جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

نودع سنة ملعونة ..وملعون ما فيها..بوعلي

 نودع سنة ملعونة ..وملعون ما فيها..

يصعب اليوم أن نتحدث عن الوباء بلغة استشرافية أو بنوع من الاستبصار لما سيحدث، لأن الاستشراف هو ترشيح لفكرة ما تتوقع أن تحدث بناء على ما تراكم من مؤشرات دالة على ذلك، وهذا إن كان من الغايات الكبرى للفكر العلمي فإنه صار اليوم أضعف من أي وقت مضى في تخطيط المستقبل وبمعنى آخر لم تعد تلك المعادلة قائمة: تحدث الكوارث الكبرى ويخرج المنقذون الكبار لاحتواءها .. الكوارث تعددت والمنقذون صاروا أقلية .. حتى اللقاح نفسه على تعدد مصارده يقولون أنه يحمي بنسبة مائوية من الإصابة بالوباء فهو ليس بدواء يشفي من مرض مستعصي وبمعنى أخر أن الوباء قائم، دون استحضار قوة المتشككين الذين ينهلون من فكر المآمرة.
من حسنات كرونا، إذا كانت لها من مزايا، أنها كشفت أن المجتمع والدولة كانا مريضين قبل أن يمرضا بالوباء، فأفرز مفارقات في التدبير والسلوكات والمنهجيات والعقليات.
المفارقة الأولى: أصحاب صحوة الضمير الطي استيقظ على فجأة !
صحوة التضامن والمساعدة التي حصلت لهؤلاء هي مقرونة بتوقيف نقل العدوى، وأحسن مثال على ذلك إيواء المشردين خوفا من أن يكونوا سببا في نقل العدوى، لأن صحوة الضمير لا تأتي هكذا بمحض الصدفة ويتبناها من يشاء حتى يسوق على نفسه صورا خادعة.. والان قد انتهى كل شيء ولم نعد نسمع عن أي تضامن وعاد المشردون إلى الشارع، حتى الذين كانوا يتظاهرون بأنهم يستضيفون المشردون فهم يفعلون ذلك ليس حبا فيهم بل خوفا على أنفسهم حتى ينقلون العدوى لهم ولأبناءهم. ورجعنا إلى عادتنا القديمة حيث لا ينفع أحَد’’ أحدا.
المفارقة الثانية : هي مفارقة السلطة في شخص رئيس الحكومة الذي خرج علينا في مستهل المسرحية ويقول بكل سنطيحة تطيمنا للشعب وصاح وهو في حالة من العصاب " ما ديروشي الكمامة وما تمشيوشي الصيدليات.. الكمامة فقط للمرضى " قبل أن ينقلب نفس الشخص 90 درجة وأصبح يحذر ويدعو إلى التباعد والكمامة والحجر الصحي وهلم جرا..
المفارقة الثالثة: وسائل الاعلام العالمية كانت تخرج علينا بصورة مقربة للوباء في شكل كرة فيما تعريجات وهذا في حد ذاته يعبر عن نوع من الرهاب ونشر الفزع لا سيما في صفوف الأطفال الذين لا يعرفون ماذا يحدث لما يتم الزج به وراء الجدران دون أن يعرف ما هو السبب ، فكل عائلة تفسر له بطريقتها..ولعل أكبر المتضررين نفسيا من هذا الوباء هم الأطفال والمراهقون من أصحاب تسريحة الشعر واللحى الذين يريدون أن ينظر إليهم في مواقع التواصل الاجتماعي والحياة العامة بإظهار صورة لا تعكس حقيقتهم، فهذه الفئة قليلة منها من تتسلح بالفكر النقدي وتعيش حياة النضال والصراع.. أما الباقي فعيشون خارج ذاتهم بسبب نوع من العلاقات المسمومة المحكومة بالتبعية. هؤلاء كانوا يعيشون الحجر الصحي قبل أن يفرض عليهم، وتلك حكاية لا يتحمل فيها المراهق المسؤولية لوحده فهناك عدة عوامل اقتصادية وتربوية واجتماعية ونفسية..
المفارقة الرابعة: هل فعل علمتنا كرونا كيف نحس بالآخر ونساعد الآخر وندبر الزمن والمكان، لكن في مجتمع تنقصه الثقافة يعود إلى سالف عهده وكأن شيئا لم يقع.
المفارقة الرابعة: المجتمعات والدول المتخلفة لا تلتفت إلى الامراض النفسية الناجمة عن كرونا بل تعتبر المريض نفسيا أحمق. الدعم النفسي هو مناعة للإنسان لكي يتحدى فأين هو الدعم النفسي.
المفارقة الخامسة : هو أن الدول المتسلطة بقدرما تفاجئت بالوباء كما باقي العالم ، فهي اعتبرت اللعنة أحسن هدية أنزلت عليهم من أجل تطويع البشر وتلقينه دروس الرهاب وتعليمه كيف يخاف فأصبح رجل أمن هو سيد الميدان بلا منازع..
المفارقة السادسة: أن هناك في عمق المجتمع نوع من النكران لوجود الوباء أصلا، وهو ليس مسؤولا وحده عن ذلك بل ذلك السيل من التفسيرات المتضاربة بين الأطباء والمتخصصين نزلت من قيمتهم فأصبح البشر الذي كان في حاجة إلى علماء وليس إلى ما يشبه شقاوة الرأس الناجم عن الصراع بين الأئمة ..
المفارقة السابعة : كفى من الكذب على أنفسنا فالبنيات متضعضعة والأمور خرجت عن السيطرة بل شكلت تحديا كبيرا حتى في الدول المعروفة بأنها لا تقهر كأمريكا، فكيف يخرج علينا مسؤولا وطنيا ويقول أن الأمور تحت السيطرة ..
المفارقة الثامنة: الكل يشخّص لكن أين الحلول التي تعيد التفاؤل والآمال للمواطنين والمواطنات، حتى المتخصصين يكذبون ويتناقضون في مراميهم ، فكيف لا يخرج عليه هاوي فيسبوكي ليجلده..
المفارقة التاسعة: الوباء كاد أن ينتهي ثم تعود الاخبار لتتحدث عن ظهور سلالة جديدة وأن القادم أسوأ، أليس في الأمر قتل للحقيقة الراسخة بأن العلم انتصر ؟
نودع سنة ملعونة ويخامرنا الشك أن ندخل سنة بلعنة كبيرة إذا لم نخرج من ذواتنا ؛ والذات بالتعريف هي مجموعة من المعتقدات والأفكار والصور التي ترسخت في ذهني ويعمل من أجل تجسيدها على أرض الواقع كالنضال من الحقوق والحريات والمساواة الخ، تقدير الذات يكون بتقييم نفسي وإظهار المنجزات والايمان بالذات دون الحاجة إلى تطمين من الآخرين ، حب الذات مع حب الآخرين دون السقوط في النرجيسية ، وأول ضحية للوباء هو القضاء على أولئك الذين يحاولون نشر صور مظهرية عن أنفسهم ويتباهون بذواتهم دون أن نعرف من هي إنجازاتهم ..الانجاز هو أن تحب وتقدر نفسك مع تقديم يد العون لمن هو في حاجة إليها كتقدير لهم .. إننا نسير على ارجل هي ملك لنا وحدنا لكن الكلمات التي نفكر بها تنتمي للجماعة ..
لقد ظهر خنفساءكم وتعرت علبتكم السرية وما تتطلعون إليه لكي تجعلوا الشعب يعيش في وباء الغباء الجماعي ، أنتم مخطؤون فكما قال سقراط لما كان يتجرع السّم تستطيعون قتل جسدي لكن لن تستطيعوا إفناء الفكرة..
ب.ع



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *