من ينقذ (الناجيات) من براثن حرب السودان ؟ الصادق مصطفى الشيخ الميدان 4132
من ينقذ (الناجيات) من براثن حرب السودان ؟
الصادق مصطفى الشيخ
الميدان 4132،، الثلاثاء 5 ديسمبر 2023م.
يحتفى العالم هذه الأيام باليوم العالمي لحقوق الانسان، والذى سيستمر حتى العاشر من ديسمبر، حيث يقام الاحتفال الرسمي في اضابير الامم المتحدة والمنظمات الإقليمية المختلفة...
ويجئ هذا اليوم والسودان يعيش في اسوأ حالاته في جميع النواحي، وتسيطر عليه أزمة حقيقية منافية لكل الاعراف الدولية، تجاوزت الانتهاكات المنصوص عليها في الاطر والقوانين الدولية ..
إنها حرب عبثية احرقت الأخضر واليابس، لم تراعى حقوق مدنية ولا انسانية، كانت المرأة في مقدمة ضحاياها تشردت وهربت جراء الفظائع والاهوال، لتعيش في معسكرات النزوح بحدود الدول، سارت آلاف الأميال مشياً على الاقدام في وديان وسهول غرب السودان، وهاجرت لأقاصي الشمال مع الحدود المصرية في شتاء قارص، واتجهت شرقاً إلى الحدود الاريترية والاثيوبية، وتكدست بولاية الجزيرة وسط السودان متدثرة بالأوبئة والأمراض الفتاكة، فقد كشفت تقارير عن اختفاء اكثر من ست مغتصبات هرباً من نظرة المجتمع وخوفاً من ألسنة الشمات، وقد وقفت (الميدان) على علاج احدى الحالات نفسياً وجسدياً عبر احدى المنظمات الطوعية، وشاهدت الفارق النفسي للحالة قبل العلاج وبعده، وكان الفارق مهولاً او كما قالت الضحية (كأنى ولدت من جديد)، وجنوباً فرت المرأة من هول الحرب إلى الجبلين والمناطق المتاخمة لدولة جنوب السودان في هجرة قسرية وظروف معيشة قاهرة، تنظر إلى فوهات البنادق وغرف التفاوض، علها تفصح عن إيقاف لعلعة المدافع وهدير الطيران....
الناظر للمرأة في معسكرات النزوح الداخلية يجدها في حالة يرثى لها، جردت من كافة الصفات التى حباها بها الخالق، وأضحت مثل الرجل رغم اختلاف الطبيعة الفسيولوجية، وحتى العادات والتقاليد التى لم تعرفها المرأة لاقتها في منافى النزوح، كاستخدام الخلاء والاماكن المهجورة مكاناً لقضاء الحاجة والاستحمام.
المرأة في ظل الحرب الحالية تفاجأت بابتداع صنوف متعددة لتعذيبها وايذاؤها عمداً، من أجل إخلاء المجال ليتخذوا منه سكناً بديلاً للثكنات العسكرية، التى فشلو في الاستيلاء عليها من الجيش، واستخدموا أساليب الاغتصاب والخطف والارتهان والزواج القسري..
وكانت ابشع المناظر تلك الوقائع المؤثرة التى انتشرت في الميديا، وتناولتها إذاعة البى بي سي، لقاءات مباشرة مع الضحايا واسرهن وحقوقيات تدافعن للمرافعات في ظل غياب الأجهزة الرسمية والمراقبين الدوليين بسبب المعارك والقتال...
فقد قامت القوات الآثمة باختطاف نحو 14 امرأة من مختلف الأعمار، وطلبت من أسرهم الموافقة على تزويجهن او ترحيلهن إلى خارج ديارهن، دون التفكير في عودتهن مرة أخرى، لاحتياج الخاطفين لشريحة من الفتيات لتأسيس قوة اجتماعية نوعية ..
يحدث هذا أمام بصر ونظر العالم وفى أيام حقوق الإنسان التى نادت بصون المرأة وحقوقها، وظلت الامم المتحدة تصدر النشرات والفرمانات حول هذه الناحية، وكان آخرها في عام ٢٠٠٠م، وفق القرار رقم (1523) القاضي بالاعتراف (بأن النساء هن ضحايا الحروب والتوترات والنزاعات، وفى نفس الوقت شريكات في حل هذه النزاعات...).
كل ذلك ضربت به القوات عرض الحائط، ومارست ما بدأ لها من انتهاكات أدت لأن تتوزع المرأة بين ثكلى وارملة ومهجرة...
المجتمع المحلى والاقليمي والذى انهمك بكلياته في تعقيدات الحرب وتمديد أجل التفاوض والعملية السياسية، لم يفطن للنساء (الناجيات) بتوفير البيئة الملائمة لهن وملاجئ تأويهن، ودعم الناحية النفسية لهن وتأهيلهن للعب الدور المناط بهن في مثل هذه المحن، الدور الذى ظلت تقوم به المرأة بلا دعوة او ارشاد من فئة او جماعة، فعبر القرون كانت تلعب ادواراً متعددة ومتعاظمة في النزاعات.. مقاتلات وامهات.. وبنات.. وعاملات.. في المجال الانساني.. وقادة مجتمعات ..
فالمرأة ليست تلك الصورة النمطية.. هي رائدة التغيير ومصدر رئيسي للاستقرار بالمناطق المتأثرة بالنزاعات، لا يجمعن عائلاتهن فقط بل قادرات على تجميع مجتمعات بكاملها، فهن كائنات متكاملة تأخذ مسئولية الاسرة، تجدها في المزارع تسير المسافات الطويلة رغم وعورة الطريق أو على ظهر دابة في صحراء، تجلب الحطب او تبحث عن دونكي المياه، هذا فضلاً عن رعاية الاطفال واستقبال الرجال القادمين من الحرب بإصاباتهم الجسدية وحالاتهم النفسية ..
كل تلك الفواتير تسددها المرأة جراء اندلاع الحرب التى تبدد مكاسبها والنجاح الذى حققته عبر القرون ...
وبمناسبة هذا اليوم وتلك الذكرى على المستوى العالمي والإقليمي والمحلى بالطبع، نتمنى أن تتخلى البرلمانات والحكومات الديكتاتورية عن مماطلاتها بالتصديق على قوانين مكافحة العنف الزوجي مطابقاً للمواصفات الدولية، وأن تسمي الأمور بمسمياتها حتى تكون ملزمة قانوناً وفق العقاب المنصوص مراعاة للمعايير الدولية، باعتبار المرأة كيان مستقل ولا يتحدث بشكل مبهم على شاكلة حماية النظام العام والأسرة والأخلاق، قانون واضح شفاف لا يربط بين المرأة والطفل، يشير للاغتصاب والعنف الزوجي والعنف الاقتصادي بعدم الصرف على المرأة والاستيلاء على ممتلكاتها صراحة وليس ايهاماً...
وابتداع قوانين صارمة لمكافحة التيار السائد في حرب السودان حالياً، بتجريد المرأة من كل شئ ومساواتها مع الآلة الحربية والجندي المقاتل، تسير وفق اوامره المسافات الطويلة ...
فقد شاهدنا تجاهُل أمرها عند تبادل الأسرى، اكثر من 1200 أسير من الطرفين تم تبادل إطلاق سراحهم، سبقه ست من أسرى الجيش السوداني من المدنيين اشرف الصليب الأحمر على فك اسرهم.. لكن ١٤ فتاة لا يطالب الجيش او المجتمع الدولي بضرورة إخلاء سبيلهن، أليست تلك بمفارقة تستوجب السؤال عن دور المنظمات الحقوقية في يوم عيدها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق