محمد الأشعري: من فتى اتحادي مغمور إلى وزير صاحب الجلالة*ادريس ولد القابلة
محمد الأشعري: من فتى اتحادي مغمور
إلى وزير صاحب الجلالةصحيح إن السيد محمد الأشعري ليس على ثراء رجل الأبناك المعروف عثمان بنجلون، كما أنه ليس بغنى رجل الأعمال عزيز أخنوش، حتى "يُبرر" وجوده ضمن هذه العينة من كوكبة "صحاب لفلوس" المغاربة، التي نخصص لها ملف هذا العدد، غير أن ثمة مبررا وجيها يمثل في انتسابه لعينة الذين تسلقوا المراتب الاجتماعية من القاع إلى "القمة"، وتتشخص هذه الأخيرة في المنصب الوزاري، الذي حول فتى مغمورا من مدينة إدريس زرهون، لم يُكمل تعليمه الجامعي، إلى مليونير.
إنه واحد من الاتحاديين، الذين عرفوا كيف يخلطوا و "يُجلطوا" أكثر من مسار، غير أنه لا أحد كان يرشح ذلك الشاب الخجول، النحيف القصير القامة الذي كان يرتقي الدرجات الحزبية في مكتب فرع حزب القوات الشعبية بمولاي إدريس زرهون، منذ زهاء ثلاثة عقود ليصبح، بعد بضع سنوات، ليكون واحدا من "أبرز" مثقفي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عرف الشاب، الذي يُنسب إلى أصول ريفية بمدينة الناظور، كيف يُقنع مؤتمرا للشبيبة الاتحادية الذي عُقد خلال سنوات ثمانينيات القرن الماضي، أن يكون ضمن أعضاء المكتب المسير للمنظمة الموازية المذكورة، ليس ذلك فقط، بل وان يظفر بمنصب عمل في جريدة الحزب، ومن هناك انطلق مصيره السياسي والوظيفي، حيث كثف من حضوره الشعري، والثقافي في زمن كان فيه حزب الاتحاد يحشد كل "الهمم" ليجعل رأسماله السياسي شاسعا، بما يليق بحزب المهدي وعمر، وكانت الطريق ممهدة، من عضوية الشبيبة الاتحادية، إلى اللجنة المركزية، وفي مقر جريدة الاتحاد الاشتراكي بالرباط عرف "الزرهوني" كيف "يغزل" شبكة علاقاته ليس السياسية فقط، من خلال مراسلات الفروع، بل أن "ينسج" أيضا علاقات مع المثقفين والشعراء والكتاب، سواء من حواريي الاتحاد، أو خارجه. بل الأكثر من ذلك أنه أصبحت لديه علاقات صداقة ثقافية، مع العديد من شخصيات القلم والفكر والقريحة الشعرية، عبر أنحاء البلاد العربية، وبالأخص منها بلدان الخليج، حيث لاكت بعض الألسن صحبته الوثيقة بالملياردير والشاعر الكويتي مانع سعيد العتيبة ونظيره سعيد البابطين.
وكانت فرصة العمر بالنسبة للرجل، الذي ظهرت عليه آثار البدانة شيئا فشيئا، مع تخطيه لسن الثلاثين، حين تم اعتقاله في بداية الثمانينيات، عقب إحدى الإضرابات الاجتماعية، فهنا ك صُنع "رأسماله" السياسي، الذي أعده لتسلم مهمة إدارة مكتب جريدة الاتحاد الاشتراكي بالرباط، وتوقيع عموده الجيد الذي اشتهر حينها تحت عنوان "عين العقل" ثم "ركوب" قارب اتحاد كتاب المغرب لثلاث ولايات متتابعة، وبمجيء صفقة التناوب، بين الحسن الثاني وعبد الرحمان اليوسفي (الأشعري محسوب على جماعة هذا الأخير الحزبية) كانت الطريق قد أصبحت سالكة، لتسلم منصب حكومي، لكن كان على صاحب ديوان "سيرة المطر" ورواية "جنوب الروح" أن ينتظر التعديل الحكومي الأول على تشكيلة اليوسفي، بل الأكثر من ذلك "مرافعة" صديقه اندري ازولاي لدى الحسن الثاني، ليُصبح ذا وزارتي الاتصال والثقافة، وبذلك أصبح الأشعري "قياديا اتحاديا" سيما مع عضويته للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، يقول كثيرون أن آثار النعمة الواضحة ظهرت على الوزير محمد الأشعري، حينما بدأت تتهاطل عليه تعاقدات صفقات أوراش قطاعية عديدة، لبعض أقربائه، وبذلك يكون قد استفاد بشكل "مشروع" من تركة التناوب.
وقد كان مفاجئا للكثيرين، أن صحافي جريدة الاتحاد الاشتراكي، السابق الذي كان يقضم ساندويتش "بوكاديو"، كأي صحافي بروليتاري، بمكتب الجريدة بمقر ديور الجامع، أصبح يملك منزلا فخما بحي الرياض، ويتنقل في سيارة فارهة.
صحيح أن صاحبنا الأشعري ليس على ثراء رجل الأبناك عثمان بنجلون، لكنه نموذج للإثراء "المشروع" من خلال المنصب السياسي، وهذه لازمة مخزنية مغربية، حيث يحرص دهاة النظام السياسي ببلادنا، على اقتناص رؤوس المعارضة السياسية والمدنية، وتمريغهم في بحبوحة العيش، فينسون بسرعة "عين عقلهم" ويلتفتون أكثر ل "عقر البطن".
محمد الأشعري، ذلك الفتى النحيف، الذي لم يُكمل تعليمه الجامعي، الذي قبع في مكتب فرع حزب المهدي وعمر، بمدينة زرهون، منذ عقدين من الزمن متحينا الفرصة المُناسبة للانقضاض على طوق نجاة من الهامشية، أصبح اليوم وزيرا متقاعدا، مليونيرا، يلوك رزق "ه" الوفير، وفي ذلك "عين العقل" الحقيقية في بلد الشظف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق