كلمة العدد 181 من جريدة النهج الديمقراطي
كلمة العدد 181 من جريدة النهج الديمقراطي
يزداد هذا الوضع قتامة لما تجد الطبقة العاملة نفسها مسلوبة القوة، وقد جردت من سلاح العمل النقابي الذي بواسطته يمكنها أن تدافع عن نفسها وتحمي حقوقها أو تشن معارك من أجل تحقيق مكتسبات أخرى. إن واقع التشتت النقابي المتمثل في وجود أكثر من 35 نقابة، كلها تستخدم الطبقة العاملة عوض خدمتها، بل هي متورطة في عقد صفقات مع الباطرونا والدولة غايتها الحفاظ على الوضع كما هو ورعاية استقرار الأمور وثباتها لصالح البرجوازية السائدة ببلادنا. طيلة تاريخها لم تتملك الطبقة العاملة هذه الأداة النضالية التي هي النقابة. لقد سعت الأحزاب البرجوازية والنظام القائم دوما إلى الاستيلاء على النقابات وإفراغها من مضمونها العمالي: تارة تحت ذريعة عدم الانخراط في السياسة والاكتفاء بالنضال الخبزي كما فعلت مركزية الاتحاد المغربي للشغل، أو تحت ذريعة استخدام النقابة كذراع حزبية تصلح للتسخين الاجتماعي كلما استدعت المصلحة الحزبية ذلك كما فعلت باقي النقابات والدكاكين الأخرى.
وفي هذا نجد تفسيرا لمجموعة من المبادرات النقابية الأخيرة حيث نظمت كل من "ام ش" و"كدش" وّفدش" مسيرة يوم الأحد 6 ابريل، ولم تستطع هذه النقابات تعبئة أكثر من خمسين ألف متظاهر. إنها كانت مناورة تسخينية من جهة وللتنفيس عن احتقان اجتماعي كبير من جهة أخرى. كما يكشف فشل تلك المسيرة أن جماهير العمال والمستخدمين فقدت الثقة في هذا النوع من العمل النقابي والذي لم يعد يعني لها الشيء الكثير.
لا بد أيضا من الانتباه إلى ما سرنا نراه من ممارسات سياسية للقيادات المتنفذة داخل هذه النقابات، بحيث أصبحت بيروقراطية "ام ش" تعقد الشراكات مع نقابة الباطرونا من جهة وتنخرط في "تحالفات" مع "كدش" ومع "فدش" بل سارت تقوم بالتنسيق السياسي مع الاتحاد الاشتراكي، كل ذلك وهي تخوض حرب استئصال داخلية استهدفت فيها اتجاها نقابيا يقع على طرفي نقيض من ممارساتها وسياساتها التخاذلية.
إن الخلفية الكامنة وراء هذا السلوك لهذه القيادات يجد تفسيره في الظرفية التي يعرفها المغرب وباقي البلدان المغاربية والعربية بعد اندلاع السيرورات الثورية، وضمنها حركة 20 فبراير المجيدة. لقد استوعبت هذه القيادات البيروقراطية الدرس وعلمت أن مهمتها هي الوقوف سداً منيعا أمام التحاق الطبقة العاملة المغربية بحركة 20 فبراير، وطبعا كان ذلك بتوجيه وتنسيق مع النظام القائم وبالحصول على المكافئة لهذا الدور المشين.
ذلكم هو الإطار العام والخاص الذي تحيي ضمنه الطبقة العاملة المغربية عيدها الأممي لهذه السنة.
فكيف يحيي النهج الديمقراطي من جهته هذه الذكرى المجيدة باعتباره تنظيما سياسيا طرح على نفسه مهمة المساهمة في بناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة وعموم الكادحين؟
إن الخلفية السياسية والمرجعية الأيديولوجية لتنظيمنا مكنتنا من التنبه إلى ضرورة تدارك التعطل الحاصل، والذي حال دون التدخل الواعي للطبقة العاملة وانخراطها في حركة 20 فبراير حتى نضمن لهذه الأخيرة ذلك البعد الجماهيري والعمق النضالي من أجل إسقاط المخزن وبناء نظلم ديمقراطي ذي أفق اشتراكي. ولأجل تلك الغاية انخرط مناضلونا بشكل واعي ومنظم في عملية ربط العمل النقابي بحركة 20 فبراير، والانطلاق في الدعوة والتأسيس للجان 20 فبراير في النقابة، وتشكيل توجه ديمقراطي كفاحي يواجه القيادة المتعفنة والمتآمرة على الطبقة العاملة. ونتيجة هذا الوعي انطلقت عملية فرز حقيقي داخل "ا م ش" وهي ماضية اليوم لتشمل أهم المركزيات النقابية الأخرى. إن النضال على الواجهة النقابية من أجل تخليصها من يد البرجوازية ووضعها في يد الطبقة العاملة تعتبر مدخلا أساسيا لا مندوحة من خوض الصراع، بل الانتصار الحاسم فيه. لكن ذلك يبقى محدودا بحدود طبيعة العمل النقابي والذي لا يستطيع أن يمكن الطبقة العاملة من أن تتحول إلى طبقة اجتماعية تقود عملية التغيير الثوري ببلادنا، إن هي لم تمتلك حزبها السياسي المستقل والذي يعبر عن مصالحها ومصالح حلفائها الكادحين، وينظم عملية خوض الصراع الطبقي من أجل وصولها إلى السلطة كطبقة اجتماعية طليعية في المجتمع تعمل على تحرر الاقتصاد من الهيمنة البرجوازية الطفيلية والامبريالية.
لذلك انخرط النهج الديمقراطي في بناء ذاته عبر بلترة نفسه وإحداث النقلة النوعية التي تعطي الغلبة للعنصر البروليتاري كبنية اجتماعية أولا، وكبنية فكرية وأيديولوجية ثانيا. ومن أجل الإسراع في هذه النقلة النوعية لابد من استحضار دوما مركزية هذا الانشغال لما يكون مناضلاتنا ومناضلونا أمام العمل في مختلف المجالات والقطاعات سواء تعلق الأمر بقطاع شبيبتنا الذي عليه أن يرفد دوما تلك العملية الرامية إلى التجدر في الطبقة العاملة وعموم الكادحين وأن تكون مختلف أنشطته وتوسعه محكومة بهذه البوصلة وألا يسقط في خطيئة الاعتقاد بطليعة تكتيكية غير الطبقة العاملة، كذلك يجب أن يخدم عملنا في الأحياء الشعبية وفي المدن العمالية هذه المهمة المركزية.
إن عملية التجدر هذه قد انطلقت فعليا وهي تعني تحويل القناعات الفكرية والأيديولوجية إلى ممارسات وسلوك، أي تحويل الأفكار إلى قوى مادية. وبذلك سيساهم النهج الديمقراطي بواجبه وبقسطه في بناء تلك الأداة وسيجد إلى جانبه مجموعة من المناضلين المخلصين للطبقة العاملة والحاملين لنفس المشروع ولابد أن ننجح في هذا التحدي التاريخي الذي طال أمده كما طال انتظاره، لكنه غير قابل للتأخير في انجازه؛ وكل خطوة في اتجاه تحقيق ذلك تعتبر أحسن هدية يقدمها ماركسيو المغرب إلى طبقتهم العاملة في عيدها الأممي. لكن علينا أن نعي جيدا أن مثل هذه الطريق لن تكون مفروشة بالورود، بل علينا التسلح بالإرادة وروح التضحية بالغالي والنفيس، لان الأعداء الطبقيين سيكونون بالمرصاد، وهي حقا وحتما حرب طبقية شديدة التعقيد وتحتاج من الشكيمة البروليتارية الشيء الكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق