جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

الجزء الثالث من إجابات الرفيق غازي الصوراني

 

الجزء الثالث من إجابات الرفيق غازي الصوراني

 أسئلة موجهة إلى أ.غازي الصوراني .... سؤال من رحال بمنفى

هل ستطاع اليسار العربي عامة والفلسطيني خاصة من تشخيص أزمته نظرياً ، ألا ترى بان قوى اليسار قوى يمينية بثوب يساري ؟ ولكن كيف يمكن تجاوز هذه الأزمة على الأرض؟

وشكراً

صديقي رحال ...

إن الاستنتاج بأن فرضية الفوضى الفكرية ،وغموض المفاهيم واضطرابها ، كظاهرة سائدة اليوم على الصعيد الوطني –والقومي- العام، هو صحيح، فقد عجز أو تراجع اليسار لحساب القوى الليبرالية، والتيارات الدينية وتزايدت الفجوة –خاصة في الساحة الفلسطينية.

من هنا كانت أهمية المراجعة واستعادة المبادرة فكرياً وتنظيمياً ، لتفسير ما حدث وتقديم أطروحة صائبة لأسئلة مطروحة وفراغ ذهني يخطئ من يظن أن العدو لا يحاول سده بأطروحة فكرية فاسدة، والحال هذه فإن المراجعة الجادة ومن ثم تكريس وتعميق وعي الرفاق بأطروحتنا الفكرية الماركسية، ليست ترفاً كما يتوهم البعض، بل ضرورة لا غنى عنها في معركة فكرية مشتعلة، - خاصة في ظروف الانتفاضات الشعبية العربية في مصر وغيرها – إذ أن هذه المعركة هي جزء لا يتجزأ من الحرب الشاملة التي شنها ويشنها العدو الصهيوني الإمبريالي وتابعه النظام الرسمي العربي، لتكريس فكرة الهزيمة نظرياً ونفسياً بعد صناعتها عملياً.

وفي هذا السياق، لابد –أثناء المراجعة النقدية الجماعية- من البدء بعملية تشخيص وتحليل مظاهر ومكونات وتفريعات الأزمة الراهنة وصولاً إلى العلاج الفعال، الذي يضمن ويحقق إزاحة عواملها وتصفية آثارها ، بما يمكن اليسار من الانتشار والتوسع  في أوساط الجماهير الشعبية في الوطن والشتات عبر التأسيس والالتحاق في النقابات والمنظمات الجماهيرية والجامعات والمؤسسات والمصانع والمزارع ، في إطار جهد مخطط ومتصل من اللجان أو الدوائر التنظيمية والفكرية وغيرها من الدوائر ، يهدف إلى مزيد من القوة والتماسك، واستكمال أسس النهوض والبناء التنظيمي والفكري والسياسي.

وهنا بالضبط تتجلى الأهمية القصوى المترتبة على طرح سؤال الأزمة الراهنة وكيفية تفكيكها ومجابهتها والخروج منها صوب النهوض ؟  إذا أردنا الإجابة على هذا السؤال، يجب أولاً أن نؤكد على أن اليسار الذي نعنيه هنا هو اليسار الماركسي في بعده القومي (ضمن الخصوصية القطرية في كل بلد) الذي يستهدف – على الصعيد الإستراتيجي، الإسهام في الثورة القومية التحررية الديمقراطية ، وإقامة مجتمع اشتراكي عربي، الأساس فيه تحرير الوطن والمواطن. تحرير الوطن من الاغتصاب وكل أشكال الاحتلال أو السيطرة الأجنبية، ومن التخلف والتبعية والاستغلال الخارجي، وتحرير المواطن من كل أشكال الاضطهاد الوطني والاستغلال الطبقي ومن الاستبداد ومن كل ما يحول دون الارتقاء بنوعية حياته وتحقيق ذاته.

إن الحاجة الموضوعية لاستنهاض اليسار ورص صفوفه وتقوية بنيانه في فلسطين وكل أقطار الوطن العربي، تبرز كضرورة ملحة في ظروف الانتفاضات والمتغيرات العربية الراهنة لضمان تحقيق مهمات الثورة الوطنية التحررية والديمقراطية .

لذلك كله ، فإن من واجب قوى اليسار أن تقوم بمراجعة أوضاعها السياسية والفكرية والتنظيمية وعلاقتها بالقطاعات والشرائح الشعبية الفقيرة التي تنتمي إليها ، لكي تجيب على الأسئلة الكبرى : لماذا عجزت عن إثبات وجودها السياسي/الجماهيري طوال العقدين الماضيين ، وما هي أسباب هذا العجز والتراجع والفشل   ؟ . ما هي أسباب التراجع الذاتي الخطير في بنيانها ، الذي أصاب بالضرر البالغ هويتها الفكرية وتماسكها ووحدتها الداخلية ؟ 

من حقك أن  تطرح الأسئلة، وأن تناقش ذلك، خصوصاً وأن المسألة تتعلق باليسار. وربما كان من المفترض أن يتحدد معنى اليسار، حيث أنني أوافقك على أن هناك العديد من القوى اليسارية في فلسطين والوطن العربي هي في مواقع اليمين الانتهازي ، لذلك فإن اليسار بالنسبة لنا هو صاحب الموقف السياسي الواضح ضد الوجود الصهيوني ، وضد النظام الرأسمالي العالمي ، وضد أي شكل من المشاركة المساومة للسلطة أو الحكومات العربية الرسمية ، وقبل كل شيء ضد كل أشكال الاضطهاد والاستغلال الطبقي الناجم عن انتشار العلاقات الرأسمالية بكل أشكالها في بلادنا .

وهذا، هو اليسار الحقيقي ، لكن ذلك كله يا صديقي ، يفرض التفكير العميق في الوضع، وإعادة النظر الجذرية في كل الإستراتيجية السابقة. يفرض التوقف من أجل التأمل. كما يفرض المراجعة الجدية لكل التجربة السابقة، لماذا هزمنا؟ ولماذا وصلنا إلى هنا؟ 

ففي كل هذا المسار كانت تنمحي الهوية الفكرية لهذا اليسار، حتى تلاشت عند البعض. وإذا كانت الماركسية المتبناة، ما زالت على ما هي ، باعتبارها ماركسية رثة صاغها "العلماء السوفيت"، وعممت أفكار سياسية أكثر مما عممت وعي نظري، ثم جاء الانهيار ليشطب  كل أثر لما هو ماركسي، وبدأت الميول الليبرالية والأصولية والفوضى والارتباك الفكري والاتجاهات أو النزعات اليمينية تطغى وتهيمن. وأصبح اليسار سياسة، لكنها تبدت في بعض المحطات أنها اقرب إلى السياسة اليمينية التي لم تتوقف –عندنا في فلسطين-  عند القبول باتفاقات أوسلو أو المشاركة في السلطة بل وصلت إلى حد المشاركة فيما يسمى "مؤتمر جينيف" والموافقة المبدئية على خارطة الطريق والمطالبة بالمشاركة في عملية التفاوض رغم حالة الاختلال الكبير والعميق في ميزان القوى بحيث يبدو أن هذه القوى أو بعضها قد ضاعت في التفاصيل الصغيرة التي تقوم على الحصول على امتيازات ومصالح من السلطة الكومبرادورية أو سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود ، والسؤال هنا ، هل ستتمكن القوى اليسارية من إعادة النظر في سياساتها والخروج من أزماتها السياسية والفكرية والتنظيمية ، لكي تبدأ في طي ملف تلك الممارسات السياسية وتعمل على بلورة مواقفها السياسية وأهدافها الوطنية والمجتمعية برؤية تحليلية /ماركسية طبقية وقومية واضحة تبرز خصوصية برنامج اليسار الماركسي الفلسطيني وهويته وأهدافه الآنية والمستقبلية التي تميزه بوضوح عن بقية القوى والتيارات البورجوازية والدينية وغيرها ؟ لأن بقاء اليسار في حالة من التوافق أو التقاطع مع برامج السلطة وسياساتها الهابطة ، سيحكم على نفسه البقاء ضمن تخوم سياسات السلطة (لدى البعض) أو في إطار تلك السياسات (لدى البعض الآخر) ، ما يعني استمرار تراجعه وغياب قدرته عن ممارسة أي دور ايجابي فعال في الأوساط الشعبية ، ما يعني بوضوح عجزه عن بلورة أو تحقيق هدف الجبهة اليسارية ، كهدف تفرضه الضرورة الموضوعية وتعطله الإشكاليات الذاتية .

على أي حال ، إن تجاوز الأزمة ليعود يساراً حقيقياً   يستلزم التالي:

1) أن يعود للتثقف بالماركسية من جديد، وأن يبلور تصوراً ماركسياً واضحاً عبر الحوار مع كل المعنيين بذلك من القوى والفعاليات الماركسية تحديداً وحصراً ، فليس من يسار حقيقي دون أن يتملك المنهجية الماركسية، وأن ينطلق من أنه، هو بالذات، الذي سيلعب الدور القيادي في "مرحلة التحرر الوطني والديمقراطي" . وأن ينظم قواه على هذا الأساس .

2) أن ينتقد التجربة الماضية بشفافية ووضوح، وأن يعيد النظر في الرؤية الفكرية/ السياسية التي حكمته ، انطلاقاً من أنها كانت خاطئة، وأنها أسهمت في كل الانهيارات التي جرت في الوضع الفلسطيني.

3) أن ينطلق من أن لا حل مع الدولة الصهيونية ممكن، لهذا ليس من وهم بإمكانية الوصول إلى حل وسط. حيث أن الدولة الصهيونية هي جزء من سيطرة الرأسمالية الإمبريالية على الوطن العربي. وهو الأمر الذي يجعل الموضوع هو موضوع السيطرة الإمبريالية ككل.

4) ولهذا فإن الصراع هو في الجوهر صراع الإمبريالية للسيطرة على الوطن العربي وضمان تخلفه. وهنا لا يجوز –وفق الرؤية الماركسية للواقع الراهن- القفز عن المسألة القومية العربية، وأي قفز عنها هو تكريس لانتصار المشروع الإمبريالي. وبالتالي فإن القضية الفلسطينية هي أكثر القضايا العربية وضوحاً في طابعها القومي، هي قضية عربية دون لبس.

5) وإذا كان من الضروري العمل على تغيير الوضع العربي، عبر استنهاض الطبقات الشعبية بقيادة الأحزاب الماركسية، كما نأمل في ظروف الانتفاضات الثورية العربية في مصر وتونس والأردن واليمن وسوريا والبحرين وبقية البلدان العربية، فإن اليسار الفلسطيني مطالب أولاً بتحديد الأسس الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية وبلورتها والاتفاق على مضامينها لكل فريق من فرقائه، أو بالعمل معاً من أجل ذلك، كمقدمه للحديث عن وحدة اليسار ، ومطالب ثانياً بتحديد المهمات الضرورية في الواقع الفلسطيني، وفي كل مناطق تواجد الشعب الفلسطيني (الأرض المحتلة سنة 1948، الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الشتات)، إضافة لدوره بالتفاعل مع القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي ككل، من أجل تحقيق التغيير الذي يؤسس لنشوء نظم معنية بالصراع ضد المشروع الإمبريالي الصهيوني.

أخيرا ، أشير إلى أن الوضع الفلسطيني قد وصل إلى أفق أو مأزق مسدود ، وأصبح الحل المطروح على أساس الدولة المستقلة، موضوع في صيرورة التلاشي، فقد بدأ البحث عن "الحل الممكن"، الذي ينطلق من "استحالة" مشروع الدولة الديمقراطية الذي طرح نهاية ستينات القرن العشرين، وقاد إلى تقديم الحل المرحلي كبديل ممكن، حيث لاحظنا أو تابعنا الانتقال من الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين التي تضم "الأديان الثلاث"، إلى حل الدولتين (إسرائيل وفلسطين)، والآن العودة إلى الدولة الواحدة لكن انطلاقاً من أنها "ثنائية القومية"، حيث يجري تحويل اليهود إلى "قومية"، بعد أن بات واضحاً أن الخيار الذي قام على أساس أنه يمكن أن يحصل الفلسطينيون على دولة مستقلة، كان وهماً قاد إلى النهاية التي نعيشها، أي دمار المقاومة وتوسع السيطرة الصهيونية على الأرض، وأيضاً انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، وتفكك النظام السياسي الفلسطيني ومعه تفككت أوصال المجتمع الفلسطيني الذي يبدو أنه ينقسم إلى مجتمعين أحدهما في الضفة والآخر في غزة، إلى جانب صراع الهوية الإسلامية مع الهوية الهابطة في رام الله.

لقد بات واضحا اليوم –وبصورة جليه- بأن الدولة الصهيونية معنية بالسيطرة على كل فلسطين (ربما فقط دون غزة)، وأنها جزء من المشروع الامبريالي للسيطرة على الوطن العربي، وبالتالي يجب أن تتأسس الرؤية لدى أطراف حركة التحرر الوطني الديمقراطي الفلسطينية والعربية عموما واليساريين الماركسيين منهم خصوصا انطلاقاً من ذلك وليس من خارجه.

إن الحوار حول هذه الرؤية يفترض إعادة بناء التصور الماركسي حول المسألة الفلسطينية كمقدمة لإعادة بناء القوى الماركسية، حيث بات من الضروري ان تتقدم للعب دور تغييري، لا أن تبقى ملحقة بقوى أخرى، أو مرتبكة مشلولة وعاجزة عن ان تتقدم مستقلة للعب دور فاعل يسهم في تغيير ميزان القوى في الصراع القائم، فلسطينياً وعربياً، في سياق تطور الصراع ضد الحركة الصهيونية والامبريالية، الأمريكية خصوصاً، في كل العالم.

هذا هو المدخل – المقترح -  لإعادة بناء الرؤية فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، ومحفزاً لإعادة بناء القوى الماركسية،   على طريق الوحدة المنشودة بينها .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *