جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير ومن أجل غد أفضل/الشهيد محمد الزرقطوني

مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير
ومن أجل غد أفضل
تقديم:

إن أغلب المقاومين والأغلبية الساحقة لفئات الشعب المغربي تملكتهم الصدمة والشعور بالاحباط والقهر والغربة في بلدهم الذي ناضلوا وضحوا بالغالي والنفيس لإنعتاقه من بؤرة الاستعمار واستقلاله. لأنهم سرعان ما عاينوا أن لا صوت لهم ولا اعتبار بل أصبحوا طريدة للأجهزة الأمنية العلنية منها والسرية واضطهد أولادهم وعائلاتهم وذووهم. وانتشر الاحباط إلى درجة ان هؤلاء المناضلين بدؤوا يفكرون في طريق للخروج من العتمة التي أسقط فيها المغرب ليعيش في ظروف أنكى وأقسى من ظروف أنكى وأقسى من ظروف الإستعمار الفرنسي أو الاسباني.
واعتباراً للقمع والتسلط والاستبداد والرعب وإرهاب الدولة أضحى الكثير من المغاربة يرون في الاستقلال نقمة ويعتبرون أن البلاد عرفت تقهقراً ملحوظاً مقارنة بالماضي.
لذلك فإن النضال أو الكفاح أو المقاومة، كل ذلك ظل ولازال دائماً عملاً مشروعاً مادام هناك طغيان، سواء كان هذا الطغيان أجنبياً أو محلياً. وتضحية المناضلين والمكافحين والمقاومين من أجل قضية عادلة هي التي تعطي المعنى العميق للحياة والوجود والحرية والكرامة الانسانية.
فعلى امتداد عقود عاش المغاربة في نفق مظلم قوامه السجون والمعتقلات السرية والاختطافات والتعذيب والموت البطيء والاغتيالات والقتل والدفن قي أماكن سرية والاغتصاب والقهر الجسدي والقمع المادي والمعنوي والاهانة والدوس على الكرامة الانسانية والصفة الآدمية.
وقد أدى الشعب المغربي الثمن فادحاً في الغلاء بأرواح أبنائه سواء على امتداد مرحلة الحماية والاستعمار أو في سبيل الخبز ومن أجل الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية بعد الاستقلال في وقت كانت كمشة تراكم الثروات الفاحشة بدون موجب شرع ولا قانون على حساب أكثر من سبعة ملايين من أبناء هذا الوطن يعانون من وطأة الفقر المدقع.
وإذا كانت حصيلة الشهداء من أجل التغيير وغد أفضل ثقيلة وثقيلة جداً، فلا زال المغاربة ينتظرون هذا التغيير وهذا الغد الأفضل وقد طال انتظارهم.
وإذا كان لابد من الإقرار بحصيلة فإن المعطيات المتوفرة لازالت غير كافية بما يساعد على طرح حصيلة كاملة.
وقصد الاقتراب من الصورة يمكن الاكتفاء ببعض المعطيات التي أضحت واضحة للجميع ولا جدال فيها، ومن ضمنها الشهداء من أجل الاستقلال والاعدامات التي عرفها المغرب في عهد الاستقلال، وشهداء المظاهرات في ستينات وسبعينات وثمانيات القرن الماضي وشهداء المعتقلات السرية ومخافر الشرطة.
إنه لا مناص من جرد الحصيلة حتى نتعرف على الثمن الغالي الذي أداه الشعب المغربي من أجل التغيير وغد أفضل










مُحَمَّدُ الزَرْقْطُوْنِي (1927 - 18 يونيو 1954) كان مناضلا ومقاوما مغربيا في عهد ما يسمى الحماية الفرنسية. هو من أشهر مناضلي المقاومة المغربية، بل ويعتبر رمزا للمقاومة المغربية.
وُلد سنة 1927 بدرب السوينية في المدينة القديمة بالدار البيضاء المغربية. والدته كانت خدوج بنت رايس من مدينة فاس، وكان والده اسمه محمد الزرقطوني أيضا. كان محمد الزرقيوني الابن أول ولد في عائلته وله ثلاث أخوات. والده، محمد الزرقطوني الأب، كان مقدم زاوية الحمدوشية،وتعلم محمد الزرقطوني الابن في هذه الزاوية القراءة والكتابة. ثم التحق بالمدرسة العبدلاوية وهي مدرسة لتعليم الحديث ومن أوائل المدارس المستقلة الحرة التي أدارها المناضلون منذ أوائل عقد 1940.
بين الخامس عشر والسادس عشر من عمره، قرر أنه يريد لاستقلال المالي، فانصرف عن مدرسته لأجل الشغل لتحقيق هدفه، ولكنه لم يتوقف عن الدراسة. كان يطالع المصادر الغربية باللغة الفرنسية، خصوصا تلك التي لها بعد سياسي، كما أنه كان يقرأ المطبوعات المشرقية باللغة العربية. خلال هذه المطالعة، انفتح على ما حواليه على المستويات المغربي والمغاربي والعربي والعالمي، وتنامى لديه الوعي بمحيطه. ومن الجدير بالذكر أن هذا التطور تحقق في إطار عالمي سياسي معين، ألا وهو نهاية الحرب العالمية الثانية وموج الحركات التحررية التي تلتها، ولا بد أنه تفاعل مع تلك الوقائع وتأثر بها بشدة.
أسس محمد الزرقطوني نادي مولودية بوطويل بالمدينة القديمة، وأصبح مسؤولا عن العصبة المغربية لكرة القدم، التي نافس فيها فرق أحياء المدنية.
يوم 25 ديسمبر 1953، إثر نفي  محمد الخامس، قام الزرقطوني بعملية تفجير السوق المركزي في الدار البيضاء أي "مارشي سنطرال" (بالفرنسية: Marché Central) كما كان يعرف باللغة الفرنسية. وفارق الحياة يوم 18 يونيو 1954 في السجن.
تزوج محمد الزرقطوني بالسيدة السعدية العلمي وهي مقاومة ومناضلة كذلك وهي ولدت عام 1936 بمدينة فاس المغربية
عن ويكيبيديا

 الشهيد : محمد الزرقطوني
الشهيد : محمد الزرقطوني ولد بالدار البيضاء سنة1925وترعرع في أحضان الحركة الوطنية وأحتك بالأستعمارمنذ نعومه أظافره أي أنه انخرط منذ ريعان شبابه في العمل الوطني والنضال السياسي فتميز بحماس فياض وفكر ثاقب وديناميكية متواصلة، جعلته ينال ثقة الحزب ورفاقه في النضال، ويتبوأ مركزا قياديا في نشاط الحزب بمدينة الدار البيضاء. لكن بعد نظره ودقة حسه جعلاه يدرك نوايا الاستعمار ومناوراته التي لا تبشر بالخير لاسيما في مطلع الخمسينات حيث احتدم الصراع بين  الحركة الوطنية  من جهة والإقامة العامة من جهة ثانية.
هذه الأخيرة التي شرعت في إبراز أنيابها وبدأت بالتربص  وكان الشهيد يتابع هذه المؤامرة ويستجلي خيوطها وحياكتها، فبادر إلى إعداد العدة وتدبير وسائل المواجهة بخطة محكمة وتنظيم دقيق، وكان له الفضل في إطلاق الشرارة الأولى للمقاومة ضد المستعمر الفرنسي في المملكة المغربية هو ورفاقه، فكان  الاجتماع على تأسيس الخلية الأولى للعمل المسلح بتاريخ 7 أبريل 1951 فانسجمت إرادة(الشهيد محمد الزرقطوني) يومذاك مع الإخوة التهامي نعمان والمرحومين سليمان رضى وحريشي حسن العرائشي، وأدينا يمين الوفاء وشرعنا في إعداد العدة والعتاد للمرحلة ورسم المخططات وتحديد الأهداف التي تقض مضجع الوجود الاستعماري وتدفع به إلى الرضوخ لإرادة الشعب المغربي الحر.
وتجب الإشارة في هذا المضمار الى أن الشهيد كان واسع المدارك بعيد الأفق، بحيث استطاع أن يمد شبكة التنظيم السري الى درب السلطان والمدينة القديمة وكل احياء الدار البيضاء ثم الى مدن كبرى كفاس ومكناس والرباط ومراكش وغيرها من الحواضر، كما كان يحضر قبل وفاته بقليل الى مد العمل المسلح إلى القرى وجبال الأطلس والصحراء والريف، استعدادا لتأسيس جيش التحرير، وهذا ما يفسر استقطابه للرجل الوطني الغيور المرحوم محمد بن عمر المكوني الملقب بويفادن الذي كان على صلة بجنود ثكنة بورنازيل بالدار البيضاء.
إن قناعة الشهيد محمد الزرقطوني بمحدودية قدرة الانسان على تحمل التعذيب والبطش بالمتورطين الذين قد يقعون فريسة بيد سلطات التحقيق الاستعمارية، جعلته شديد الحيطة والحذر والحرص على أن لاينهار بنيان التنظيم السري فجأة في حال إلقاء القبض على أعضاء التنظيم، فكان لايفارق قرص السم لا هو ولا رفاقه وتلك كانت إحدى خصاله المعبرة عن استعداده التام لافتداء التنظيم بروحه من أجل الاستمرارية وتداول مشعل القيادة إلى النصر.
وكان يوم الاختبار هو يوم 18 يونيو 1954 وهو اليوم الذي تمكنت فيه قوات الشرطة الاستعمارية من العثور على هذا القائد الملهم، وإلقاء القبض عليه بمنزله بسيدي معروف بالدار البيضاء فكانت فرحة المستعمر كبيرة وهي تتصور أنها تمكنت من الإمساك بكل خيوط المقاومة المسلحة، إلا أنه مصداقا لوعده ، لم يتمكنوا سوى من جثة هامدة بعدما صعدت الروح وهي تحمل معها كل أسرار الحركة ورجالها الذين واصلوا من بعده أعمالهم الفدائية آخذين من تضحيته المثال والقدوة الحسنة التي قادت الى النصر المبين ورجوع الحق الى نصابه وأصبح يوم 18 يونيو 1954 يوم المقاومة ويوم بالوقوف على قبر الشهيد بمقبرة الشهداء بابن مسيك بالدار البيضاء.



**************

يلتقي جمهور المشاهدين بالقناة الأولى، يومي الثلاثاء 16 و 23 يونيو 2009 في الحادية عشرة ليلا، مع حلقات جديدة من البرنامج التلفزيوني « الشاهد »، الذي سوف يستحضر نضال وحياة رمز المقاومة المغربية الشهيد محمد الزرقطوني، من خلال شهادة نجله عبد الكريم الذي يروي تفاصيل حياة الشهيد. تعرض هذه الحلقات بالتزامن مع الاحتفال باليوم الوطني للمقاومـة ( 18 يونيو ) وهو تاريخ استشهاده سنة 1954 . 
ولد الشهيد محمد الزرقطوني سنة 1927 بمدينة الدارالبيضاء وتربى في أحضان عائلة محافظة، وترعرع في أوساط الحركة الوطنية.. دخل الكتاب القرآني والتحق بالمدارس العربية الإسلامية، فنشأ شابا مغربيا مسلما، ودرس التاريخ فامتلأ إيمانا بدينه وتعلقا بوطنه، وتشبع بالفكر الثوري على الظلم والاستعباد، وكان من رواد الحرية وعشاقها، فعاش ومات من أجلها، خاض معركة الحياة بعصامية نادرة ونكران للذات.
كان محمد الزرقطوني قوي المراوغة والمناورة حيال الفرنسيين، شديد الانتباه والحذر من أولئك الذين كانوا يتعقبونه ويفتشون عنه، خاصة بعد افتضاح أمر بعض منفذي عملية السوق المركزي بالدارالبيضاء في 25 دجنبر 1953 الذين اعتقلوا من طرف الشرطة الفرنسية والتي بدا لها أن الزرقطوني قد يكون أحد العناصر المدبرة الرئيسية والمحرك الأساسي لأعمال المقاومة والفداء. إلى أن اعتقل أحد أعز أصدقائه بمدينة فاس وهو البشير شجاعدين حيث تم افتضاح أمره أمام البوليس الفرنسي، وقد سبق للزرقطوني أن صرح أمام زملائه المقاومين « ... أعدكم أنه في حالة إلقاء القبض علي فسيلقون القبض على جثة هامدة » وكذلك كان يوم الجمعة 18 يونيو 1954 على الساعة الخامسة صباحا، حيث ابتلع حبة السم التي كان يحملها، وفتح الباب بدون مقاومة، وما أن وصل إلى مركز الشرطة، حتى كان جثة هامدة... وصار هذا اليوم 18 يونيو تاريخا للذكرى ويوما وطنيا للمقاومة ..


*****************
عبد الكريم الزرقطوني يسترجع شريط ذكرياته مع والده محمد الزرقطوني:
كان يتمتع بروح النكتة والمرح وكان يكن تقديرا كبيرا للمرأة
نشر في المساء يوم 17 - 09 - 2009

طبعت مسيرة الشهيد محمد الزرقطوني تاريخ المقاومة المغربية، وارتبط اسمه بالمقاومة والنضال ومحاربة المستعمر، ليس في بلده المغرب فحسب، بل في كل دول العالم العربي. لكن الشهيد ورغم مسؤولياته الكثيرة ولقاءاته السرية بأقطاب المقاومة كان دائما يجد الوقت ليمارس مهامه كأب عطوف وزوج محب. 
«المساء» التقت ابنه عبد الكريم الذي ألقى الضوء على هذا الجانب الخفي من حياة والده محمد الزرقطوني.
- ما هي الصورة التي يحتفظ بها عبد الكريم عندما كان طفلا عن والده الشهيد محمد الزرقطوني؟
> إذا كنت تقصدين تجربة الشهيد محمد الزرقطوني في ميدان العمل الوطني الذي ساهم من خلاله في تأطير خلايا المقاومة المسلحة التي قادت النضال التحرري ضد الاستعمار، خلال النصف الأول من خمسينات القرن ال20، فالمؤكد أنني لا أحتفظ في ذاكرتي إلا بما رواه رفاقه بعد استشهاده سنة 1954، لأن عمري آنذاك لم يكن يتجاوز السادسة، لكن إذا كنت تقصدين الحديث عن تجربة محمد الزرقطوني الأب والإنسان والمربي والصديق والجار، فهذا ممكن لاعتبارات متعددة أهمها أن الطفل يحتفظ دائما ببصمات ناصعة عن سيرة والديه وعن ظروف تربيته الأولى، وعن كل التجارب التي يتلقاها في صباه، باعتبارها نقاطا محورية في تكوين شخصية الفرد، ترافقه في كل مراحل تقلبات حياته. في هذا الإطار يمكن أن نتحدث عن تفاصيل طبعت حياتي ورافقتني على امتداد كل مراحل عمري هذه، وأنا حريص على تلقين أسسها لأبنائي ولأفراد أسرتي بوسائل متعددة وبشكل يومي.
ذكريات الطفولة
- هل يمكن أن تقربنا من ظروف نشأته وصباه؟
> كان الشهيد بكر والديه، لذلك سماه باسم محمد، وكان متعلقا به بشكل كبير، فحرص على تربيته تربية دينية وتمكينه من كل عناصر التكوين والاستقامة، ولذلك ألحقه بالمسجد لحفظ القرآن الكريم، وعندما أنهى حفظ «السلكة»، كتب رسالة إلى والده الذي كان يشتغل بعيدا عن الدار البيضاء يخبره فيها بإتمامه لحفظ كتاب الله، وطلب منه تنظيم الحفل الذي كان المغاربة ينظمونه لأبنائهم بعد ختمهم للقرآن الكريم، ومن محاسن الصدف أن المقاوم شعيب شجاعدين الذي كان يشتغل نجارا إلى جانب جدي البناء، هو الذي قرأ نص هذه الرسالة التي كانت سببا لبداية علاقة طويلة ربطت هذا المقاوم بالشهيد خلال المراحل الموالية، وبالفعل فقد حضر جدي إلى الدار البيضاء واشترى له ملابس تقليدية، ونظم حفلا تقليديا بهذه المناسبة.
- وهل كان لذلك تأثير على علاقاته بوسطه؟
> بالفعل، فقد أصبح والدي متميزا بين أقرانه، واتخذ ذلك أشكالا متعددة لا يسمح المجال للحديث عن كل تفاصيلها، لكني أكتفي بالإشارة إلى أنه كان يؤم رفاقه لصلوات التراويح خلال شهر رمضان بجامع السوق بالمدينة القديمة، وبعد مرحلة المسيد، التحق بالمدرسة العبدلاوية لتلقي التعليم الأولي، لأن والده كان حريصا على تلقينه كل مبادئ العلم والمعرفة الأساسية، لذلك كان ينظم له حصصا دراسية إضافية بمنزلنا تحت إشراف الفقيه الفيكيكي، هذا بالنسبة إلى اللغة العربية. أما بالنسبة إلى اللغة الفرنسية فقد قام جدي بشراء كتب خاصة بترجمة الألفاظ العربية إلى الفرنسية، وعزز بها خزانته الخاصة به.
- هل كنتم تعرفون المجال الذي يشغل بال والدكم؟
> لا بد من الإشارة إلى أننا كنا نجهل كل شيء عن أنشطة والدنا الوطنية، خاصة بالنسبة إلى التنظيمات المقاومة المسلحة. صحيح أننا كنا نعاين تردد رفاق والدنا على منزلنا خاصة في فترة الأربعينيات عندما كان الوطنيون يستغلون فضاء المنزل لإلقاء دروس في محو الأمية أو لتصميم الرايات خلال فترات الاستعداد لإحياء حفلات عيد العرش، لكن كنا بكل تأكيد نجهل كل شيء عن الاستعداد لإطلاق مشروع التنظيم السري الهادف لتطوير حركة المقاومة المسلحة ضد الاستعمار. وفي هذا الجو المفعم بالحيوية، انخرط والدنا في تنظيم الحركة الوطنية الأولى، مثل الكشفية الحسنية، متخذا لنفسه مسارا نضاليا خالصا أثر على مسار حياته كلها.
أب عطوف
- كيف كانت علاقته بأبنائه وعائلته؟
> لا زلت أحتفظ في ذاكرتي بالكثير من الجزئيات التي جمعت محمد الزرقطوني بأفراد أسرته الصغيرة، فقد كان حنونا وصاحب قلب كبير، فهو بالنسبة إلي رمز للالتحام العاطفي الغامر، وهذا ما جعلني أنظر إليه دائما بنظرات الإعجاب والتقدير، وأذكر جيدا أنه لم يسبق له أن وبخني على عمل اقترفته ولا على شغبي الطفولي، فقد كان يحبني إلى درجة كبيرة ويعبر دائما عن تعلقه بأسرته، ولن أنسى ما حييت تلك النظرة العميقة التي كانت تحملها عيناه، نظرة الخوف من المستقبل، أو لعلها نظرة الوداع المرتبط بالاستعداد الدائم للرحيل مادام أن المجال الذي انشغل به كان يحمل في طياته مخاطر الاعتقال والنفي بشكل مستمر.
- وكيف كان يعبر عن حنانه؟
> كان يضمنا دائما في حضنه، ويسأل عن الجميع، ويتفقد أحوال كل أفراد الأسرة، ولا يتعب من السؤال عن هذا وذاك، سواء بالنسبة إلى أبنائه أو إلى والديه أو إلى إخوانه وأخواته، لذلك كان إخوانه ينادونه بالأب الصغير (أبا الصغير)، بل كانوا يعتبرونه أبا ثانيا لهم، لأنه كان مستعدا باستمرار لتتبع شؤون الأسرة وفي أدق تفاصيل حياتها.
- هل يمكن أن تعطينا أمثلة على ذلك؟
> كان مثلا يطلق ألقابا خاصة على أخواته الإناث، حيث سمي أخته البكر زهرة ب«للا أختي» وأخته الثانية خديجة ب«للا عيني» وأخته الثالثة مليكة ب«للاغزالي». أما بالنسبة إلى إخوانه الذكور فقد كان أخوه عبد الرزاق منذ سن الرابعة عشرة يرافقه في أنشطته الرياضية داخل فرق كرة القدم بالمدينة القديمة بالبيضاء.
- هل لا زلت تذكر بعض الخصوصيات الأخرى التي لا زالت عالقة بذاكرتك؟
> كان والدي عاشقا للحيوانات الأليفة، وخاصة القطط، وكان يطلق عليها بعض الأسماء الدالة مثل (طرزان) الذي كان بطلا أسطوريا لدى أبناء جيل الأربعينيات والخمسينيات من القرن ال20. إلى جانب ذلك كان يتمتع بروح النكتة والمرح، وأتذكر في هذا الصدد أنه كان يداعبني داخل صهريج سيدي حرازم بإلقائي داخل الحوض المائي، ويتركني أبكي خوفا من الغرق بينما هو يضحك ويمرح. وإضافة إلى صفة المرح التي امتاز بها داخل أسرته، كان يتميز بالجدية والصرامة في علاقته برفاقه وأصدقائه من خارج الأسرة.
- وكيف كانت علاقته بوالديه؟
> كان يزورهما باستمرار في منزلهما بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء التي كانت تسمى بالزاوية، وكان حريصا على تفقد أوضاعهما وتلبية حاجياتهما، وعندما دخل في مرحلة السرية منذ سنة 1952، كان يزورهما في ساعات متأخرة من الليل، وكان يلج المنزل من السور الخلفي كي لا يراه أحد، وخاصة الخونة وعملاء الاستعمار.
- كيف تلقيتم خبر استشهاده؟
> كنت في المنزل المذكور بمنطقة الهراويين، عندما جاء أحد رفاق والدي ليخبرنا بالحدث، ثم تكفل بنقل الأسرة إلى منزل الزاوية بالمدينة القديمة، يومها علمت الأسرة بحقيقة أدواره القيادية داخل تنظيمات حركة المقاومة المسلحة التي أخذت في تسديد ضرباتها الموجعة للاستعمار عقب إقدامها على نفي محمد الخامس في 20 غشت 1953.
- ألم تفكروا ولو للحظة في سر وسبب الزيارات التي كان يقوم بها رفاقه إلى البيت؟
- لم نفكر لحظة بأن والدنا كان مولعا بحب الوطن، صحيح كنا نلمس حبه للأشعار الوطنية، وحديثه الدائم عن الوطن، لكننا لم نشك يوما في طبيعة اللقاءات التي كانت تتم بينه وبين رفاقه.
- وهل كانت تتم دائما بنفس البيت؟
> لقد كانت أسرتي دائمة الترحال، لم يكن لدينا عنوان قار ولا بيت معروف، لهذا كنا نتنقل دائما من بيت إلى آخر. وكان دائما يكون خلايا وطنية تحت غطاء أسرته، وكان دائما يعمل في صمت.
علاقته بالمرأة
- كيف كانت علاقته بالمرأة؟
> كان والدي متدينا ومستقيما، لذاك تزوج في سن ال 18 من والدتي هيبة، ورزق منها بثلاثة أبناء هم بديعة التي توفيت بعد سنة واحدة على ميلادها، ثم عبد الكريم، فشوقي، وكانت علاقته بأمي كلها احترام وتقدير بحكم انتمائها إلى زاوية رصراكة بنواحي الصويرة، وبعد وفاتها في شهر أبريل 1951، تزوج بالسيدة السعدية العلمي، وأنجب منها طفلا واحدا اسمه خالد، فارق الحياة مباشرة عقب استشهاد والدي. وما أؤكده هنا هو أن والدي كان رجلا بمعنى الكلمة، يكن تقديرا كبيرا للمرأة سواء كانت أما أو أختا أو بنتا.
- وكيف تزوج بوالدتك؟
> كان زواجا تقليديا، فهو لم يخترها ولم يرها إلا يوم الزفاف، ونفس الشيء بالنسبة اليها نظرا إلى طبيعة التقاليد السائدة في ذلك الوقت، لقد كانت زوجة مطيعة لا تسأله عن تأخره ولا عن سبب خروجه.
- هل تذكر متى كانت آخر مرة التقيت فيها والدك؟
> كان ذلك سنة 1954 بمنطقة الهراويين بنواحي الدارالبيضاء، وبالضبط بمنزل أخته زهرة، أتذكر أنه رفض دعوة أخته للبقاء في المنزل لتناول وجبة العشاء، وعندما أصرت شقيقته على دعوته، اشترط أن تكون الوجبة مكونة من دجاجة يتكلف ابنه عبد الكريم، الذي هو أنا، بالقبض عليها. وقد فشلت في هذه المهمة، مما جعل والد يضحك مع الحاضرين، لكنه تدخل وأنجز المهمة على أكمل وجه، وكانت تلك المناسبة آخر لحظة التقيت فيها بوالدي رحمه الله.
رجل تقليدي
- كيف كان يتحدث إليكم؟
> يتحدث دائما بحكمة وتركيز، ولا يخرج من فمه إلى الكلام الصائب.
- ما هي الأكلة التي كانت مفضلة بالنسبة إليه؟
> كان يحب كل الوجبات التقليدية وكان إنسانا تقليديا مئة بالمائة.
- هل لا زلت تذكر بعض المواقف الطريفة التي كان يقوم بها؟
> أذكر أنه كان يحب تخويف زوجته الثانية، تم يضحك على رد فعلها.
- ما هي أهم الشخصيات التي التقاها محمد الزرقطوني؟
> لا أستطيع أن أحدد طبيعة أو عدد الشخصيات، لأن عمل والدي كان يتم بسرية تامة، فلم يكن مثل بعض الشخصيات المعروفة والمحترمة التي طبعت مسيرة المقاومة، لأن كل اللقاءات كانت تتم بسرية تامة، وكانت جل الصور آنذاك تحرق، ولهذا السبب لا نتوفر على أرشيف لمثل هذه الشخصيات.
استقبال ملكي
- هل تذكر تفاصيل استقبالكم من طرف العائلة الملكية؟
> استقبلنا الملك الحسن الثاني كأسرة بكاملها، ثم استقبلنا مرة أخرى في القصر بعد إصدار أول كتاب عن مؤسسة الزرقطوني، حيث قدمت للملك محمد السادس كتابا عن والدي رحب به، بالإضافة إلى الزيارة التي قام بها الأمير مولاي رشيد الى قبر والدي إلى جانب العديد من الشخصيات. ويكفينا شرفا أن يوم المقاومة تم اختياره بناء على اليوم الذي استشهد فيه والدي.
- ماذا خلف لكم محمد الزرقطوني؟
> لم يخلف لنا إلا كرامته وروحه الأبية وأخلاقه الجهادية النبيلة.
- هل يعني هذا أنكم لم تصبحوا أسرة غنية بعد رحيله؟
> أبدا، فالشهيد كان عفيفا ينتمي إلى أسرة متوسطة الحال، وكل ما هناك أننا استفدنا أنا وأخي شوقي من رخصة لنقل المسافرين أنعم علينا بها الملك  الحسن الثاني، إلى جانب ذلك تفضل الملك محمد السادس بتخصيص منح دراسية يستفيد منها أبنائي الثلاثة الذين يتابعون تعليمهم العالي بالولايات المتحدة الأمريكية.
- ماذا
 قدم اسم الزرقطوني؟>
 كل الاحترام والتقدير وكل الترحيب الذي لا يتصور، فالاسم محترم جدا، وهذا بالنسبة إلى الأسرة بأكملها شرف ما بعده شرف. ويكفينا ذلك.
- بعد كل هذا بماذا تحتفظ في ذهنك عن والدك؟
> أحتفظ بأغلى شيء، صورته التي لا ترافقي والتي ترسخت في ذهني، خاصة آخر نظرة نظر إلي بها، والتي لن أنساها أبدا، وعندما أذهب لزيارة قبره، أراه واقفا أمامي بنفس النظرة التي كانت تودعني دائما، فهذا الذي ميزه في حياته ومماته، فقد كان ينظر إلى الأسرة بكاملها وكأنه يودعها، لقد كان متأكدا من أنه سيفارق الحياة في أية لحظة وهذا ما جعله يحمل معه حبة السم دائما، وليس هو فقط بل كل المقاومين آنذاك.
 










مقطع من الشريط التوثيقي حول اربعينية الفقيدة السعدية العلمي زوجة الشهيد محمد الزرقطوني






الذكرى الأربعينية لوفاة المقاومة السيدة السعدية العلمي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *