من ذاكرة الحركة الاحتجاجية التلاميذية بابن جرير: يوم وضع بعض التلاميذ عقب سيجارة على صورة الملك الحسن الثاني:عبد الكريم التابي
من ذاكرة الحركة الاحتجاجية التلاميذية بابن جرير:
يوم وضع بعض التلاميذ عقب سيجارة على صورة الملك الحسن الثاني:
( نزولا عند رغبة بعض الأصدقاء الذين لم يتابعوا سلسلة النبش في بعض من ذاكرة ابن جرير من بدايات الولادة، سنعيد بين الفينة والأخرى بعضا مما نراه جديرا بالنشر مع التذكير أن استمرار الحفر في الذاكرة لازال مستمرا).
( تم "شبح" التلاميذ المتهمين ولملمة "القضية" محليا من طرف كبار القوم، حتى لا يستفيق التاريخ ويذكر البلدة وأهلها بأنهم "مساخيط السلاطين").
لم يكن ما جرى في "كوليج" ابن جرير خلال الموسم الدراسي 68/69، احتجاجا تلاميذيا منظما له سلة مطالب معينة، ولا كانت وراءه جهة سياسية معينة في ذلك الزمن "البدوي" الذي كانت عليه ابن جرير ساعتها. ولم يكن تعبيرا مساندا أو مناهضا لربيع "براغ"، ولا تأثرا بانتفاضة الطلاب في ماي 1968 بفرنسا، ولا ردة فعل كشعور بالخيبة على هزيمة العرب في 1967، ولا مخاضا لولادة الحركة الماركسية اللينينية في المغرب بعد انتفاضة 23 مارس 1965، بل كانت تعبيرا عن احتقان نفسي كان يلازم بعض الشباب الغاضب هكذا من تجليات الاستبداد والحكم المطلق لنظام الحسن الثاني.
وقد حدث خلال إحدى فترات الاستراحة بأحد أقسام الثالثة ثانوي (بالتسمية القديمة) (التاسعة إعدادي حسب التسمية الجديدة)، أن قام بعض التلاميذ بإلصاق عقب سيجارة على فم الملك في الصورة المعلقة فوق السبورة كما كانت الحال تقتضي وقتها بإلزامية وضع صورة الحسن الثاني في كل الأقسام، بل أن عدم وضعها كان يعد إخلالا بالواجب المهني كما كان يسجل ذلك المفتشون خلال زياراتهم للمعلمين وبخاصة في السلك الابتدائي والذين كان أول ما "يفتشون" عنه هو صورة الملك (واش معلقة ولا ما معلقاش).
قبل ذلك كانت حركة صفير وصياح أعقبه رشق بالحجارة على زجاج بعض الحجرات، هي التي ربما تكون زادت من "ضوزاج" الحماس التلاميذي، وأججت الغضب الخامد في النفوس دون أن يعني ذلك أن الأمر يتعلق بحالة وعي سياسي. وقد صادف حالة الاحتجاج تلك، قدوم المرحوم السي محمد الموفق أحد الشباب الثائر آنذاك عقب انتفاضة 23 مارس 65 والذي سيلتحق فيما بعد بالمنظمة السرية التي تأسست والتي عرفت بمنظمة 23 مارس التي تحول الجزء الكبير منها إلى منظمة العمل الديمقراطي، التي اندمجت فيما يعرف اليوم بالحزب الاشتراكي الموحد (PSU)، وطلب من بعض التلاميذ ومنهم السي عبد الرحيم الموفق توزيع بعض المناشير التي قد تكون ذات صلة بمخلفات الحدث وما ينبغي التفكير فيه في الأوساط التلاميذية أو أي شيء له علاقة بما كانت تعرفه ثانويات المغرب من غليان ونقاش لا يتوقف حول حاضر المغرب ومستقبله.
بلغت الوشاية في الحال إلى الإدارة التي أعلمت الدرك الملكي الذي حضر أفراده، واقتادوا من تم اعتبارهم قادة محرضين على "الفتنة"، وكان على رأسهم عبد الرحيم الموفق وأحمد الخياط وعجاج ومصطفى القدوري والمرحوم الغالي بوعودة وأضيف إليهم الصديق الحنين.
أمضى أولئك ليلة بمخفر الدرك حيث نالوا نصيبهم من كل ما يمكن أن يناله متهم بالتعدي على حرمة و"قداسة" صورة ملك البلاد.
رأت السلطات في شخص الحاج امحمد العيادي الذي كان وقتها رئيسا للدائرة ومعه بعض أعيان البلدة، أنه من الواجب لملمة الواقعة وتدبيرها محليا دون حاجة إلى متابعة التلاميذ أمام القضاء، لأن في ذلك إعادة فتح ما يعتبرونه "سبة التاريخ" لما وصف الرحامنة ذات زمن ب"مساخيط السلطان" في إشارة لما جرى من بعض حالات التمرد المعروفة على بعض السلاطين.
تم نقل الموقوفين إلى "البنيقة" وهي كما يعرفها الناس بناية صغيرة للاحتجاز وأداء "المستحقات" من العقاب بالوسائل المعروفة آنذاك (القنبة) والتي تكون في بعض الأحيان ومع بعض الحالات مبللة في الماء (مرطبة) حتى تؤدي وظيفتها على أحسن وجه وبكيفية مثالية في إلحاق الأذى.
اتفق "كبار" القوم على منح التلاميذ كامل "مستحقاتهم" غير منقوصة، فتم "شبحهم صح ما يتمكن" وكان الحاج امحمد العيادي يشرف شخصيا على العملية، بل كان "يشبح" بيديه "الكريمتين" أجساد التلاميذ الممددين، وكان ومعه المخازنية يؤكدون عليهم أن يرددوا : (أنا متايب الله) وبصوت عال، وقد بلغت السفالة بأحدهم أن أطفأ سيجارته على وجه المرحوم الغالي بوعودة، فيما السي عبد الرحيم الموفق، لازال يذكر وكأن الأمر حدث بالأمس أن السي أحمد الناصري بن الشيخ كان حاضرا الوليمة وقال له: ( باقي مازال كتضحك).
لم يكن هؤلاء التلاميذ وحدهم من اشيرت إليهم أصابع الاتهام بخدش صورة الملك، بل كان معهم تلميذان واحد يدعى بعبولة والآخر يدعى عبد الكريم، إلا أنه لم ينالا حظهما من "كرم" الحبال المفتولة، لأن الأول ابن القاضي بعبولة والثاني ابن الحاج كبور الشعيبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق