غازي الصوراني - عن الاستغلال الطبقي .....
غازي الصوراني - عن الاستغلال الطبقي .....
نشأ الإنتاج السلعي الرأسمالي تاريخياً من الإنتاج السلعي البسيط, ليصبح الإنتاج لسلع أي لمنتجات معدة للبيع في السوق, وليس للاستهلاك الشخصي، وبالتالي فإن أساس الإنتاج السلعي الرأسمالي هو العمل المستأجر مقابل أجر، كما يفترض الإنتاج الرأسمالي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والتقسيم الاجتماعي للعمل. وبقدر تطور التقسيم الاجتماعي للعمل سعة وعمقاً يتطور الاقتصاد السلعي الرأسمالي وفق الصيغة التالية : نقود- سلعة- نقود أكثر، من خلال تراكم الاستيلاء على فائض القيمة، أو الاستغلال أو الاستلاب الناشئ عن الانتاج السلعي.
إن الاستغلال أو الاستلاب الرأسمالي يتحقق من خلال حقيقة بسيطة، هي كون العامل قادراً على خلق قوة عمله, وعلى تجديدها, وعلى العمل مدة أطول مما تسمح قوته فعلاً.وهكذا تعتبر قوة العمل سلعة ممتدة, تجعل الرأسمالي (خاصة في مجتمعاتنا الفقيرة) ، يطيل ساعات العمل أو يزيد من حدة وكثافة العمل ليحصل على إنتاج أكبر بنفس الأجر. والفرق بين ما يحصل عليه العامل من أجر فعلاً وما أنتجه من قيمة فعلاً هو فائض القيمة, يذهب إلى جيوب الرأسمالي وحده.
وإذن فالعامل يقدم نوعين من العمل: عملاً أصلياً يتلقى عنه أجره بالكامل وهذا هو العمل الضروري- وعملاً إضافياً لا يتلقى عنه أجراً, وهذا هو العمل الفائض الناجم عن الاستلاب.
بهذا أتوصل إلى البديهية التي تقول : إن الطابع الفردي للملكية، والطابع الاجتماعي للانتاج ، سمة رئيسه من سمات المجتمع الرأسمالي، وهي تستند بدرجة أساسية إلى الانتاج أو العمل السلعي وملكية وسائل الانتاج، التي تحدد بدورها مجمل العلاقات الاجتماعية في إطار ثنائية تناقض رئيسي بين الملكية الخاصة من جهة، وبين كل العاملين المنتجين للسلعة من جهة ثانية، وهذه الثنائية المتناقضة في المجتمعات الرأسمالية بما تفرزه من شعور لدى العامل بالظلم والاضطهاد وتحول دون تملكه لانتاج عمله، ودون تملكه لحريته واستقلاله الذاتي، أدت إلى توليد وخلق الظروف التي يترعرع وينشأ فيها الشعور بالاستلاب، وطالما استمرت هذه العلاقة بين مالك وسائل الانتاج والعمال المنتجين ، ستظل ظاهرة الاستلاب قائمة في جوهرها، على الرغم من تباين اشكالها الخارجية وممارستها المختلفة في ظروف القرن التاسع عشر عن القرن العشرين عن القرن الحادي والعشرين في إطار تطور الرأسمالية بتأثير التطور الهائل في العلوم والتكنولوجيا والاتصالات أو ما يعرف بثورة المعلومات، التي أفرزت بدورها (في البلدان الرأسمالية المتقدمة) مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الزراعة ، ومجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الصناعة، تمثله الثلاثية التاليه : مجتمع المعلومات، ومجتمع المعرفة كأهم مورد للتنمية الاقتصادية ، ومجتمع التعلم والذكاء البشري، ومازالت هذه "المجتمعات" محصورة ضمن ما يعرف بالدول الصناعة الثمانية (G .
لكن على الرغم من تقدم دور التكنولوجيا والاختراعات العلمية والمعرفة في تراكم وتوسع رأس المال المالي العالمي ، إلا أن الانتاج السلعي يظل أحد أهم سمات النظام الرأسمالي عموماً، وفي البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبلادنا العربية خصوصاً، ويظل بالتالي مصدراً رئيساً للاستلاب والاستغلال ليس على صعيد الاستغلال أو الاستيلاء على القيمة الزائدة من العامل/البروليتاري من قبل صاحب العمل فحسب، بل انتشار ظاهرة الاستيلاء على فائض القيمة للشعوب الفقيرة والاستيلاء على ثرواتها ومقدراتها كما هو حال الأوضاع الاقتصادية لهذه الشعوب في مرحلة العولمة الراهنة.
هناك مليار شخص دخلوا في القرن الواحد والعشرين وهم غير قادرين على القراءة أو توقيع أسمائهم .ويعيش اليوم 1.3 مليار شخص بأقل من دولار في اليوم و3 مليارات شخص بأقل من دولارين. وهناك 1.3 مليار شخص لا يصل إليهم الماء النظيف و 3مليارات لا تصل إليهم خدمات المجاري وملياران لا تصل إليهم الكهرباء، ويوجد في المجتمعات النامة 800 مليون شخص لا يحصلون على الطعام الذي يكفيهم، بينما هناك 500 مليون يعانون، بصورة مزمنة، سوء التغذية و 17 مليوناً يموتون كل عام من أمراض لا شفاء منها...بالاضافة الى(27) مليون شخص يعانون العبودية على الرغم من نبذها قبل 200 عام.
في ضوء هذه الوقائع ، أصبح من غير الممكن التعاطي مع هذه المتغيرات أو فهمها أو الاقتراب منها دون فهم واستيعاب ظاهرة التخلف والتبعية من جهة، وظاهرة العولمة الرأسمالية باعتبارها الإطار المرجعي لكل هذا الاستغلال والاستلاب والهيمنة من جهة ثانية.
أخيراً ، إن رأس المال لا يعرف السكون، وإذا ما تعرض لأي شكل من أشكال التوقف أو السكون، فإنه يكف عن كونه رأسمالاً، إذ أن الحركة والنشاط الدائمين من خلال عملية الانتاج المادي السلعي، يشكلان المصدر الأساسي الوحيد لتراكم رأس المال عبر مراكمة القيمة الزائدة أو فائض القيمة والاستيلاء عليها، ومن ثم تبلور وتحقُقْ عملية الاستغلال (أو الاستلاب) الذي يتلخص تعريفه في كافة الموسوعات العلمية كما يلي: الاستغلال هو الاستيلاء على فائض القيمة.
بناءً على ذلك، فإن الاستلاب أو الاستغلال يمكن تحديده علمياً حسب كارل ماركس في أنه يتيح فصل معسكرين فصلاً بيّناً: المستغِلّين الذين ينهبون فضل القيمة (القيمة الزائدة) ، والمستغَلَين (بفتح الغين) الذين ليس لديهم ما يبيعونه سوى قوة عملهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق