى مخزونه العلمي جديدا وبعد “بني قرة ” رحل القري إلى منارة الدنيا و مهوى أفئدة العلماء وطلبة العلم ،فكانت القرويين محطته الثانية في تحصيل المعارف وتنمية المدارك، وبها ثنى ركبه بين يدي أئمتها الأفاضل المحدث الحجة “عبد الحي الكتاني ” والعلامة الثبت ” بوشعيب الدكالي ”
والأصولي الوقاد ” عباس بناني ” وغيرهم ،ثم انتقل إلى التدريس بالمدرسة الناصرية بعد حصوله على العالمية وهي أرفع شهادة تمنحها “القرويين” لطلبتها ،إذ تعني أهلية صاحبها للفتوى وتولي شؤون القضاء ، وككل المنتسبين للقرويين كتب القري الشعر وبرع في كتابته،وتدل أشعاره على قوة عارضته وتمكنه من صنعة القريض وقد برع في جملة من الأغراض الشعرية ،بيد أن ما عانته أمته من تسلط الغزاة وتشبعه بالأفكار الإصلاحية صرفه إلى توظيف موهبته في استنهاض همم بني قومه ودعوتهم إلى الأخذ بأسباب القوة في مواجهة عدوهم .
والقري حين يكتب في الغزل تجده شاعرا رقيقا ، طلي السبك سهل العبارة ، حتي تخال أنه لا يتقن غير وصف الغيد الحسان و التغني بالهجر والوصال والحديث عن أخبار ليلى وسعاد ومي ، ومن نماذج نظمه في الغرام :
هو الحب داء للنفوس محبب
وإن كان كل العاشقين يعذب
و إن كان لا يرثى لصب مدله
براه الهوى فهو الأسيرالمعذب
هو الحب في كل الأنام مسيطر
فمن شاء يرضيه ومن شاء يغضب
وحين يجد الجد فهو الأسد الهصور الذي لا تلين له قناة ، العالم العامل المجد المجتهد ،ومعلوم ما كان للقرويين في زمنه من دور في الحياة السياسية والثقافية والفكرية بالمغرب ، فجل رجال البلاط كانوا من رجالاتها لا يقطع سلاطين المغرب أمرا دونهم ،فلما أن هبت على المغرب ريح الاستعمار كان أول شأن الغزاة لما دخلوا فاس ملاحقة العلماء ومحاصرتهم وقد ذكر عبد الله كنون في معرض كتابته لسيرته الذاتية كيف جمع الفرنسيون علماء فاس ومن ضمنهم والده وعمه وتعرفوا منهم مناهج التدريس بالقرويين ودونوا كل ذلك ليبنوا عليه خطتهم في عزل القرويين عن التأثير في حياة الناس ،وإن لم يكن في ذلك العهد فليكن بعد حين .
كان القري واحدا من العلماء المصلحين الذين حملوا على عاتقهم أمانة إحياء ما اندرس من بواعث المجد في نفوس أبناء أمتهم ، فإذا شجع الغزاة على نشر الخرافات والضلالات ليسهل توجيه الناس الوجهة التي يرتضيها لهم الغاصبون انبرى لهم عالم القرويين فأنشأ مدرسة ” الزاوية الخضراء ” رفقة أخويه ” عبد الهادي بن سودة ” و ” يحيى بن سودة ” و أشهر قلمه مستنهضا للهمم و مدافعا عن القيم، بالمسرح تارة حين يؤلف ” أدب العلم و نتائجه ” وبالشعر تارة أخرى حين ينظم :
وكان استشهاده يوم الأربعاء 8 ديسمبر 1937م ،ودفن بكلميما ،فرثاه شعراء المغرب كما يرثون واحدا من مبرزيهم وأئمتهم ، وكذلك كان القري فارس الكلمة والميدان ومن المراثي التي قيلت فيه ما أورده الكتاني في مذكراته من نظم الأستاذ عبد السلام بن أحمد الوالي :
ظلام السجن خيم في فؤادي وأيام تنغص لي مرادي
سيأتي اليسر بعد العسر حقا وحكم الله ينفذ في العباد
أأنسى القري الغريد لما تجرع ما تجرع بالجلاد
إلى أن مات في الميدان حرا شهيدا ليس يعبأ بالعوادي
قاتل الله أمة رضيت بال جهل وحببته العبادا
لا عفا الله عن أناس أضلو نا فزادوا من الإله بعادا
علم الجاهلون أنهم في ال جهل ما يطلبون منه ازديادا
لم يظنوا أنا فطنا من قبل أن يقبلوا علينا المرادا
نظر القري إلى حال النساء وما يعانينه تحت وطأة الجهل فدعا إلى تحرير المرأة وتعليمها ورأى في إقصائها عارا على المجتمع بأجمعه
وبقاء الفتاة جاهلة عا ر عليكم لا ينقضي الآبادا
أين دين أتى بحرمانها من ه ضللتم لا تعرفون الرشادا
ودعا إلى الحفاظ على اللغة العربية لأنها صلة الوصل بين الأمة ودينها وسبيلها إلى المجد و الرقي ،وكان مستشعرا لخطورة ما يحيكه المستعمر من مؤامرة على اللغة واعيا بأهميتها في معركة أمته ضد عدوها.
ظل القري ملتصقا بهموم وطنه مطلعا على أحوال بني قومه، وهو لم يغادر المغرب لتجارة أو مال ولم يطلب منصبا أو جاها يعزله عن الناس رغم ضيق ذات يده، يشخص علل المجتمع ويصف دواءها ، وحين أحس بأن أوان الحركة قد أزف نزل إلى الشارع محرضا للجماهير داعيا إلى تأسيس حزب وطني توكل إليه مهمة الإشراف على شؤون الناس وتدبير مصالحهم وفي سنة 1937م كان الشارع يغلي مطالبا بالعدالة منتفضا ضد ظلم الطغاة ،وكان القري واحدا من قادة الوطنيين الأحرار، ولم يكن غافلا عما ينتظره إذ كان على بينة من أمره مسترخصا لروحه في سبيل مبدئه، يروي صديقه المؤرخ عبد السلام بن عبد القادر بن سودة أنه زاره ببيته قبيل اعتقاله وأنه شرب عنده اللبن وأخبره أنها ستكون آخر زيارة له لداره ولم يمض على تلك الزيارة غير يسير حتى ألقي به في سجن اغبالو نكردوس رفقة زمرة من الوطنيين حيث ستبتدئ فصول مأساته ، يقول الأستاذ محمد ابراهيم الكتاني في كتابه ” ذكريات سجين مكافح أو أيام كلميما” متحدثا عن تعذيب القري ” تفننوا في تعذيبه والتمثيل به بدعوى إرغامه على الوقوف والسير ، فمن ذلك أنهم كانوا يوقفونه بين شخصين و يجعلون الهراوة تحت ذقنه ،ثم يزيلون الهراوة من تحت ذقنه فيهوي -رحمه الله – بقوة … وقد تكررت هذه العملية منهم هذه العشية أكثر من عشرين مرة …. و (القوم ) يتبارون في ضربه على رأسه وظهره بهراويهم الغليظة حتى وصلوا به للمعتقل” ثم قال متحدثا عن وفاته ” وفي هذا اليوم أسلم الروح الشهيد محمد القري رحمه الله ، بعدما غاب خمسة ليال وأربعة أيام لا نعلم ماذا جرى له فيها ،زيادة على ما وقع بمرأى منا ..فكان موته رحمه الله خسارة لا تعوض ورزية وطنية عظمى ،إذ كان مؤمنا سلفيا صادق الإيمان ،وشاعرا مكثرا ،وكاتبا وخطيبا مؤثرا ،وعلامة لغويا مطلعا متبحرا… إنها ضريبة الحرية والاستقلال التي أداها هؤلاء المناضلون أثناء هذا الاعتقال وقبله وبعده لينعم الوطن بالحرية و الكرامة “.
*********
قبر الشهيد محمد القري
زهرة من كلميمة تطالب عائلة محمد القري بالاتصال بها
80 سنة على استشهاد العلامة الشاعر محمد القري خريج القرويين
ثمانون سنة (80سنة) مرت على ذكرى استشهاد الشاب العلامة الشاعر محمد القري خريج جامع القرويين (الصورة أعلاه) دون أن تعرف عائلته حتى اليوم عنوان قبره حيث يرقد بمقبرة القصر بكلميمة (نواحي الرشيدية).
زهرة الحسناوي، إبنة المقاوم المرحوم الحساين الحسناوي، التي مدتتني ككاتب هذا المقال، بصورة الشهيد وبعض المعلومات حوله، طلبت مني نشر الخبر لعل عائلة الشهيد العلامة محمد القري تهتدي إلى قبر الشهيد نزولا عند وصية والدها.
العلامة الشاعر محمد القري، مات تحت التعذيب على يد جلادين، خونة الاحتلال، منهم شخص يلقب بالشينوي ومريدوش وعلال العور وحمادي وبناصر… تقول زهرة إن وفاته كانت مأساوية باحتساب الأشغال الشاقة التي فرضت عليه دون احتساب عدد الضربات التي تلقاها والتي تجاوزت 100 ضربة يوما.
الشهيد العلامة محمد القري ،كان ضمن 74 مقاوما تم حملهم على مثن شاحنات إلى قصر كلميمة، وهو من الذين تم الحكم عليهم بسنتين سجنا، وأغلبهم مات تحت التعذيب، ومنهم كذلك مقاومون محكوم عليهم بستة أشهر وآخرون ب ثلاثة أشهر.
تقول زهرة نقلا عن والدها، إن العلامة محمد القري أحيل على مستوصف كلميمة وقتذاك حيت كان والدها ممرضا وهو من تكلف بدفنه بمقبرة القصر مستغلا انشغال قوات الاحتلال بعيد رأس السنة الميلادية لسنة 1937 التي توافق 22 رمضان من ذاك العام.
وقالت أن والدها أخبرها أن قبر الشهيد العلامة محمد القري سيكون له شأن كبير ولهذا الغرض تم عزل قبره عن قبور من قضوا معه والذي يرجح ـ حسب زهرة ـ أنهم مدفونين في مقبرة جماعية.
عائلة الحساين الحسناوي، عائلة مقاومة بامتياز، ذاقت مرارة وألم المنفى حيت تم سجن الحساين الحسناوي سنتين بمنفى بوعنان نواحي بوذنيب كما أن العائلة قضت سنتين في ثكنة عسكرية باليوسفية التي لم تخرج منها حتى بزغ فجر الاستقلال.
يشار إلى أن زهرة الحسناوي التي أحيلت على التقاعد تستعد لكتابة مذكرات حول مسار والدها وعائلتها التي ذاقت مرارة سجون الاحتلال، ومذكرات زهرة، بصيغة المؤنث، ستكشف حول عدد من الوقائع والأحداث التي لم تصلها بعض أقلام المؤرخين ببلادنا.
أبو أنس
واللإتصال بزهرة الحسناوي إليكم رقم هاتفها: 0673407495



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق