جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

غازي الصوراني _الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام ......

 غازي الصوراني _الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام ......

أولا: السمات العامة والمدارس الأساسية :
كان علم الكلام أول الاتجاهات الأساسية في الفلسفة العربية الإسلامية. وقد طوره بصورة رئيسية ، مفكرو المعتزلة، ومن ثم الأشاعرة . ونظراً لتشعب واختلاف الآراء ، القديمة منها والمعاصرة ، حول مدلول "علم الكلام" لفظاً ومصطلحاً، سنستهل عرضنا لمذاهب المتكلمين بالنظر في هذه المسألة.
1- في تسمية "علم الكلام" وتعريفاته :
1) "لأن عنوان مباحثه كان قولهم: الكلام في كذا وكذا"؛
2) "ولأن مسألة الكلام (كلام الله، أي القرآن من حيث كونه قديماً أو محدثاً- المؤلفان) كانت أشهر مباحثه وأكثرها نزاعاً وجدالاً "؛
3) "ولأنه يورث القدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات وإلزام الخصوم، كالمنطق للفلسفة"؛
4) "ولأنه أول ما يجب من العلوم التي تُعلم وتتعلم بالكلام، فأطلق عليه هذا الاسم لذلك، ثم خُصَّ به ولم يُطلق على غيره تمييزاً له"؛
تسمية "علم الكلام" عند الشهرستاني فيردها إلى مقابلة المعتزلة للفلاسفة في تسميتهم فناً من فنون علمهم بالمنطق، "والمنطق والكلام مترادفان". لكن علم الكلام هو صناعة جدلية، تقوم ميزتها الأساسية في المناظرة مع خصم حقيقي أو مفترض.
تطور علم الكلام، بصورة أساسية ، في المناظرات والمجادلات ، التي دارت بين المتكلمين أنفسهم خاصة. وفيما بعد صار "الكلام" يستخدم أساساً للدلالة على المبحث النظري، الذي اشتغل به المعتزلة، ومن ثم الأشاعرة .
إن ما يميز علم الكلام عن علم اللاهوت هو توجهات المتكلمين الابيستيمولوجية (المعرفية)، المنافية للنصية والإيمانية Fideism والصوفية mysticism . فالمتكلمون ،قالوا بالعقل مرجعاً أعلى في الحكم على المسائل النظرية والفكرية ، بما فيها اللاهوتية.
إن علم الكلام قد ظهر وتطور أول الأمر في إطار المنظرات التي دارت بين المسلمين أنفسهم ، وذلك بظهور مختلف الفرق الدينية – السياسية (الخوارج، المرجئة، القدرية، الجبرية..) ، وكذلك بين المسلمين وبين أبناء الديانات الأخرى (ولا سيما المزدكية والمسيحية). وقد تبلورت في مجرى هذه المناظرات جملة من السمات، التي صارت مميزة لطريقة المتكلمين في البحث، وأهمها:
اللجوء إلى تأويل النصوص القرآنية ؛ اعتبار حجج العقل هي وحدها الحاسمة في النقاش والبرهان؛ الاستخدام الواسع لطريقة "الالزام" (وهي لون من "الحجة الشخصية").
كما وتبلورت أيضاً القضايا الأساسية في "جليل الكلام: التوحيد، وضمناً العلاقة بين الذات والصفات الإلهية؛ قدم القرآن أو خلقه (حدوثه في زمان)؛ القدر الإلهي وحرية الإرادة البشرية، أو التسيير والتخيير، معنى الإيمان، وخاصة العلاقة بين النظر والعمل فيه ، إلخ.
ولعل من أوائل المفكرين، الذين اشتغلوا بالكلام، كفن له أسلوبه المتميز ، كان الجعد بن درهم (قتل عام 742/743م) وينسب إليه إنكار وصف الإله بشيء من صفات المخلوقات، والقول بخلق القرآن، وبحرية الارادة البشرية. وبرز بعده تلميذه الجهم بن صفوان (قتل عام 745م)، الذي باسمه ترتبط مدرسة "الجهمية". وقد عرف الجهمية بنزعتهم الجبرية الخالصة، التي تعكس توجههم نحو مذهب وحدة الوجود (البانتيئية Pantheism). وكان من أبرز أعلامهم ضرار بن عمرو (ت:815) وبشر المريسي (ت: 833) وتلميذه الحسين النجار.
وسرعان ما أخلى الجهمية مكانهم للمعتزلة ، الذين شاركوهم رؤيتهم للإله وصفاته، واعتقدوا مثلهم بخلق القرآن، الأمر الذي جعل العديد من الاخباريين وخصوم المتكلمين لا يفرقون بين المدرستين، وذلك على الرغم من تضاد مواقفهما من الجبر والاختيار.
ثانيا:الكلام والمشائية والتصوف...............
ارتبط ظهور الفلسفة العربية الإسلامية وتطورها بتاريخ دولة الخلافة التي أقامها العرب بعد الفتح الإسلامي. فقد شيّدوا امبراطورية واسعة، مترامية الأطراف، امتدت من الهند شرقاً وحتى البيرينيه غرباً،.
وقد جاءت الفلسفة العربية الإسلامية وثيقة الصلة بالتقاليد الفلسفية اليونانية القديمة، التي كانت قد انتشرت في آسيا ، كما غدت اللغة العربية، التي حلت محل اللغات الأدبية الأخرى (السريانية – الآرامية والفارسية في سورية وايران، واليونانية في سورية ومصر ، واللاتينية في أسبانيا)، أداة فعالة في التفاعل والتكامل الثقافي بين العرب والفرس والأتراك والبربر وغيرهم من شعوب دولة الخلافة .
وقد أسهم علماء العالم الإسلامي ، في إغناء العلوم الطبيعية والدقيقة. فأحرزوا نجاحات كبيرة في الطب، حيث خلد التاريخ أسماء أبي بكر محمد بن زكريا الرزاي (ت:925) صاحب "الحاوي"، وأبي علي بن سينا (980-1037) صاحب "القانون"، وأبي القاسم الزهراوي (ت: 1013) الذي برز في الجراحة ، وعلي بن عيسى الكحال (القرن الحادي عشر) الذي لعله أول من أدخل التخدير في جراحة العين، وابن النفيس (القرن الثالث عشر) الذي اكتشف الدورة الدموية (الصغرى). وقام علماء الرياضة والفلك المسلمون بتعميق وتدقيق أفكار أسلافهم من اليونانيين والهنود. وفي بغداد القرن الحادي عشر لمع المنجم والفلكي أبي معشر البلخي (ت: 886) ومحمد بن موسى الخوارزمي (توفي في أواسط القرن التاسع). وقد وضع الخوارزمي جملة من الأعمال في الجبر والحساب والجغرافيا الرياضية. وبفضل كتابه "الجبر والمقابلة" شاع مصطلح "الجبر" المعاصر، ومن اسمه باللاتينية اشتق لفظ "اللوغاريتم". وباسم الرياضي والفلكي أبي عبدالله محمد التبّاتي (ت:929) يربط وضع نظرية التوابع (الدوال) المثلثية. واستحق جابر بن حيان (أواخر القرن الثامن ) لقب "أبي الكيمياء". واشتهر ابن الهيثم (965-1039) بكشوفه البصرية. ومن النماذج الفذة للعلماء الموسوعيين، الذين لم يكونوا نادرين في المشرق الإسلامي، كان أبو الريحان البيروني (973-1048) ، الذي برز في علوم الفلك والرياضيات والفيزياء والمعادن والتاريخ والجغرافيا والاثنوغرافيا.
تميز ابداع العلماء المسلمين بالبحث عن التطبيقات العملية لهذه وغيرها من الانشاءات النظرية، وبالالتفاف نحو التجربة والملاحظة وما يتصل بذلك من الاستخدام الواسع لمختلف المعدات والأجهزة (واختراعها ، بطبيعة الحال)، وبالاهتمام بالطرق الكمية في الاستقصاء، وخاصة في ميادين الفيزياء والكيمياء والفلك والجغرافيا.
كما تعرف المسلمون على المدارس الأساسية في الفلسفة اليونانية القديمة ، وإن كان أرسطو محط اهتمامهم الأول. وإلى أواخر القرن التاسع كانت قد نقلت إلى العربية الأعمال الأرسطية الرئيسية، إما مباشرة من اليونانية أو بتوسط السريانية ، كما نقلت إلى العربية بعض حوارات أفلاطون، بينها "النواميس" و "السوفسطائي" و "طيماوس" ، ولكن معلم أرسطو هذا كان أقل نفوذاً ورواجاً من تلميذه عند العرب.
وتبين لوحات الحياة العقلية في بغداد القرن العاشر، التي رسمها الأديب والفيلسوف أبو حيان التوحيدي كيف كان المسلمون والناصري واليهودي وأبناء الملل الأخرى من كافة أرجاء العالم الإسلامي يلتقون في مجالسهم ("مجالس العلماء")، التي كان يسود فيها ما تمليه الفلسفة من قيم وأهداف، تعلو على الفوارق القومية والدينية.
ففي مجال التشريع تبلورت ، ومنذ صدر الإسلام، مدرستان متعارضتان، أولهما مدرسة "أهل الحديث"، التي أظهر ما كانت في الحجاز، والتي كان أنصارها لا يتجاوزون النص (من قرآن وسنة) فإن سئلوا عن شيء وعرفوا فيه آية أو حديثاً أفتوا، وإلا توقفوا، لا يقولون شيئاً . وكان هؤلاء يعرفون بالاعتداد المفرط بالحديث، حتى الضعيف منه.
وفي مقابل هؤلاء قامت مدرسة "أهل الرأي"، التي انتشرت في العراق خاصة، والتي تميز أصحابها بقلة روايتهم للحديث وإهمالهم له ، وبتدقيقهم في الأدلة، وبتحكيمهم العقل في الآراء ، وبتغليبهم القياس على النقل. وقد تتوجت مدرسة "أهل الرأي" بأبي حنيفة (نعمان بن ثابت، 699، 767). إمام المذهب الحنفي، الذي عرف بتوسعه وسماحته عموماً. وأما نزعة مدرسة أهل الحديث فتجسدت على أشدها في المذهب الحنبلي، وتوسط المذهبان المالكي والشافعي بين المدرستين.
وفي ميدان العقائد توزع المسلمون إلى فرق جمة . فقد نشب الجدل بينهم حول "الامامة" ("الخلافة") ، من الأحق فيها بعد الرسول، وهل تكون بالاتفاق والاختيار (بالبيعة والاستفتاء والشورى) أم بالنص والتعيين ، وهل يجمع الإمام بين السلطتين الزمنية والروحية ، إلخ. وكان ذلك، مثلاً سبب تمايز السنة والشيعة.
كما اختلف المسلمون حول مسألة "صاحب الكبيرة"، وما يتصل بها من قضايا العلاقة بين النظر والعمل ، والإسلام والإيمان . فغالى الخوارج في تشددهم، إذ حكموا بأن صاحب الكبيرة كافر، مخلد في النار، واعتبروا العمل شرطاً للإيمان. وبالمقابل، تمادى " المرجئة" في تسامحهم، فتوقفوا عن تكفير صاحب الكبيرة، وتركوا الحكم فيه لله ، وفصلوا العمل عن الإيمان، واعتبروا أن الله وحده هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فليس لأحد أن يكون رقيباً أو حسيباً على ضمائر الناس.
وتناقضت الآراء في التسيير والتخيير، القضاء والقدر، فذهبت "الجبرية" إلى أن الأفعال كلها لله. وقالت "القدرية" بان الإنسان خالق "قدره" ، خيره وشره. ودار الجدل حول قضية الصفات والذات الإلهية . واختلفت المواقف. فتطرف بعضهم في إثبات الصفات والأخذ بحرفيتها كما جاءت في القرآن (من "يد" و "عين" ..) ، حتى وصلوا إلى التشبيه والتجسيم . وغالى آخرون في تأويلها (اليد – بمعنى القوة والاستيلاء، والعين – بمعنى الغاية والارشاد...) ، فخلصوا إلى "النفي" و "التعطيل".
ولم يأت القرن العاشر حتى صار مؤرخو الفرق والاخباريون يرون صعوبة بالغة في حصر الفرق الإسلامية. وقد نوه المفكرون الإسلاميون أنفسهم إلى التأثير المعرفي الإيجابي لتباين الآراء هذا، مما تجسد في القول المأثور: "لا يعرف الرجل خطأ معلمه حتى يسمع الاختلاف"، وأدى الحوار بين الفرق الإسلامية إلى تفهم تعذر الاعتماد على النص، حتى القرآني منه، حجة حاسمة لنصرة هذا المعتقد أو ذاك ، "فالقرآن حمال أوجه" ، " وما من فرقة إلا ولها في كتاب الله حجة". هذا في الجدل بين المسلمين، فكيف بينهم وبين أبناء الملل الأخرى، بما فيها الديانات التوحيدية التي اعترف الإسلام بها، كاليهودية والمسيحية ، والتي كان معتنقوها يعيشون بأمان في دار الإسلام.
وعلى هذا النحو راح يبرز دور العقل حكماً أعلى في المناقشات اللاهوتية، وفي فهم العقائد الدينية نفسها.
وفي خضم هذه المشادات ظهرت وتطورت النزعة العقلانية في "علم الكلام"، أول التيارات الفلسفية في الفكر العربي الإسلامي.
وإذا كان علم الكلام وليد المناقشات بين المسلمين أنفسهم، وبينهم وبين ممثلي الديانات الأخرى، فإن "الفلسفة" بالمعنى الخاص للكلمة ، جاءت وليدة "حركة الترجمة" وأما الفارق بين هذين الاتجاهين فكان بعض المتكلمين (أصحاب علم الكلام) يرونه في انهم ينطلقون من المسائل التي يمليها الدين ، ويسيرون على "قانون الإسلام"، أما الفلاسفة فيجرون على "قانون العقل"، وافق الإسلام أم لا . وكان الفلاسفة يردون ذلك الفارق إلى كون علم الكلام يعتمد الأساليب "الجدلية" ("الديالكتيكية"، بالمعنى الأرسطي)، أما الفلسفة فتقوم على الأساليب "البرهانية...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *