جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

المعركة/الرفيق سيبابة احمد

المعركة
1 استمرت حكاية تلك المعركة طويلا على الألسن، صحيح، أن السكان لم يطلقوا عليها أي اسم، لم يطلقوا عليها عام القنابل أو غير ذلك من التسميات، لكنها بقت طرية في ذاكرتهم، يتذكرون مكانها، لم تمحه من ذاكرتهم البنايات التي نبتت في الخلاء قرب الحمام البلدي ورمت بالحلاقية والمتسولين إلى الحافلات، ظلوا يعرفون المكان رغم اختفاء كل العلامات حوله..سوق الكلب، المسجد القديم...
حين يتسامرون ويستنفدون الحكايات يتذكرونها، فيفتخر زوج هنية، بأنه كان حاضرا، ويذكر كيف ساعد المقدم على النهوض، لكنه دفعه بقوة قائلا:
- سر فحالك، واش هادي فراجة؟
وكان الأطفال، الذين يحبون التفرج على معارك الشوارع وبطولات الفتوات، يسترقون السمع فيشعرون بأنهم أضاعوا الفرصة، فيعضوا على أصابعهم من الحسرة وهم يسمعون التفاصيل.
2 على قارعة الطريق حيث تتجمع عربات الخضر والفواكه، اندلعت المشاجرة.
الشاب الأنيق ذو العضلات المفتولة، الذي كان يشتري الفواكه، تدخل لثني رجل القوات المساعدة عن مصادرة العربة، فنهره المقدم، ثم تحول النقاش بينهما إلى سباب، وفي لمح البصر انهالت اللكمات.
باللكمة الأولى سقط المقدم عروب الذي كان يزور كثيرا الزوهرة، الأرملة سليطة اللسان، وبرزت بطنه السمينة من تحت القميص.
باللكمة الثانية سقط المخزني العملاق الذي كان يستعمل عصاه بمهارة عجيبة.
ثم سقط المخزني الملقب بالمنحوس، وانقلبت عربة الفواكه، وتخاطف الأطفال الأشقياء حبات البرتقال والتفاح.
هاجم الباعة الشاب بموازين الحديد ورموه بالبطاطس، ساعدهم بعض المتجمعين حول العربات، وبمساعدة المخزني العملاق سيطروا على الشاب، واستطاعوا بعد مشقة أن يركبوه في سيارة القوات المساعدة.
3 شجعتني النظرات المتلهفة في عيون أقراني، زودتني بما يكفي من الغرور، نفخت صدري كما كنت أفعل حين أبارز الولد علي المطرقة، طلبت منهم السكوت والإنصات.
الآن أنا سيد الحكاية، سأحكيها للأطفال كما أحب، بروية، بتأن، فقرة فقرة، قطعة قطعة، فلا أحد منهم يعلم أني لم أر في الحقيقة الشجار، لقد تجمع الحشد بسرعة وحجب عني الرؤية، ودسست قامتي الصغيرة بين الأرجل ورأيت المقدم يتوسد الرصيف وبطنه السمينة بارزة من القميص. هذا كل ما رأيت، ولكن أنا الوحيد الذي رأى، ولا يستطيعون الشك أو الاحتجاج، لأني سأتوقف عن الحكي..ماذا سيفعلون حينها بحكاية غير مكتملة؟
لم يحب الأطفال نهاية الحكاية، أشفقوا على الشاب الذي ركب لاراف عنوة، رموني بنظرة الريبة، ثم التفتوا إلى بعضهم وانصرفوا خائبين.
لكن.. ماذا أستطيع أن أفعل لهم، فهذا شاب أنيق يمشي على قدمين، وليس الفارس زورو صاحب الأنشوطة الذي رأوه على شاشة الصيدلية.
4 ما لا يعرف الأطفال هواة معارك الشوارع، ما لم يعرف إلا قلة من الكبار، أنه بعد مساومات وتدخلات، أطلق سراح ولد لكاملة الذي كان يمارس الملاكمة بفرنسا، وأنه اختار قطع عطلته والرجوع فورا إلى المهجر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *