المسار الثوري في السودان*سفيان جناتي
جريدة النهج .
______________المسار الثوري في السودان ____________
سأنطلق في هذا المقال من حيث إنتهيت أيام التفاوض وما بعده في مقالين منشورين على الحوار المتمدن ومجلة الحزب الشيوعي السوداني فرع لندن وجريدة الطريق المغربية، حيث إنتهيت في المقال الثاني بخلاصة مفادها "أنا الشعب السوداني قدم في سبيل هذه الإنتفاضة الغالي والنفيس وفلذات الأكباد من أجل الحرية و الإنعتاق، وخرج بكل أطيافه وفئاته الإجتماعية متسلحا بقناعة ليس لها مثيل ".
لقد شهد العالم كيف إنتضم الشعب السوداني وراء قيادته السياسية و الميدانية، تمثلت آنذاك في "قوى الحرية والتغيير" وهي أداة تنظيمية وحدوية و تحالف للقوى السياسية في السودان مشكل من أطياف مختلفة، منهم حزب الأمة و الحزب الشيوعي السوداني الذي قدم نقده للوثيقة الدستورية والشراكة مع العسكر و إنسحبه من هذه الوحدة فيما بعد، و وضح عبر بياناته الرسمية أسباب خروجه و إلتحاقه بالشارع الذي يراقب "الحكومة الانتقالية" بشقيها المزدوج. وهذا ما ذكرته في خلاصة المقال الثاني "إن المزاج الثوري للشعب السوداني يتخطى سقف قيادته وحتما سيتمرد لتصحيح مسار إنتفاضته المجيدة ، وقلنا كذلك بأي حق سيشارك العسكر في الحكم وهو المسؤول الأول عن مجزرة القيادة العامة؟ وكان نفس السؤال لدى الكثير من السودانيين و أغلبهم كان يعرف هذه الحقيقة، لكن غيرتهم وخوفهم من الفوضى التي حلت على شعوب المنطقة منذ 2011 ، وتجنبا للمزيد من إراقت الدماء بحيث قامت الجماهير بتأجيل المعركة إلى وقت لاحق وأتذكر فقرة من نفس المقال قيل فيها "بأن قحت تمثيل ليبرالي في السودان وليس له مشاريع غير توصيات البنك الدولي، و بأنها ستقدم تنازلات لهذا الأخير للمزيد من إستغلال خيرات الشعب السوداني. في مقابل هذا عرف الشارع السوداني تطورا في الوعي تخطى به الإنتفاضات العربية، و بموجب هذا قد يطالب الشعب السوداني في المستقبل القريب بالإستقلال الفعلي عن دوائر الشر العربية ومثلث الشر العالمي وحتما سيخرج رافضا للحكومة الإنتقالية بقيادة حمدوك و المجلس السيادي بمكونيه المدني والعسكري" وهذا ما يحدث الآن بعد مرور أزيد من عامين عن بداية الانتفاضة، حيث حاول فيها النظام البائد إعادة ترميم صفوفه وإحكام قبضته على المؤسسات وهياكل الدولة.
لقد كان من المفروض أن يتم تسليم السلطة إلى المدنيين بالأمس 17/11/2021 لكن حدث العكس وما كان متوقع، ففي الساعات الأولى من صباح 25 أكتوبر قام المجلس الإنقلابي باختطاف الرئيس حمدوك وزوجته وإعتقال عدد من الشخصيات السياسية البارزة، وتم تعليق الرحلات الجوية وقطع شبكات الإنترنت تلاه خطاب برهان ليعلن عن حالة الطوارئ وحل الحكومة الإنتقالية، كل هذا أدى إلى حالة إستنفار قصوى في صفوف الشعب الذي قام بكسر حالة الطوارئ، بعدها أصدر تجمع المهنيين السودانيين والحزب الشيوعي ولجان المقاومة وباقي القوى المصطفة إلى جانب الجماهير عبر بيانات ودعوات للخروج إلى الشوارع وإدانة الإنقلاب، وكعادته لب الشعب الباسل النداء وخرجت حشود تبعث النور في الليل الدامس، وتم تتريس واغلاق الشوارع والطرق والجسور تبعه إحراق إطارات السيارات (من الاعراف النضالية ...) و دعا الحزب الشيوعي إلى العصيان المدني والإضراب الشامل الذي ثمنته لجان المقاومة وباقي القوى الثورية، مما ساعد في إنجاح هذه الخطوات رغم القمع والبطش، وشاركت أغلب المنظمات العمالية ( كإتحاد الطيارين الذي دعى قواعده للنزول إلى الشوارع وتجمع الصحفين والتشكيليين والمهندسين والتقنيين والمعلمين الذين تعرضوا الى قمع وحشي نتيجة هذا الموقف، بالإضافة إلى باقي الأجسام المهنية الأخرى ) في المقابل تحالف المجلس الإنقلابي ومكونات سلطته والمنظمة الإرهابية الجنجويد بقيادة مجرم حرب حميديتي، و الذين قاموا بارتكاب مجزرة لا تقل عن مجازرهم السابقة، من دار فور مروراً بالقيادة العامة وصولا إلى مليونية 13. حيث قتل فيها أزيد من عشر شهداء و أصيبت أعداد كبيرة، لكن هذا لم يثني الشعب السوداني عن مواصلة الدرب بأكثر جرأة وشجاعة، شباب و كنداكات يواجهون الرصاص بالصدور العارية و الزغاريد، شعارهم الردة مستحيلة والتراجع ليس خيارا، و أن ما في مليشيات بتحكم دولة …
إن هذا الانقلاب أخرج الإنتفاضة السودانية من مأزقها ( أنظر المقال الأول والثاني) وتم تحريرها بعد إعتقالها لمدة سنتين، كما أيقظ الشعب السوداني من نومه وثقته في العسكر، فرغم خيبات الأمل التي أصيبت بها الجماهير من بداية الإنتفاضة إلى اليوم، إلاّ أنها لم تستسلم أو تتراجع لأنها تدرك عودة العسكر إلى مناصب الحكم، وأثبت الشعب الأسمراني كذلك أن القدرات الثورية الخلاقة لدى السودانيين في الداخل والخارج تتخطى كل الخيبات، ليؤكد عزمه على مواصلة الطريق و أعطاها مسار اخر، فبعد أن إشتدت الصراعات الداخلية بين المكون العسكري والمكون المدني التي بدأت منذ الأول حول العديد من الموافق والقضايا (التحقيق في المجزرة 2019 وقضية التطبيع ...) و للإشارة رغم تنصيب الحكومة الانتقالية إلا أن الجماهير لم تتراجع عن الشارع يوما حيث إندلعت سلسلة من الإحتجاجات سنة 2020، وثم إفشال محاولة إنقلابية أولى في شتنبر، ليقوم برهان بخطوة سخر منها الشعب السوداني تمثلت في إعتصام أمام القصر الرئاسي في الخرطوم قبل أسبوع من الإنقلاب وكان من الواضح أن المعتصمين موالين للكيزان (المؤتمر الوطني البائد وحلافئه من جماعات الإسلام السياسي )والمجلس العسكري بهذا تم إفشال جميع الدسائس ولم يعد أمام مجرم حرب إلا الإنقلاب العلني على المكون المدني والحكومة الفاشلة في الأساس إلا أن الشعب ظل متمسك باخياراته، ويرفض العسكر، كما أنه قادر على تغيير قيادته إن أقدمت عن أي تنازل.
مع تزايد الحشود في الشوارع و تتريسها، ذهب برهان ليتمم عملية إعدامه بتشكيل مجلس سيادي مكون من مدنيين وعسكريين، وشارك في هذه الخيانة جبريل و مناوي وعقار مع أعداء الأمس (إنشقاقات و إستقالات واسعة من حركة جيش تحرير السودان) وأعلن المجلس الدموي عن تشكيل الحكومة في الأيام القادمة، أي سياسة فرض أمر الواقع. لكن لسوء حظ برهان وجد مع شعب الاءات، تمرس ومر من عسف الأتراك ومن الأوبئة وبطش الإستعمار الإنجليزي والمجاعات والأنظمة العسكرية والإبادات الجماعية في جبال النوبة ودار فور. إن كل هذا التراكم والتجارب أعطت الشعب السوداني خبرات وقناعات فلاذية جعلته يواجه البرهان والجنجويد بكل بسالة وشجاعة قل نظيرها في المنطقة والعالم خصوصاً في العقدين الأخيرين، وردا على القمع الوحشي الذي مارسته الجنجويد في حق السودانيين يوم 13 نوفمبر، حيث تم الإعلان عن مليونية جديدة يوم 17 من نفس الشهر ضاربة بكل قرارات المجلس عرض الحائط، فتم حشد الهمم وكانت التعبئة واسعة عبر مخاطبات ليلية ومسيرات داخل الأحياء وتتريس الشوارع في أحياء الخرطوم و بحري و أم درمان و عبطرة و مدني و السنار و الفاشر و الأبيض وكذا بور سودان وغيرها من المدن السودانية، لتخرج حشود هائلة يوم 17 بشكل لفت نظر العالم لصمود السودانيين وتنظيمهم رغم قطع الانترنيت (يوجد على صفحتي في الفيسبوك كل الصور والفيديوهات توثق المليونيات ) هذا ما جعل البرهان على يقين أن الجماهير لن تتسامح في دماء أبنائها. لقد واجه (البرهان) الشعب السلمي بأبشع وأشرس الأجهزة القمعية، وراح ضحيتها 15 شهيدا ومئات المصابون ليتعدى هذا باقتحامه منازل الشهداء والتنكيل بأسرهم، وتم إعتقال أعداد هائلة من الكوادر الطبية وتم إقتحام المستشفيات ومنع سيارات الإسعاف من نقل الجرحى لتكتمل جريمة الحرب. ومن بين الشهداء الشهيدة ستو الشابة العاملة التي ثم قتلها على يد الغدر ، وكذلك قتل الطفلة رماز، وهي طفلة لا يتجاوز عمرها 14 سنة وذلك يوم 13 نوفمبر، ويوجد على صفحتي كذلك كل المعطيات والدلائل التي تدين برهان والجنجويد.
الى حدود الساعة لا تزال الجماهير في الشوارع داخل الأحياء المترسة تجسيدا الإضرابات في أغلب المناطق، بالعصيان المدني الناجح رغم وضعية الشعب السوداني الذي يقاتل من أجل قوته اليومي، فرغم قلة الشروط الضرورية للحياة إلا أنه منخرط في العصيان بشكل ملفت للأنظار وهذا ما أثار غضب المحتل برهان، فكيف لا وهو رجل الكيان الصهيوني الغاصب؟ حيث إستعمل أساليب الإحتلال لا تمث بصلة للجيوش الوطنية كما يحدث في هذه الساعة (العاشرة ليلا 19/11/2021) داخل منطقتي المؤسسة و الشعبية بمدينة بحري من مداهمات للبيوت و إعتقالات بالجملة في صفوف القيادة الميدانية (لجان المقاومة) و عسكرة الأحياء وقطع الكهرباء والإنترنت...
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق