جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

غازي الصوراني -عن الهوية القومية العربية وعن الديمقراطية كشرط للهوية وكضرورة لتفاعل الهويتين الوطنية والقومية

 غازي الصوراني -عن الهوية القومية العربية وعن الديمقراطية كشرط للهوية وكضرورة لتفاعل الهويتين الوطنية والقومية :

نستطيع أن نقول بأن الهوية العربية – كما نفهمها –مجموعة القيم والعناصر والسمات التي تجمعت عبر العيش في مكان وزمان واحد، ورسخت، إلى حد ما، بعد أن تفاعلت فيما بينها، وتفتق عنها شكل أخير وليس نهائي، وهو ما يميز الشعوب العربية التي ما زالت – رغم كل الأزمات والهزائم الراهنة- تشعر بهذا الانتماء القومي، وإن بدرجات متفاوتة، وتنتظر لحظة تبلوره من جديد.
نقول هذا لأننا نعتبر أن الوعي ومن ثم الالتزام بالهوية القومية، هو أولاً وعي والتزام بهويتنا الوطنية، وهو أيضاً موقف معاصر يرتبط بوجودنا وخياراتنا، ومصالحنا الآنية والمستقبلية، يرتبط برغبتنا في تجاوز التخلف صوب التحرر والاستقلال وبلوغ النهضة والتقدم في مجتمع ديمقراطي، ذلك إن الهوية القومية – في اللحظة الراهنة والمستقبل - لا تتأكد ولا تتعمق إلا في مناخ ديمقراطي، فالديمقراطية هي الأساس لتفتح الهوية، رغم إدراكنا بموقف الجماهير الشعبية الفقيرة التي ظلت قادرة دوماً وفي كل ظروف القهر على التمسك العفوي، بعناصر ثابتة لهويتها، دون التأثر بالأزمة أو الأزمات التي تعرضت لها طوال التاريخ الحديث والمعاصر، ذلك هو صمام الأمان لهويتنا الوطنية الراسخة والمتحركة في خزان الوعي العفوي لشعوبنا، لكن ذلك لا يعني على الإطلاق تجاوز الديمقراطية كضرورة لضمان صيرورة وتوحد الهويتين الوطنية والقومية، كما لا يعني تجاوز دور الوعي الطليعي الذي تجسده الثقافة الوطنية كرافد أساس في تغذية الوعي الشعبي من ناحية، وكرافد رئيسي في تعميق الهوية واثبات مقدرتها على صد التحدي الخارجي من ناحية ثانية، ففي هذه العملية يكون الصراع التحرري هو المهد النموذجي الذي تتكون فيه الثقافة الوطنية أو ثقافة الوحدة والهوية الوطنيتين –كما يقول فيصل دراج- عبر القصة والراوية والشعر والفنون والأجناس الكتابية الأخرى، إلى جانب جملة الوقائع العملية والنظرية التي تغذي الصراع التحرري وتؤمن عوامل النصر والتقدم والانتشار والتمدد في عمقه العربي المحيط، فبالنسبة للهوية الثقافية الفلسطينية، لا يمكن الحديث عنها –كما يضيف فيصل دراج- إلا كوجه متميز من وجوه الهوية الثقافية العربية، كما لا يمكن الحديث عن الهوية الثقافية العربية إلا كجملة وجوه مختلفة ومتكاملة تحتضن في داخلها الهوية الثقافية الفلسطينية، أو أي هوية ثقافية وطنية أخرى.
الانتماء القومي وإشكالية الهوية: إعادة التوازن :
طرح سؤال الهوية، في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، ولا يزال يطرح بصيغتين متباينتين، إحدى هاتين الصيغتين كانت محور الخطاب النهضوي العقلاني المتجه إلى المستقبل، والثانية كانت وما تزال محور الأيديولوجيا المهزومة ومنطقها التقليدي، وهي أيديولوجيا التسويغ والتبرير واللوذ بالماضي والدفاع الوهمي عن الذات. فالوظيفة الحضارية للهوية، هي التوحيد المعنوي والروحي والعقلي، ودورنا هو العمل على تقوية وتنمية هذه الوظيفة الحضارية، حتى تتحول هذه الثروة إلى قدرات فعلية ومؤسسية في سبيل التطوير والتقدم. إن الهوية ليست واقعاً مجتمعياً ناجزاً، وإنما هي قيم الأمة الجوهرية التي يتجدد فهمها بفعل الإنسان وفهمه وإدراكه وديناميته، وقدرته على تحدي مشكلات عصره. والإنسان هو الذي يحدد دور الهوية في واقعه المعاصر، فتقاعسه وترهله وكسله لا يحوّل الهوية إلى بديل عنه، وإنما تجعله يفسر قيم الهوية تفسيراً تبريرياً. من جهة أخرى فإن الهوية لا تتأكد ولا تتعمق إلا في مناخ ديمقراطي، فالديمقراطية هي الأساس لتفتح الهوية، وبناء المؤسسات والمواطن الحر والمدرك لمسؤولياته.
ومن الواضح أننا لا نتحدث عن القومية بمعناها العرقي بل بوصفها حقيقة اجتماعية - سياسية تاريخية، ولا بد هنا من الإشارة بوضوح إلى أن الانتماء الديني والمذهبي ليسا من باب الانتماء السياسي، بل من باب الانتماء الفكري والثقافي، الانتماء الروحي ولا يقلل ذلك من شأن الدين أو المذهب الديني.
ومن المسائل الهامة المتعلقة بإشكالية الهوية أيضاً المسألة الاجتماعية مسألة الملكية أو توزع عوامل الإنتاج بين الفئات والطبقات الاجتماعية وبين الأفراد، وحصة كل منها من الناتج المحلي والدخل القومي وطابع العلاقات الاجتماعية وعلاقة الإنتاج ومستوى تطور القوى المنتجة وصراع الطبقات... ومسـألة السلطة السياسية ومفهوم المعارضة، ذلك لأن وعي الذات هو الذي يحدد موقف الجماعة أمة أو طبقة أو حزباً.. من المجتمع ومن السلطة ويحدد موقفها من الآخر ورؤيتها للمعارضة.
وإذا كان سؤال الهوية ما يزال مطروحاَ بهذه القوة ومحملاَ بمرارة الهزائم المتلاحقة، فلأن الإنسان لم يمتلك ذاته بطريقة عملية ملموسة تتجسد سياسياَ في نظام أخلاقي مُعاش على أرض الواقع وفي نظام اقتصادي يتوفر على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، فالقهر والاستلاب ينموان طرداَ مع تركز الثروة والسلطة، ولا سيما في البلدان التابعة والمتأخرة، حيث لا تعاني فحسب من الاستغلال الرأسمالي، بل من الإمبريالية واستطالاتها العنصرية والصهيونية والرجعية بصورة أساسية، وهنا تتجلى أهمية الوعي والالتزام في الممارسة بقضايا ومفاهيم الحرية والديمقراطية وتكافؤ الفرص وسيادة القانون العادل.
إن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية إلى جانب دولة الحق والقانون العادل، وقهر التأخر وكسر حلقة التبعية وتحقيق الاندماج القومي والاجتماعي ووحدة الأمة، من أهم مفردات الإشكالية النهضوية الحديثة التي ينبغي أن تتموضع فيها مسألة الهوية بوجه عام والهوية القومية بوجه خاص.
إن مفهوم الحرية يكشف بجلاء عن جدلية التماثل والاختلاف والوحدة والتعدد، فنحن مثلاً متماثلون في الكون البشري والماهية الإنسانية، ومتماثلون في انتمائنا إلى الأمة العربية وإلى وطننا الصغير: فلسطين، لكن الانتماء القومي هو الانتماء السياسي الأعلى والأرقى والأحدث والأقرب إلى مفهوم السياسة والدولة الحديثتين.
وإذا كانت الأمة تتجسد واقعياً وعيانياً في المجتمع المدني، -وهو مفهوم غير متبلور في بلادنا العربية - فإن القومية تتجسد واقعياً وعيانياً في المجال السياسي الذي ينشئه هذا المجتمع المدني (ومعلوم أنه ليس ثمة مجتمع مدني بدون مقولة الأمة، ومقولة الشعب، وحرية الفرد وحقوق الإنسان والمواطن ومقولة الوطن وصراع الطبقات واستقلال النقابات والاتحادات والجمعيات والمؤسسات الأيديولوجية، من خلال ممارسة حق المعارضة المساوي لحق السلطة). لذلك كانت المسألة القومية، مسألة الهوية ووعي الذات، واحدة من أهم مسائل هذه المرحلة، ففي هذه البؤرة تحديداً تتولد إشكالية الهوية وعقدة الهوية في آن واحد.
فعندما تنغلق الأمة على ذاتها وتفتقر إلى رؤية ووعي تاريخي لحاضرها ومستقبلها، وتضمر في ثقافتها وممارستها العناصر الإنسانية والعقلانية، فإنها لا تنتج إلا مزيداً من الخضوع والاستبداد في مجتمع متأخر، تابع ومستباح توقف تاريخه الداخلي وتعطلت فيه آليات الانتظام تنتعش فيه البنى والعلاقات ما قبل القومية بما يؤدي الى ذبول المجتمع وضمور روح الأمة، ويكون الاستبداد لحمة الحياة السياسية.
وعندما تتكيف الأمة مع الانتهاك الاستعماري وشروط الهيمنة الإمبريالية ومع الصهيونية والعنصرية والرجعية ومع واقع التأخر والاستبداد، ونتغنى مع ذلك بالخصوصية والأصالة، تكون الهوية ارتكاساً قبيحاً وتعويضاً لا معنى لـه عن الذل والامتهان والفرقة والتشتت والضعف، ونكون إزاء عقدة الهوية فهويتنا ليست ما كنا عليه ذات يوم فقط، بل ما نحن عليه اليوم وما نريد أن نكونه في المستقبل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *