جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

غازي الصوراني - بزوغ التنوير العقلاني وفلسفة الحداثة في أوروبا

 غازي الصوراني - بزوغ التنوير العقلاني وفلسفة الحداثة في أوروبا.....................

كان "التنوير" هو الصيحة المتقدمة جداً في ذلك العصر، التي اجمع فلاسفة فرنسا على اطلاقها في تلك الايام، وخاصة فولتير الذي " أعلن الحرب على التعصب وعدم التسامح الديني، الذى استعبد أوروبا آلاف السنين، كان يقول: "كفى حرق الكتب، والإطاحة برؤوس الفلاسفة، وإعدام الأبرياء، بحجة أنهم يدينون بديانات مختلفة، هذا عار يجب أن يُمْحَى، الإنسان يجب أن يتحرر من خرافات العصور الوسطى، ومن سلطة الحكومة الدينية. الإنسان يجب أن يحكم بالحجة والعقل".
على أن "فرنسا" لم تكن، تعيش وحدها في ذلك العالم، فثمة جارة لها، هي انجلترا، كانت قد فجرت ثورة عظيمة في نظامها الاجتماعي والسياسي والاخلاقي في القرن السابع عشر، وأنجبت فلاسفة عظاماً فجروا هم بدورهم أيضاً ثورة موازية في الفلسفة، فلماذا لا يتعرف فلاسفة فرنسا عليها، وينقلون عن فلاسفتها ما أبدعته عقولهم الجبارة، لا سيما وان التنوير الانجليزي يمثل في مجمله حركة الفكر الاجتماعي البورجوازي الصاعد الذي أخذ التنوير الفرنسي يتلمس طريقه اليه؟.
الواقع ان فلاسفة التنوير الفرنسي (جان جاك روسو والموسوعيين أمثال هلفثيوس وهولباخ وغيرهما) وجدوا في الفيلسوفين الانجليزيين "لوك" و"نيوتن" ضالتهم المنشودة، فقد تساءل الفرنسين: "إذا كانت الطبيعة البشرية خيرة، كان الناس متساوين فيها تماما كما يقول "لوك"، فلماذا نرى الناس غارقين في بحر من الآثام والشرور، ويقوم بينهم تمايز صارخ في مواقعهم الاجتماعية والسياسية؟
والحق ان "لوك" نفسه هو الذي هداهم، من حيث لا يدري، إلى الجواب الصحيح، فقد أوحت لهم اجابته عن السؤال (إذا كان العقل صفحة بيضاء، فكيف يكتسب المعرفة؟) بالحل لتلك المفارقة، فاجابته التي قال فيها (إنني أجيب عن هذا السؤال بكلمة واحدة: التجربة، فبالتجربة وحدها تتكون كل معارفنا)، جعلتهم يتساءلون قائلين: "إذا كان كل ما في الإنسان مَرَدَّهُ إلى التجربة، فلماذا لا تكون البيئة البشرية – التي هي ميدان تجربة الإنسان الاجتماعية- هي المصدر الوحيد لكل تلك الشرور، وكل ذلك التمايز الصارخ؟ أي لماذا لا يكون مَرَدْ ما هو شر في أفعال الناس، ومَرَدْ التمايز الاجتماعي فيما بينهم، إلى تربية وبيئة اجتماعية فاسدتين، طالما أن طبائعهم هي في الاصل خَيِّرَة ومتساوية تماماً".
"صحيح أن المنورين الالمان ناضلوا من أجل انتصار العقل، والفلسفة القائمة على العقل، وسعوا، كذلك، إلى حل النزاع، القائم بين الايمان والعقل، لصالح الاخير، ودافعوا عن مشروعية النقد العلمي لمسائل كانت تعتبر، حتى ذلك الحين، وقفا على اللاهوت، لكن هؤلاء المنورين لم يتمتعوا بتلك الروح الثورية، التي أشرنا إليها عند المنورين الفرنسيين، ذلك إن التنوير الألماني لم يكن يهدف إلى النضال ضد الدين لصالح العقل، بقدر ما سعى إلى ايجاد حل وسط بين المعرفة والايمان، بين العلم والدين".
يقول د.حامد خليل قائلاً: "الواقع أنه كان هناك موقفان رئيسيان تجاه الأفكار البورجوازية: موقف هيجل الرامي إلى تهذيبها وتعقيلها بعد أن أسرفت في اطلاق القوى الاقتصادية من عقالها، وموقف ماركس الداعي إلى اعلان سقوطها، وتجاوزها، وطرح أفكار جديدة بدلاً منها.وهكذا يصبح القرن التاسع عشر عصر الامتحان الكبير كما نقول، وأيضاً عصر التحول الخطير بالنسبة إلى مشكلة الإنسان".
في هذا السياق ، لا بد لي من الاشارة إلى حادثتين رئيسيتين أعتقد انه بسببهما قبل سواهما حدث التحول صوب التنوير والحداثة: الأولى هي انتشار فكرة التطور على نطاق واسع جداً وما رافق ذلك من ظهور علوم تدور في هذا الاتجاه. أما الثانية فهي قيام الثورة الصناعية الكبرى.
صحيح، فيما يتعلق بالحادثة الأولى، أن كتاب دارون "اصل الانواع" لم يظهر الا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لكن ذلك لا يعني أن العقل الأوربي لم يكن قد تشبع بفكرة التطور قبل ذلك التاريخ بكثير. فالمعروف أن المفكرين الأوربيين توصلوا في ذروة عصر التنوير إلى مفهوم عن التقدم لا يخص الإنسان وحده، وانما يتسع ليشمل المجرى الكوني بكامله، والحق أن "ظهور علوم الحياة عزز من ترسيخ فكر التطور المذكورة، وتوجيهها وجهة جديدة، فالمبادئ الآلية التي كانت تعتمد في التفسير في العلوم الطبيعية، أخذت تغزو علوم الحياة، وقد كانت هذه نقطة تحول خطيرة سيكون لها تأثير كبير على علم الإنسان.
وبالتالي فإن التفكير العلمي بحكم تكوينه الداخلي يدخل في تصادم مع جميع العقائد الدينية والفلسفية، بما في ذلك عقيدة التنوير التي يشكل أساسها. لكن صدامه مع عقيدة التنوير ليس تناحريا. إنه أقرب إلى التوتر الخلاق منه إلى التناحر، وعلينا ألا ننسى هنا أن إحدى الوظائف الرئيسية لعقيدة التنوير هي حماية العلم من الآيديولوجيا اللاعقلانية والدفاع عنه".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *