جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

الرفيق هندوف عبد الرحيم يرثي الفقيد حامي المكي

 زهور تزهر بها زناد الناس

نص الكلمة التي ألقيتها بإسم مناضلي الجامعة أثناء مواراة الثرى جثمان الفقيد حامي المكي يوم أمس 29 دجنبر 2020 بمقبرة سيدي بلعباس بسلا
في ظرف ستة وأربعين يوما، رزئنا في ثلاثة رفاق مناضلين أوفياء وأصدقاء أعزاء. رحلوا ولم نودعم. فرضت الجائحة على الرفيق أتواتي بن يوسف أن لا يبرح بيته وهو مريض فلفظ أنفاسه الاخيرة وحيدا. واختطفت الجائحة الرفيق سعيد الشاوي على حين غرة فتركتنا مشدوهين وفي حلوقنا غصة. وها هي اليوم تمتد يد المنون إلى الرفيق البشوش حامي المكي ليتوقف قلبه عن النبض فجأة وهو في رحلة.، ونفقد بشاشته وطلقه إلى الابد من دون رجعة. لا نكاد نصدق، الرفاق يسقطون تباعا كما تسقط أزهار قبل أوانها، وتتركن أغصانا وشجرة وإن بسقت لم تينع ثمارها ولم يحن بعد قطافها. زهور زهرت بها زناد العديد من الناس، العديد من العمال والموظفين والمستخدمين البسطاء. لقد سئمنا الرثاء والعزاء، ولم تعد الكلمات تفي لتأبين رفاق كرسوا حياتهم لنصرة الحق والمظلومين والفقراء. ألا تعرضي عن مناضلينا أيتها القاضية، وتمهلينا شيئا من الوقت لنضمد جراحنا وننسي مآسينا، وتجيش من جديد منابع دموعنا التي جفت، لعلنا نجد في البكاء ما يشفينا وإن كان لا يجدينا كما قال ابن الرومي؟
علاقتنا والرفيق حامي المكي تمتد جذورها إلى بداية الثمانينات. كان يرتاد منزلنا أنا ورفيقي وصديق العمر هاكاش محمد ونحن كذلك. نسجنا علاقة ود وصداقة قوية لم ينل منها الزمان بل زادها قوة خصوصا بعد التزامنا النضالي داخل الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التابعة للاتحاد المغربي للشغل. كانت نقاشاتنا تذكي فيه رغبة جامحة لاستكمال الدراسة وهو الذي لم تسمح له الظروف أن يتابعها واضطر لولوج المعهد التقني الفلاحي باللويزية بالمحمدية ليتخرج منه كتقني سنة 1980، ويلتحق بوزارة الفلاحة. سكنه شغف الدراسة فكان عصاميا ومثابرا قل نظيره. كأنه أقسم على الثأر لنفسه من تلك الظروف التي حالت دون التحاقه بالجامعة. فحصل على شهادة الباكالوريا كمرشح حر بعد أكثر من محاولة، ثم على الإجازة في العلوم الاقتصادية من كلية الحقوق بالرباط. شهادة ماستر نالها من المعهد الزراعي المتوسطي بمونبيليي بفرنسا. ولما رفضت الإدارة إعادة ترتيبه في الإطار المناسب، إلتجأ للقضاء لينصفه. وقبل أن يٌنْصَفَ حصل على شهادة ماستر ثانية من كلية الحقوق بالرباط. كان يملك إرادة في التعلم لا تفتر وقدرة على التحدي لاتوصف. لم يكن يعرف الإحباط ولا الكلل. فلا الظروف المادية ولا العائلية ولا المهنية ولا السن كبحوا مسيرته الدراسية التي استمرت لربع قرن بشكل متقطع.
على المستوى النضالي كان الفقيد من بين المناضلين الأوائل الذين ساهموا في انبعاث قطاع الفلاحة التابع للاتحاد المغربي للشغل في وقت لم تكن له أي تمثيلية على مستوى اللجان الثنائية بوزراة الفلاحة. فانتخب عضوا في المكتب الموحد للقطاع الفلاحي بالرباط سنة 1989. كما انتخب عضوا في المكتب الجامعي للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في مؤتمرها التاسيسي سنة 1991. واستمر عضوا في الأجهزة القيادية للجامعة إلى أن أسلم الروح يوم 27 دجنبر 2020. خلال هذه المسيرة النضالية ظل وفيا لجامعته ومخلصا للمبادئ التي بني عليها صرحها. حاضرا في كل معاركها وتظاهراتها وأعراسها النضالية. سائرا على خطها الكفاحي ومناصرا لكل القضايا العادلة ومن بينها القضية الفلسطينية التي تمر هذه الايام من ظروف عصيبة.
على المستوى الاجتماعي كانت البشاشة والابتسامة لا تفارق محياه. يلقى زملائه ورفاقه وغرته جذل وانشراح. كأن البسمة هي طريقته لأداء ورد التحية. العداء والحقد والضغينة، لا تعرف لأحاسيسه سبيلا مهما كان الخلاف والخصومة. وحتى إن غضب، يعبر عن رأيه، و في هدوء يرحل. بعد أيام يعود وكأن شيئا لم يحصل.
كان يكن لزوجته نزهة وبنته أميمة حبا ومودة وتقديرا وللمرأة احتراما كبيرا. مع ابنه أمين كانت تربطهما علاقة صداقة أكثر من علاقة أبوة. كان يشارك طفليه اهتماماتهما وينوء بحمل همومهما.
كان الفقيد يعشق رياضة الرحلات الجبلية حد الولع. كانت تحدوه نفس عزيمة التحدي وهو يتسلق القمم العالية كجبل توبقال. كان ينتابه أحيانا خوف إنسان مسؤول ينبذ التهور وهو يعبر مسالك وعرة كالممر الأمازيغي بتاغية. لكن سرعان ما كان يسيطر على خوفه ويمضي بثبات نحو الهدف المنشود. الرحلات الجبلية مكنته هو ورفاقه وأصدقاؤه من اكتشاف مغرب آخر، مغرب منسي، مغرب كليم، لا طرق فيه ولا مسالك للعربات. لا كهرباء ولا مدارس ولا مستشفيات. ولا يمكن الوصول إليه إلا مشيا على الأقدام أحيانا لعدة أيام. مغرب أسردون هذا الحيوان الرفيق الصبور الجلود الذي يقوم مقام سيارة نقل الإنسان والبضائع وسيارة إسعاف وجرار الحرث وآلة الحصاد إلخ... وشاءت الاقدار أن يصاب الفقيد بنوبة قلبية وينقل على ظهر هذا الحيوان نحو طريق سالك لسيارة إسعاف.
لقد أسلم الروح وهو يمشي في رحلة بين أحضان الطبيعة وكأنه ضرب موعدا مع الفوظ وسط هضاب وأودية وروابي ومياه تدفقت وجرت جداول وسواقي وأزهارا تشذو أريجا وطيبا و هواء نقيا أصفى من الصفاء. فلتسكن روحك في مثل هذا الفضاء.
رحل وعلى محياه ارتسام ابتسامة لم تمحها المنون، وكأنه يذكرنا بوصية دلال التي تقول:
بابتسامة جثوا يأسا
بصمود قاوموا بأسا
وبحب أحيوا أنفسا
لن نجد أبلغ وأحر وأصدق من هذه الوصية لنعزي ونواسي أمين وأميمة والسيدة نزهة وكل أفراد عائلته الكبيرة ورفاقه ورفيقاته في الجامعة (إ.م.ش) وأصدقائه وصديقاته وزملائه وزميلاته بوزارة الفلاحة.
هندوف عبد الرحيم
عضو الكتابة التنفيذية للجامعة
الرباط في 29 دجنبر 2020


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *