جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

(الكيف... وهنا لندن)حسن الحسني العلوي

 (الكيف... وهنا لندن)حسن الحسني العلوي

كان والدي يعود من عمله في الستينات والسبعينات مرهقا، لكن وهو المنحدر من مدينة عتيقة(مولاي إدريس زرهون)ألقى به البحث عن لقمة العيش -وهواليتيم - في حي شعبي :-درب لعفو بالدار البيضاء- لابد له من جلسة بطقوس خاصة : يضع خشبة متوسطة الطول وبعرض بضع سنتيمرات ، ويضع فوقها سكينا قبضته من خشب رأسه دائري ( موس بوضلعة) ويخرج حزمة كيف بعد أن يفتح لفافة ورقية ويبدأ في قصها بهدوء وتأني ،وإذاعة لندن تجلجل من راديو بجانبه ،يجمع ماقص ثم يعود لنتره وإعادة القص بالسكين مرات ومرات ، بينما يَنْكُت على الأرض من قراب جلدي ماجمعه خلال يومه من مال ورقي ونقود من عمله البسيط،فاقوم ببسط الأوراق ووضع كل فئة مع بعضها ليعدها، وينطق قائلا : " الله يجعلهم في يديك مايجعلهم في قلبك" فابتسم له وهو يصغي لآخر الأخبار بأصوات مجلجلة ،لا ينتهي الطقس إلا بجمع المسحوق في المطوي وهو عبارة عن جلدة صغيرة ومخيطة تُطوى يُعبئ منها شقفه الطيني ويشعله بثقاب ورقي مُقَوّى تحمل علبته رسما لاسد اطلسي وعلى ظهر العلبة كتب : " إنكم باستعمال المواد المغربية ستساهمون في إقتصاد البلاد" ،ويرتشف من عود شقفه في انتشاء ، وتتالى حِكَمه ونصائحه،كان هذا زمن البلية، وبعد أن عفا الله ،لازم والدي الاستماع للأخبار، قبل أن ينتقل إلى التلفاز دون تفريط في الراديو ،لا أكاد أدخل إليه الآن وقد نيًف عن التسعين حتى يبادرني بسؤال عما يجري في فلسطين أو الشرق الأوسط أو الحرب الأكرانية، وفاجئني انه مُسّيسٌ لشغفه بتتبع الأخبار ويميز أطراف العلاقات الدولية ،هذا الوالد حفظه الله أذكر له وأنا في سن الثالثة والعشرين عندما حضر "زوار الظلام" وعصبوا عيني وأخذوني استقل دراجته "موبليت" ذات الهدير الذي حفظناه سمعيا (نوع من الدرجات النارية) وتَبَع سيارتهم وهم ينهرونه ويحاولون ثنيه عن ذلك ، وانا ارمق رغم العصابة على عيني لأن بها ثقب صغير مشمع يبدو انه حرق سيجارة استقر على بؤبؤة إحدى عيني ،سارعت سيارتهم من شارع حسن العلوي لتستقر بدرب مولاي الشريف بالحي المحمدي لتبدا مباشرة جلسات التعذيب في يوم رمضاني ،بحدسه الابوي احس انه سيفقدني لسنوات وأنا الذي لا تحلو له جلسة الا وأنا أمامه أتحرك او يعاكس كل ما أقوله أو يشتمني باصناف الخضر لانه كان يعمل كحارس.. بسوق الجملة للخضر والفواكه ، هذا الوالد أذكر له انه حملني وأنا صغير مسرعا إلى المستعجلات عندما قُطع اصبعي في لعبة بحديقة صغيرة كان بها خيط حديدي مفتول وجرارة ينزل بها الأطفال متعلقين بها من الأعلى إلى الاسفل في - حديقة صغيرة كانت في مكان المحطة الطرقية بالبيضاء التي كان نصفها عبارة عن غابة وملعب وحديقة صغيرة قبل تحويلها كاملة لحديقة ثم محطة- وحدث ان كانت يدي على الحبل المفتول لتدهسها الجرارة فتقطع اصبع خنصر يدي اليمنى ،جرى بي والدي في كل الاتجاهات لنركب طاكسي صغير وهو يرفع يدي وأصبعي المتدلي ، وبعد خياطة الاصبع وأخذ حقنة بَطْنية بمستعجلات مستشفى ابن رشد ، أردنا العودة إلى المنزل فلم يجد يومها ثمن سيارة أجرة فحملني على كتفه راجعا وهو يتصبب عرقا وأنا الطفل الغبي تتدلى رجلاي على كتفه في انتشاء ومرح،..... واليوم سمعت عن إعلان تقليص نفقات قد تطال إذاعة لندن التي لي معها ذكريات هي ومجلتها ، وقد تذهب لغير رجعة ويذهب هديرها الذي لاطالما سمعته حتى في حمّام الحي من راديو خشبي كبير واجهته ثوبية صفراء يجلجل بجانب المستخلص وحارس الملابس،ستذهب إذاعة لندن لكن والدي حفظه الله ومتعني برضاه باق ومستمر فيَ .
حسن الحسني العلوي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *