جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

الاضرابات الطعامية بالمغرب بالسجون المغربية

الاضرابات الطعامية بالمغرب بالسجون المغربية

مذكرات الاعتقال السياسي

إدريس ولد القابلة

انتهى التحقيق وبدأ انتظار تاريخ المحاكمة وتعيين يوم الجلسة. وكانت المماطلة، لذا قررنا شن إضراب عن الطعام للمطالبة بالمحاكمة. وهذا ما كان..فرضنا الإسراع بتحديد تاريخ المحاكمة بفضل نضالنا ومساندة القوى الحية للشعب المغربي لنا.
ففي غضون شهر نونبر 1976 تقرر الدخول في إضراب عن الطعام...إضراب لا محدود للمطالبة بالتعجيل بالمحاكمة ، وكنت آنذاك ضمن مجموعة سجن غبيلة (السجن المدني السابق بالدار البيضاء) ، وبالضبط ضمن مجموعة 26 التي كان يوجد فيها السرفاتي وزعزع والكرفاتي وإدريس بنزكري وجبيهة رحال وحسن السملالي ، وعلال الأزهر، وعبد السلام المودن، والأخوان الوديع وفؤد الهيلالي ، والسريفي والتمسماني الخلوقي والزكريتي وشيشاع ميمون وعبد الجبار حسون ونودا عبد الرحمان وآخرون وأغلبهم من قيادي التنظيمين " إلى الأمام" و " 23 مارس" وبعد 19 يوما توقف الإضراب عندما تقرر تحديد المحاكمة في غضون شهر ماي إلى أن بدأت في 3 يناير 1977.
ومن القضايا التي أصبحت تشغلنا بعد فرض المحاكمة محاولة فهم وضعنا من وجهة القوانين والنصوص التي سيتم الاستناد إليها واعتماده لمحاكمتنا.
أما الإضراب الثاني فكان بعد ترحيلنا إلى السجن المركزي بالقنيطرة. وهكذا في شهر نونبر 1977 تم شن إضراب غير محدود عن الطعام قصد المطالبة بتحقيق جملة من المطالب نعدها مشروعة ومن حقنا الاستفادة منها كمعتقلين سياسيين، أي معتقلي الرأي، ومن ضمنها فك العزلة عن جميع المعتقلين السياسيين ليتمكنوا من اللقاء فيما بينهم والعيش في حي واحد. وكذلك الاعتراف الرسمي، بدون لف ولا دوران بصفتنا معتقلي الرأي، معتقلين سياسيين ومطالب أخرى متعلقة بالزيارات والتغذية والتطبيب والدراسة والكف عن التعذيب والضرب والإهانات والممارسات التعسفية، والحق غير المشروط بالتوصل بالكتب والصحف واستعمال المذياع.
وخاض هذا الإضراب جميع المعتقلين السياسيين، ما عدا مجموعة صغيرة لا يتعدى عددهم الثمانية. وكانت مختلف الترتيبات تم ضبطها بإحكام قبل شن الإضراب، كما تم تعيين لجنة المفاوضات وكنت ضمنها أمثل مجموعة حي أ ـ 2.
وبعد أسبوعين أو ثلاثة بدأت إدارة السجن المركزي بتنقيل المضربين إلى مستشفى الإدريسي لاسيما أنها فشلت فشلا ذريعا في إطعامهم بالقوة بواسطة الخرطوم.
في اليوم17 من الإضراب وصلنا النبأ الفاجعة..نبأ استشهاد سعيدة المنبهي، وكان واضحا لدينا آنذاك أن مسؤولية استشهادها تتحمله الحكومة في شخص وزير العدل آنذاك.
وبدأت المفاوضات مع إدارة السجن المركزي بحضور مسؤولين عن الإدارة العامة للسجون في المغرب وبعض الفعاليات السياسية المرموقة من الرباط والقنيطرة، كان ضمنهم الدكتور الخطابي الذي قال لنا " لا تقضوا على حياتكم، البلاد ما زالت في حاجة ماسة لرجال من طينتكم". وشملت المفاوضات الأولى مختلف المطالب. ومازلت أذكر حادثة مضحكة عندما وصل بنا الحديث ضمن تلك اللجنة عن التعذيب والقمع الممارس بالسجن، فبادر مدير السجن المركزي ينفي نفيا قاطعا أمام الحاضرين حدوث أي تصرف من هذا القبيل، فانتفضت في وجهه قائلا:
هل أنت متأكد..أما زلت تذكر ماذا فعلت بي في شهر رمضان؟ ألم تصدر أوامرك على مسامعي لضربي وتعذيبي ؟ هل نسيت ؟
اقترب مني أحد الرفاق وهمس لي:" كفاك يا إدريس ألا تعلم أن النمور، تلك النمور تصبح من ورق عند الجد".
المهم دام الإضراب 45 يوما واستطعنا تحقيق جزء من مطالبنا، وبعد أيام قضيناها بمستشفى الإدريسي بالقنيطرة تحت حراسة مشددة، عدنا إلى السجن المركزي، ولم تمر إلا أيام معدودة حتى أعلنا عن إضراب آخر عن الطعام غير محدود كذلك، بعد أن صرح وزير العدل آنذاك عن نزع صفة المعتقلين السياسيين عنا.
على إثر الإعلان عن الإضراب أقدمت إدارة السجون على توزيع المجموعة وتشتيتها على عدة سجون بالبلاد بهدف النيل من وحدتها وشل حركتها وتمزيق تماسكها عبر خلق أجواء العزلة بين أفرادها. ظلت جماعة بالسجن المركزي بالقنيطرة وأودعت أخرى بالسجن المدني في الشاون وأخرى في سجن عين بورجة بالدار البيضاء .
أما أعضاء لجنة المفاوضات الموسعة فتم إبعادهم عن المجموعات وتوزيعهم على بعض السجون لفصلهم فيما بينهم وعزلهم عن المجموعة وعن باقي المعتقلين. وهكذا تم تنقيل بعض أفرادها إلى الدار البيضاء ومن ضمنهم عبد الفتاح الفاكهاني ومحمد السريفي وآخرون، أما أنا فنقلت رفقة إدريس بنزكري إلى السجن المدني بمدينة تازة، وفي طريقنا إلى هناك تم إيداع مصطفى التمسماني الخلوقي بسجن عين قادوس بمدينة فاس.
بسجن تازة أودعوني في زنزانة وإدريس بنزكري في زنزانة أخرى مجاورة، في جناح معزول كليا عن باقي السجناء، محجوبين عن أنظارهم. كنا وحدينا في الجناح. وفي اليوم الثالث أو الرابع ناديت كعادتي على إدريس إلا أنه لم يجب، ظننت أن شيئا ما حدث له...امتلكني القلق وسكنني الرعب لاسيما وأن صحته لم تكن على ما يرام حتى قبل الدخول في الإضراب. وعندما أخرجوني للفسحة اليومية توجهت إلى زنزانته فوجدتها فاغرة وعلمت بعد ذلك أنه اقتيد إلى الدا رالبيضاء للقاء مع السرفاتي وبعض أعضاء لجنة المفاوضات من أجل التفاوض. وفي الغد جاءني مدر السجن المدني بتازة أظن أنه ميمح آنذاك وهو نفسه الذي سيدير السجن المركزي بالقنيطرة سنوات بعد ذلك جاءني رفقة ثلة من السجانين وقادوني إلى هاتف في أحد المكاتب، ربما كان مكتب رئيس المعتقل، وفي طريقي قال لي المدير إنها المرة الأولى التي يتكلم فيها سجين عبر الهاتف هنا من قلب سجن تازة..كانت مكالمة هاتفية بيني وبين عبد الفتاح الفاكهاني الذي أخبرني بنتائج المفاوضات وأخبرني رسميا وبصفة مسؤولة بضرورة توقيف الإضراب حالا، علما أنه سيتم ترحيلي عما قريب إلى مدينة القنيطرة للالتحاق بالمجموعة بمعية التمسماني الخلوقي الموجود آنذاك بسجن مدينة فاس.

كان الإضراب الثاني إضرابا انتحاريا ، وأظن أنه دام ما يناهز 17 يوما، وكان المغرب آنذاك يقول لنفسه وللعالم إنه لا يوجد به معتقلون من أجل الرأي أو معتقلون سياسيون وإنما يوجد بسجونه فقط سجناء الحق العام ومخربون أدانتهم المحاكم علانية ، آنذاك كانت منظمة العفو الدولية (أمنستي) تتوفر على معلومات كافية على وجود معتقلي الرأي وعلى ممارسة التعذيب في بلادنا. كما أن الرأي العام الأوروبي كان على إطلاع أكثر من المغاربة أنفسهم على حقائق وأحوال المعتقلين السياسيين، إذ أسست لجان لمساندة مجموعة من المعتقلين بأسمائهم وصدرت عدة نشرات حول الموضوع، وتوصلنا، ونحن بالسجن المركزي بالقنيطرة بكتاب le Procès حول محاكمتنا (مجموعة السرفاتي 1977) وبه معلومات ضافية عن المحاكمة وعن جميع معتقلي المجموعة.









مجموعة مكناس
الترحيل من البيضاء الى مكناس بعد محاولة الترتيب لاضراب عن الطعام
سيتم تقديمنا لوكيل الملك بالدار البيضاء الذي سيأمر بإيداعنا سجن عين برجة. وضعونا في عزلة بالزنازين.. جمعونا نحن 5 في زنزانة واحدة معزولين عن الباقي، أنا وعبد الواحد بلكبير ومحمد شركو ونجيب البريبري وعبد الهادي بن الصغير.
تبقى الزنزانة مقفلة طيلة اليوم، يخرجوننا إلى ساحة مغلقة مرتين في اليوم، ربع ساعة في الصباح وأخرى بعد الزوال؛ وذلك بعد إدخال باقي أفراد المجموعة إلى زنازينهم. بدأنا نرتب لإضراب عن الطعام، فما كان من الإدارة إلا أن أيقظتنا ذات يوم عند الثالثة صباحا فشحنتنا في الشاحنات التي دخلت حتى باحة السجن، بعد وضع القيد على أيدينا والعصابة على أعيننا والجنود مسلحين حتى الأسنان، لا نعرف ما هو قرارهم وما هو مصيرنا. بعد ساعات من الطريق أنزلونا داخل سجن سيدي سعيد بمكناس.
كيف كانت حياة السجن في سيدي سعيد بمكناس؟ وكم كان عددكم؟
قبل السجن أتذكر أننا كنا في درب مولاي الشريف أكثر من 130 معتقلا ومعتقلة، وأن الحراس (الحجاج، نناديهم الحاج حتى لا تعرف أسماءهم) من القوات المساعدة كانوا كذلك معتقلين قبل مجيئنا، خاضعين للبحث بعد اكتشاف ملابس داخلية تم إدخالها سرا لعائلة الجنرال أوفقير التي وضعت في معتقل سري. إذن هؤلاء كانوا هم الحراس. ووجدنا كذلك 5 معتقلين من "حركة 3 مارس"، من ضمنهم الجعواني والشهيد إبراهيم الزايدي الذي سيتوفى في ما بعد في سجن لعلو بالرباط نتيجة الإهمال، وهم معتقلون قضوا حوالي أربع سنوات في الاعتقال السري.
عند تقديمنا لوكيل الملك تم الافراج عن 24 معتقلا، من ضمنهم الفقيد نورالدين الخمالي الذي كان الجلادون ينادونه "العريس"، فهو ذو قامة طويلة وبدين، وحين اعتقلوه كان يلبس الجلباب و"البلغة". تركوه بدون قيد لأن معصمه كان أكبر من حجم القيد.
كم كان عددكم في سجن سيدي سعيد؟
حين وضعونا في سجن سيدي سعيد بمكناس كنا 105، وانضاف إلينا حوالي 20 من الصحراويين المرتبطين حسب الاتهام بجبهة البوليساريو، تم إطلاق سراح 18 معتقلا في يوليوز 1978 بعد وقف الإضراب عن الطعام الذي خضناه في يونيو لمدة 20 يوما. وفي سنة 1979 سيلتحق بنا عبد الله ازريقة و15 مناضلا من "لنخدم الشعب" اعتقلوا في سلا والدار البيضاء.
هذا هو العدد الإجمالي للمجموعة، وكان ضمنهم 5 مناضلات (فاطنة البيه، مارية الزويني، لطيفة الجبابدي، خديجة...ونقية وهي ضمن المجموعة الصحراوية). كانت المجموعة تضم كل الطيف اليساري الجديد: 23 مارس بفصيليها، الأول، عبد الواحد بلكبير، عبد الجليل طليمات، شوقي بنيوب، نجيب كومينة، الزيادي، بودلال وآخرون. الثاني، محمد حيثوم، الفقيد مريد جعفر، الفيغة عبد السلام، عبد الهادي بنصغير، زكرياء ملوك، الكاتي محمد...
عناصر قاعدية مرتبطة بـ"إلى الأمام"، مثل قاسم شباب، فؤاد عبد المومني، الفقيد بنيس عبد الحق، القباب، عبد السلام أومالك وغيرهم. وعناصر قاعدية غير مرتبطة بأي تنظيم، مثل عزيز إيد بيهي، ورشيد الزويني، وآخرين. لنخدم الشعب، 3 في البداية، أنا ومحمد شركو والفقيد نجيب البريبري، إضافة إلى 15 معتقلا سيلتحقون في ما بعد في 1979، من ضمنهم محمد بنعياد، سعيد بندحمان، عبد الرحيم الظريف، علال لقصيور، عبد الله المكي ونورالدين الرياضي. يضاف إلى كل هذا 26 معتقلا من الصحراويين المرتبطين بالبوليساريو حسب محضر الاتهام، ضمنهم صالح لهنا (وهو التامك المدير الحالي لإدارة السجون)، الفقيد لحسن موثيق وحسين موثيق وعلي موثيق ومحمد موثيق، الحبيب الديماوي وعبد السلام الديماوي، وميما المحجوب، وماء العينين، وآخرون.
وهنا لابد من الاعتذار للرفاق والرفيقات الذين لم أذكر أسماءهم/ن، فأنا أتكلم من الذاكرة فقط. كانت أمامنا منذ حللنا بالسجن مهمتان؛ الأولى توفير شروط ملائمة للعيش داخل السجن، والثانية تدبير الحياة الجماعية داخله حتى لا يشعر أي طرف بالقهر أمام الاختلافات السياسية بين هذا الطيف المجموع في ملف واحد.
ما هو أهم عمل قمتم به بعدما تجمعتم في السجن؟
منذ البداية هاجمنا مدير السجن بعنف، إذ قال لنا "إن هذا السجن شبه عسكري وعلى الجميع الامتثال للأوامر"، وقسمنا على أربعة أفواج للخروج إلى الساحة مثنى مثنى لمدة نصف ساعة في الصباح وأخرى بعد الزوال. أول مواجهة قمنا بها هي عصيان الأوامر، ونظمنا إضرابا عن الطعام لمدة أسبوع احتجاجا على نقلنا من عين برجة إلى مكناس.
وماذا كان رد فعل الإدارة؟
استدعتنا الإدارة وفق إرادتها، ولم تحترم اللجنة التي حددناها، إذ استدعت 9 أفراد من بينهم أنا، عبد الواحد بلكبير، حيثوم، عزيز إد بيهي، صالح...فعبرنا للمدير عن أن "هذا الإضراب يعتبر احتجاجا على نقلنا من الدار البيضاء إلى مكناس، أما الأوضاع في هذا السجن فقد تتطلب أكثر من معركة لأن عدة شروط غير متوفرة، وعلى رأسها رفضنا لما أسميتموه النظام العسكري"، قبل أن نخبره بأننا لن نحترم هذا النظام وسنقاومه بكل الأشكال، وإن أراد أن تسير الأمور على ما يرام فعليه بالحوار، لأننا نرفض أي تعسف ولن يرهبنا بسلطته.
وهل حققتم شيئا بعد هذه المقابلة؟
كان من نتائج هذه المقابلة تحويل أربعة أفواج في الساحة إلى فوجين، ثم إلغاء الأفواج. هذه الخطوة ستفتح بيننا إمكانية التجمعات ونقاش وضعنا، خاصة حين استأنف رفاقنا في السجن المركزي بالقنيطرة الإضراب عن الطعام بعد توقيف معركة 45 يوما من الإضراب التي أدت إلى استشهاد الرفيقة سعيدة المنبهي.
توصلنا إلى صيغة الإضراب الجماعي دون مغامرة، بحيث حددنا سقف 25 يوما، ونناقش حسب التطورات إن كان بإمكان الاستمرار أو التوقف. دخلنا الإضراب في بداية يونيو فواجهتنا الإدارة في اليوم نفسه بالليل بحملة تفتيش وإهانات وإغلاق الزنازين ومنع الزيارات، إلى غير ذلك من التعسف، ولم تفتح معنا الحوار حتى اليوم 12، إذ استدعت لجنة الحوار. في هذه الظروف لعبت عائلاتنا دورا أساسيا بالاحتجاج في الشارع ولقاء وزير العدل ومدير إدارة السجون والأحزاب والبرلمانيين.
عرضنا ملفنا المطلبي وطلبنا رفع كل المضايقات إن أرادوا استمرار الحوار. كان يحضر الحوار قاضي التحقيق ومدير إدارة السجون ومدير السجن والطبيب الإقليمي. تمت الاستجابة لرفع مظاهر التضييق بفتح الزنازين والخروج إلى الساحة.
اللقاء الثاني كان بعد 14 يوما من الإضراب، إذ عبرت لجنة الإدارة عن استعدادها للاستجابة لمطلب الدراسة وتحسين وجبات التغذية والتباحث في إمكانيات توفير شروط آلات تسخين التغذية وغيرها، لم نجب عن ذلك وتشبثنا بالملف كاملا على أن نعود لاستشارة الرفاق.
يوم 20 من الإضراب تم استدعاؤنا للحوار من جديد، فأبرزت لجنة الإدارة مرونة في الكلام وعبرت عن استعدادها للاستجابة لبرنامج التغذية، وتوفير الحليب يوميا، وتزويد الحي الجنائي الذي وضعنا فيه بإمكانية التسخين بالخشب ريثما يجرون إصلاحات في كهرباء الزنازين لتزويدها بسخانات كهربائية. اشترطنا الرجوع إلى الرفاق فعقدنا تجمعا. كنا أمام القبول وفك الإضراب في ذلك اليوم، أو الرفض، وهذا سيتطلب الاستعداد لتجاوز 30 يوما من الإضراب لأن لجنة الإدارة لن تتنازل أكثر آنذاك، حسب تقديرنا.
توقف الإضراب إذن؟
اتخذنا قرار وقف الإضراب والاستمرار في اليقظة، لأن المعارك ستستمر يوميا، كما كنت أقول للرفاق "يجب أن نكون كقبضات الملاكم، يد تهاجم ويد تواجه الضربات (تطاكي)". الأساسي كان هو الكرامة وفرض الاحترام حتى نستطيع تنظيم حياتنا الجماعية كما نريد. نظمنا حياتنا بشكل جماعي، وخلقنا لجنة للتغذية يتناوب عليها الرفاق يوميا، ووضعت الإدارة رهن إشارتنا زنزانة فارغة، أقامت فيها سخانا بالحطب. يزودونا بالحطب يوميا، فاهتدينا إلى صناعة الفحم من ذلك الحطب، نوزعه على الزنازين، حيث تكفل كل الرفاق بصناعة "مجمر" لهم للطهي، فأصبحت كل زنزانة تطهو غذاءها كما أرادت، نستغل الخضر المطهية واللحم المفروم التي تزودنا بها الإدارة في وجبات الغذاء، نغسلها ونعيد طهيها بالطماطم والبصل الطري الذي تزودنا به العائلات.
عمر الزيدي
الاضرابا ت الطعامية بالمغرب بالسجون المغربية -2-

عبد المجيد السخيري

إضراب الشهيدين مصطفى بلهواري وبوبكر الدريدي
يتعلق الأمر بالإضراب البطولي لمجموعة مراكش، والذي يعد الأطول من الناحية الزمنية في العالم أجمع. فقد انطلق إضراب مجموعات المعتقلين على إثر انتفاضة يناير الشعبية للمطالبة بالاعتراف بهم كمعتقلين سياسيين يوم 4 يوليوز من سنة 1984، وبشكل خاص مجموعة العشرة التي صنعت الحدث الذي سيكون له تأثير ملموس على مسار قضيتهم، بعد أن تم توحيد معركتها مع إضراب مجموعات أخرى في نفس الفترة على أساس تحقيق ملف مطلبي شامل، قبل أن يعرف الإضراب تحولا مهما في المرحلة الثانية. وأهم ما ميز إضراب المجموعة الأولى الشهيرة هو مواصلة ستة من أفرادها للإضراب عن الطعام إلى غاية إطلاق سراحهم في صيف 1991 بعد استشهاد اثنين منهم: بوبكر الدريري(27 غشت 1984 بسجن الصويرة) ومصطفى بلهواري(28 غشت 1984 بسجن آسفي)، وذلك بعد ثمانية أسابيع من الإضراب، فيما رفض باقي المعتقلين وقف الإضراب رغم كل التدخلات والضغوط والتنكيل الذي تعرضوا إليه بعد تشتيتهم على عدد من السجون بجنوب المغرب. وحسب ما جاء في شهادة أحد أعضاء المجموعة(حسن أحراث)، فقد تم نقل الحالات المهددة من سجني الصويرة وآسفي لإخضاعها للمراقبة الطبية الصارمة بإشراف أطباء تم استقدامهم من الدار البيضاء لتفادي سقوط ضحايا جدد في ظرف سياسي دقيق(الانتخابات التشريعية)، بينما سيتم وقف الإضراب بعد 62 يوما إثر تلقي وعود بتحقيق مطالب المضربين على مستوى باقي المجموعات الأخرى، بعدها سيصبح من الصعب عليها إدارة معركة موحدة بسبب الاختلافات التي دبت بينها على مستوى التقديرات والقراءة السياسية للوضع القائم. ولكي لا يٌثار الاستغراب حول مدة الإضراب واستمرار باقي أفراد المجموعة الأولى على قيد الحياة، فإن السر يكمن في استئناف هذه الأخيرة للإضراب، بداية في شكل سلسلة إضرابات إنذارية، منها واحد استمر 25 يوما وتم توقيفه لمنح الجهات المسؤولية فرصة الوفاء بوعودها، قبل أن يظهر أن الأوضاع بقيت على حالها وهو ما دفع المجموعة للدخول في إضراب لا محدود عن الطعام بداية من 23 يونيو 1985 تم خلاله نقل بعض أفرادها إلى المستشفيات حيث سيتم إخضاعهم لتغذية قسرية عن طريق المسبار وتخديرهم وتقييدهم مع الأسرة في ظروف احتجاز وحشية ولا انسانية، مع أنهم كانوا كلما استفاقوا قليلا من الغيبوبة يقومون بنزع أنبوب الحقن(أنظر سردا وتوثيقا لهذه التجربة المهمة في كتابين ل"حسن أحراث"، صدرا على التوالي سنتي 2006 و2012).
يدون المعتقل السياسي سابقا ضمن مجموعة مراكش حسن أحراث في كتابه الجديد صفحات من تاريخ الإعتقال السياسي في مغرب سنوات الجمر والرصاص من خلال التجربة النضالية الرائدة لمجموعة مراكش، والتي كسرت جدار الصمت والخوف من الآلة القمعية للنظام وكذا التضحيات البطولية لشهدائها ومناضليها وعائلاتهم الذين صمدوا أمام بطش الجلادين، حيث يروي في تقديم الكتاب: " صنعت مجموعة مراكش 1984 تجربة نضالية غنية ومتميزة وقدمت تضحيات بطولية، ويهم الأمر المعتقلين السياسيين ومجموعة من المناضلين داخل المغرب وخارجه والعائلات كذلك، رغم كافة أساليب القهر والقمع والإضطهاد التي تميزت بها فترات سوداء من تاريخ المغرب، ومن بينها سنوات الجمر والرصاص، سنوات الحديد والنار التي أجهزت على حياة أعداد هائلة من أبناء شعبنا. إلا أنها (تجربة مجموعة مراكش 1984) لم تلق المكانة التي تناسبها وسط باقي تجارب الإعتقال السياسي التي عرفتها بلادنا". كما يضيف حسن أحراث أن "تناول هذه التجربة ليس استكانا إلى الماضي أو استحضار الأطلال أو التباكي عليها، إنه تناول يغذي الحاضر ويتفاعل معه ويخدم المستقبل".
يتساءل حسن أحراث في بداية كتابه (ص.7):
لماذا نكتب الآن؟
نكتب من أجل التحدي ومن أجل أن نقاوم؛
نكتب من أجل أن نحيا وأن نستمر؛
نكتب لنسجل انتصارنا على الجلادين وعلى الجرمين المحترفين...
نحكي من أجل إثبات الذات اليوم وغدا؛
نعلن عن مشروعيتنا النضالية؛
نصون تضحياتنا؛
نتقاسم الزاد الذي يغذي صمودنا وقوتنا؛
نقول إن الحاضر من الماضي، والمستقبل من الحاضر.
نكتب، إذن، من أجل المستقبل؛
نكتب من أجل الأمل ومن أجل الحياة...
إننا نشهد التاريخ على بطولات أبناء شعبنا؛
إننا ندون تضحيات شعبنا...
إننا نفضح أعداء شعبنا...
ويختتم كتابه (ص.127)، قائلا:
"عفا عليكم سيدنا"
كانت كلمة "سيدنا" تطاردنا باستمرار، "عديان سيدنا"، "قال سيدنا"، "مالكم مع سيدنا"، "آش دار ليكم سيدنا؟"... وتوج هذا المسلسل بجملة "عفا عليكم سيدنا".
بعد ظهيرة يوم 16 غشت 1991، اقتحم جيش من المدنيين و"العسكريين" (بوليس بالزي الرسمي) زنزانتي. وقبل أن أسترجع أنفاسي من هول ما رأيت، خاطبني الضابط المسؤول عن الحراسة قائلا: "عفا عليكم سيدنا".
نزع الشرطي المسؤول عن حراستي القيد من يدي، ونزعت المسبار مباشرة من أنفي، أو بالأحرى من معدتي.
فهمنا دلالة الجملة "عفا عليكم سيدنا"، إنها إعلان انتصارنا:
انتصار معركة الشهيدين...
لم نساوم؛
لم نركع؛
لم نطلب العفو...
وبين ثنايا سؤال الكتابة وجواب الصمود، يروي حسن أحراث الظروف القاسية والصعبة التي مرت منها مجموعة مراكش في الأقبية والسجون العلنية والسرية وكذا شتى وسائل التعذيب الممنهج (كالصعق بالصدمات الكهربائية وخاصة في المناطق الحساسة من الجسم، "الطيارة"، الخنق، "التعلاق" في وضعيات مختلفة بواسطة الأصفاد، التجريد من الملابس، التجويع، التهديد بالإنتقام من أفراد العائلة وتعذيبهم...الخ)، بالإضافة إلى المعارك النضالية لمناضلي المجموعة والمتمثلة أساسا في الإضرابات عن الطعام اللامحدود، حيث دام آخرها ست سنوات ( ابتداء من 23 يونيو 1985 وحتى 16 غشت 1991)، "وكانت النتيجة المأساوية هي استشهاد المناضل بوبكر الدريدي بالصويرة في 27 غشت 1984 والمناضل مصطفى بلهواري في 28 غشت 1984 بأسفي، وهما في أسبوعهما الثامن من الإضراب عن الطعام".
يقول حسن أحراث (ص: 82،81) : "كان تفاؤلنا كبيرا في ربح المعركة...، لكن هذه الأخيرة خلفت شهيدين والعديد من الحالات الصحية المستعصية، أما عمرها فقد طال لأزيد من ست سنوات (23 يونيو 1985 وحتى 16 غشت 1991). ورغم ذلك، فإطلاق سراحنا قبل الأوان ونحن مضربون عن الطعام ودون أي موقف انهزامي أو استسلامي يعد نصرا سياسيا وإدانة لمرحلة برمتها...
إن استشهاد بلهواري والدريدي خسارة لقضية شعبنا، إلا أنه من زاوية أخرى فخر لهما ولعائلتيهما ولنا وللشعب المغربي قاطبة...
إنها تضحية عالية تطوقنا بمسؤوليات جسيمة، ليس أقلها الوفاء لمبادئهما ولخطهما النضالي الثوري...".
 

إضراب الشهيد عبد الحق شباضة
وهو الإضراب الذي خاضه مجموعة من المعتقلين السياسيين بسجن لعلو بالرباط، وتميز بتحطيم رقم قياسي في مدة الإضراب المتواصل عن الطعام في تلك الفترة، قبل أن يتوقف باستشهاد المناضل اليساري (من الفصيل الطلابي المعروف ب"القاعديين التقدميين") عبد الحق شباضة في 19 عشت 1989. وكان الإضراب قد انطلق يوم 17 يونيو من نفس السنة وتواصل في ظل ظروف قاسية، وفي ظل الإهمال واللامبالاة التامة من قبل الهيئت الرسمية، وكذلك في غياب أي عناية طبية بأحوال المضربين أو تقديم الاسعافات الأولية لمنع تدهور حالتهم الصحية بسبب الإضراب، ومنع الزيارات العائلية، إلى أن وقعت الفاجعة بعد انصرام 62 يوما من الإضراب باستشهاد شباضة الذي كان يقضي حكما بالسجن النافذ مدته سنة واحدة، بينما سيتكبد رفاقه المضربين انهيارا صحيا واضحا، كان من أقوى تجلياته اختلال كامل لجسد العلمي البوطي، وغيرها من الأعراض الأخرى التي لا تزال إلى يومنا تظهر على ملامح وحركات معتقلي المجموعة ممن بقي منهم على قيد الحياة. ومن الملفت أن النهاية المأساوية لهذا الإضراب ستكون بداية سلسلة التنازلات التي سيضطر النظام المغربي لتقديمها في ملف الاعتقال السياسي قبل أن تنتهي بإطلاق سراح أعداد كبيرة من المعتقلين السياسيية في أغلب السجون والكشف عن مصير من تبقى على قيد الحياة من المعتقلين العسكريين بحجيم تازمامارت، بعدما تنكرت أجهزة النظام وأحزابه لسنين طويلة لوجود معتقل سري يحمل هذا الاسم رغم إثارته في تقارير المنظمات الحقوقية، والمطالب المتكررة للكشف عن مصير من تم اعتقالهم من العسكريين إثر المحاولتين الانقلابيتين على نظام الحسن الثاني أوسائل سبعينيات القرن الماضي.
تعليق الرفيق الحسين العنايات
عند قراءة البيان الاخير، 1 شتنبر 2018، ل"جمعية ثافرا للوفاء والتضامن لعائلات معتقلي الحراك الشعبي بالريف" ترجع الذاكرة بمن هم متقدمين في السن الى بدايات السبعينيات من القرن الماضي... بالضبط المرحلة الممتدة بين 1972 و1979 التي تخللتها اضرابات عن الطعام للمعتقلين السياسيين من اجل......
المطالبة بسن "قانون المعتقل السياسي" وتحسين ظروف الاعتقال وفك العزلة وتجميع المعتقلين المشتتين على السجون انتقاما منهم ومتابعة الدراسة التوصل بالكتب والمجلات وتحسين ظروف الزيارات .....
اول اضراب عن الطعام عرفته السجون المغربية هو اضراب اواخر سنة 1972 الذي دام 32 يوما... هذا الاضراب البطولي كان بمثابة الاعلان لشعوب العالم وقواها المناضلة عن تحول جذري في النضال السياسي بالمغرب....ولادة الحركة الماركسية اللينينية المغربية التي سيحاول النظام الاستبدادي اجتثاتها بالاختطافات والمعتقلات السرية والتعديب المفضي الى الاستشهاد كما حصل مع الشهيد القائد عبداللطيف زروال في 14 نونبر 1974 وبعده بعشر سنوات من الاستمرارية والتضحيات سار على دربه القائد الشهيد التهاني امين في 4 نونبر 1985
اضراب الانطلاقة لسنة 1972 تلته اضرابات اخرى متعددة وبمدد متوافتة كان من اشدها قسواة اضراب 1977 الذي استشهدت خلاله المناضلة الشهيدة سعيدة المنبهي، من جراء الاهمال الطبي، بعد 45 يوما في عز احتفالات شعوب العالم باليوم العالمي لحقوق الانسان...
في خضم هذه الاضرابات عن الطعام التي شارك فيها في السنوات الموالية مناضلي حركة 3 مارس واليسار الاتحادي استطاعت المناضلات واستطاع المناضلون بصمودهم وتضحياتهم وتفانيهم ووحدتهم تحقيق مطالبهم.... وجعل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والانتفاضات الشعبية لسنوات 1981 و1984 و1990الذين سيلتحقون بهم وبالمئات يسيرون على نفس الدرب.... يسيرون على طريق الشهامة التي هزمت كل ترسانة المذلة والخضوع والخنوع التي ينهجها النظام..... وخلفوا بدورهم شهداء ابرار من امثال الشهيد كرينة باكادير سنة 1979 الشهيدين الدريدي وبلهواري بمراكش سنة 1984 والشهيد شباضة بالدارالبيضاء سنة 1989........ اضف الى ذلك شهداء النضالي العمالي والاجتماعي موناصير والحمزاوي 1993  ........والقافلة طويلة....
سنة 1994 صدر العفو العام الذي نتج عن صمود المعتقلين وعائلاتهم ونضالات الشعب المغربي وتضامن الشعوب وقواها المحبة للحرية والسلام.... وعلى هذا المستوى لابد وان اعبر عن احتقاري واستهجاني بالاصوات المبحوحة والسواعد المنكسرة التي اعتبرت "منّة ومناورة من النظام" السراح الاخير الذي استفاد منه بعض مناضلي حراك الريف الشرفاء.... هذا السراح الذي نتج عن صمود العائلات ودعم القوى الحية بالداخل والقوى المحبة للحرية والكرامة بالخارج....
بتاريخ 6 نونبر 2003 تاسست "هيئة الانصاف والمصالحة" .....بعد قراءة تقاريرهذه الهيئة..... والخلاصات التي نتجت عن تحرياتها والتوصيات التي وضعتها على المستويات القانونية لكي لا يتكرر ما حصل من انتهاكات ....هذه التقارير التي صادق عليها الملك بصفته، بمنطوق ما سطره لنفسه في مشروع الدستور، المسؤول الاول عن سياسة وتوجهات الدولة....
بعد كل هذا لايمكن للمتتبع "المحايد" الا ان يستهجن بما يتعرض له معتقلي حراك الريف ونحن في سنة 2018.....
بعد كل التضحيات التي قدمها المعتقلون السياسيين المغاربة من اجل سن "قانون المعتقل السياسي" والتي ابتدأت قبل 46 سنة.... في نونبر 1972....فعندما نقرا البيان الاخير لجمعية تافرا للوفاء والتضامن لعائلات معتقلي الحراك الشعبي بالريف الذي يرصد معانات المعتقلين وعاءلاتهم..... نقف على خلاصة وحيدة للوضع.....
"النظام لا يتغير..... نضال الشعب يتحول ويتجدر من اجل الحرية والتحرير"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *