خطاب التخاذل والتبرير: الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بين الولاء والمهزلة.أبوعلي بلمزيان.
خطاب التخاذل والتبرير: الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بين الولاء والمهزلة.
لم يكن إدريس لشكر في حواره الأخير سوى نسخة مكررة من ذلك النموذج السياسي الذي يحاول دائماً التوفيق بين الانبطاح والخطاب المتذاكي، في محاولة لإرضاء النظام من جهة وإعطاء الانطباع بأنه لا يزال يحتفظ بشيء من المواقف التاريخية لحزبه من جهة أخرى. لكن الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي أن حديثه عن القضية الفلسطينية لم يكن سوى امتداد طبيعي لمسار طويل من التدجين السياسي، حيث أصبح الخطاب المتخاذل عنواناً رئيسياً لكل من اختاروا أن يكونوا جزءاً من اللعبة الرسمية على حساب المواقف المبدئية.
حين وصف ما حدث منذ السابع من أكتوبر بأنه "نكسة عميقة"، فهي فعلا نكسة عميقة لذهنية شاخت وأتلفت خلايا مخها ولم تعد قادرة على التوفيق بين الانتماء الى التاريخ المجيد للحركة الاتحادية وبين السقوط المدوي في وحل الانتهازية السياسية، بذلك الموقف لم يكن يفعل أكثر من إعادة تدوير المفاهيم البالية التي طالما استخدمت لتبرير الهزائم وإلقاء اللوم على الضحايا بدل الجلادين. لم تكن غزة في معركة متكافئة مع الاحتلال حتى يستساغ قبول وصف ما حدث بأنها تعرضت لنكسة، ولم يكن الشعب الفلسطيني يخوض صراعاً دبلوماسياً حتى نقول إن القضية تراجعت في سلم الأولويات الدولية. ما يجري هو ببساطة مجزرة إبادة منظمة، يتم تنفيذها على مرأى ومسمع العالم، بدعم مباشر من القوى الإمبريالية وتواطؤ الأنظمة العميلة، والتي لا يمكن أن يُستثنى منها النظام الذي يحاول لشكر مخاطبته بلغة الإيعاز.
حديثه عن الدمار الذي أصاب غزة وكأنه نتيجة سوء تقدير أو خطأ استراتيجي لا يخرج عن الإطار التقليدي للموقف الرسمي العربي، الذي يُدين الاحتلال بلسان متلعثم، ويدور تحت الطاولة أشياء اخرى، بينما يُحمّل المقاومة وزر العدوان. محاولة استدعاء تصريح موسى أبو مرزوق في هذا السياق لم تكن إلا محاولة فاشلة لتقديم مبرر إضافي لخطابه المهزوم، وكأن المقاومة الفلسطينية بحاجة إلى شهادات حسن سلوك من بعض قياداتها المنفلتة من عقالها حتى تثبت شرعيتها. المقاومة ليست اختياراً سياسياً قابلاً للنقاش، وليست خياراً تكتيكياً يخضع لمزاج هذا القائد أو ذاك، بل هي حق طبيعي ومشروع لشعب يقاتل من أجل البقاء في وجه كيان استيطاني استعماري لم يكن ليستمر لولا الحماية التي يوفرها له النظام العالمي، ولولا الخدمات التي تقدمها له الأنظمة المطبعة والمتخاذلة.
لم يكن لشكر معنياً بتقديم موقف صادق أو جريء، بل كان يسعى فقط إلى تمرير رسائل الطمأنة إلى دوائر القرار، بأن الاتحاد الاشتراكي لم يعد ذلك الحزب الذي كان يحمل في يوم من الأيام شعارات مناهضة للإمبريالية والصهيونية، وأن قيادته اليوم مستعدة لتقديم كل التنازلات الممكنة من أجل البقاء ضمن المعادلة السياسية الرسمية. هذا ما يسميه البعض بذكاء النخبة! أي ذكاء هذا الذي يسوقه بعض الازلام؟ .فليس غريباً إذن أن يأتي حديثه باهتاً ومتخاذلاً، لأن المطلوب منه لم يكن الدفاع عن القضية الفلسطينية، بل تأكيد ولائه لمعادلات السلطة التي لا مكان فيها لأي موقف يتجاوز سقف الخطاب المرسوم سلفاً.
المثير للسخرية هو أن محاولته لعب دور المحلل الموضوعي بحديثه عن "التراجع في ترتيب القضية على سلم الأولويات"، لا تعبر سوى عن جهل أو تواطؤ مقصود. القضية الفلسطينية لم تكن في يوم من الأيام قضية تتقدم أو تتراجع حسب مزاج القوى الدولية، بل كانت وستظل قضية تحرر وطني مرتبطة بموازين القوى على الأرض، حيث لم يكن أي إنجاز فلسطيني ثمرة تعاطف دولي أو اعتراف دبلوماسي، بل نتيجة مباشرة لصمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال وإصرارهم على مقاومته بكل الوسائل المتاحة.
ما لم يقله لشكر، وما كان عليه أن يقوله لو كان يملك الحد الأدنى من النزاهة الفكرية، هو أن ما يحدث اليوم ليس مجرد "نكسة"، بل استمرار لمشروع استعماري إحلالي لا يمكن مواجهته إلا بالمقاومة. وما كان عليه ألا يقوله هو تكرار نفس الخطاب الرسمي الذي يساوي بين الجلاد والضحية، ويوحي بأن المأساة الفلسطينية مجرد أزمة عابرة يمكن حلها بالوساطات والتفاهمات. لكن هذا هو الثمن الذي يدفعه كل من يختار أن يكون جزءاً من المنظومة، حيث يصبح التخاذل فضيلة، ويصبح الدفاع عن المقاومة تهمة، ويصبح الحديث بلغة الحقيقة جريمة لا تغتفر.
- الحسيمة في 29 مارس 2029.
- أبوعلي بلمزيان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق