جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

الأثر الفني بين صناعة الجمال و الوظيفة الاجتماعية/أناس عوينات

الأثر الفني بين صناعة الجمال و الوظيفة الاجتماعية
لا يمكن بأي وجه كان فصل الأثر الفني عن مصدره السوسيو ثقافي خلافا لما تدعيه الاتجاهات المابعد حداثية التي تختزل الفن في وظيفته الشكلية ، وظيفة إثارة الشعور بالجمال أو صناعة الجمال. فرغم اعترافنا أن الفن "يطلق على جملة الوسائل التي يستعملها الإنسان لإثارة الشعور بالجمال" كما ورد في المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا. إلا أننا نعيد أيضا مع الفيلسوف "الليبرالي" خوسي أورتيغا غاسيت أنه يجب أن" نتعامل مع الفن كما نتعامل مع النافذة، التي رغم أننا نركز رؤيتنا عليها متأملين تركيب زجاجها و الألوان و النقوش المنطبعة عليها. فإن هذا لا ينفي أنها صنعت لكي ينظر الناس من خلالها".
لقد عرف الفن منذ ظهوره مع بداية الحياة الثقافية الأولى للمجتمعات البدائية، عدة تحولات جذرية في وظيفته الاجتماعية قبل أن يتحول مع مطلع العصر الحديث لصناعة الجمال. فقد استعملت الابداعات الثقافية الفنية الأولى للمجتمع البدائي كأداة ضرورية في معركة الكفاح من أجل البقاء و الحفاظ على المجتمع فقد استعمل في الطقوس السحرية مع ظهور المذهب الحيوي الذي يعتقد في وجود الأرواح في كل الموجودات، و ذلك بهدف طرد الأرواح الشريرة.
و مع ظهور الدين بدأت تستعمل الفنون التشكيلية منها و الإيقاعية في الطقوس الدينية لتمجيد الآلهة أو من ينوبون عنهم على الأرض. فتوسع بذلك و تعدد العمل الفني و ساهم الأثر الفني الذي شكل مظهرا أساسيا من مظاهر الدين في خلق و تضخيم هبة الرهبان و المعابد.
و بعد أن تحول مع عصر النهضة الأوروبية إلى صناعة الجماليات و معالجة المشاكل الاجتماعية و السياسية، دخل في صراع مرير مع الدين خصوصا مع الأديان الإبراهيمية، صراع لا تزال بعض مظاهره و تجلياته مستمرة إلى يومنا هذا. كما تعددت اتجاهات النظر للأثر الفني و علاقاته المتعددة بالواقع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي من حيث البناء و الفعل.
فاعتقدت المدارس الكلاسيكية في إمكانية تحقيق الأفكار عبر صور مطابقة لها، حيث سعت إلى تحقيق الانسجام بين الفكرة و الأثر الفني لها. أما المدرسة الرومانسية فاعتبرت أن الفكرة لا متناهية في حين تبقى الصورة الفنية محدودة زمكانيا ، فهي إذن تفصل الفكرة التي تنتمي لعالم الروح المتعالية عن الصورة التي تنتمي للواقع، أما المذهب التجريدي فقد اعتبر أن الأفكار المجردة لا يمكن التعبير عنها إلا عن طريق الرموز و الإشارات ، لأنه لا وجود لصور حقيقية مطابقة لها .
أما من حيث الوظيفة الاجتماعية، ففلسفة الفن أيضا تعرف صراع الاتجاهان الأساسيان ، اتجاه فلسفة الفعل و التغيير الماركسية و اتجاهات الفلسفة البرجوازية المحافظة . ففلسفة التغيير تعتقد أن الفن أداة اجتماعية و ثقافية حيث أن الأثر الفني أداة لصناعة الجمال ، يؤدي وظيفة سوسيوثقافية هي أساس وجوده و مصدر جماليته. لكن فلسفة الفن البرجوازية تدعي أن الفن هو صناعة الجمال من أجل الجمال، و لا يجب أن تكون له وظيفة اجتماعية معينة. و هو الادعاء الذي يكذبه واقع الفن عموما فلا يمكن للفن أن ينعزل عن الواقع الاجتماعي و الثقافي الذي يشكل مصدره و أساسه و حقل فعله ف"أن ينزوي الفن عن العالم و يتظاهر باللامبالاة بالأهداف العملية زاعما أنه إنما يقوم من أجل نفسه و من أجل الجمال... و هو في الحق يقوم بما هو أكثر من ذلك، إذ يعزز مصالح طبقة اجتماعية بذاتها بمجرد تمثيل معاييرها التقويمية الخلقية و الجمالية و اعترافه الضمني بها. و الفنان الذي تعتمد حياته كلها بكل ما تنطوي عليه من آمال و تطلعات على مثل هذه الطبقة الاجتماعية ، يصبح دون أي قصد أو وعي منه بوقا يتحدث بلسان عملائه و حماته" كما قال آرنولد هاوزر.
لقد برهن "هاوزر" بما لا يدع مجالا للشك على ارتباط الأثر الفني بمحيطه الاجتماعي ، كما أكد، عبر رصد التحولات الوظيفية للفن عبر التاريخ، الوظيفة السوسيو ثقافية للفن في كتابيه القيمين: "الفن و المجتمع عبر التاريخ" و "فلسفة تاريخ الفن". بعد أن أصل لتصور ماركسي للفن يربطه بوظيفته الاجتماعية من دون أن ينفي عن قيمته الجمالية طابعها الذاتي و كيانها المستقل. مجيبا بذلك عن كل الادعاءات التي تتهم التصور الماركسي للفن بالاقتصادوية و إهمال وظيفته الأساسية و هي صناعة الجمال.
إن الفن حسب هاوزر أو حسب التصور الماركسي عموما هو أداة من أدوات الفعل الثقافي و الذي يشكل أيضا مجالا من مجالات الصراع الإديولوجي ضمن الصراع الطبقي العام. فكما أن الطبقات السائدة لا زالت تتوسل الفن كوسيلة دعائية لنشر أفكارها و ثقافتها و قيمها من أجل إعادة إنتاج علاقات الإنتاج و تأبيد سيطرتها الطبقية على المجتمع. كذلك على القوى التقدمية أن تعتمد الفن الفن أداة للفعل الثقافي التقدمي من أجل الدعاية لمشروع التغيير الاجتماعي.
فكما كان للأثر الفني عند ظهوره تأثيرا سحريا و دينيا كبيرا في وجدان الجماهير، كذلك هو اليوم ، رغم انسحابه من حقل القداسة و الدين إلى حقل الصناعة الجمالية، لا زال له نفس الأثر الوجداني و التأثير الاجتماعي.
أناس عوينات
جريدة النهج الديمقراطي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *