حتى لا ننسى أو نتناسى.محاكمة البهائيين بالناظور بداية الستينات.على فقير.
حتى لا ننسى أو نتناسى.
حاوره - عبد العالي زينون:موقع ارفع صوتك
في سنة 1962، شهد المغرب أول ظهور علني للديانة البهائية عبر محاكمة شهيرة، شهدت تدخل الملك الراحل الحسن الثاني شخصيا. يومها، اعتقلت السلطات المغربية 14 شابا من معتنقي الديانة بمدينة الناظور (شمال)، وقادتهم إلى المحاكمة. لم يتردد القاضي في إصدار حكم الإعدام في حق ثلاثة منهم.
محمد كبداني (74 عاما) أحد هؤلاء الثلاثة الذين أدينوا بالإعدام. من مدينة طنجة، يحكي الأستاذ المتقاعد لموقع (ارفع صوتك) تفاصيل قضية هزت المغرب قبل خمسة عقود.
كيف كان الجو العام سنة 1962 التي شهدت اعتقالكم؟
كان الجو المحلي في مدينة الناضور هادئا. كنت قد آمنت بأمر حضرة "بهاء الله" (حسين علي نوري مؤسس الديانة البهائية) رفقة 14 شخصا آخر من المدينة. انتشر خبر ظهور دين جديد في المدينة بسرعة النار في الهشيم. وحينما سمع الناس بالبهائية، تصوروها شيئا خطيرا. كثر القيل والقال حول معتنقي هذه الديانة، إلى أن تم استدعاؤنا من طرف مركز الشرطة للاستنطاق في نيسان/أبريل 1962.
كنا سبعة شباب، بيننا مفتش شرطة كان أول من تم استدعاؤه للتحقيق في مركز الشرطة. بعد ذلك، تم استدعاؤنا من جديد لمقر ولاية الأمن للقاء وفد وزاري أتى من العاصمة الرباط، ليتم استدعاؤنا للمرة الثالثة في اليوم الموالي، وتقديمنا أمام قاضي التحقيق الذي أحالنا إلى المحاكمة بتهم رهيبة.
ما هي التهم التي وجهت لكم؟
وجهت لنا لائحة من التهم تضم المس بأمن الدولة الداخلي، وانتهاك حرمة الشعائر الدينية، وإثارة الفتنة والتبشير وتأسيس عصابة إجرامية، ومخالفة ظهير الحريات العامة المتعلق بتأسيس الجمعيات.
فاجأتنا التهم وأجمعنا على رفضها واستنكارها جملة وتفصيلا. طلبنا لقاء وكيل الملك أو نائبه، لكن ذلك لم يحصل ليتم نقلنا إلى السجن المحلي بمدينة الناظور.
هل سجنتم لوحدكم؟
علم بعض البهائيين في المغرب خبر سجننا، فأتوا لزيارتنا للتأكد من الموضوع، ليلقي عليهم القبض بدورهم، وكان عددهم خمسة أشخاص قدموا من تطوان وآخر فاس. ثم اعتقل مواطن سوري كان يشتغل في المغرب ليصبح المجموع 14 بهائيا وراء القضبان.
تم تفريقنا في السجن إلى ثلاث مجموعات، إذ عزل المواطن السوري لوحده، والإخوة الذين قدموا من تطوان وفاس لوحدهم، فيما تم وضعنا نحن (معتقلو الناظور) في زنزانة أخرى.
أين كان ينحسر وجود البهائيين آنذاك؟
كانوا موجودين في مدن أخرى. لكني لم أكن أعرف أين بالضبط، ما عدا علمي بوجود بعضهم في تطوان أو فاس. علمت بعد مدة بوجودهم في مدن أخرى كالدار البيضاء والقنيطرة والرباط.
كم استمرت المحاكمة، وكيف كانت الأحكام؟
لبثنا في السجن حوالي ثمانية أشهر دون محاكمة، تخللتها جلسات التحقيق الروتينية مع قاضي التحقيق حتى متم شهر كانون الأول/دجنبر (سنة 1962)، حيث كانت المحاكمة التي استمرت لثلاثة أيام.
صدرت الأحكام. فأدين تسعة متهمين وتمت تبرئة خمسة آخرين بسبب عدم توفر الأدلة. وهكذا، حكم على ثلاثة منا بالإعدام، وهم مفتش الشرطة والمواطن السوري وأنا. وحكم على خسمة أشخاص بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، وشخص واحد بـ15 سنة. وتمت تبرئة الباقين.
كيف كان وقع قضيتكم على الرأي العام المغربي؟
كانت قضية البهائيين سببا في ظهور حوار اجتماعي على المستوى الوطني. انطلق نقاش بين رواد الفكر آنذاك، فقد ظهر تيار أول أدان المتابعين بل طالب بتنفيذ حكم الإعدام في أقرب وقت، وتيار ثان عارض الأحكام وانتصر لمسار الحريات.
من دافع عنكم من رجال السياسة والفكر آنذاك؟
أتذكر أن شخصا يقال له عبد السلام حاجي دافع عنا في وسائل الإعلام وقال "إذا اعتبرتموهم مذنبين، اسجنوا جميع ذوي الضمائر من المغاربة المطالبين بحرية المعتقد وإذا أعدمتموهم، فتعالوا أعدموني". كما وقف إلى جانبنا مواطنون مغاربة اعتبروا الأحكام ظالمة.
وأتذكر أن أسرنا وكلت محاميا للدفاع عنا لكنه رفض، لأن المحامي يقع تحت الضغط الاجتماعي، والمجتمع يعتبرنا "كفارا" وبالتالي من يدافع عنا سيكون كافرا مثلنا.
أحس بهائيو المغرب أنهم جميعا مستهدفون، فوكلوا محاميا آخر للدفاع عنا، كما فرض الأمر على الجامعات البهائية اتخاذ موقف من القضية فلم يجدوا غير مكتب المحامي عبد الرحيم بوعبيد (زعيم يساري معروف) الذي تكفل بالدفاع عنا.
هل كنتم تلتئمون في اجتماعات سرية دون علم السلطات؟
في البهائية، إذا وجد تسعة أشخاص بهائيين يفوق عمرهم 21 سنة، فإن ذلك كاف لتشكيل محفل روحاني محلي يتولى شؤون البهائيين، وتنظيم الضيافة التسع عشرية التي يتم فيها مناقشة أمور البهائيين.
هل كان ذلك يعتبر اجتماعا سريا؟
نحن نقوم بممارسة أحكام ديننا بشكل عادي ولا نعتبر الأمر عملا سريا (...) ولكن في نفس الوقت، لا يمكنني أن أعرف كيف كان ينظر الناس إلينا أو كيف كانت تعتبرنا الدولة. وربما لم يكن أحد يعلم كيف يتم تنظيم أمور البهائيين. لكن في الوقت الراهن أصبح الأمر معروفا وعاديا لدى الجميع. صحيح أننا لا نخرج للشارع للحديث مع الناس أو نشر الديانة، لكننا نمارس ديننا بشكل علني ومعروف لكل معارفنا ومحيطنا.
هل تعرضتم للتعذيب أو سوء المعاملة خلال الاعتقال؟
أبدا، لم يحصل أي شيء كهذا. وكما تعلم فإن مدينة الناظور كانت حاضرة صغيرة يسكنها فقط 20 ألف نسمة، وكان الجميع يعرف ماذا يجري في المدينة، بما في ذلك الموظفون أصدقاؤنا الذين فوجئوا بقضيتنا.
زار الحسن الثاني الولايات المتحدة الأميركية بعد صدور الحكم (الابتدائي) وطرحت عليه قضية محاكمة البهائيين في المغرب. فصرح بأن قضاء المغرب مستقل، وأنه إذا ما تم تثبيت الحكم الابتدائي خلال مرحلة الاستئناف، فإنه سيستعمل صلاحياته ويصدر عفوا عنا.
لم نصل إلى هذه المرحلة، فعندما تم عرض القضية على أنظار المجلس الأعلى للقضاء (محكمة النقض) وبعد النظر فيها أصدر حكمه، وفق الصيغة القانونية التي تقول بأنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، فتمت تبرئة جميع البهائيين بدون استثناء، وهكذا لم نصل إلى مرحلة العفو الملكي.
كم قضيتم في السجن إلى حين تبرئتكم؟
ثمانية أشهر قبل المحاكمة، ثم مثلها في السجن بعد صدور الأحكام وتقديم طلب النقض. وفي تلك المدة تم نقلنا من السجن المحلي بالناظور إلى سجن القنيطرة المركزي حيث تم وضعنا في جناح المحكومين بالإعدام.
بعد خروجكم، هل تعرضتم لمضايقات أو تعليمات بعدم إثارة قضية البهائية من جديد؟
لا، لم نتعرض لأي مضايقة أو توجيهات أو ضغوط. لم يتصل بنا أحد، نعيش حياتنا بشكل عادي. عدت لعملي وعاد آخرون، وما يمكن قوله هو الدولة آنذاك احترمت القانون ولم تحرم أحدا من وظيفته الرسمية. وما يمكن قوله أيضا هو أن قضية البهائيين ساهمت في خلق نقاش مجتمعي حول الحقوق والحريات وبخاصة حرية المعتقد في المغرب.
أغرب محاكمة عرفها الناظور: "البهائيون"..خيوط قصة خلال سنوات الستينيّات وانتهت بأحكام قاسيّة
إنه من الصعب للغاية البحث في ثنايا موضوع كمثل البحث فيما عرف بقضية محاكمة "البهائيون"، والتي تعود أطوارها إلى بداية سنوات الستينيات من القرن الماضي، وبالضبط سنة 1963 في إطار محاكمة شهدت فصولها مدينة الناظور، وخلفت الكثير من الجدل السياسي والقانوني والفقهي.
كيف بدأت هذه القضية؟ وما هي حقيقة ما يعرف بقضية "محاكمة البهائيون" بالناظور؟ وما هي حدود القضائي والقانوني والسياسي في هذا الملف بعد أن أصدرت المحكمة أحكام قضائية في حق 13 عناصر منهم مواطن سوري، وتمثلت في الحكم على 3 منهم بالإعدام، و5 بالمؤبد مع الأشغال الشاقة، ومنهم من حوكم 15 سنة سجنا نافذا، في قضية لا زالت تستأثر باهتمام الكثير، ودخل على خطها كل من علال الفاسي وزير الشؤون الإسلامية آنذاك، والملك الحسن الثاني؟
في جذور البهائيّة وانتشارها بالمغرب
تجمع مختلف الكتابات والدراسات التي تناولت جذور نشأة "البهائية" على أن ظهورها يعود إلى القرن التاسع عشر ك "ديانة" برزت على يد حسين علي التوري بهاء الدين، وانتشرت بعد ذلك خارج إيران ودول إسلامية أخرى، رغم أن أغلب هذه الدول ظلت تحارب "البهائية". كما أنها حققت انتشاراً في أزيد من 100 بلد عبر العالم. كما أن لها تمثيلية غير رسمية في العديد من المنتديات والمنظمات الأمميّة. ومن مبادئ البهائية التأكيد على الوحدة الروحية بين البشر. كما يؤمن البهائيون بوحدة المنبع الإلهي لأغلب الديانات الكبرى الموجودة في العالم، ويعترفون بمقامات مؤسسيها وبأنهم رسل من الله، ومنها المسيحية، الإسلام. والزردشتية اليهودية ويعتقدون بأن جميع هذه الديانات جاءت لهداية البشر أينما كانوا عبر العصور، وبأنها نشأت في مجتمعات كانت تدين بديانات سابقة وبنت الواحدة على الأساس الذي وضعته الأخرى. وهذا أحد أهم المعتقدات البهائية التي تقوم على أساسها علاقتها بالأديان الأخرى وأتباع هذه الأديان.
أما بالنسبة للمغرب، فجذور ظهور "البهائية" تعود كما يبدو في غياب معطيات مضبوطة، إلى نهاية الخمسينيات وتحديداً مع بداية سنوات الستينيات، وهي اللحظة التي تؤرّخ لمحاكمة مجموعة "البهائيون" سنة 1962 بالناظور، حيث عرف الدين "البهائي" انتشاراً في مدن الشمال أساسا، كتطوان وطجنة، ثم مكناس على يد مواطنون سوريون وإيرنيّون.
وقد برزت هذه القضيّة على الساحة، بعدما أشارت تقارير صحفية إلى وجود مغاربة يعتنقون البهائية (البهائيون المغاربة). كما أشارت تقارير أخرى إلى وجود حوالي 1000 مواطن مغربي ممّن يعتنقون هذه "الديانة".
محاكمة "البهائيّون" بالنّاظور: إعدام وسجن وأعمال شاقة
خلال السنوات الأولى لبروز "البهائية" بالمغرب، وخصوصا بالمدن الشمالية المذكورة، سيكتشف الرأي العام وجود مغاربة "بهائيون"، نسبة إلى "بهاء الدين" من خلال محاكمة 13 فرادا سنة 1962 بمدينة الناظور. علاوة على مواطن آخر سوري اتهم بنشره هذه "الديانة" وكان صك الاتهام محدّداً في "الإخلال بالأمن العام" وإثارة الفتنة و"التبشير" في ظل صدور دستور سنة 1962 الذي منع نشر الديانات وحدّد دين المغاربة في الإسلام، ذلك أنه خلال السنة نفسها شهدت مدينة الناظور محاكمة 13 شابا مغربيا من نفس المدينة ومن مدن الشمال ومواطنا سوريًّا يذكر أنه كان موظفا ويشغل منصب مدير تعاونية الصناعة التقليدية بمدينة فاس، وهي المحاكمة التي أصدرت خلالها المحكمة أحكام تتمثل في الحكم على 3 أفراد منهم بالإعدام و5 بالمؤبد مع الأشغال الشاقة ومنهم من حوكم 15 سنة سجنا نافذا.
من جهة أخرى، فقد ألقت أطوار هذه المحاكمة بظلالها على الحقل السياسي والفقهي والقانوني آنذاك، لاسيما بين علاّل الفاسي الذي كان عضوا في الحكومة كوزير للشؤون الإسلاميّة، وبين رضا اكديرة كوزير للداخلية، وهو الجدل الذي كان مُتمحوراً حول الأسس القانونية التي يمكن الاستناد إليها والخلفيات المؤسِّسَة لأحكام الإعدام، قبل أن يحسم هذا الأمر بإصدار الأحكام المشار إليها، بتزكية من الملك الحسن الثاني الذي صرّح أن الفصل السادس من الدستور يمنع "التبشير بالديانات والمذاهب المخالفة للإسلام". كما تجندت أسماء أخرى ودخلت على خط تداعيات هذه المحاكمة، لاسيما الشخصيات المحافظة التي ضغطت في اتجاه إصدار أحكام قاسية في حق المغاربة "البهائيون"، وهي الأحكام التي وصلت حد إصدار عقوبة الإعدام. كما تم تشويه حقيقة هذا الانتماء المذهبي عبر صحف حزب الإستقلال والأوساط التقليدية والمحافظة.
بعد أن حسمت المحكمة أمر محاكمة أتباع "البهائيّة"، تزامن ذلك وزيارة الحسن الثاني إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة حيث طرح عليه الملف من طرف الأمريكان وخلال اللقاءات الصحفية، قبل أن يصرح الملك أنه سيتدخل من خلال آلية العفو للإفراج على المحكومين، وهو ما تم بعد ذلك. كما أن إيران طالبت بتسليم هؤلاء المغاربة وعدم محاكمتهم، قبل أن يستدل الستار على قضيّة ظلت محدودة التداول والبحث ويطوى ملف محاكمة "البهائيون" خارج نطاق حرية الاعتقاد.
ورغم ذلك، يبقى من الصعب لحد الآن البحث عن مختلف العناصر والمعطيات التي تشكل حقيقة هذه المحاكمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق