غسان كومية يرثي رفيقه سعيد الوادي
فارقنا اليوم سعيد الوادي، الرفيق الذي وقف يبحث عني ثلاثة ايام أمام باب كلية العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش خريف 2007.
وقف سعيد ثلاثة ايام، صباح مساء، يتفرس اوجه الاف الطلاب بجامعة القاضي عياض بحثا عن الرفيق غسان الذي انتقل للتو إلى الجامعة هناك.
التقيته على الساعة السابعة مساءا، بعد ان اختتمنا الشكل النضالي الذي افتتحه مناضلو البرنامج المرحلي قبل ان تخترقهم صراعات دامية تلك السنة. كانت اللحظات الاخيرة من النهار، واللحظات الاخيرة من التوافق بين خطي فصيل البرنامج المرحلي الذي ستخترقه بعد أسابيع قليلة صراعات دامية خلفت عاهات دائمة مازالت بادية على بعض ضحاياها.
تقدم نحوي، مد يديه قائلا: مرحبا غسان، انا سعيد مناضل النهج ديمقراطي من تيزنيت، كلفني الرفيق بيرداحا باستقبالك بمراكش. عانقته وسألته، هل تدرس بالكلية هنا؟ قال لا، لكني جئت بحثا عنك،.
قلت: منذ متى؟
قال: منذ ثلاثة أيام وأنا أمام باب الكلية.
دعاني لغرفة اكتراها مع بعض الطلاب، اعد وجبة عشاء وناقشنا امور التنظيم. ومنذاك الوقت جمعتنا أحداث سياسية ورفاقية كثيرة، عبر فيها سعيد عن معدن صلب لا يلين.
تركت منزل العائلة حيث كنت اقطن وسكنت مع سعيد... تشاركنا الجوع، والعدس ووجبات البي أم (البيض والطماطم) صباح مساء. تشاركنا أيضا نقاشات الساعات الطوال وسجالات سياسية امتدت ليال طويلة، وقراءات الكتب الحمراء.
كنا في وسط يصعب ان تحمل فيه توجها مخالفا للفصيل المسيطر في الساحة الطلابية لكن قناعة سعيد في النهج الديمقراطي لم تتزحزح يوما.
اشتهرت مراكش بمرافقها السياحية الجميلة، وساحة جامع الفنا ملتقى الفنون والثقافة العشبية... اما بالنسبة لسعيد، بالنسبة لكل من ناضل/ت في القلعة الحمراء، فمراكش هي معارك طلابية زاخمة وأصناف متنوعة من قوى القمع، والملحقة الرابعة للأمن بالداوديات و كوميسارية جامع الفنا حيث يتعرض الاف الطلاب لشتى انواع التعذيب والتنكيل.
وقف سعيد بشجاعة أمام قمع البوليس لمظاهرات الجامعة، والاعتقالات التي استهدفت مئات الطلاب، كان يسمع شهاداتهم عن القمع في الكلية وفي الملحقة الرابعة للامن ويلعن ويسب... كان يزداد عزما واصرارا.
كنا كلما دخلنا الكلية إلا ولاحقتنا اعين البوليس السياسي لكنه لم يتراجع قط.
سعيد وقف بصلابة في المعارك الطلابية، وكان دائم الحركية والنشاط.
كان يرفض الصراعات التي شقت فصيل البرنامج المرحلي وأدت إلى أحداث لم تمحبعد من الذاكرة.
شهد بعينيه حالات تعذيب بين الطلاب، ذات يوم دخل علي الغرفة مصدوما، حكى ما تعرض له رشيد الراشدية من حرق وكسر لعظام اليد على يد رفاق الأمس... لم يخف أبدا، بالعكس، دعاني لزيارة عزيز الذي تعرض لكسور مضاعفة في اليد والظهر والارجل بعد ان سقط بين يدي الفصيل الاخرى بعد فخ أوقعته فيه احداهن..
قليلون هم من اتموا دراستهم ذلك الموسم، وأقل بكثير من استمروا في النضال بعد ذلك.
سعيد لم يكن أيا منهم، لم يتم دراسته، لكنه لم يتوقف قط عن النضال... توجه الى الدار البيضاء، اشتغل بائعا للبيض وافتتح محلبة بدعم من الرفيق جمال، وشارك في مظاهرات عشرين فبراير
كان بالنسبة لي صوت العقل ساعة الطيش، كان دائم القول، يحب ان تناضل بحذر أكبر يا غسان، نودك بيننا كل الوقت لا بعض الأوقات. حذرني من الانخراط في الصراعات الدامية للفصائل وكان لي الرفيق والصديق والعائلة والعقل.
كان النظام التعليمي أقل عدلا مع سعيد، حاول جاهدا اتمام دراسته لكن عدم توفر الامكانيات، وانخراط الدولة في الخوصصة عجل بمغادرته اسوار الجامعة إلى سوق الشغل، هناك ذاق مرارة الهشاشة التي يعيشها جل العمال الفقراء ولكنه ابدا لم يتنازل عن مبادئه.
لم يجد نظاما صحيا يرعاه في مرضه، ناضل في صمت، وكد في صمت وحتى الموت اختطفه منا في صمت.
لم يتمكن النظام يوما من كسر ارادة سعيد، عكس الكثيرين، ولم يتمكن المرض والموت من أن يوهن من عزمه.
سعيد رمز الصمود والنضال والثبات على المبادئ حتى اللحد.
وداعا سعيد ودامت روحك الطاهرة نبراسا ينير الطريق، ودام اصرارك قوة تعيننا على مواصلة النضال ضد التفقير والحكرة، ضد القمع والاستغلال وحتى بناء مجتمع اكثر عدلا وانسانية مع الفقراء والمحرومين.
غسان
وقف سعيد ثلاثة ايام، صباح مساء، يتفرس اوجه الاف الطلاب بجامعة القاضي عياض بحثا عن الرفيق غسان الذي انتقل للتو إلى الجامعة هناك.
التقيته على الساعة السابعة مساءا، بعد ان اختتمنا الشكل النضالي الذي افتتحه مناضلو البرنامج المرحلي قبل ان تخترقهم صراعات دامية تلك السنة. كانت اللحظات الاخيرة من النهار، واللحظات الاخيرة من التوافق بين خطي فصيل البرنامج المرحلي الذي ستخترقه بعد أسابيع قليلة صراعات دامية خلفت عاهات دائمة مازالت بادية على بعض ضحاياها.
تقدم نحوي، مد يديه قائلا: مرحبا غسان، انا سعيد مناضل النهج ديمقراطي من تيزنيت، كلفني الرفيق بيرداحا باستقبالك بمراكش. عانقته وسألته، هل تدرس بالكلية هنا؟ قال لا، لكني جئت بحثا عنك،.
قلت: منذ متى؟
قال: منذ ثلاثة أيام وأنا أمام باب الكلية.
دعاني لغرفة اكتراها مع بعض الطلاب، اعد وجبة عشاء وناقشنا امور التنظيم. ومنذاك الوقت جمعتنا أحداث سياسية ورفاقية كثيرة، عبر فيها سعيد عن معدن صلب لا يلين.
تركت منزل العائلة حيث كنت اقطن وسكنت مع سعيد... تشاركنا الجوع، والعدس ووجبات البي أم (البيض والطماطم) صباح مساء. تشاركنا أيضا نقاشات الساعات الطوال وسجالات سياسية امتدت ليال طويلة، وقراءات الكتب الحمراء.
كنا في وسط يصعب ان تحمل فيه توجها مخالفا للفصيل المسيطر في الساحة الطلابية لكن قناعة سعيد في النهج الديمقراطي لم تتزحزح يوما.
اشتهرت مراكش بمرافقها السياحية الجميلة، وساحة جامع الفنا ملتقى الفنون والثقافة العشبية... اما بالنسبة لسعيد، بالنسبة لكل من ناضل/ت في القلعة الحمراء، فمراكش هي معارك طلابية زاخمة وأصناف متنوعة من قوى القمع، والملحقة الرابعة للأمن بالداوديات و كوميسارية جامع الفنا حيث يتعرض الاف الطلاب لشتى انواع التعذيب والتنكيل.
وقف سعيد بشجاعة أمام قمع البوليس لمظاهرات الجامعة، والاعتقالات التي استهدفت مئات الطلاب، كان يسمع شهاداتهم عن القمع في الكلية وفي الملحقة الرابعة للامن ويلعن ويسب... كان يزداد عزما واصرارا.
كنا كلما دخلنا الكلية إلا ولاحقتنا اعين البوليس السياسي لكنه لم يتراجع قط.
سعيد وقف بصلابة في المعارك الطلابية، وكان دائم الحركية والنشاط.
كان يرفض الصراعات التي شقت فصيل البرنامج المرحلي وأدت إلى أحداث لم تمحبعد من الذاكرة.
شهد بعينيه حالات تعذيب بين الطلاب، ذات يوم دخل علي الغرفة مصدوما، حكى ما تعرض له رشيد الراشدية من حرق وكسر لعظام اليد على يد رفاق الأمس... لم يخف أبدا، بالعكس، دعاني لزيارة عزيز الذي تعرض لكسور مضاعفة في اليد والظهر والارجل بعد ان سقط بين يدي الفصيل الاخرى بعد فخ أوقعته فيه احداهن..
قليلون هم من اتموا دراستهم ذلك الموسم، وأقل بكثير من استمروا في النضال بعد ذلك.
سعيد لم يكن أيا منهم، لم يتم دراسته، لكنه لم يتوقف قط عن النضال... توجه الى الدار البيضاء، اشتغل بائعا للبيض وافتتح محلبة بدعم من الرفيق جمال، وشارك في مظاهرات عشرين فبراير
كان بالنسبة لي صوت العقل ساعة الطيش، كان دائم القول، يحب ان تناضل بحذر أكبر يا غسان، نودك بيننا كل الوقت لا بعض الأوقات. حذرني من الانخراط في الصراعات الدامية للفصائل وكان لي الرفيق والصديق والعائلة والعقل.
كان النظام التعليمي أقل عدلا مع سعيد، حاول جاهدا اتمام دراسته لكن عدم توفر الامكانيات، وانخراط الدولة في الخوصصة عجل بمغادرته اسوار الجامعة إلى سوق الشغل، هناك ذاق مرارة الهشاشة التي يعيشها جل العمال الفقراء ولكنه ابدا لم يتنازل عن مبادئه.
لم يجد نظاما صحيا يرعاه في مرضه، ناضل في صمت، وكد في صمت وحتى الموت اختطفه منا في صمت.
لم يتمكن النظام يوما من كسر ارادة سعيد، عكس الكثيرين، ولم يتمكن المرض والموت من أن يوهن من عزمه.
سعيد رمز الصمود والنضال والثبات على المبادئ حتى اللحد.
وداعا سعيد ودامت روحك الطاهرة نبراسا ينير الطريق، ودام اصرارك قوة تعيننا على مواصلة النضال ضد التفقير والحكرة، ضد القمع والاستغلال وحتى بناء مجتمع اكثر عدلا وانسانية مع الفقراء والمحرومين.
غسان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق