جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

خاطرة حول : الحرية بين الظلم و صراع المفاهيم...! عمران حاضري

 خاطرة حول : الحرية بين الظلم و صراع المفاهيم...!

الظلم ليس حادثاً أو تجاوزا قانونياً كما يسوق له ، بل بنية طبقية كاملة تمتد في الاقتصاد كما في السياسة و الثقافة و المدرسة و الإعلام و تتجسد في جهاز الحكم حين يصبح قانونها درعاً للاقوياء و سيفا على الضعفاء... لهذا فإن الدفاع عن سجناء الرأي و المعارضين السياسيين ، ليس دفاعاً عن أفراد فقط ، بل عن الطبقة التي تسحق يوميا دون أن تصدر بحقها احكام...!
ليس سجين الرأي مجرد فرد منع من الكلام ، بل هو إنسان اصطدمت كلمته بالبنية العميقة التي تنتج الخوف و الصمت...!
ففي قلب المعركة بين الإنسان و هشاشة الوجود ، تتبدّى الحرية لا كامتياز قانوني عابر، بل كحقل صراع تتقاطع فيه الذاكرة الجماعية مع التاريخ الطبقي ومع الأحلام المنهوبة للشعوب...
فليست الحرية خطابًا يرفعه الأقوياء حين تناسبهم الموازين، بل هي اختبار الحقيقة حين تنقلب السلطة على المجتمع ، وحين يُقاس جوهر الإنسان بقدر ما يستطيع أن يقول “لا” في وجه الظلم ، أو “نعم” في وجه الحق المنهوب...!
وهنا، يتشقق السطح الليبرالي للحرية، ذلك السطح الذي كثيرًا ما يعلّق نجاة الفرد على مجرد “حق الكلام” ارتباطاً بحرية السوق ، بينما يظل الجسد الاجتماعي معلّقًا على صليب الاستغلال، وتظل الجماهير مكبّلة في شروط وجودها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... فالمفهوم الليبرالي للحرية نظريا على الأقل، في صيغته السائدة، قد يكتفي بحماية الصوت الفردي ما دام لا يُربك بنية السوق ولا يهدد علاقة الهيمنة...!
أما الحرية في التصور الطبقي التحرري الإنساني القيمي ، فهي حركة تحرر مستمرة و فعل قصدي عقلاني تاريخي ، يخلخل البنية ويعيد صياغة الوجود ، لأنها لا تفصل الصراع من أجل حرية الكلمة عن الصراع من أجل الخبز والكرامة والعدالة في كافة مفردات الحياة...
ومن هنا تنشأ تلك العلاقة الملتبسة، الموتورة، بين التصورين ؛ علاقة تكشف أن الظلم ليس حادثًا لغويًا يقع عند حدود التعبير ، بل منظومة طبقية تتجسّد في توزيع الثروة، وفي تموقع السلطة، وفي أشكال السيطرة الممنهجة والثقافية والسياسية...
فالاستبداد ليس مجرد قمع للرأي، بل هو حصيلة تاريخ طويل من تراكم الامتيازات ومن بناء دولة ترى الناس رعايا أو مجرد ذرات ، قبل أن تراهم مواطنين فاعلين...!
و بهذا المعنى يتحتم الفرز و التفريق بين من انتهك الحريات حين كان ممسكًا بزمام السلطة ، وجعل مؤسساتها أدوات لفرض السكون و الخضوع ، وبين من لم يكن له من السلاح سوى كلمته و صوته ، لممارسة حقه الطبيعي في النقد والاحتجاج والمساءلة...! فالحرية هي مفهوم طبقي بامتياز و ما يناسب هذه الطبقة ، قد لا يناسب الطبقة المقابلة لها...
فالخلط هنا بين المعتدي و المعتدى عليه ، ليس خطأ نظريًا فحسب، بل إنعاش لذاكرة الوجع الشعبي الجمعي ، ومحاولة لمسح الخط الحدّي الذي يفصل بين من مارس القمع عندما كان أو يكون في السلطة ومن قاومه...!
إن الحرية، في معناها التحرري العميق، ليست ترفًا فكريًا ولا شعارات رومنسيه و زينة قانونية و خطابية ، بل هي شرط لوجود الإنسان كذات تاريخية وقيمة كونية، لا تكتمل إلا حين تتكامل أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية. ولهذا فإن معركة الحرية هي، بالضرورة، معركة ضد الفقر والبطالة و التهميش واللامساواة و عدم تكافؤ الفرص ،،، كما هي معركة ضد تدجين الوعي و الرقابة والقمع والمحاكمات الجائرة...!
وفي هذا الأفق، يصبح القول فعلًا، والفكر مقاومة، والكلمة الحرة صخرة تُلقى في وجه التاريخ كي يتحرك... وتصبح الحرية مشروعًا جمعيًا يكتبه الناس بنضالهم ، بعرقهم وآلامهم، مستقلاً عن السلطة و كافة مكونات المنظومة التبعية الريعية الرثة المتصارعة على نحر الشعب و الوطن على مذبح شهوات الحكم ، والتي تحرص كلها على تلويث الوعي و حرف التناقضات عن جوهرها الحقيقي و إعادة إنتاج القهر بلغة تضليلية مُنمقة...
بالتالي فالظلم لا يقاس بحرية الرأي فقط ، بل يتجاوزها إلى شروط الحياة نفسها ، إلى العمل الذي ينهك الجسد ، و التعليم الذي يفرز الناس كطبقات ، و المسكن الذي يقرر من يستحق الرفاهة و الأمان و من يظل في الهامش قابعا في تجاعيد المدينة ، و إلى السلطة السياسية التي تعيد هندسة الهيمنة بإسم "حفظ النظام...!
لهذه الاسباب و غيرها يمكن القول بأن تحرير سجين الرأي أو السجين السياسي ، ليس فعلاً تضامنيا فحسب ، بل هو خطوة في تفكيك بنية الظلم ذاتها...
بالمحصلة ، إن الحرية ضرورة وجودية و البحث في مفارقاتها الفكرية و السياسية و استنطاق المدارس الكبرى كالوجودية و الكلامية و الماركسية و استحضار بعض رموزها ، يعد ربما افضل طريقة للاحتفاظ بها على رأس جدول أعمال الأطياف الوطنية التقدمية التحررية الناهضة ليس بوصفها بحثاً أكاديمياً ، بل كفعالية تمارس مع الجماعة و في معمعان النضال الجماهيري... فالحرية ، وعدُ المستقبل الذي لن يولد إلا إذا حملته الجماهير لا بوصفها رعايا، بل بوصفها صانعة التاريخ، وحاملة المعنى، ومصدر الشرعية الوحيد ، صوب توسيع أرضيتها بتوفير شرطها الاجتماعي و تحريرها من قبضة السوق...!
بالتالي فالحرية التي لا ترى الظلم كبنية طبقية شاملة ليست حرية حقيقية... و العدالة التي تساوي بين الضحية والجلاد ، ليست عدالة ، بل إعادة إنتاج للظلم... و الحقوق التي لا تنحاز للمقهورين و المضطهدين ، ليست حقوقاً ، بل ادوات خطابية و بيانية لا تخرج عن سياقات الإبقاء على البنية التي صنعت القهر و الاظطهاد و الاستلاب...!
عمران حاضري
30/11/2025


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *