أزمة التعليم هي أزمة مثقفين :ابو علي بلمزيان
أزمة التعليم هي أزمة مثقفين : " وأهل الثقافة يلتقطون ذباب المقاهي وفي موج قهوتهم يبحرون.."
التعلم في القسم بالمعكوس classe inversée
ليس هناك وصف يليق بحالة نظامنا التربوي سوى أنه تعرى وأصبح عاجزا على مسايرة التطور الذي شهده حقل التعلم والبيداغوجية..
ويجب في البداية أن نسلم بأن البشر ينقسم إلى ثلاث فئات : هناك من يفكر وهناك من يعمل وهناك من لا يفعل شيئا ..
في ما مضى كان هناك مفكرين مهنتهم هي التفكير وإنتاج أنساق فكرية وثقافية كبرى لصالح المجتمعات الإنسانية، ولما تراجع دور هذا النمط من المثقفين لم يجد رجل التربية ورجل السياسة المناهل التي تساعده على حل المعضلات المطروحة ، وهنا نستحضر الدور الذي لعبه الراحل الدكتور محمد عابد الجابري في إنتاج بعض الكتب التربوية، لأن من يفكر يكون له عتاد فكري شامل في مختلف المجالات الاجتماعية تساعده على تسليط الأضواء على المعضلات الكبرى التي تصادف المجتمعات في طريق نموها وتطورها.
ولعل الجدل الدائر حول الأزمة المستديمة ناتجة عن هذا الفراغ المشار اليه الذي تركه هذا الصنف من المثقفين ناهيك عن الاديولوجية الرقمية التي سطحت العقول وأفرغت ذاكرة البشر من القدرة على التفكير، بعدما أتاحت له المواقع الرقمية مساحات للتخزين خارج العقل البشري الذي أصبح خاملا وكسولا، وهذا يبين عجزنا عن الاستفادة من هذا التطور التكنولوجي.
لقد برز منذ سنوات في أمريكا والدول الأوروبية نمط من التعلم سمي بالقسم المعكوس " الدروس في المنزل والتطبيق في المدرسة " ، وحقق هذا النمط نجاحا كبيرا ، فرجل التعليم عندهم يضع خارطة الطريق للسنة الدراسية وينجز فيديوهات قصيرة واستمارات ونصوص وأسئلة من أجل تحضيرها من قبل المتعلم في المنزل بعد أن يكون قد أنجز موقع في الانترنيت يكون في علم بكل التلاميذ، وفي هذه الحالة فإن القسم ينحصر دوره في التطبيق وإنجاز المسائل المتعلقة بالاشكلات والقضايا التي تتطلب الحل والذي لم يتمكن التلميذ من حلها بنفسه، مما يعطي للأستاذ إمكانية التقرب أكثر من التلاميذ والاطلاع على مشاكلهم الدراسية والصعوبات التي يعانون منها ومساعدتهم على حلها.
هذا النمط من التدريس يعلم للتلميذ كيف يتمكن من تثبيت استقلاليته، والاعتماد على نفسه وبذل المجهول الذاتي ، وفي نفس الوقت يساهم في ربح الزمن ويعطي للمتعلم فرصا أكبر من أجل كسب المعارف ويزيد من دور الأستاذ الذي يتحدد دوره في مرافقة تلاميذته عن قرب، ويلغي ذلك الهوس والخوف الذي يستبد بالتلاميذ وهم مقبلون على الامتحانات، وغالبا ما تجدهم لا يفكرون إلا في طريقة الغش والحيل.
خلاصة القول ان الأزمة التي يتخبط فيها التعليم عموما ناتجة عن غياب التنظيرات الفكرية الكفيلة باستيعاب التحولات والمستجدات التي طرأت على عقول الناشئة وتوجيهها التوجيه السديد لبناء جيل المستقبل، لقد كان الفلاسفة هم من يقوم بهذا الدور سابقا، لأنهم الفئة الأكثر اطلاعا على مختلف المستجدات والابداعات الحاصلة في العلوم الاجتماعية والسيكولوجية ، ولما تراجع دور هؤلاء أو كاد يمحي من الوجود حصل هذا الفراغ زاده تعمقا انحراف العديد من المثقفين عن دورهم وانصرافهم بدروهم إلى نوع من البوليميك والسباحة في أبراجهم العالية، هؤلاء أفرد لهم الشاعر الكبير نزار القباني مقاطع مثيرة من قصيدته المعنونة بالثقب قائلا: " ..فأهل السياسة لا يقرؤون ولا يكتبون، وأهل الثقافة يلتقطون ذباب المقاهي وفي موج قهوتهم يبحرون.." وليس لدينا القدرة على إنتاج الخطاب الذي يحترف الابداع ...
ب.ع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق