غازي الصوراني - هل مجتمعاتنا في حاجة للفلسفة في عصر العولمة ؟........
غازي الصوراني - هل مجتمعاتنا في حاجة للفلسفة في عصر العولمة ؟........
سؤال سبق أن طرحه المفكر الراحل سيد ياسين: هل نحن فى حاجة للفلسفة فى عصر العولمة؟ وجوابه نعم بوضوح – كما ورد في مقاله المنشور فى جريدة الأهرام عام 1996 بعنوان "الموقف الفلسفى الكونى"، أشار فيه إلى أهمية صياغة فكر فلسفى في عصر العولمة، لأن بعض إنجازات الثورة العلمية والتكنولوجية وخصوصا فى مجال الفلسفة الوراثية تثير مشكلات فلسفية عويصة أهمها: ما مدى أخلاقية وخطورة التلاعب بالجنس البشرى من خلال الإمكانية العقلية التى ستتاح فى المستقبل القريب للتحكم فى جنس المواليد وفى ذكائهم بل وفى سماتهم الجسمية، وهناك بالإضافة إلى هذه المشكلات مجموعة من الأسباب المتشابكة أسهمت فى صعود الفلسفة من جديد، لعل من أبرزها على الإطلاق التغيرات العالمية في هذا العصر، مع الآخذ بعين الاعتبار حاجتنا كعرب إلى خريطة معرفية متكاملة للفكر الفلسفي العربي الحديث و المعاصر. .
وهنا بالضبط تتجلى الحاجة إلى متابعة الانتاج المعرفي الفلسفي والنقدي العلماني الديمقراطي التقدمي الرافض لكل أشكال الهيمنة والاستغلال السائدة في مجتمعاتنا العربية، والتواصل معه على طريق تحقيق الأهداف الإنسانية المشتركة كما قدمها ودافع عنها فلاسفة العقلانية والتنوير والحداثة منذ ابن رشد وابن سينا والكندي مروراً بجوردانو برونو وجاليليو وديكارت وسبينوزا ومونتسكيو وروسو وفولتير وهولباخ وصولاً إلى كانط وهيجل وفيورباخ وماركس وراسل ولوكاتش وهايدجر وماركيوزه وسارتر وألتوسير وتشومسكي وفاتيمو وسلافوي جيجيك واكسيل هونيث وغيرهم، ما يعني، أن حديثي عن فلاسفة القرن الحادي والعشرين، هو إمتداد، وتواصل معرفي سياسي، مع ما سبقهم من الفلاسفة والمفكرين طوال التاريخ القديم والحديث والمعاصر، لكنه ليس امتداداً أو تواصلاً بالمعنى الكمي التوافقي، بل هو امتداد نوعي تاريخي، زاخر بالاختلافات والتعارضات من جهة، وبالتوافق والتجديد من جهة ثانية، بين الفلاسفة والمفكرين في كل المحطات التاريخية التي جسدت طموحات البشرية وصراعاتها وتناقضاتها وثوراتها وانتكاساتها منذ ثورة "سبارتاكوس" وتكريس النظام العبودي طوال أكثر من ستة قرون –قبل وبعد الميلاد- مروراً بالنظام الاقطاعي (الأوروبي والآسيوي) منذ القرن السادس الميلادي حتى القرن السادس عشر، وبزوغ عصر النهضة وولادة الرأسمالية وتطوراتها السياسية والفكرية المتنوعة سواء من موقع الدفاع عن مصالحها، أو من موقع رفضها ومقاومتها، كما جرى في كومونة باريس عام 1870 وانتكاستها السريعة، وصولاً إلى ماركس الذي وضع من خلال سِفْرَه العظيم "رأس المال" حجر الأساس للثورات الاشتراكية التي انتصرت على يد " لينين " وحزبه عبر ثورة أكتوبر الخالده عام 1917، وبداية عهد الصراع بين المعسكرين المتناقضين: الرأسمالية، والاشتراكية، الذي امتد حتى انهيار الاتحاد السوفيتي والتجربة الدولانية الاشتراكية العالمية برمتها، ومن ثم انبثاق نظام العولمة الامبريالي الراهن أواخر القرن العشرين، وامتداده بأساليب وصور متوحشه من الاستغلال حتى اللحظة الراهنة من القرن الحادي والعشرين، وما رافقها من انتاج معرفي لا إنساني ولا عقلاني، تحت مسميات فكرية/ فلسفية لا تتوقف عند المفاهيم والفلسفات العنصرية واللاعقلانية وتيارات "ما بعد الحداثة" فحسب، بل تتوالد في ظروف بشاعة العولمة، تيارات فلسفيه دينية، مسيحية واسلامية ويهودية، تدعو إلى تكريس الرؤى العنصرية والصراعات الطبقية والطائفية لحساب النظام الامبريالي المعولم من جهة، كما تدعو أيضاً إلى إعادة انتاج التخلف المعرفي والمجتمعي وتجدده في أوساط الشعوب الفقيرة والمضطهدة كما هو حال شعوبنا ومجتمعاتنا العربية اليوم، الأمر الذي يفرض على كل من يتطلع إلى الخلاص من مظاهر وأدوات الاستغلال والاستبداد وتحقيق مفاهيم التنويرو النهوض والتقدم والديمقرايطة والاشتراكية، إعادة قراءة تاريخ التطور البشري عموماً، وتاريخ تطور الفكر والفلسفات العقلانية الديمقراطية التقدمية خصوصاً، منذ ديموقريطس وسقراط والمعتزلة وإخوان الصفا وفرنسيس بيكون وديكارت وسبينوزا وجون لوك وهيوم ومونتسكيو وفولتير وروسو وهولباخ وبابوف وكانط وهيجل وفيورباخ وداروين وماركس وجرامشي وماركيوزه وهابرماس وتشومسكي وجورج لابيكا واكسيل هونيث، وذلك انطلاقاً من الترابط التاريخي المعرفي بين كل هؤلاء الفلاسفة والمفكرين من ناحية، وتعزيزاً وتكريساً وتجديداً لأفكارهم الفلسفيه التقدمية الديمقراطية، بما يخدم تطلعاتنا في خدمة أهداف ومصالح البشرية عموماً، والشعوب المضطهدة خصوصاً من ناحية ثانية، ليكون القرن الحادي والعشرين قرناً حاملاً لرياح التغيير الديمقراطي والنهوض الثوري بآفاقه الاشتراكية، وذلك بشرط امتلاكنا الواعي العميق لجوهر المسار الفلسفي التقدمي التاريخي المشار إليه، إلى جانب امتلاكنا بصور وعي أكثر عمقاً، للتطورات والاكتشافات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق