جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

في تداخل الوطني بالديموقراطي والسيادي: مقاربة جدلية...عمران حاضري

 في تداخل الوطني بالديموقراطي والسيادي: مقاربة جدلية...

ليس ثمة انفصال موضوعي بين المسألة الوطنية والمسألة الديموقراطية، ولا بين السيادة السياسية والسيادة الشعبية... فمنذ انبثاق المفاهيم الحداثية التقدمية ، العقلانية ، التنويرية ، كانت الديموقراطية تعبيرًا عن إعادة تشكيل المجال العام والسيادة لصالح عموم الشعب الكادح ، في مقابل ما كان سائدا من السيادات التكتلية التسلطية و الشكلانية القديمة التي راكمتها الإقطاعية و الملكية ، أو الرأسمالية و الاستعمارية ...بهذا المعنى، فإن الوطنية، حين تكون تحررًا من التبعية، ليست مجرد رابطة شعورية أو انتماء ثقافي، بل شرط مادي وسياسي لتأسيس الديموقراطية...!
* إن السيادة الوطنية، في سياق التبعية البنيوية للرأسمالية العالمية، لا يمكن الحديث عنها حيث لا يمكن أن تشكل مشروعًا ناهضا يمكن اعتماده و التأسيس عليه لبناء الديموقراطية وبالتالي لبعث منظومة ديموقراطية تمثل الإرادة الشعبية الجمعية، لا النخبوية أو الفوقية...! *فالديموقراطية لا تُختزل في آليات الانتخاب أو التمثيل، بل تقوم أساساً على ضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها ، في الاقتصاد والسياسة والثقافة و المواطنة المتساوية...
* وهنا يتقاطع السيادي بالديموقراطي: إذ لا سيادة حقيقية دون انبثاق السلطة من الشعب، ولا ديموقراطية فعلية في ظل "سيادة" هلامية ، مشوهة أو مرتهنة بحكم التبعية ...!
* في تجارب التحرر الوطني، بدا هذا التداخل جليًا... فحركات التحرر الكبرى لم تكن تطالب فقط بالخروج من ربقة الاستعمار، بل ربطت ذلك دومًا بإعادة توزيع السلطة والثروة... لهذا، فإن كل مشروع وطني لا ينفتح على الأفق الديموقراطي الشعبي سرعان ما يتحول إلى إعادة إنتاج للهيمنة، ولو بأدوات محلية. والعكس أيضاً صحيح : فإن استجلاب و استحضار الديموقراطية على النمط الليبرالي دون تحرير الشروط الوطنية للسيادة، و دون توفير شرطها الاجتماعي ، غالبًا ما ينتج "ديموقراطيات" شكلانية هجينة و هشّة، ، تخضع لتوازنات السوق والإملاءات الخارجية الناهبة للثروات و المنتهكة لسيادة الشعب و الوطن...!
* إن ما يجمع بين الوطني، والديموقراطي، والسيادي، هو مشروع التحرر الوطني الديموقراطي الشعبي ... تحرر من الهيمنة الأجنبية، ومن الاستبداد الداخلي، ومن البُنى الأيديولوجية التقليدية و السطحية الملوثة للوعي الجمعي و التي تعيد إنتاج التبعية تحت شعارات هلامية ضبابية ملتبسة حول"الحداثة أو الإصلاح" أو "التراث"...!
* لذا فإن أي تفكيك لهذا التداخل، أو اختزال أحد عناصره، هو تقويض للمشروع التاريخي الشامل للتحرر الوطني الديموقراطي الشعبي في سياقات الصراع ضد الإمبريالية و النظام التابع ، بالتالي "لا يمكن الحديث عن تحرر طبقي دون تحرر وطني"...!
* كما أن الصراع ضد المشروع الص.هيوني ككيان وظيفي ، و مناهضة و تجريم كافة أشكال التطبيع ، هو صراع وطني و طبقي إجتماعي بامتياز لأن الوجود الص.هيوني يقوم على كونه "مرتكز عسكري" لفرض السيطرة الإمبريالية بصفة عامة و الأمريكية بصفة خاصة ، بالتالي هذا المشروع الإجرامي العدواني هو مكون أساسي من آليات فرض الهيمنة و التجزئة و التخلف و كبح مقومات التطور و التقدم بوجه التحرر الوطني و الانعتاق الاجتماعي...!
* بالتالي الديموقراطية ، هي فعالية مجتمعية و فعل قصدي عقلاني في التاريخ و معركة مستمرة ، على رأس جدول أعمال الأطياف الوطنية التقدمية الناهضة... و مطلب سيادي شعبي ، حين تُطرح من موقع الشعوب لا من موقع الهيمنة و النظم التابعة ، و هي تعبير سيادي بامتياز... !
* إنها لا تُمنح من الخارج ولا تُفرض عبر "الإملاءات " أو التدخلات "الإنسانية المزعومة مشبوهة المنطلقات و الاهداف...! بل تُنتزع في معمعان النضال و من قلب الصراع الاجتماعي والسياسي، كحقّ أصيل لعموم الشعب الكادح و النخب السياسية الوطنية التقدمية الناهضة في تقرير المصير... !
* فكل تدخّل خارجي، مهما كانت نواياه المعلنة، يحمل في جوهره منطق الوصاية و التدخل السافر ويعيد إنتاج التبعية، سواء اتخذ شكل دعم لبعض "النخب المناشدة لهكذا دعم" عبر عناوين متنوعة أو عبر تدخّل عسكري للاحتلال أو بسط الهيمنة تحت عنوان "إنقاذ الديموقراطية" كشعار مخادع لتبرير العدوان و ما حصل على سبيل المثال ، في أفغانستان والعراق و ليبيا و سوريا خير شاهد على ذلك...!!!
*إن التأسيس لديموقراطية حقيقية لا يتم إلا على قاعدة الإرادة الشعبية والسيادة الوطنية، أي من خلال نضالات داخلية تفرض ميزان قوى جديد ينتصر للشعب الكادح و استحقاقاته و للوطن و سيادته ... لا عبر استعارة مشاريع فوقية تجريدية مسقطة و مشروطة بمصالح المانحين أو بتوجيهات المؤسسات المالية الدولية...!
* فالديموقراطية لا تُستورد ولا تُفرض، بل تُبنى بوسائل سيادية، من داخل الحقل الاجتماعي من خلال الأطياف المدنية و السياسية الوطنية التقدمية الذي تطالب بها و تخوض معاركها و تدفع ثمنها غاليا...!
* ولهذا، فإن كل محاولة للارتكان إلى الخارج لتحقيق "تحول ديموقراطي" ، إنما تُفرّغ هذا المطلب من مضمونه الشعبي و الإنساني ، وتحوّله إلى أداة لإعادة دعم النفوذ الخارجي باسم "الإصلاح السياسي"...!!! *فالديموقراطية ليست وظيفة "استعمارية جديدة" ، بل هي تجلٍّ لتحرر الشعوب من كل تبعية، داخلية كانت أم خارجية و من كل هيمنة أجنبية و استبداد داخلي ...!
* السيادة بأبعادها المتعددة بحاجة إلى مقاربة طبقية و إنسانية قيمية...!
*ليست السيادة مفهومًا قانونيًا فحسب، بل هي علاقة اجتماعية وصراع مادي متجذّر في البنية الطبقية للمجتمع... فمن منظور اجتماعي طبقي و إنساني تحرري، لا يمكن الحديث عن "سيادة وطنية" مجردة، دون النظر إلى من يملك أدوات هذه السيادة، ولحساب من تُمارس...!!!
* "فسيادة الدولة" ، إن لم تكن تعبيرًا عن سيادة الشعب الكادح والمُنتج، تتحول إلى مجرد شعارات هلامية تضليلية و قشرة شكلية تُدار من فوق لحماية مصالح الطبقات المالكة أو القوى المسيطرة، و نمط الإنتاج المهيمن في المجتمع...
* السيادة الوطنية، حين تُفهم كتحرر من السيطرة الإمبريالية والتبعية للمراكز الرأسمالية، لا تكتمل إلا بارتباطها بإعادة توزيع السلطة والثروة داخليًا بما يضمن سيادة الشعب على قراره و وثرواته...!
* إذ لا معنى لفك الارتباط مع السوق العالمية أو المؤسسات المالية الدولية النهابة، إذا ظلت البُنى الداخلية تابعة لنمط رأسمالي تبعي رث ، يراكم الثروة عند قلة ويفقر الأغلبية الساحقة ...!
* فلا سيادة وطنية دون تمكين الجماهير الشعبية من السيطرة على مواردها وأدوات انتاجها ، ففي غياب هكذا سيادة ، تُعزز عملية إعادة إنتاج الاستبداد الداخلي و مزيد الإستغلال و الاستلاب ... و الانخراط الطوعي في صندوق النقد الدولي كقاتل إقتصادي و آلية للاستعمار الجديد...!
*:تُختزل السيادة الشعبية غالبًا في صناديق الاقتراع أو في مفاهيم التمثيل السياسي، لكن من منظور اجتماعي طبقي تحرري ، السيادة الشعبية تعني القدرة الفعلية للطبقات الكادحة والمُهمّشة على المشاركة في اتخاذ القرار، ورسم السياسات، وتوجيه الاقتصاد والثقافة والتعليم و الصحة ... إنها تعني تجاوز الدولة كأداة قمع طبقي، نحو نموذج ديموقراطي ثوري ، حيث تتحول الجماهير الشعبية و النخب السياسية إلى ذات فاعلة، لا مجرد كائنات انتخابية ، صاغرة أمام الكيانات التبعية الريعية الحاكمة...!
*السيادة السياسية لا تتحقق بمجرد امتلاك "علم وحدود وجيش"، بل بمقدار ما تُعبّر الدولة عن الإرادة العامة، لا عن مصالح البيروقراطية أو التحالف الطبقي المسيطر...!
* من هنا، لا بد من مساءلة شكل السلطة، طبيعتها، من يتحكم بها ولصالح من تُسَنّ القوانين وتُدار الأجهزة... الدولة ليست محايدة؛ ومنظومة الحكم جزء من الصراع الطبقي، لا خارجه...! ففي ظل التبعية لا يمكن الحديث لا عن السيادة و الاستقلال و التنمية... فالتنمية الوحيدة هي تنمية التخلف...!
*كما أن السيادة على الثروات و السيادة الغذائية: تطرح سؤال الأرض والعدالة ذلك لأنه في ظل الرأسمالية العالمية، تتحول الزراعة إلى قطاع خاضع للربح و المضاربات ، لا لحاجات المواطنين الأساسية في الغذاء...
* السيادة الغذائية، من هذا المنظور، ليست الاكتفاء الذاتي فحسب، بل استرداد القرار الإنتاجي الزراعي من الشركات الكبرى، وإعادة الاعتبار للفلاحين الفقراء و العمال الفلاحيين وصغار المنتجين، وضمان توزيع عادل للأرض والماء والبذور ...!
*؛إنها معركة ضد الجوع، وضد الرأسمالية الزراعية أو ما يطلق عليها " الإمبريالية الخضراء" التي تُصَدّر المجاعة إلى الجنوب العالمي باسم التجارة الحرة... إلى جانب إغراق البلدان التابعة بالبذور المعدلة جينياً و هي محرمة في بلدان مراكز راس المال...( و على سبيل المثال هناك وحدة فلاحية تابعة للسفارة الأمريكية بتونس تعنى بالتسويق لهكذا بذور مهجنة)
*للسيادة أيضا بعدها الإنساني القيمي...
*السيادة، في بعدها الإنساني، تتأسس على مركزية الإنسان في بعده القيمي العقلاني و التاريخي بوجه السوق و ما تعنيه من ثقافة استهلاكية و تشيؤ الروابط الإنسانية و قمع طبقي و تمييز اجتماعي و تبعية واستبداد و استلاب...
و تتأسس كذلك على إعادة بناء العلاقة بين الفرد والمجتمع على أساس المواطنة المتساوية و بناء الذات و الحداثة التقدمية الديموقراطية الحقيقية و الإرادة الشعبية و العدالة الاجتماعية المنشودة و التعويل على الذات باعتباره خيار استراتيجي و معركة وجود و كرامة وطنية و جسر عبور نحو السيادة الفعلية...! ( ربما من المفيد استلهام الدرس من إيران من خلال صمودها و الانتصار في إقامة معادلة الردع تجاه عدوان الك.يان و الامريكان ، حيث نجحت رغم الحصار و الاختراقات و الثغرات في التصدي ببسالة للعدوان ضربت العدو في المقتل ...! و هنا ربما يمكننا القول بأن التاريخ سيسجل ان الإغريق القدامى احتلوا طروادة عن طريق حصان...! وأن الكيانات التبعية الريعية يجري احتلالها عن طريق التبعية و آلية صندوق النقد الدولي...! وأن إيران أفلحت إلى حد ما في "ثورتها النووية" فيما ربما أفلحت الكيانات التبعية الريعية العربية التط.بيعية في "ثورتها المنوية" ، برعاية اطلسية "ابراهيمية"!!!
* و بمعنى من المعاني يمكن إدراك "إنتصار إيران" إذا ما اعتبرناه انتصارا في الجولة الأولى لا بصفته حدثا خاطفا بل بصفته تم نتيجة و ثمرة التأسيس له منذ سنين ، بتخطيط محكم و بفكر استراتيجي ثاقب و بفلسفة التعويل على الذات و تمللك التكنولوجيا و فك الارتباط مع التبعية التي كانت قبل الثورة ... )... و إلى ذلك ، الحرية التي ترنو لها الشعوب كضرورة حياتية و معركة تحرر مستمرة بأبعادها الديمقراطية الوطنية و السيادية ،،، و لعله من المفيد ، الاستلهام من مقاربة المفكر سمير امين في آليات و ميكانيزمات فك الارتباط التدريجي مع التبعية ... و أن تصبح معركة السيادة الفعلية جزءا من كل منظور يسعى إلى تحقيق التطور و الحداثة الحقيقية التقدمية الناهضة صوب بناء مجتمع منتج و متحرر و مستقل... !
عمران حاضري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *