مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير ومن أجل غد أفضل/شهداء جيش التحرير
مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير
ومن أجل غد أفضل
تقديم:
إن أغلب المقاومين والأغلبية الساحقة لفئات الشعب المغربي تملكتهم الصدمة والشعور بالاحباط والقهر والغربة في بلدهم الذي ناضلوا وضحوا بالغالي والنفيس لإنعتاقه من بؤرة الاستعمار واستقلاله. لأنهم سرعان ما عاينوا أن لا صوت لهم ولا اعتبار بل أصبحوا طريدة للأجهزة الأمنية العلنية منها والسرية واضطهد أولادهم وعائلاتهم وذووهم. وانتشر الاحباط إلى درجة ان هؤلاء المناضلين بدؤوا يفكرون في طريق للخروج من العتمة التي أسقط فيها المغرب ليعيش في ظروف أنكى وأقسى من ظروف أنكى وأقسى من ظروف الإستعمار الفرنسي أو الاسباني.
واعتباراً للقمع والتسلط والاستبداد والرعب وإرهاب الدولة أضحى الكثير من المغاربة يرون في الاستقلال نقمة ويعتبرون أن البلاد عرفت تقهقراً ملحوظاً مقارنة بالماضي.
لذلك فإن النضال أو الكفاح أو المقاومة، كل ذلك ظل ولازال دائماً عملاً مشروعاً مادام هناك طغيان، سواء كان هذا الطغيان أجنبياً أو محلياً. وتضحية المناضلين والمكافحين والمقاومين من أجل قضية عادلة هي التي تعطي المعنى العميق للحياة والوجود والحرية والكرامة الانسانية.
فعلى امتداد عقود عاش المغاربة في نفق مظلم قوامه السجون والمعتقلات السرية والاختطافات والتعذيب والموت البطيء والاغتيالات والقتل والدفن قي أماكن سرية والاغتصاب والقهر الجسدي والقمع المادي والمعنوي والاهانة والدوس على الكرامة الانسانية والصفة الآدمية.
وقد أدى الشعب المغربي الثمن فادحاً في الغلاء بأرواح أبنائه سواء على امتداد مرحلة الحماية والاستعمار أو في سبيل الخبز ومن أجل الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية بعد الاستقلال في وقت كانت كمشة تراكم الثروات الفاحشة بدون موجب شرع ولا قانون على حساب أكثر من سبعة ملايين من أبناء هذا الوطن يعانون من وطأة الفقر المدقع.
وإذا كانت حصيلة الشهداء من أجل التغيير وغد أفضل ثقيلة وثقيلة جداً، فلا زال المغاربة ينتظرون هذا التغيير وهذا الغد الأفضل وقد طال انتظارهم.
وإذا كان لابد من الإقرار بحصيلة فإن المعطيات المتوفرة لازالت غير كافية بما يساعد على طرح حصيلة كاملة.
وقصد الاقتراب من الصورة يمكن الاكتفاء ببعض المعطيات التي أضحت واضحة للجميع ولا جدال فيها، ومن ضمنها الشهداء من أجل الاستقلال والاعدامات التي عرفها المغرب في عهد الاستقلال، وشهداء المظاهرات في ستينات وسبعينات وثمانيات القرن الماضي وشهداء المعتقلات السرية ومخافر الشرطة.
إنه لا مناص من جرد الحصيلة حتى نتعرف على الثمن الغالي الذي أداه الشعب المغربي من أجل التغيير وغد أفضل
شهداء جيش التحرير
لا توجد إحصائيات يعتد بها في هذا المجال، ولا لحصيلة دقيقة للمعارك التي دارت رحاها فيما بين أكتوبر 1955 وفبراير 1958 ، ماعدا بعض الأرقام المتناثرة التي نشرتها الصحف الفرنسية والمغربية من ضمنها نسوق ما يلي على سبيل الاستئناس.
خلف الهجوم على معسكر اموزار مرموشة 40 شهيداً، وسقوط شهيد واحد في معركة بين أكنول وتازة وسقوط 5 شهداء في الهجوم على مركز باب الحائط بمرنيسة ومعركة تيزي ودرا، وسقوط شهيدين في الهجوم على معسكر "زيد الماء". وخلف هجوم طائرات الاستعمار على قافلة متجهه نحو تيزي أوسلي عشرات الشهداء. وسقط عشرة شهداء في اشتباك سيدي المخفي ببركان واستشهاد واحد في معركة بين بركان وتافوغالت. وسقط 14 شهيداً في معركة يايناست.
وفي خضم هذه المعارك البطولية وغيرها تضامن سكان سوس مع جيش التحرير في هجوم 28 فبراير 1956 وأغلقوا الطرقات بالأحجار والأشجار لمنع شاحنات الجيش الفرنسي من المرور. وانتقل وزير الدفاع آنذاك رضا اكديرة والجنرال الكتاني إلى أكادير وتم الاتفاق على نقل الجنود الفرنسيين بواسطة الطائرات.
كما استشهد مكافح في هجوم محاميد الغزلان، وسقط 6 شهداء في هجوم على قافلة عسكرية في المسيد و13 شهيداً في معركة تافودارت وكذلك الأمر في هجوم طريق السدرة.
ومن المعروف أن أوّل عملية كانت هي الهجوم على ثكنات الجيش الفرنسي في إيموزارمرموشة في 2 أكتوبر1955 وقد سقط في هذه العملية أربعون شهيد
وتلتها عمليات أخرى بمركز تيزي وسلي ومركز أكنول.
وجاء رد الجيش الفرنسي عنيفاً برّاً وجوّاً. وفي الأيام الأولى للمعارك سقط عدد من مسؤولي جيش التحرير في ساحة المعركة.
في شهر مارس 1956 وزعت مناشير في الدارالبيضاء تؤكد على أن جيش التحرير توقف عن الحرب وإطلاق النار منذ مارس. في حين وزع أنصار عبد الكريم الخطابي منشورات تعلن أن الكفاح لازال مستمراً وأن إستقلال المغرب لن يكون كاملاً إلاّ بعد إستكمال تحرير شمال إفريقيا كلها.
وفي خضم الصراعات وفي هذا الصدد وقعت حادثة قتل مبهمة كان ضحيتها عباس المسعيدي أحد أبرز قادة جيش التحرير.
فخلال سنتين وبضعة أشهر خاض جيش التحرير في المنطقة الشرقية ما يناهز65 معركة وبلغت خسائره في الأرواح أكثر من 300 و25 من المفقودين. وفي أقصى الجنوب وجد جيش التحرير نفسه بعيداً عن قواعده الخلفية، وظل معزولاً حيث لم تلتحق بصفوفه القبائل المحلية وتعقبته القوات الفرنسية بالقرب من أطار وسقط أكثر من 10 شهيداً ووقع الباقون في الأسر.
أما الذين تمكنوا من الفرار إلى واد الذهب فاستقبلتهم القوات الإسبانية بالإعتقال.
وفي 23 نوفمبر1957 انتفصت قبيلة آيت باعمران وهجم أعضاء جيش التحرير على عدّة مواقع واستولوا على السمارة وبئر أنزران وأوسرد. فتحالفت فرنسا وإسبانيا لتطويق جيش التحرير والقضاء عليه وكانت الحصيلة 132 شهيداً بالسمارة و440 شهيداً بمناطق أخرى.
في فجر الإستقلال
بعد الإستقلال -والذي اعتبره البعض منقوصاً- تعالت شعارات مضللة دعت الجماهير للعفو عن الجلادين وطي صفحة الماضي الأسود للخيانة. وما هي إلا أيام قليلة وبدأت تبرزمؤشرات دلت على أن الخونة والعملاء هم الذين كانوا أكبرالمستفيدين من الإستقلال المبثور. وبذلك، ومنذ الوهلة الأولى، ضاعت أحلام الجماهير الشعبية المغربية وذهبت تضحياتها سدى.
وهذا ما دفع، في غشت 1956 ، جملة من قادة المقاومة إلى التصريح بأنه لم يحدث أي تغيير مما كان منتظراً. ولذلك طالبوا، وبقوّة، بإنشاء محكمة استثنائية لمحاسبة الخونة والعملاء والمتآمرين على المغرب والمغاربة لتطهير الإدارة منهم وتنحيتهم جملة وتفصيلاً من مواقع القرار ومراكز التقريروكذلك استكمال الوحدة الترابية للمغرب بكامل أطرافه والمطالبة الفورية بجلاء الجيوش الأجنبية سواء الفرنسية أو الأمريكية وإصلاح الجهاز القضائي وإحترام حقوق الناس. وهي كلها أفكار تضمنها بيان المجلس الوطني للمقاومة الصادر عن مؤتمر غشت 1956.
وفي المجال الإجتماعي أكد البيان على ضرورة توزيع أراضي الإقطاعيين والملاكين الكبار والمعمرين على الفلاحين بدون أرض والذين سلبت أراضيهم عبر اغتصابها من طرف الإستعمار، لأن هذا من أبسط حقوقهم باعتبار أن العملية ماهي إلا إعادة الحقوق لأصحابها الحقيقيين تاريخيا.
إلاّ أن الأمور لم تسر على هذا النحو وإنما سارت في اتجاه لم يكن يخطر على بال الفلاحين إذ وضعت الدولة يدها على أراضي المعمرين ووهبت بعضها لخونة وعملاء الأمس القريب ولجملة من الوصوليين الذين تنكروا للتضحيات الجسيمة لأبناء الشعب المغربي. وهكذا ظل الفلاحون ينتظرون استرجاع أراضي أجدادهم التي اغتصبها الإستعمار منهم بقوّة النار والسلاح. ولازالوا ينتظرون وسوف يظلون ينتظرون باعتبار أن الأراضي المتبقية حالياً في حوزة الدولة أو الموضوعة تحت تصرف شركتي صوديا وصوجيطا فإن مآلها هو البيع بالمزاد العلني عوض توزيعها على الفلاحين بدون أرض.
ولعل هذا التوجه هو الذي تطلب من الشعب المغربي المزيد من تضحية أبنائه المخلصين من أجل التغيير وغد أفضل حتى بعد الإستقلال.
كما أن الصراعات بين الأحزاب السياسية كان لها نصيب في سقوط جملة من الضحايا. ففي 23 يناير 1956 حدثت مذبحة في سوق الأربعاء الغرب، إذ قصدها أعضاء من حزب الشورى والإستقلال آتون من وزان والرباط وسلا والدارالبيضاء بمعية فرقة من الكشفية للإحتفال بتعيين المحجوبي أحرضان عاملاً على الرباط والناحية. وهناك اشتبكوا مع أعضاء من حزب الإستقلال وكانت الحصيلة مصرع 4 ضحايا من حزب الشورى والإستقلال.
وفي 31 مارس أبريل 1956 لقي الدكتورعمر الإدريسي حتفه رمياً بالرصاص رغم عدم تعاطيه لأي نشاط سياسي، وكان قد صُفيَ خطأ مكان المستهدف الحقيقي وهو الدكتور عبد الهادي مسواك عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي المغربي. وفي نفس السنة تمت تصفية محمد السطي الكاتب الجهوي للحزب الشيوعي بالدارالبيضاء ومحمد الفضالي كاتب فرع الحزب بالمحمدية.
وفي ربيع 1956 قام أعضاء حزب الشورى والإستقلال المتحالفون مع منظمة "الهلال الأسود" بعدّة إغتيالات وتصفيات استهدفت عناصر من حزب الإستقلال في أزيلال (ناحية بني ملال) وعلقوا جثتهم في الأشجار.
واستعانت السلطة بفرقة من جيش التحريرللقضاء عليهم.
وفي 9 مايو 1956 اغتيل عبد الواحد العراقي كاتب فرع حزب الشورى والإستقلال بفاس وممثل العلماء في استشارات ايكس- ليبان، وذلك لأنه نادى بحل جيش التحرير على أمواج الإذاعة المغربية.
وفي يونيو 1956 أُختطف عبد الله الوزاني الذي كان معجباً بأدولف هتلر وسبق له أن زار برلين أثناء الحرب العالمية الثانية. وقد صرح وزير الداخلية آنذاك إدريس المحمدي بإصدارأمرلاعتقاله. وبعد ذلك اختفى أثره ويرجح أنه قُتل في معتقل بريشة بتطوان.
وفي نفس الفترة أُلقي القبض على عبد السلام الطود، وكل الشهادات المتوفرة تفيد بأنه لقي نحبه في نفس المعتقل بتطوان. وكذلك الأمربالنسبة لمحمد الشرقاوي وعبد الكريم الحاتمي.
وفي 5 يوليو 1956 هاجم مسلحون إبراهيم الروداني، الوجه البارز في الحركة النقابية والمقاومة المسلحة. ولفظ أنفاسه الأخيرة في الحال. كما مات أخوه متأثراً بجراحه وكذلك أحد المارة.
وفي 25 يوليو لقي بوشعيب الزيراوي، رفيق الروداني، حتفه رمياً بالرصاص في درب البلدية بالدارالبيضاء.
وفي 28 يوليو لقي نفس المصيرلحسن الجلاوي وأحمد الشرايبي والمجاطي والمختار كندوز.
وفي 16 غشت 1956 تم اختطاف، بطنجة، رجل الأعمال عبد القادر بن عمر برادة بمعية صهره عبد الحميد بوسليخين. وكان الأول يستقطب الريفيين المقيمين بطنجة إلى صفوف حزب الشورى والإستقلال. ورغم البحث الواسع والمستمر لم يُعثر على أثرهما، ويرجح أنهما صُفيا بمعتقل بريشة بتطوان.
وفي نفس الفترة وقعت اشتباكات بين حزبي الإستقلال والشورى والإستقلال بمدينة مكناس نتج عنها قتيلاً وعدّة جرحى. وفي إطار التطاحن بين الحزبين تم اختطاف خليفة وشقيقه أحمد وعبد القادر من مقر سكناهم ولم يظهر لهم أثر رغم البحث المستفيض عنهم.
ولم يكن يمر يوم آنذاك دون معاينة اغتيالات ومواجهات بين أنصار الحزبين.
ومن ضحايا التصفيات المتبادلة بين المقاومين، هناك محمد صدقي وصالح الحريزي ومحمد حسين وعلي العيدي المعروفي ومحمد اجضاهيم وامبارك
بادي علال ومحمد بن عبد القادر الحريزي وأحمد بلحسن وابراهيم أوليازيد وبلمخنت عبد الرحمان وزوجته وعبد الله المديوني ومحمد بن بوشعيب المديوني وأحمد الرمضاني وبن زريويل والحبيب القدميري وثريا الشاوي وأحمد بن علي السرجان ومولاي أحمد الصقلي ومولاي علي القرواني ومحمد بن المكي (هوشي مينه).
وفي فاتح يناير 1957 سقطت عائشة المسافر بآيت باعمران وهي تطلق النار على جنود الإحتلال الإسباني في معركة بويزي.
وقد وصل الصراع والتطاحن بين حزبي الإستقلال والشورى والإستقلال أوجهما في أبريل 1959. وأُغتيل الفقيه عبد العزيز بن إدريس، وألقي القبض على الفاعلين وقُتِل واحد منهم تحت التعذيب بمخفرالشرطة وهو الحسن بن الحسن القهواجي ونُفد حكم الإعدام في حق محمد بن الحسين الملقب بالأعور.
ويعتبر الشيخ عبد العزيز بن إدريس من الفعاليات البارزة، كان ضحية لعملية اغتيال قيل أن منفيذها كانوا على علاقة بالإتحاد الوطني للقوات الشعبية وبأمر من قاداته. والشيخ عبد العزيز من مواليد 1907 حصل على عالمية القرويين سنة 1930 ، شارك في مقاومة الظهير البربري وداق السجن والتعذيب على يد البغدادي باشا مدينة فاس. وكان أحد الغيورين على العقيدة السلفية ومن دعاة الإصلاح. كما كان أحد رجالات الحركة الوطنية الأوائل ووقع عريضة المطالبة بالإستقلال في 11 يناير 1944 وعرف السجون والمنافي والتعذيب وتنكيل المستعمر.
كان يتنكر في ملابس "الحلايقية" ويتجول في أسواق الجبال ويقص في "الحلقة" القصص بجميع اللهجات، وفي ذات الوقت بين دعوته الدينية ودعايته السياسية والجهادية وينسق بين المقاومين. وقد ناهض بقوّة في فجر الإستقلال المدّ الشيوعي والحملة الفرانكوفونية التي كان يقودها مركز التبشير المسيحي في كنيسة تيومليلن بمدينة أزرو إلى أن أغتيل في 25 أبريل 1959. وقد ساهم بجانب علال الفاسي وشكيب أرسلان في تحقيق أجزاء من كتاب العبر لابن خلدون المنشور سنة 1936 بالقاهرة. وقد شارك جميع القائمين على الأمور آنذاك في التعتيم على اغتياله. وكان محمد بن الجيلالي (ميشيل لحريزي) من المثقفين المنضوبين تحت لواء الحركة التقدمية. إلا أنه سرعان ما ثم إدماجه في آليات الإدارة
آ نذاك وكلفه أفقير بجملة من المهام المطبوعة بالشبهات. إلا أنه أُعتقل في 17 دجنبر 1959 ثم أطلق سراحه. إلا أنّه بعد ذلك تم اختطافه بمدينة طنجة وهو في طريقه إلى فرنسا رفقة زوجته وابنتهما. ولم يظهر لهم أثر وأضحوا من عداد مجهولي المصير.
وعموماً في السنين الأولى من الإستقلال وإلى حدود 1965 فقد الكثير من المغاربة حياتهم، حيث تم إعدام عبد الرحيم اينوس ولحسن باشوش ومحمد بلحسين وبنحمو الفاخري، وعبد الله الزناكي والمولات ادريس وأحمد تاجة ومحمد آيت عمر ومحمد بولنوار وميلود المشنتف وعبد العزيز العبدلاوي ومحمد بن أحمد وعبد السلام بن عمر وعبد الله بنحمو وعبد القادر بن المختار ومحمد بن عبد القادر ومحمد بن سي محمد وحمادي بن محمد وسعيد بن سعيد والأمين بن عبد العزيز وزروال بن محمد وعمر دهكون ومحمد بن الحسين(صبري) وآيت عمي لحسن واجدابني مصطفى وموحى نايت ومحمد حسن الإدريسي وبارو امبارك ولحسن آيت زايد وحديدو أموح وعبد الإله فريكس ودحمان نايت غريس ولحسن تاغجيجت ومحمد بن الحسين وإدريس الملياني والمهتدي محمد وبوجمعة جناح ومحمد الحجيوي وميري بوجمعة وسعيد أوخويا وموحى أحمو وغيرهم.
وفيما يخص غير الإعدامات المعلن عنها والرسمية هناك عدّة مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير وغد أفضل في ظروف أخرى. نسوق منها بعض الأمثلة.
ففي يناير 1959 سقط في أحداث الريف بفعل تدخل الطيران عشرات القتلى.
ستينات القرن العشرين
إن لستينات القرن العشرين نصيبها كذلك من المغاربة الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير وغد أفضل.
ففي 19 غشت 1961 صدر حكماً بالإعدام على 4 مناضلين من خيرة المقاومين. وهكذا سقط محمد بن حمو العياشي(الفاخري) وعبد الله بن الحسن الزناكي( رفيق الزرقطوني) والمولات إدريس بن أحمد وأحمد بن محمد تاجا برصاص عهد الإستقلال. وبشهادة الجميع كان هؤلاء أبطالاً حتى في مواجهة لفيف الإعدام، إذ رفض الفاخري وضع العَصَّابة على عينيه وقال لقاتليه: " اتركوني أرى لآخر مرّة سماء وطني الذي أموت سبيله". كما هتف عبد الله بن الحسن "يحيا التاريخ" وصاح المولات إدريس "هذا ما يجازينا به الإقطاع". وهذا ما أكدّه كذلك شهداء عيّان حضروا عملية تنفيد الإعدام، وهم محامو هؤلاء الشهداء الأبرار.
وفي هذه الفترة أكد أكثر من مصدرأن الجنرال السفاح أفقيركان يكبّل المناضلين الأوفياء ويثقل أجسادهم بالحديد قبل رميهم من الطائرات العسكرية في البحر. وهذا ما وقع في يوليو 1963 بالرباط وأكادير والدارالبيضاء. وأغلب هؤلاء الضحايا كانوا شباباً.
وفي سنة 1963 ، في الوقت الذي كانت فيه المحكمة العسكرية تصدر حكمها بالإعدام على محمد البصري وعمر بن جلون ومومن الديوري والمهدي بن بركة ومولاي عبد السلام الجبلي وعبد الفتاح سباطة، تسللت جماعة مسلحة من الحدود الجزائرية ووقع إشتباك مع القوات المسلحة وكانت الحصيلة سقوط قتلى وجرحى من الجانبين.
وتميزت سنة 1964 باعتقالات واسعة النطاق وصدر في يونيو على الأقل 14 حكماً بالإعدام في حق محمد بن محمد بن عبد الله، ومحمد بن عزوز بولنوار وميلود بن محمد المشنتف، وعبد العزيز بن محمد العبدلاوي ومحمد بن أحمد وعبد السلام بن حمادي بن عمر وآيت سعيد عبد الله بن حمو وعبد القادر بن البشير بن المختار ومحمد بن عبد القادر بن قدور ومحمد بن سي محمد بن عمر وحمادي بن محمد بن عمر وسعيد بن سعيد بن عبد الله والأمين بن عبد العزيز وزروال معمر بن محمد.
ورغم أن حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية رفض المشاركة في الإستفتاء على الدستور الممنوح، قرّر المشاركة في الإنتخابات البرلمانية لفتح واجهة النضال والصراع على السلطة داخل البرلمان وفي عقر صفوف القوى الرجعية آنذاك. إلاّ أن النتيجة كانت اعتقال المرشحين وتهديدهم وإلحاق الأضرار بمصالحهم وأملاكهم بل وتصفية بعضهم. وفي أقل من أسبوعين سقط ما يناهز7 مناضلا اتحادياً بعضهم أغتيل برصاص أعوان الإدارة في الرباط ومراكش وأكادير وآسفي وورزازات.
وفي سنة 1964 تعرض ادبلعيد لعملية اختطاف، وحسب أكثر من مصدر لقي حتفه بمخفرالشرطة بالدارالبيضاء، ورغم ذلك أصدرت المحكمة في حقه غيابياً حكماً بالسجن المؤبد.
كما لقي نفس المصيرالشهيد المدني بن محمد المغراني الملقب بالأعور المختطف بناحية تطوان ولم يظهر له أثر. وهو من مؤسسي جيش التحرير في الشمال. وقد صرح البعض- من ضمنهم الفقيه البصري- أنّه أغتيل بفيلا سرية بالدارالبيضاء.
ولقي نفس المصير كذلك الشهيد محمد بن علي بولحية في صيف 1963 وظل مجهول المصير. وكذلك محمد العبدي زكرياء وآيت بوهمو بن الحسن.
وفي يونيو 1964 عثر بالشارع بالدارالبيضاء على جثت الحاج أحمد أشويط وعبد الله بن علي وبلحسن السويسي وعبد الله كاكاز وكلهم من المقاومين البارزين. وقد استهدف هذا الفعل الشنيع رعب وترهيب المناضلين وتكريس ثقافة الرعب في صفوف الشعب.
وأطلق عبد الرحيم اينوس، البالغ عمره 17 سنة، الرصاص على الضابط لحسن الغول الذي صفى أكثر من مقاوم، من ضمنهم مولاي الشافعي. وصرح في وجه هيئة المحكمة أنّه قضى على حياة مجرم اغتال أبطال الإستقلال، واعتبر ما قام به واجباً وطنياً لأنه تربى على رفض سيادة الظلم والإستغلال في ظل الإستعمار الفرنسي فكيف يقبله وهو صادر من مغاربة ضد مغاربة؟
وكان حكم المحكمة العسكرية هو الإعدام في حق عبد الرحيم اينوس ورفيقه في درب النضال والكفاح لحسن بن محمد باشوش.
كما أنه قام أكثرمن صراع بين المغاربة الخاضعين للتدريب العسكري بالجزائر آنذاك. ولقي بعضهم الحتف على أيدي رفاقهم في السلاح.
ومن هؤلاء ميلود توحتوح- الذي غادر الجيش الملكي- واتهم خطأ بالخيانة، وكذلك الأمر بالنسبة للمقاوم محمد بن حمو الشيباني.
وبعد تأجج الصراع بين الجزائر والمغرب على إثر حرب الرمال أو حرب الحدود، انطلقت جماعة من المغاربة من معسكر التدريب الكائن بسيدي خالد بالقرب بالقرب من مدينة بلعباس في يوليو 1964 واصطدمت مع قوات الحدود المغربية وكانت الحصيلة قتل وأسر معظم أفراد المجموعة ماعدا ثمانية منهم تمكنوا من العودة سالمين إلى الجزائر.
وفي يونيو 1964 اخترق أحمد أكوليز(شيخ العرب) الحدود الجزائرية المغربية رفقة عمر الفرشي. إلاّ أنه بمجرد أن وطأت قدماه أرض الوطن وجد نفسه مطارداً من طرف الأجهزة الأمنية المغربية. إستقر بفيلا بالدارالبيضاء بضعة أيام فقط، وسرعان ما طوّقتها جماعة من رجال الأمن إلا أن أحمد أكوليز ورفاقه اضطروا لتبادل النار مع البوليس وقتلوا ثلاثة من أفراده وجرحوا آخرين وتمكنوا من الفرار.
ظل شيخ العرب ورفاقه مطاردين على امتداد التراب الوطني. وفي كل مرّة كان يفاجأ بترصد رجال الأمن لخطواته وطالما كانوا ينتظرونه في أكثر من مكان مما يشير إلى أن جماعته كانت مخترقة، إذ كانت تضم عميلاً يخبر جهاز المخابرات بتحركات شيخ العرب، واعتباراً لمحاصرته اللصيقة لم يتمكن من تأسيس خلايا وتنظيمها، الشيء الذي يفسر عدم تمكنه من القيام بعمليات ذات جدوى. علاوة على أن كل المؤشرات تفيذ أن شيخ العرب وجماعته لم يكونوا يتوفرون على برنامج أو رؤية واضحة المعالم والمقاصد. وظل شيخ العرب مطارداّ إلى أن لقي حتفه على يد رجال الشرطة في 7 غشت 1964 واعتقل ما يناهز 40 من رفاقه.
وفي هذه الفترة كان من المعروف أن جريدة "المحرر" كانت شوكة في حلق القائمين على الأمور، ولذلك كانت من أولى ضحايا القمع والتنكيل وارهاب الدولة. وكانت جريدة "المحرر" إذن من أولى ضحايا حالة الإسثناء، ولم يتم صدور إلا خمسة أعداد منها بعد اختطاف المهدي بن بركة تم اغتياله. وظلت المطبعة التي كانت تطبع بها محاصرة من طرف رجال الأجهزة الأمنية لمنع تسربها إلى الأكشاك. وفي أحد الأيام اقترح أحد العاملين بها بتهريب الجريدة بعد طبعها من السطح وايصالها إلى مقر الحزب قصد القيام بتوزيعها رغم المحاصرة.
وقد أكد عبد الله رشد في أحد مؤلفاته على حادثة وقعت له مع عبد الرحمان اليوسفي. وكان عبد الله رشد آنذاك يشغل منصب سكرتير التحرير بجريدة "المحرر". أخبر هذا الأخير عبد الرحمان اليوسفي بمكتبه بالأمر، لكنه صاح في وجهه قائلا: لماذا لا تستشيروننا في مثل هذه الأمور؟ والآن افعلوا ما شئتم....
ولم يمر إلا أقل من أسبوع عن هذه الحادثة حتى أصدر الحزب بلاغاً يعلن فيه عن توقيف صدور جريدة "المحرر" نهائياً لأسباب مادية، موضحاً أن الخسائر الناجمة عن المنع المستمر قد ألحقت أضراراً بالغة وبالتالي أدت إلى استحالة الاستمرار في صدورها.
وعاش المغرب في منتصف ستينات القرن الماضي أوضاعاً مزرية نتيجة لسياسة التفقير الممنهج الشيء الذي أدى إلى انفجار غضب شعبي. هكذا خرجت الجماهير الشعبية يوم 23 مارس 1965 إلى شوارع الدارالبيضاء احتجاجاً على الأوضاع الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية. وكانت النقطة التي أفاضت الكأس صدور قرار وزاري يمنع التلاميذ البالغين 17 سنة من العمر من ولوج السلك الثاني من التعليم الثانوي آنذاك، حيث اشترك التلاميذ وأباؤهم وأولياؤهم في مظاهرة صاخبة بالعاصمة الإقتصادية. وواجهها النظام بالنار والرصاص، إذ تدخلت القوات المسلحة مساندة ومدعمة بالدبابات للتوقيع على مدبحة ومجزرة بشرية مع الترصد وسبق الإصرار. واجتهد الجنرال السفاح أفقير في المساهمة الفعلية والعملية في سفك دماء المتظاهرين العزل، لقد كان يطلق النار الجماهير من طائرته المروحية. وكانت الحصيلة مئات القتلى من المتظاهرين العزل والإعلان عن حالة الإستثناء دامت عدّة سنوات تميزت هي كذلك بالمزيد من سقوط مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير ةغد أفضل، ففي 23 مارس 1965 سقط أكثر من ألف شهيد قتيلا في مظاهرة الدارالبيضاء.
على الهامش
هل أعطى السلطان محمد بن يوسف الأمر بتصفية رجال المقاومة؟
هل كان إبراهيم الروداني ومحمد الزيراوي يحرضان الناس على عدم المشاركة في تشييع جنازة المقاوم لحسن الگلاوي؟ ""
هل الأمر يتعلق بنية مبيتة للتحريف أم أعطاب في الذاكرة؟
مغرب بدايات الاستقلال... حقول الألغام:
من المؤكد استحالة الإلمام بجميع وقائع تاريخنا الوطني دون حصول مقاربة متكاملة يسهم فيها الفاعلون ومعاصروهم والباحثون الساعون في بلوغ الحقيقة، بعيدا عن الحمولات الايديولوجية المغرضة، حتى تكون الخلاصات المتوصل إليها منسجمة بل متماهية مع الحقائق التاريخية، وهذا شرط أساسي لقبولها من لدن الجميع.
مناسبة هذا الكلام إثارة مجلة "نيشان" في عددها رقم 190، 27 فبراير 5 مارس 2009 لموضوع الاغتيالات ومختلف عمليات الاضطهاد التي مرت انطلاقا من أواخر سنة 1955 بعد عودة السلطان محمد بن يوسف من منفاه، واستمرت طيلة 1956.
ومن دون شك تنطوي مقاربة هذا الموضوع على كثير من مخاطر الانزلاق المنهجي والفكري، ولذلك يتعين توفر شرطين أساسيين أولهما الانصات لجميع الفاعلين في وقائع الفترة ومعاصريهم، وثانيهما النزاهة الفكرية والمقصود بها الابتعاد عن المرامي الايديولوجية المغرضة، لذا فإن السطحية التي عولج بها هذا الموضوع الذي مازال يثير حساسية شديدة لم ترفع اللبس الذي مايزال جاثما أمام المقبلين لأول مرة على مقاربة تاريخ المغرب خلال سنوات فجر الاستقلال خاصة سنة 1956، بل تم تكريس هذا اللبس، فمن الطبيعي إذن أن يتولد الاعتقاد بأننا مانزال بعيدين عن الحقيقة المنفلتة من عقالها.إننا واثقون من أن "نيشان" بإثارتها لموضوع الاغتيالات السياسية في مغرب بدايات الاستقلال إنما كانت تنطلق من الرغبة في إنتاج المعرفة، أي الحقيقة المجردة من كل المرامي أو الأهواء السياسية المتحاملة، لكنها سقطت في منزلق منهجي خطير وهو الركون إلى شهادة فاعل في وقائع الفترة، تجمع الكثير من الروايات والوقائع على تورطه في الجرائم السياسة التي راح ضحيتها عدد غير يسير من رجال المقاومة وغيرهم، وكان معظم الضحايا من منظمة الهلال الأسود التي لم يترك لها خصومها فترة لالتقاط أنفاسها، فأجبرت بعد استعادة السيادة الوطنية على الدخول في صراع مع حزب الاستقلال الذي احتوى "المنظمة السرية" وسخرها لاضطهاد خصومه، فحاول المقاوم عبد الله الحداوي (1939 1956) الحفاظ على الهلال وقاوم كثيرا مختلف الإغراءات التي كان المهدي ابن بركة على الخصوص يتقدم بها لاستقطاب رجال المقاومة للضغط بهم على القصر كخطوة أولى نحو إقامة نظام شمولي، على غرار الأنظمة التوليتارية التي كانت سائدة في أوروبا الشرقية على الخصوص، ولما لم تنجح كل الاغراءات تم اغتيال عبد الله الحداوي وثلاثة من رفاقه ليلة السبت 29 يوليوز 1956، وكان القتلة رجال أمن ينتمون للدائرة السابعة للأمن المعروفة لدى البيضاويين ب "الساتيام" التي كان يشرف عليها الحسين الصغير ويساعده أحد أبرز الفاعلين في وقائع جرائم الاغتيال السياسي الذي اعتمدت نيشان شهادته!
وكان من بين القتلة "أحمد الطويل" و "الذهبي" المعروف ب "اللاص" و"عبد الرحمان السطل" و "بنجلون" وأخوه و "قمر" و "عبد الله المراكشي"...
وقد انضاف عبد الله الحداوي ورفاقه الثلاثة إلى الضحايا الذين أخذوا يسقطون تباعا منذ نهاية 1955، وكان في مقدمتهم امبارك القصري المعروف ب "المضاربي" لامتهانه حرفة خياطة المضارب إذ جرى إحراقه حيا، وبعد مرور أسابيع قليلة سقط أحمد الشرايبي الذي كان قد استدعي من قبل المهدي بن بركة في محاولة لإغرائه بالفوائد التي تنتظره في حال قبوله الانضمام إلى خطة حزب الاستقلال، وأمام رفض أحمد الشرايبي جميع عروض الإغراء واختياره الالتزام بخط منظمة الهلال الأسود جرى اغتياله من قبل زبانية أحمد الطويل، وقد جرت واقعة الاغتيال داخل محل لصنع مادة جافيل كان في ملك ابراهيم الروداني الذي كان يجمع معلومات كثيرة عن المقاومين بحكم علاقته القديمة بهم.
جرى اغتيال أحمد الشرايبي لما كانت الدار البيضاء تستعد لاستقبال السلطان محمد بن يوسف في أول زيارة لها منذ عودته من المنفى، إذ يبدو أن خصوم الهلال حاولوا استفزازها ليلة الزيارة ودفعها إلى القيام بردود فعل قوية تفسد الزيارة وتفسد أيضا العلاقات بين السلطان ومنظمة الهلال الأسود، لكن عبد الله الحداوي بفضل ما كان يتمتع به من دهاء فوت على خصومه هذه الفرصة.
افتراءات أم أعطاب في الذاكرة؟
ورد في إفادة الفاعل الذي ارتكنت نيشان إلى شهادته أن السلطات محمد بن يوسف أعطى الأمر لرجال المقاومة للقيام بعملية تصفية داخلية تقضي على من بقي منهم على قيد الحياة! وأضاف أن هذا الأمر نقله إليهم أحمد العلوي الذي انتقل إلى رحمة الله، أي أن صاحب الشهادة اتخذ من قبر أحمد العلوي حصنا منيعا يحول دون الاقتراب منه لمساءلته ودحض روايته.
إذا صح هذا الادعاء ستكون هيئة الإنصاف والمصالحة قد زاغت عن الحقيقة لما قالت في إحدى خلاصاتها بشأن ما جرى بين 1956و 1999 أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي حصلت سنة 1956 كانت بين فاعلين «غير دولتيين عمليات استنجاد الفاعل في جرائم 1956 السياسية بالموتى كثيرة، ومنها الاقتصار في ذكر أعضاء وفد منظمة الهلال الأسود الذين استقبلهم السلطان محمد بن يوسف على الشهيد محمد اعمامو الزاياني وليس اعبابو كما جاء في صفحات نيشان وهنا نصل إلى تناقض خطير بين ماورد في هذه الرواية، خاصة تاريخ الاستقبال الذي كان في أبريل 1956، وبين ماورد في رواية سابقة بشأن اغتيال عبد الله الحداوي في 29 يوليوز 1956 (المستقل، الخميس 20 الأربعاء 26 أبريل 2000، ص• 12)
قال صاحبنا في شهادته عن ملابسات اغتيال عبد الله الحداوي قائد الهلال أن خبر الاغتيال ورد عليه وهو في السجن الذي دخله بعد اعتقاله يوم الخميس 3 مارس 1955، في أعقاب عملية "آرمان ماري" "Armand maré"، فكيف أمكنه الحضور ضمن وفد الهلال إلى القصر وهو مايزال في السجن ولم يغادره إلا بعد اغتيال عبد الله الحداوي في 29 يوليوز؟ فهل يتعلق الأمر بعطب في الذاكرة أم بنية مبيتة للتحريف، وبالتالي التنصل من مسؤولية التورط في جريمة اغتيال عبد الله الحداوي وجرائم أخرى، منها اغتيال لحسن الگلاوي، ليلة 16 يونيو 1956 بمقر إقامته في حي الوازيس بالدار البيضاء، وكان القتلة ومنهم الحسين سرحان ومصطفى أبارجو قد تأكدا أن لحسن الگلاوي يوجد بمفرده بعد أن غادره عبد الله الحداوي، الذي كان يهابه خصومه كثيرا، ومنها اختطاف المقاوم گرانفال الذي انقطعت أخباره إلى الآن منذ أن شوهد في مدخل الساتيام وقد احتضنه صاحبنا وهو يصرخ بأعلى صوته: «واحبيبي گرانفالوللحقيقة فإن صاحبنا غادر السجن رفقة لحسن الگلاوي قبل هذه الوقائع بعدة شهور.
من التحريفات الواردة في عدد نيشان حول المذابح السرية الادعاء أن اغتيال الزيراوي والروداني جاء انتقاما من طرف الهلال الأسود لأن القتيلين كانا يحثان الناس عبر مكبر للصوت على عدم الانضمام إلى مشيعي جنازة لحسن الگلاوي الذي أسس بتعاون مع عبد الله الحداوي منظمة الهلال الأسود.
وفقا لرواية حسن الحداوي شقيق الشهيدين محمد الحداوي وعبد الله الحداوي فإن جنازة لحسن الگلاوي انطلقت من بيت الحداويين في زنقة ملوية بدرب السبليون، وكان المقاوم أحمد رزقي قد تكلف بغسل الجثمان الذي لف بغطاء كتب عليه شعار الهلال: «حزبنا الإسلام، دستورنا القرآن، غايتنا الملك<• وعلى طول المسار الذي قطعه المشيعون من درب السبليون وإلى غاية مقبرة اسباتة، التي ووريت بها جثامين عدد غير يسير من شهداء الهلال الأسود، لم يلاحظ وجود للروداني أو الزيراوي، فلم يكن من شيم الرجلين الوقوع في هذا المنزلق الذي لايمت بأية صلة لقيم التسامح التي يحث عليها الدين الاسلامي، وللتاريخ فإن اغتيال ابراهيم الروداني في 5 يوليوز 1956 ومحمد الزيراوي في 25 من نفس الشهر جاءا اثر اغتيال لحسن الگلاوي في 16 يونيو واعمامو الزاياني في 30 يونيو 1956، أي أن اغتيالهما اندرج في إطار ردود الفعل التي حاولت الهلال الأسود كثيرا تجنبها حفاظا على وحدة المقاومة لكنها دفعت إليها دفعا بعد أن تضخمت قافلة شهداء المقاومة الذين قارب عددهم الثلاثين من منظمة الهلال وحدها، أي أكثر من الوطنيين الذين جرى إعدامهم من قبل السلطات الفرنسية!.
لقد كان بإمكان نيشان عدم السقوط في هاوية الركون إلى شهادات المتورطين في جرائم الاغتيال السياسي التي تورط فيها رجال الدائرة السابعة للأمن ومنهم الحسين الصغير ومصطفى أبارجو وتاج الدين وأحمد الطويل وابراهيم العبدي وعبد الله الدكالي وبوشعيب التورنور••• ويعلم كثير من المهتمين بتاريخ المغرب في بدايات الاستقلال أن هؤلاء تورطوا في وقائع الاغتيال التي راح ضحيتها أناس من خارج دائرة المقاومة مثل الدكتور عمر الادريسي والربانة ثريا الشاوي والرياضي محمد بويجيخ والفكاهي القدميري، والمهندس الجيولوجي عبد الكريم بن عبد الله، والأستاذ محمد الطيب البقالي، وحاول القتلة الاجهاز على حياة عبد الله العياشي يوم 31 مارس 1956.
فكيف يمكن الاعتداد بشهادات من لم تجف أيديهم بعد من دماء الضحايا الذين كان "ذنبهم" الوحيد عدم مجاراة حزب الاستقلال في توجهاته السياسية، ولم يشفع لهم أمام جلاديهم الدور الذي قاموا به في نشاط الحركة الوطنية بشقيها السياسي والمسلح الذي أجبر سلطات الحماية على إعادة النظر في موقفها من القضية المغربية، خاصة بعد ظهور الاستشهاديين الذين كانوا يحملون أكفانهم على أكتافهم على غرار محمد الحداوي وحجاج المزابي...
فاعادت محمدا بن يوسف إلى عرشه بعد 27 شهرا من الابعاد، واعترفت في 2 مارس 1956 باستقلال المغرب، ونفس الشيء أقدمت عليه اسبانيا في 7 أبريل من نفس السنة.
الظروف الغامضة:
لقد دأب المتورطون في جرائم الاغتيال السياسي التي حصلت سنة 1956 على الخصوص على نعث هذه المرحلة ب "الظروف الغامضة"، لأنه كان يزعجهم كثيرا الاقتراب منها، واستجلاء حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي كانت تحصل في المعتقلات السرية، في الساتيام بالدارالبيضاء، وفي دا ر بريشة وجنان الريسولي ودار الخمال بتطوان، ودار طريطة بضواحيتطوان... وقد فاق عدد هذه المعتقلات السبعين موزعة عبر مختلف جهات المغرب.
لقد أجج جناح حزب الاستقلال الراديكالي الصراع الذي عاشه المغرب خلال الظروف "الغامضة" بفعل نزوعه نحو فرض الهيمنة على مختلف المكونات التي كانت تؤثت الساحة الوطنية خاصة تنظيمات المقاومة المسلحة ونقابة الاتحاد المغربي للشغل، وذلك بفرض إقامة نظام الحزب الوحيد.
إن ما وقعت فيه نيشان في عددها 190 (27 فبراير- 5 مارس) بذكرنا بما وقعت فيه في العدد الذي كرسته للإسهام في تخليد مرور نصف قرن على استقلال المغرب سنة 1955، إذ ورد فيه اتهام للهلال الأسود بالتورط في اغتيال رحال المسكيني يوم السبت 15 دجنبر 1956، مع أن الهلال الأسود انتهي أمرها باغتيال قائدها عبد الله الحداوي وثلاثة من رفاقه واختطاف واغتيال آخرين سابقا، وهذا مخالف تماما للحقيقة التي أضحت معروفة لدى الكثيرين، ذلك أن اغتيال رحال المسكيني أتى في إطار رد الفعل الذي أقدم عليه أقارب أحمد الطويل، الذي تورط رحال في اغتياله في 25 أكتوبر 1956ومنهم شقيقاه المامون و مسعود و صهره أحمد سيمكا و بوشعيب الجزار.وكنا قد حاولنا لفت انتباه هيئة تحرير نيشان إلى هذه الأخطاء القاتلة، التي لا نريد لأي منبر إعلامي وطني الوقوع فيها، وزودناها بمجرد انتقال المجلة إلى مقرها الحالي بمؤلف: " شهداء وجلادون: بحق في ذاكرة المقاومة والاضطهاد الحزبي بالمغرب" (نشر سوما گرام – 2006)
لقد رمنا من مقالتنا هذه مساعدة هذه الدورية على بلوغ الحقيقة، لأننا على إيمان تام بأن هاجسها علمي محض وليس اقتناص ما في جيوب المدمنين على مطالعة مختلف الدوريات المغربية، لأن اعتماد شهادة المتورطين في أيام فجر الاستقلال الحالكة لن يساعد أبدا في بلوغ الحقيقة التاريخية البعيدة عن تحكم الأهواء السياسية•
هل قدر تاريخ المغرب أن تتعرض مختلف حقبه للتحريف المبيت؟
لم يعد الأمر مقتصرا على تاريخ انتقائي يقصي أقوى اللحظات من الذاكرة الجامعية، كذكرى الانتصار في أنوال في 21 يوليوز 1921 وذكرى وفاة محمد بن عبد الكريم الخطابي في 6 فبراير 1963 و وثيقة المطالبة بالاستقلال التي تقدم بها وطنيو المنطقة الشمالية من المغرب في 14 فبراير 1943، بل تعداه إلى إقصاء الإمارات الأمازيغية، التي يعود ظهورها إلى حوالي 3300 سنة، وربط تاريخ قيام الدولة المغربية بظهور فاس، إنها قمة التحريف!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق