اثيوبيا من المجاعة الى الكذبة الكبرى.الرفيق خالد البرنوصي
اثيوبيا من المجاعة الى الكذبة الكبرى.
يتداول على نطاق واسع النموذج التنموي الإثيوبي كما لو أنه معجزة القرن، حيث نقل دولة فاشلة تعاني المجاعة والحروب إلى دولة رائدة، تعتبر الان من بين أقوى الاقتصادات العالمية التي تعرف نسب نمو مرتفعة.
أحقيقة أم وهم؟
اثيوبيا مهد البشرية، منها انطلق أول إنسان عاقل ليستوطن الكوكب. لم تخضع للاستعمار إلا لخمس سنوات، حافظت على نظامها الإمبراطوري، إلى أن تم اسقاطه سنة 1974 من قبل مجموعة من الجيش ذات خلفية يسارية.
أعلن قيام نظام شيوعي ارتبط بصلات قوية مع كوبا والاتحاد السوفياتي. وبدأت عليه الحرب جهات مختلفة، مدعومة من الغرب.
بين برامج الإصلاح الزراعي ( مصادرة الأراضي وتأسيس التعاونيات الفلاحية )، وتأميم القطاعات الاقتصادية الحيوية الاخرى لصالح الدولة. وبين مواجهات حرب العصابات والانفجارات الإثنية والجفاف، مات الملايين، وتأجلت برامج التحديث والتصنيع وبقيت معظم المؤسسات متخلفة وهشة.
عندما سقط جدار برلين، لم يسقط في برلين بل سقط على اثيوبيا والصومال ، فانهار القرن الأفريقي.
دخلت قوات الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الاثيوبية أديس أبابا سنة 1991م، فر منغيستو هيلا مريام الزعيم الشيوعي. انتصرت أحلام الديمقراطية والتعددية السياسية وتشكلت اثيوبيا الفدرالية بعد استقلال إريتريا عنها سنة 1993 .
صفق الغرب لهذا الانتصار الشجاع بقيادة مليس زيناوي.
صفق الغرب لهذا الانتصار الشجاع بقيادة مليس زيناوي.
طوال 20 سنة حكم بالشرعية الثورية تارة، وتارة بالشرعية الانتخابية ، ولكن سمة واحدة لازمت نظامه، استغلال مقدرات الدولة في إفساد المجتمع وتعزيز سلطات مافيا اقتصادية جشعة ، و القمع الشرس لكل معارضة.
دخل في حروب لا تنتهي مع الجيران ومع الداخل ، وفي كل مرة كان الوضع الطبقي والفقر هو المحرك رغم التمظهرات الإثنية أو الجهوية للاحتجاجات السلمية أو المسلحة.
ورث نظام مليس زيناوي عن الحقبة الاشتراكية قطاع ومؤسسات عمومية عديدة لكنها هشة ومختلفة، وأراضي شاسعة مملوكة للدولة. والكثير مما تعاظم لاحقا من الفقر والجوع بسبب الحروب والفساد والجفاف.
مع نهايات التسعينات، لم يكن بإثيوبيا في نظر مهندسي التنمية غير الأرض والماء وهي الموارد الخام الهائلة التي يمكن الاستثمار فيها للانطلاق .
تم إعداد أنظمة قوانين محفزة جدا للاستثمار المحلي والاجنبي في المجال الفلاحي. ( الإعفاء الجمركي والضريبي لمدد بين 5 و7 سنوات )
بيع وكراء حوالي 4 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة ومختلف الأنشطة الفلاحية لمستثمرين أجانب.
عقود بملايين الدولارات مع شركات احتكار عالمية لتسويق المنتوجات الفلاحية لمدد تصل أكثر من أربعين سنة .
والأهم بالنسبة للمستثمرين بعد الأرض والماء والاعفاءات الضربية هو غياب كلي لأي أنظمة شغل تحمي حقوق العمال الزراعيين، وجيش "عرمرم "من ملايين العاطلين.
انطلق الورش التنموي...
تدفقت الأموال على الدولة، تم تأهيل وتحديث القطاع العمومي "المنتج" والاستثمار في طرق النقل و المواصلات والاتصالات ومجال الطيران وبنيات السقي والري وخدمات البنوك والبريد. وسالت الأرباح بين يدي المستثمرين (يربحون من غير ضرائب) ويشاركون في برامج التنمية "المستعملة".
نسبة النمو حسب معايير صناديق النقد الدولية وصرف العملة ، مشرفة وفي طريق النمو والصعود.
حقا تم تم القضاء على الجوع ، فالاموال تدفقت بشكل متسارع على اثيوبيا الجوع. لكن هل تم القضاء على الفقر وأشكال العبودية الجديدة؟
مات ميليس زيناوي، خلفه هيلا مريام ديسيلين فرضت عليه الاستقالة بعد احتجاجات عنيفة، انتخب رئيس الوزراء الحالي ابي أحمد، وهو الذي عمل منذ 1991 في عسكر ومخابرات الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الاثيوبية، التي لم تبرح الحكم منذ ذلك الحين.
اثيوبيا تتغير، تتطور، الدولة تحتاج إلى مزيد من الأموال، لكن العائدات بدأت في النضوب، ما تم جنيه من بيع وكراء الارض وحقوق التسويق صرفت كلها.
تتصاعد الاحتجاجات بسبب سوء توزيع الثروة والسلطة تسقط حكومة تتشكل حكومة وتغلف الاحتجاجات بطابع اثني ليسهل الانقضاض عليها في كل مرة .
مهندسي التنمية الاثيوبية عباقرة في ايجاد الحلول ، حل طبقي جديد ذات بعد دولي أكثر وضوحا ومباشرة:
_ تمويل استثمارات الدولة بمزيد من الديون، ورهن مستقبل البلاد للطغمة المالية العالمية، حيث انتقلت مديونية اثيوبيا من أقل من 5 ملايير دولار سنة 1995 إلى أزيد من 45 مليار دولار حاليا.
_ الخوصصة، لم يكن أمامهم غير ثروة هائلة من القطاعات والشركات العمومية العملاقة التي يجب بيعها مجددا لانطلاقة مشرفة للتنمية. نموذج لهذه القطاعات قطاع الطيران الذي يعتبر الأكبر والاغنى في أفريقيا.
والنتيجة أمامنا، تسارع في نسبة النمو التي يزكيها صندوق النقد الدولي بفضل الخوصصة الشاملة والاستدانة المفرطة.
وماذا تبقى لاثيوبيا. من غير نسب النمو المرتفعة؟
لا أرض لا قطاع عمومي منتج ، أما الصحة والتعليم فتلك كارثة سكتنا عنها. لا استقلال مالي فكل شيء مرهون حتى المستقبل.
لا أرض لا قطاع عمومي منتج ، أما الصحة والتعليم فتلك كارثة سكتنا عنها. لا استقلال مالي فكل شيء مرهون حتى المستقبل.
أسرع اقتصاد إفريقي نموا، وعالميا يعتبر من بين الاقتصادات الاثني عشر التي تقارب نسبة نموها 10 في المئة سنويا. إنه وهم الأرقام ، وصور تسويق جميلة لعبودية مقنعة، لأسوأ تنمية.
اثيوبيا يعتمد اقتصادها على النشاط الزراعي والفلاحي وبعض الصناعات التحويلية المرتبطة بهما. مع سيلان لعاب شركات الصناعات الحديثة إلى فتح اوراش الإنتاج المنخفض التكاليف في اثيوبيا والتسويق إلى البلدان الغنية.
لتقريب أوجه التنمية الأثيوبية نأخذ الوضعيات الثلاثة التالية :
1 _ وانت جالس تستمتع بفنجان قهوة، باقل من دولار في أي مقهى شعبي، يمكن أن تفكر في 15 مليون اثيوبي يعملون في إنتاج البن مزارعين وحمالين، يعملون مقابل أقل من دولار واحد طوال اليوم ، لا يسمح لهم ببيع منتوجهم إلا في موانئ جمع البن لشركات عالمية تحتكر الشراء، لتعيد تسويقه في العالم باضعاف اضعاف ما اشترته به، معضم هذه الشركات لها عقود لمدد تصل إلى أربعين سنة.
سجن عملاق يحوي 15 مليون انسان، يعمل كخلية نحل مقابل الاكل حتى لا يموت جوعا، جعل من اثيوبيا خامس دولة عالميا منتجة ومصدرة للبن.
2_ في بعض مزارع المستثمرين يعمل مئات الآلاف من الاثيوبين تحت حر الشمس أو داخل العلب البلاستيكية لازيد من 12 ساعة، بالكاد مقابل الاكل. يعملون في انتاج عشرات الكيلوكرامات من الخضر ذات الجودة العالية.
يدخلون شبه عراة ، ويخرجون عراة حتى لا يسربوا البذور والشتلات إلى الخارج.
يدخلون شبه عراة ، ويخرجون عراة حتى لا يسربوا البذور والشتلات إلى الخارج.
يشحن زملاءهم الحمالين ذلك طوال اليوم مقابل لا شيء تقريبا من الحقول إلى الطائرات ( اثيوبيا بلا منفذ بحري )
تصل طرية إلى افخم الفنادق في دبي وجزر الاحلام، ليباع غرامات منها في اطباق السلاطات بأزيد من 100 دولار للطبق الواحد.
تصل طرية إلى افخم الفنادق في دبي وجزر الاحلام، ليباع غرامات منها في اطباق السلاطات بأزيد من 100 دولار للطبق الواحد.
3_ يكذبون حين يطلقون عن هولاندا بلد الورود، و حين يتباهون بالصور الجميلة لتلك الحقول الشاسعة المزينة بصفوف مختلفة الألوان والأشكال لسيقان الورود. إنها صور اشهارية.
تعال ننظر إلى الحديقة الخلفية، ملايين المزارعين الاثيوبين يعملون في حقول زراعة الورود مقابل أقل من دولار واحد في اليوم ، ينتجون ما يفوق 80 مليون ساق زهرة شهريا، تتجه منها 70 في المئة إلى هولاندا وحدها، لتعيد تسويقها من جديد عبر العالم.
اثيوبيا تنتج الورود وهولندا تبيعها، ولكم أن تتخيلوا حجم فارق الأرباح.
لكم أن تتخيلوا حجم الفارق بين رائحة عرق مزارع الورد الإثيوبي، ورائحة عطر تاجر الورد الهولندي. لتتعرفوا وتتذوقوا معنى التنمية الأثيوبية.
لكم أن تتخيلوا حجم الفارق بين رائحة عرق مزارع الورد الإثيوبي، ورائحة عطر تاجر الورد الهولندي. لتتعرفوا وتتذوقوا معنى التنمية الأثيوبية.
ثمة بقايا أوهام!
آبي أحمد رئيس وزراء اثيوبيا قبل أيام قليلة، أعطى انطلاقة مشروع زراعة خمسة ملايير شجرة بإثيوبيا، بغرس 350 مليون شجرة في في يوم واحد، تحت مواكبة إعلامية واسعة.
ابي احمد هو لا يحلم، هو يحمي أموال المستثمرين من التوحل. ولا يهتم مطلقا بأن تتحول اثيوبيا إلى بلد ينعم بالسلام والحرية والعدل.
وأخيرا ونحن كمغاربة إذ نفكر في التنمية، لا يفترض أن نستحضر النموذج الإثيوبي. فنحن ماعاد لنا ما نبيعه لرفع نسب النمو. وليس لنا نموذج بعد، ولكي يكون يلزم طريق آخر .
إمزورن في 09/08/2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق