جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

هذا_هو_الإنسان...عن موت خالد بونو* الرفيق عامر السدراتي

 الرفيق عامر السدراتي عضو المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للتعليم_التوجه الديمقراطي و رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بشفشاون يكتب حول الموت في رثاء الفقيد الغالي للجامعةFNE والجمعيةAMDH :

هذا_هو_الإنسان
دأبت على كتابة بضعة أسطر بمناسبة وفاة كل صديق عزيز. أكتب ﻷتحدى شبح الموت الغادر، وﻷرسخ صورة ضحاياه في الذاكرة. سلاحي قلمي، لكن موت خالد بونو، شل يدي وجمد الدم في عروقي. ماذا سأكتب عنك يا خالد؟
سأبدأ من النهاية، لقد دُفن جثمانه يوم الجمعة 14 يناير 2022 بالدار البيضاء. وتوفي يوم اﻷربعاء ببيته، بعد خروجه نظيفا من الحمام. وآخر جلسة جمعتني به كانت ليلة الإثنين 10 يناير، حيث تحدثنا عن المرض الذي ألم بأخيه القاطن بكندا، وعن السينما الإيطالية والأمريكية والفرنسية. وعندما حدثته عن فيلم شاهدته حول أحد الفلاسفة، تعجب ﻷنه لم يطلع عليه، وقال بأنه سيبحث عنه ليشاهده.. ولا أظن أن القدر أمهله.
يبدو لي أن هذه اللغة التقريرية لا تلائم المقام. ﻷنك يا خالد اسم على مسمى، فأنت ليست فانيا مثلنا نحن البشر. أنت نسر تحلق روحه عالياً في عالم المثل حيث الخير والحقيقة والسكينة وباقي القيم السامية، وبين الفينة والأخرى كنت تزورنا في الكهف. وفي الهزيع اﻷخير من الليل، كنت يا بروميثيوس تقدم لكل واحدٍ منا قبسا من النار التي تسرقها خلسة من اﻷعالي. كنا نتحلق حولك لننال نصيبنا من النور الذي يشع من عينيك، كلّ حسب حاجته وكل حسب طاقته. وفي تلك الجلسات المقدسة، تنفتح المحادثة على مصراعيها، فتطوف بنا يا خالد في رحاب التاريخ والجغرافيا واﻷدب والفلسفة والفن وفي باقي بقاع المعرفة. أنت بحر العلوم، أنت موسوعة مفتوحة تقلب الرياح أوراقها، أنت رمز للحرية والصداقة والكرم والتضحية والإنسانيّة.
أنت سيزيف من نوع آخر، متمرد يحمل صخرته الثقيلة بكل فرح وسرور. لكنك في صباح يوم اﻷربعاء 12 يناير 2022، قررت أن تضع الصخرة على قمّة الجبل دون أن تُخبر أحداً. وكذلك تفعلون يا أيها الراحلون. ﻷول مرة أشاهد جسدك الطاهر يغادر بيته دون أن تطأ قدماه الأرض! قلت ﻷحد رفاقي: لماذا لم يترك خالد معرفته في كيس لنوزعها على المعوزين؟ فأجابني، بأن سقراط لم يترك أثراً مكتوباً! وهل كان خالد سقراطا كذلك؟
صباح يوم الخميس، تجمع العشاق في المستشفى لتقديم واجب العزاء ﻷم خالد وأخته وزوجها وابنهما. منهم من ألقى نظرة أخيرة على محياه، أخبرني بعضهم بأن وجهه كان هادئاً مشرقاً، كأنه مبتسم أو سيبدأ الكلام. كان العشاق يبحثون عنه بسذاجة، أما هو فقد ترك جسده بينهم وانصرف إلى حال سبيله. لقد أدركت المغزى من ابتسامته، إنها تعبير عن نشوة الانتصار.
قصارى القول، أن القول قد يشفي لكنه لا يجدي. ولا قدرة لنا على فقدانك المباغث والأبدي، يا من كنت لنا سنداً وجدانيا ومعرفيا. لكن، ماذا عسانا أنّ نفعل، قذف بنا جميعاً هنا لكي نموت فجأة بعد حين. تتساقط أوراق شجرة أصدقائنا، الواحدة تلو الأخرى. لكن أوراقا أخرى تخلفها، وهكذا هي الحياة...
تبا للموت والرداءة والقبح..
تبا للشر.
دأبت على كتابة بضعة أسطر بمناسبة وفاة كل صديق عزيز. أكتب ﻷتحدى شبح الموت الغادر، وﻷرسخ صورة ضحاياه في الذاكرة. سلاحي قلمي، لكن موت خالد بونو، شل يدي وجمد الدم في عروقي. ماذا سأكتب عنك يا خالد؟
سأبدأ من النهاية، لقد دُفن جثمانه يوم الجمعة 14 يناير 2022 بالدار البيضاء. وتوفي يوم اﻷربعاء ببيته، بعد خروجه نظيفا من الحمام. وآخر جلسة جمعتني به كانت ليلة الإثنين 10 يناير، حيث تحدثنا عن المرض الذي ألم بأخيه القاطن بكندا، وعن السينما الإيطالية والأمريكية والفرنسية. وعندما حدثته عن فيلم شاهدته حول أحد الفلاسفة، تعجب ﻷنه لم يطلع عليه، وقال بأنه سيبحث عنه ليشاهده.. ولا أظن أن القدر أمهله.
يبدو لي أن هذه اللغة التقريرية لا تلائم المقام. ﻷنك يا خالد اسم على مسمى، فأنت ليست فانيا مثلنا نحن البشر. أنت نسر تحلق روحه عالياً في عالم المثل حيث الخير والحقيقة والسكينة وباقي القيم السامية، وبين الفينة والأخرى كنت تزورنا في الكهف. وفي الهزيع اﻷخير من الليل، كنت يا بروميثيوس تقدم لكل واحدٍ منا قبسا من النار التي تسرقها خلسة من اﻷعالي. كنا نتحلق حولك لننال نصيبنا من النور الذي يشع من عينيك، كلّ حسب حاجته وكل حسب طاقته. وفي تلك الجلسات المقدسة، تنفتح المحادثة على مصراعيها، فتطوف بنا يا خالد في رحاب التاريخ والجغرافيا واﻷدب والفلسفة والفن وفي باقي بقاع المعرفة. أنت بحر العلوم، أنت موسوعة مفتوحة تقلب الرياح أوراقها، أنت رمز للحرية والصداقة والكرم والتضحية والإنسانيّة.
أنت سيزيف من نوع آخر، متمرد يحمل صخرته الثقيلة بكل فرح وسرور. لكنك في صباح يوم اﻷربعاء 12 يناير 2022، قررت أن تضع الصخرة على قمّة الجبل دون أن تُخبر أحداً. وكذلك تفعلون يا أيها الراحلون. ﻷول مرة أشاهد جسدك الطاهر يغادر بيته دون أن تطأ قدماه الأرض! قلت ﻷحد رفاقي: لماذا لم يترك خالد معرفته في كيس لنوزعها على المعوزين؟ فأجابني، بأن سقراط لم يترك أثراً مكتوباً! وهل كان خالد سقراطا كذلك؟
صباح يوم الخميس، تجمع العشاق في المستشفى لتقديم واجب العزاء ﻷم خالد وأخته وزوجها وابنهما. منهم من ألقى نظرة أخيرة على محياه، أخبرني بعضهم بأن وجهه كان هادئاً مشرقاً، كأنه مبتسم أو سيبدأ الكلام. كان العشاق يبحثون عنه بسذاجة، أما هو فقد ترك جسده بينهم وانصرف إلى حال سبيله. لقد أدركت المغزى من ابتسامته، إنها تعبير عن نشوة الانتصار.
قصارى القول، أن القول قد يشفي لكنه لا يجدي. ولا قدرة لنا على فقدانك المباغث والأبدي، يا من كنت لنا سنداً وجدانيا ومعرفيا. لكن، ماذا عسانا أنّ نفعل، قذف بنا جميعاً هنا لكي نموت فجأة بعد حين. تتساقط أوراق شجرة أصدقائنا، الواحدة تلو الأخرى. لكن أوراقا أخرى تخلفها، وهكذا هي الحياة...
تبا للموت والرداءة والقبح..
تبا للشر.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *