غازي الصوراني _رؤيتي لمفهوم المجتمع المدني وتطبيقاته في مجتمعاتنا العربية ..........
غازي الصوراني _رؤيتي لمفهوم المجتمع المدني وتطبيقاته في مجتمعاتنا العربية ..........
إن رؤيتي لمفهومِ المجتمعِ المدني وتطبيقاته في بلادنا، تتجاوز التجزئة القطرية لأي بلد عربي، تتجاوزها كوحدة تحليلية قائمة بذاتها (مع إدراكنا لتجذر هذه الحالة القطرية ورسوخها)، نحو رؤية اشتراكية ديمقراطية قومية -تدرجية- تنطلق من الضرورة التاريخية لوحدة الأمة -المجتمع العربي، وتتعاطى مع الإطار القومي كوحدة تحليلية واحدة، ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، في بنيتها التحتية ومستوياتها الجماهيرية الشعبية على وجه الخصوص. على أن الشرط الأول للوصول الى هذه الرؤية -الهدف، يكمن في توحد المفاهيم والأسس العامة، الأيديولوجية، والسياسية، والاقتصادية-الاجتماعية، للأحزاب والقوى والفصائل اليسارية الديمقراطية العربية داخل الإطار الخاص في كل دولة قطرية عربية على حدة كخطوة أولية، تمهد للتوحد المعرفي والسياسي العام الذي يسبق التوحد التنظيمي المطلوب تحققه كضرورة تاريخية، في مرحلة لاحقة، بعد توفر وإنضاج عوامله الموضوعية والذاتية، وذلك »بإيلاء الأيديولوجيا أهمية وصلاحية غير عاديتين في المقاربة الماركسية العربية للتجريبي والممكن، فالماركسية العربية -كما يقول مهدي عامل- لم تكن في جملتها سوى فلسفة أخلاقية للتعبئة، وأنها كانت تبعا لذلك قاصرة عن ان تبدع برنامجها النظري السياسي، من هنا أهمية التركيز على حقل المعرفة كحقل مميز من حقول الصراع الطبقي« ذلك إن وحدة المفاهيم أو الإطار المعرفي السياسي، ووضوحها لدى هذه الأحزاب والقوى، ارتباطاً بوضوح تفاصيل مكونات الواقع الاجتماعي -الاقتصادي-الثقافي العربي، ستدفع نحو توليد الوعي بضرورة وحدة العمل المنظم المشترك، وخلق »المثقف الجمعي العربي« عبر الإطار التنظيمي الديمقراطي الاشتراكي الموحد من ناحية وبما يعزز ويوسع إمكانيات الفعل الموجه نحو تحقيق شروط »الهيمنة الثقافية« في أوساط الجماهير الشعبية من ناحية ثانية، وذلك إدراكا منا لهدف جرامشي الحقيقي، أو البعيد، من استخدامه لمقولة »الهيمنة الثقافية«، فهو رغم إضافته الهيمنة الثقافية وجعلها ساحة الصراع الأساسية في المرحلة ما قبل الثورية، إلا أنه بعيد كل البعد عن إحالة مهمات التغيير على عاتق المجتمع المدني القائمة، فالأدوات الأساسية للتغيير التي يجب أن يعمل من خلالها، المثقفون العضويون الذين يحملون فكر التغيير، هي الحزب الاشتراكي من أجل تحقيق الهيمنة الأيديولوجية الكفيلة بإزالة الفرق بين الدولة والمجتمع، ذلك إن مفهوم المجتمع المدني عنده، ليس هو مفهوم الاتحادات والجمعيات الطوعية والمؤسسات المدنية القائمة على التواصل العقلاني، على العكس من ذلك، يعتقد جرامشي أن مسألة الهيمنة الثقافية لا يمكن حسمها عقلانياً، وإن الحزب القادر على الهيمنة الثقافية هو »الحزب الاشتراكي«، القادر بمثقفيه العضويين، أي الذين يتحزبون بوضوح لفئة اجتماعية بعينها، على التحول من ثقافة النخبة الى ثقافة الجماهير، وعلى تملك مشاعر الجماهير وأحلامهم، والتحول الى مُركّب من مركبات هويتها الثقافية، والتحول الى »دين جديد« (أو فكرة مركزية توحيدية) يزود الناس بمعنى لحياتهم، ويجندهم باتجاه التغيير نحو مجتمع أفضل ، يكون هدف النضال السياسي فيه كسر استبداد الأنظمة وتجاوزها، وإخراج الجماهير الشعبية من حالة الإحباط والركود، وتفعيل دورها الذاتي المدرك لوجوده، كميدان رئيس للفعل الجماعي والارادة الشعبية الخلاقة لتحقيق أهدافها في التحرر القومي والديمقراطي، عبر التصدي ومقاومة العدوانية الصهيونية الإمبريالية على بلادنا، وإزاحتها من جهة، في موازاة النضال من اجل التحرر الديمقراطي الاجتماعي الداخلي وفق قواعد الاعتماد العربي على الذات للخلاص من التبعية والتخلف وتحقيق الديمقراطية وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية من جهة ثانية.
بهذا التصور، يصبح تعاملنا مع مفهوم المجتمع المدني، مرحلياً، وبعيداً عن المشروع الرأسمالي وحرية السوق والليبرالية الجديدة، وبالقطيعة معها، دون أن نتخطى أو نقطع مع دلالات النهضة والحداثة في الحضارة الغربية من الناحية المعرفية والعقلانية والعلمية والديمقراطية وجميع المفاهيم الحداثية الأخرى، وتسخيرها في خدمة أهدافنا في التحرر القومي والبناء الاجتماعي التقدمي بآفاقه الاشتراكية كمخرج وحيد لتجاوز أزمة مجتمعنا العربي المستعصية، مدركين أن هذه الأهداف تتشابك وتترابط بشكل وثيق مع الأهداف الإنسانية بصورة عامة، ومع أهداف الشعوب الفقيرة في العالم الثالث خصوصاً من اجل إخضاع مقتضيات العولمة لاحتياجات شعوب هذه البلدان وتقدمها الاجتماعي، ومن أجل الإسهام في بناء النظام السياسي العالمي الجديد الرافض لسلطة رأس المال الاحتكاري. لقد حانت اللحظة للعمل الجاد المنظم في سبيل تأسيس عولمة نقيضة من نوع آخر عبر أممية جديدة، ثورية وعصرية وإنسانية...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق