غازي الصوراني _وجهة نظري حول عدم تبلور المجتمع المدني في بلداننا.....
غازي الصوراني _وجهة نظري حول عدم تبلور المجتمع المدني في بلداننا.....
الحديث عن المجتمع المدني في بلداننا، هو حديث عن مرحلة تطورية لم ندخل أعماقها بعد، ولم نتعاطَ مع أدواتها ومعطياتها المعرفية العقلانية التي تحل محل الأدوات والمعطيات الطبقية والمجتمعية العشائرية والقبلية المتخلفة الموروثة، مثالي على ذلك صارخٌ في وضوحه لمن يريد أن يستدل عليه، فالبورجوازية الأوروبية –التي كانت ثورية في مراحلها الأولى- في عصر النهضة أو الحداثة، جابهت الموروث السلفي اللاهوتي الجامد، بالعقل والعقد الاجتماعي، وجابهت الحكم الثيوقراطي والأوتوقراطي الفردي بالعلمانية والديمقراطية، وجابهت الامتيازات الأرستقراطية والطبقية الاقطاعية والكنسية الدينية بالحقوق الطبيعية، كما جابهت تراتبية الحسب والنسب واللقب بالمساواة الحقوقية والمدنية، بين جميع المواطنين وفق قيم الحداثة، وخاصة قيم التنوير والعقلانية والديمقراطية والمواطنة والعلمانية، فأين بلداننا ومجتمعاتنا في مغارب ومشارق الوطن من كل ذلك؟ وأجيب على تساؤلي هذا بما يلي:
ان مجتمعات بلداننا اليوم، هي مجتمعات بلا مجتمع مدني، فطالما كانت بلادُنا في زمنٍ غير حداثيٍّ/حضاريٍّ ولا تنتسب له، بالمعنى الجوهري، فإن العودة إلى القديم أو ما يسمى بإعادة إنتاج وتجديد التخلف سيظل أمراً طبيعياً فيها، يعزز استمرار هيمنة النظام الامبريالي المعولم على مقدراتنا واستمرار استغلاله لفائض القيمة المستحقة لشعوب بلداننا، ومن ثم تزايد أزمات مجتمعاتنا عموما وجماهيرنا الشعبية الفقيرة خصوصاً، وذلك تكريسا لهدف التحالف الامبريالي الصهيوني في تكريس تبعية بلداننا عبر الحكام العملاء في انظمة الكومبرادور، لا فرق بين ملك أو رئيس أو أمير أوشيخ، يساهمون جميعا في تنفيذ الشعار الامبريالي /الصهيوني الذي يتلخص في استمرار احتجاز تطور مجتمعاتنا.
أمام هذا الواقع المعقد والمشوه، وفي مجابهته، ندرك أهمية الحديث عن مفهوم المجتمع المدني وضروراته، ولكن بعيداً عن المحددات والعوامل الخارجية والداخلية، المستندة إلى حرية السوق والليبرالية الجديدة، لأنني أرى أن صيغة مفهوم المجتمع المدني وفق النمط الليبرالي الرأسمالي التابع، فرضية لا يمكن أن تحقق مصالح جماهيرنا الشعبية، لأنها تتعاطى وتنسجم مع التركيبة الاجتماعية-الاقتصادية التابعة والمشوهة من جهة، وتتعاطى مع المفهوم المجرد للمجتمع المدني في الإطار السياسي الاجتماعي الضيق للنخبة الحاكمة ومصالحها المشتركة في اطار تبعيتها وخضوعها لمخططات العدو الامبريالي /الصهيوني.
المسألة الأخرى التي أدعو الى إعمال الفكر فيها، تتمثل في تلك الفجوة بين الإطار الضيق لأصحاب السلطة والملتفين حولها من جهة، والإطار الواسع لجماهير العمال والفلاحين الفقراء وكافة المضطهدين من جهة أخرى، وهي ظاهرة قابلة للتزايد والاتساع والتفاقم، عبر التراكم المتصاعد للثروة، الذي يؤدي –كنتيجة منطقية أو حتمية- إلى تزايد أعداد الجماهير الفقيرة المقموعة والمضطهدة تاريخياً، وتعرضها إلى أوضاع غير قابلة للاحتمال أو الصمت، مما يضعها أمام خيارين: إما الميل نحو الإحباط أو الاستسلام واليأس، أو الميل نحو المقاومة والمجابهة السياسية الاجتماعية/الطبقية الديمقراطية، أو العنيفة، تحت غطاء اجتماعي أو ديني، أكثر بما لا يقاس من ميلها نحو الاقتناع بالهامش الليبرالي وشكله المحدود، للخلاص من وضعها وأزماتها المستعصية.
إن إدراكنا لهذه الفروق الجوهرية، يدلنا على كيفية التعامل مع مفهوم المجتمع المدني، وأية مفاهيم أخرى، وفق خصوصية تطورنا الاجتماعي التاريخي والمعاصر، المختلفة نوعياً عن مجرى وطبيعة التطور في البلدان الغربية الرأسمالية، وما يتطلبه ذلك الإدراك من تحويل في المفاهيم بحيث تصبح مقطوعة الصلة مع دلالاتها السابقة، التي تمحورت فقط عند الإشارة إلى المجتمع المدني كضرورة في خدمة عمليات التنافس الاقتصادي بين الأفراد على قاعدة حرية السوق في إطار الليبرالية الجديدة وآلياتها المتوحشة في نظام العولمة الراهن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق