الخيال الفسيح منبع الابداع؟ابو علي بلمزيان
الخيال الفسيح منبع الابداع؟
الابداع مصدره القدرة على الخيال الفسيح ، والعرب أسبق في هذا المجال من حيث اكتشافهم للخيال ولهم في تاريخهم انتاجات هائلة، لكنهم لسوء حظهم وظفوه في التفنن في البكاء على الاطلال والتغزل بجسد المرأة : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ..متيم اثرها لم يجز مكبول! لكن بالمقابل فإن الغرب الذي قدس العقل والخيال العلمي بقي أسير انتاجات واكتشافات الاولون من المبدعين ، فلم يشهد لحد الان سوى استهلاك الاكتشافات السابقة باستثناء ربما ما حدث من تطور في الميدان البيولوجي..
واظن ان التشعبات الفكرية السائدة لم تضف شيءا جوهريا احدث تجاوزا لما اصّله اكتشافات ثلاث مفكرين في ميادين مختلفة: - جليلي لما اكتشف ان الارض تدور - ولا يزال على أية حال من يشك في انها تدور وظلوا يدورون حول انفسهم -
- سيغموند فرويد عندما اكتشف اللاوعي وقال ان هناك منطقة خلفية تأبى الافصاح عن المخزونات واخترع تقنية التداعي الحر والتنويم المغناطيسي لجعل يفصح ويبوح لما يخفيه عن العامة.
- كارل ماركس لما اكتشف ان الصراع الطبقي محرك التاريخ، شاء من شاء وأبى من ابى ..فقد سعى العديد من الباحثين ولاسيما في عصر انفجار التكنولوجيا الجديدة إلى تدمير الفكرة لكنهم فشلوا جميعا، فالصراع الطبقي وغير الطبقي هو محرك الحياة ..
فرغم اهمية الابداعات الاخرى التي حدثت في هذا الميدان او ذاك، ظلت كلها تدور في فلك هذه الاكتشافات الموجودة..
فالاول وجه ضربة موجعة للميتافيزيقا والثاني كسر وفضح الطابو اما الثالث فسدّد رصاصة الرحمة للرأسمالية المتوحشة وكشف بالعلم والاديولوجيا وقوانين التاريخ ان حياة هذا النظام مؤسسة على الاستعباد والاستغلال وقيادة البشرية نحو الكوارث وهي حتما إلى زوال بمنطق العلم والتاريخ..
صحيح ان هناك مفكرين صاغوا نظريات حملت اجتهادات قوية لكنها ظلت مع ذلك مشدودة الى الجذر المؤسس..خلاصة القول ان من لم يطلع ولو في حدود على افكار هؤلاء المفكرين، سيجد كثيرة هي الامور التي يستعصي عليهم فهمها ، وهذا لا ينطبق فقط على المفاهيم بل يتعداها الى ميادين لدرجة يمكن القول ان اوروبا تعيش على ريع المكتشفين الاواءل ..فمثلا هل ظهر عالم واحد يستطيع ابداع الة جدية كما فعلت الثورة الصناعية عندما قضت على الرحى اليدوية بالطاحونة العصرية ..الالة الكاتبة بالكمبيوتر. المحراث
الخشبي بالتراكتور والسيارة عوض الحمار ...
نعم لقد ادخلوا تحسينات وطوروا الجودة في الطائرة والسيارات والالات الاخرى دون المساس بجوهر الاكتشافات الأولى.
اذن يتضح ان الانسان المعاصر يستهلك ويجتر ويلوك ويمضغ اجتهادات الجيل الذي سبقه الذي كان خياله اكثر قوة وتفرغوا عميقا من اجل تجسيد كل التطلعات العلمية التي كانت تبدو وهمية ، فأول من حاول الطيران سقط وتم ذلك بدافع المغامرة لكن تكرار التجربة أثبتت أنه بإمكان تحويل الخيال الى واقع، فالذي اكتشف الطائرة لم يحضر في باله ان تكون وسيلة نقل بل غامر لاثبات الإمكانية بأنها قادرة ان تصبح واقعا وأصبحت واقعا بالفعل ..
ضعف الخيال أدى ويؤدي الى ضعف الابداع ومما زاد في تسخيف العقل البشري هو ظهور التكنولوجيات الحديثة وما رافقها من ادعاءات حول الذكاء الاصطناعي وقدرة العقل على تخزين المعلومات في جهاز منفصل عن الدماغ البشري ..وهذه هي مكامن الأزمة العميقة التي تعيشها البشرية لدرجة أن كل التنبؤات لم تعد قادرة على تفسير ما ينتظر البشرية وظل الجميع يتوقع اشياء مزلزلة ومخيفة قد تفاجئه في أية لحظة دون ان يكون على استعداد لفعل اي شيء لدرء الاسوأ سوى تقبل الأمر الواقع..
لقد اطلعنا على يقوله كبار المفكرين واستنتجنا من خلال كتاباتهم، بكل تواضع طبعا ودون ادعاء اكثر ما في قدرتنا، انهم قلقون بسبب عدم قدرتهم على ضبط ايقاع التطور وصعوبة انتاج أجوبة لانقاذ البشرية المهددة بشتى أنواع التهديد لوجودها، في الماضي كانت تحدث كوارث ويظهر المنقذون اما اليوم فالكوارث المحدقة بالبشرية بسبب وحشية الرأسمالية التي دمرت القيم الإنسانية وخربت البشر والشجر والحجر، ولطالما لوح وحذر عدد كبير من المفكرين بهذه المخاطر دون ان ينتجوا نظريات على شاكلة ما ابدعه الماركسيين والتقدميين عموما الذين كانوا منقذين واليوم كثرت الكوارث وقل المنقذون ! وحتى بعض سفلة القوم الذين يتجلببون بهيئة المثقفين يسخرون من الماركسية والفكر التقدمي وهم ليسوا الا اقلام مأجورة من اسيادهم الرأسماليين بوعي او بدونه..
اليست هذه الاشكالات مدعاة التأمل والعودة إلى إعمال الخيال بواسطة الدماغ البشري وليس بتقنيات التكنولوجيا التي مهما تطورت فهي من صنع هذا الدماغ والتي تستعمل لتدمير العقل البشري .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق