غازي الصوراني ـ ما هو التنوير الذي يليق بهذا القرن الحادي والعشرين ويدعو إليه الفيلسوف وعالم الاجتماع الالماني هابرماس؟
غازي الصوراني ـ ما هو التنوير الذي يليق بهذا القرن الحادي والعشرين ويدعو إليه الفيلسوف وعالم الاجتماع الالماني هابرماس؟
على هذا السؤال يجيب الرجل مطولاً في كتبه الكثيرة والصعبة عموماً، فقد اخترع نظرية فلسفية كاملة لاقتراح بديل متكامل، ولذا رأى بعضهم أنه "كانط جديد" أو "هيغل جديد"، جاء لكي ينقذ الغرب من الوقوع في مهاوي العدمية والتفسخ والضياع، فكما أن سلفيه الكبيرين بلورا صيغة عن العقل تناسب عصرهما وتلبي مشكله وحاجياته، فإنه يحاول جاهداً بلورة صيغة تناسب هذا العصر وحاجياته.
لن نستطيع هنا أن ندخل في كل التفاصيل المعقدة لنظرية هابرماس عن "العقل التواصلي أو الحواري" –كما يقول هاشم صالح-، وإنما سنكتفي ببعض الإيضاحات البسيطة:
"يمكن القول بأن مشروعه كله ينضوي تحت العنوان العريض التالي: "أخلاقية المناقشة الحرة والديمقراطية". بمعنى: لا يحق أن أفرض رأيي عليك بالقوة، وإنما من خلال النقاش والجدل الحر، وإذا لم أتوصل إلى ذلك فعلى الأقل تكون مواقعي قد توضحت وكذلك مواقعك أنت، وتكون الإشكالية الفكرية قد انكشفت على حقيقتها، وتوضحت من كل جوانبها، وهذا بحد ذاته إنجاز ومكسب، فالحوار اللغوي يحتوي على إمكانيات ضمنية للتواصل والتفاوض والنقاش، وينبغي أن يُحَتَرم هذا الحوار ويُماَرس على المستويات كافة للتوصل إلى تسويات عقلانية مقبولة من الجميع، أما إذا مُنِعَ الحوار وفُرِضَ الرأي، فإن المجتمع قد ينفجر.
هذا "باختصار شديد، ملخص نظرية هابرماس، التي تتطلب مجلداً كاملاً لتوضحيها. يضاف إلى ذلك أنه من خلال الحوار الحر تنكشف في لحظة ما، المحاجة الأقوى والأفضل، ويتبناها مختلف الفرقاء المنخرطين في عملية الحوار، فالإنسان الحر لا يخضع إلا للمحاجة العقلانية التي تثبت صحتها وأرجحيتها، وعلى هذا النحو يحاول هابرماس أن يتجاوز العقلانية الضيقة – أو التي أصبحت ضيقة للقرن الثامن عشر من جهة – والنقد المدمر للعقل والعقلانية لدى فوكو ودريدا وغيرهما من جهة أخرى، وهكذا يشق طريقاً جديدة لإنقاذ العقلانية التنويرية، إنه يحاول أن يخرج من التطرف والتطرف المضاد في آن معا ويتوصل إلى بلورة عقلانية جديدة تليق بعصر الديمقراطية".

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق