جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

لم ولن نودعك أيها الرفيق*الرفيق عبد الرحيم الهندوف*

 لم ولن نودعك أيها الرفيق

نزل الخبر كالحريق. لم تمهلك الجائحة الوقت لترتب سفرك بعيدا عنا أيها الرفيق، وتقرأ وصيتك فينا أيها الاخ الشقيق. خطفتك يد الحِمامِ، ولم تتح لنا الفرصة لنرافقك لآخر مثواك في آخر مسيرة أيها الصادق الصديق. لم نودعك ولن نودعك لأنك تأبى عن الوداع، يا أَبِيَّ العنان وسنكمل معك الطريق. فكيف نودعك وأنت تسكن فينا كما يسكن قلبَك حب العمال والكادحين، وحلمٌ بِغَدٍ خال من المستغِلين والمستبِدين ويخوِّل الحرية والكرامة لكل المظطَهدين. حلمٌ بشفقِ فجرٍ يبدد دجونة ليل ويعلن عن خلاص يقين. ستمضي في مسيراتنا وأنت فينا, لنقتلع البؤس والفقر، والظلم والقهر، من مُدْنِنا وقرانا أجمعين. سنذكر كتاباتك وتدخلاتك التي كنت تطلق فيها العنان لأفكارك ومواقفك الحرة كطائر حر طليق. لا تهاب لوم لائم أكان خصما أم رفيق. كنت للطيبوبة والتواضع عنوانا، وللهدوء والحوار مثالا، لكن التنازل عن المبادئ والمساومة في المواقف كنت لا تُطيق.
سكنك هَوَسُ النضال وأنت طالب متوقد نشيط. ثم سرعان ما بارحت الكلية و اخترت درب النضال السياسي العسير؛ فأسست أول خلية في إطار منظمة إلى الأمام بمدينتك العرائش الخدير، بمعية رفاق آخرين. قبل أن تساهم في تاسيس نهج سار على نهجٍ، نهج سعيدة وزروال والتهاني ورحال والشهداء الأولين.
في أحضان إ.م.ش "ميمتي" تجربتك النقابية صقلت، ومن معين العمال شربتَ ونهلت، والمناضل القائد شرفت. كم من معارك استلهمت وعلى رأس مسيراتٍ ورفاقك مشيت وفي التاسع والعشرين من فبراير أبليت فكانت عروسهن و العريس كنت أنت.
لما أحل بك الفيروس اللعين واستشعرت خطره الداهم الجسيم، دونت اعتذارا لمن أخلفت معهم موعدا وكأنك أحسست بقرب فراق صار وشيكا
ذقت مرارة المعاناة في مستشفيات مخصصة للفقراء. لا إنعاش ولا عتاد ولا دواء، سوى إرادة أطقم طبية ومساعدين أجزلوا العطاء؛ فقدموا شهداء لإنقاذ أرواح مواطنين رغم المعاناة والعناء. فنقلت على جناح السرعة من شفشاون إلى تطوان ثم البيضاء، بمصحة أقيمت من أموال الكادحين والبسطاء، لكن الحاكمين أصروا على قتلها ببطئ طوال سنين قبل تقديمها قربانا للراسماليين. فكانت الكلمة الاخيرة للوصب والوباء.
رحلت على حين غرة وتركت جميلة، زوجتك، ثكلى، يا عزيزا يا رقيق. وبِنْتَيْكَ، مكلومتين، وِئام وبسمة، عن فراقك لم تجدا جلدا ولا صبرا يا أبا رؤوفا وشفيق. ما عسانا أن نقول لنقدم لهن العزاء ونحن في بدد لهذا العزاء. كيف نواسيهن ونحن أسيان في حاجة إلى تأس وسلوان. سنواسي بعضنا ونلأم جراحنا وبابتسامتك ندفع ونُذْهب الأسى.
رحلت فذا صنديد، وتركت جامعة وتنظيما عتيد، لحمته بعد شقاق وتبديد، وبوأته تمثيلية ليس لها نديد، ستذكرك دوما جماهير الجماعيين، عمالا وموظفين، نساء ورجالا موحدين، في جامعة عن خطك لا تحيد
رحلت مناضلا عنيد، وتركت رفاقا في النهج صامدين. ستلهب ذكراك وهجهم ونضالهم للمضي قدما على درب النضال المديد، نحو النصر الاكيد. فتلرقد روحك في سلام ايها الشهيد.
ووري جسمانك الثرى يوم ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثلة من المناضلين يخوضون إضرابا عن الطعام ضد الاعتقال السياسي والطغيان. وكأنك لترحل اخترت هذا اليوم لتذكرنا بأن الطريق من أجل مغرب خال من الاضطهاد والاعتقال وتسوده حقوق الانسان ما زال طويلا لكنه ليس صعب المنال.
في حلوقنا غصص تحول دون أن نبكيك ونرثيك. لكنها تشحننا غضبا لنصرخ في وجه غاصبيك من عجلوا برحيلك، وأنت في أوج العطاء يا رفيق. نصرخ في وجه من بنوا قصورا ومصحات للأغنياء ومستشفيات للفقراء، تفتقد لأبسط الأشياء من دواء وتحهيزات وأطباء. ولا شيء في المغرب العميق. نهبوا أموال الشعب وتركوه عرضة للوباء، ليكمل ما أبقاه الإملاق والجهل والإقصاء.
لقد اخترت أن تصطف مع الشعب الفقير، فعشت موظفا بسيطا لا تملك شروى نقير. لكنك عشت غنيا بفكرك ونضالك الجم الغزير وبحبك وعشقك لنضال الجماهير فتركت لنا مثالا به نتأسى وعلى دربه نسير.
الرباط في 10 دجنبر 2020





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *