مقالات من غزة من تحت الحصار***غازي الصوراني _وعد بلفور انعكاس لمقتضيات المصالح الرأسمالية........
غازي الصوراني _وعد بلفور انعكاس لمقتضيات المصالح الرأسمالية........
جاء وعد بلفور انعكاساً لمقتضيات المصالح الرأسمالية في بداية القرن العشرين ومن ثم تسخير الأوهام الدينية التوراتية –التي تفتقر لأي أساس تاريخي – في خدمة تلك المقتضيات والمصالح.
وتأكيداً لهذه الحقائق لابد لعودة سريعة للتاريخ الذي يؤكد أن ما يسمى بأرض الميعاد أو المسألة اليهودية أو الحركة الصهيونية ، لم يكن سوى ذريعة استخدامية لتكريس مصالح النظام الاستعماري البريطاني في بلادنا الذي امتد وجوده حتى عام 1957 ، حيث تولت الولايات المتحدة الأمريكية –منذ ذلك العام- قيادة النظام الرأسمالي في صيغته الامبريالية المعولمة ، عبر استخدام نفس الذرائع التوراتية والأفكار الصهيونية العنصرية رغم كل حقائق التاريخ التي تؤكد على انقطاع الصلة بين فلسطين واليهود منذ عام 135 ميلادية ، مايعني أن ما يسمى بـ "العودة اليهودية" إلى بلادنا فلسطين، ليست عودة توراتية أو تلمودية دينية، وإنما هي "عودة " إلى فلسطين خططت لها ووفرت مقوماتها الانظمة الرأسمالية الاستعمارية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، عبر دعمها للحركة الصهيونية التي استطاع روادها انضاج العامل الذاتي "اليهودي" الذي توفرت لديه كافة عناصر الدافعية وآليات العمل والتنظيم لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية، في مقابل ضعف وهشاشة العامل الذاتي، على الصعيدين الفلسطيني والعربي آنذاك (وما زال على حاله حتى اللحظة) الذي اقتصر في رفضه لوعد بلفور والحركة الصهيونية على شعارات عامة عجزت عن تأطير نفسها ضمن عمل منظم وممأسس ، بسبب تعمق مظاهر التخلف في ظل الهيمنة العثمانية من جهة وبسبب الطبيعة المهادنة للشرائح الطبقية من اشباه الاقطاعين والقمم العشائرية من جهة ثانية ، الأمر الذي كان عاملاً أساسياً مهد لنجاح المشروع الاستعماري الصهيوني، ولم يكن ممكناً لأوهام "العودة التوراتية" أن تتحقق دون ذلك.
في كتابه "موجز التاريخ" يقول المؤرخ البريطاني "ج . هـ . ويلز" "كانت حياة العبرانيين في فلسطين تشبه حالة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار، ومن البدء حتى النهاية لم تكن ممتلكاتهم سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسوريا وآشور وفينيقيا ذلك التاريخ الذي هو أكبر وأعظم من تاريخهم".
يؤكد على ذلك المسار التاريخي لأصحاب الديانة اليهودية منذ أن طردهم "هادريان" من فلسطين عام 135م حتى نهاية القرن التاسع عشر - حوالي 1750 عام - لم يعرف التاريخ أية دلائل أو مؤشرات جدية لحركة أو تجمع سياسي يهودي يسعى إلى إقامة دولة إسرائيل ، وظلت هذه المسألة محصورة ضمن الرؤية الدينية التي تخلى عنها عدد كبير من اليهود إبان عصر النهضة وبداية عصر الرأسمالية ومصالحها الإستراتيجية التي اقتضت تأطير أو صياغة الفكرة السياسية لما أسموه "الوطن القومي" لليهود .
في هذا الجانب يقول المفكر الراحل الدكتور جمال حمدان في كتابه "اليهود أنثروبولوجيا"، "إن إسرائيل استعمار سكاني مبني على نقل السكان من الخارج إلى فلسطين"، فاليهود هم بالدرجة الأولى جزء من الظاهرة الاستعمارية-الاستيطانية الاحلالية العامة، ومع هذا فثمة ملامح خاصة فريدة لهم: العودة اليهودية إلى فلسطين ليست عودة توراتية أو تلمودية أو دينية وإنما هي "عودة" إلى فلسطين بالاغتصاب وهو غزو وعدوان غرباء لا عودة أبناء قدامى، إنه استعمار لا شبهة فيه بالمعنى العلمي الصارم، يشكل جسماً غريباً دخيلاً مفروضاً على الوجود العربي.فهم ليسوا عنصراً جنسياً في أي معنى بل جماع ومتحف حي لكل أخلاط الأجناس في العالم .
هكذا يتوجب تحليل "وعد بلفور" ومنطلقاته إرتباطاً بمصالح ومقتضيات المصالح الاستعمارية الرأسمالية - بصورة رئيسية – التي تشكل الحقيقة الموضوعية والتاريخية التي لا بد من العودة إليها عند البحث في العوامل الرئيسية لقيام "دولة إسرائيل" وخاصة سايكس بيكو، ثم وعد بلفور ، ثم الانتداب البريطاني على فلسطين ، ومن نافل القول إن "دولة إسرائيل" لم يكن ممكناً ظهورها على الخريطة دون هذا الانتداب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق