اختيار السلاح… أو حين يخطئ المقاتل معركته*الرفيق محمد السفريوي
اختيار السلاح… أو حين يخطئ المقاتل معركته*الرفيق محمد السفريوي
المقاتل الجيد لا يختار سلاحه بدافع العاطفة، ولا بدافع الحنين إلى بطولات سابقة، ولا لأن صورة ذهنية ترسخت في مخيال جمعي ما عن “مقاتل نموذجي” وسلاحه. هو يختار سلاحه انطلاقا من سؤال بسيط : ما طبيعة المعركة؟ هجومية أم دفاعية؟ مفتوحة أم استنزافية؟ قصيرة أم طويلة؟ في أرض مكشوفة أم في فضاء معقد؟
منطق الحروب هذا هو نفسه الذي ينبغي أن يحكم التفكير في السياسة والصراع الطبقي....
هكذا يفترض بنا قراءة أطروحة “البراكسيس المنظم منتج للتنظير” قراءة غير شعاراتية. صحيح أن المعرفة العلمية المادية الجدلية لا تنتج في فضاءات التأمل، بل في خضم الصراع والاشتباك، لكن هذا الاشتباك نفسه لا يكون علميا إلا إذا انطلق من تحليل ملموس للحقل الملموس. البراكسيس ليس فعل إرادوي، كما أن التنظير ليس استدعاء لنماذج جاهزة. وحدة النظرية والممارسة لا تعني تكرار وصفات تاريخية، بل تعني بناء أدوات تتشكل داخل الصراع القائم لا خارجه.
الإشكال يبدأ حين يتحول القياس على وقائع ناجحة في سياقات أخرى إلى بديل عن التحليل. حينها نكون أمام " منطق صوري متماسك " ، لكنه خادع لانفصاله عن الواقع. و حين نستعير سلاحا صمم لغير معركتنا ، ونحاول استخدامه في حقلنا المختلف. والنتيجة ليست الفشل فقط، بل تشويه الفكرة ذاتها: سلاح هجومي يستخدم في معركة دفاعية، أو أداة مركزية صلبة في سياق يحتاج أشكالا مرنة ومركبة من التنظيم صالحة لتشكيلتنا الاجتماعية الهجينة...
المعرفة “العرفانية” قد نحصل عليها سواء من التأمل الصوفي، أو من تقديس تجربة تاريخية ما وتحويلها إلى نموذج فوق-زمني. وهذا بالضبط نقيض المعرفة المادية الجدلية، التي تفترض أن كل أداة هي نتاج شروطها، و لا يوجد “سلاح ثوري خالد”، بل توجد أسلحة صلاحيتها نسبية، و تحتاج دوما تطويرا و مراجعات.
التغيير الثوري الطبقي لا تستورد وصفاته و ادواته. بل تستنبط من طبيعة الحقل الذي يسعى إلى الاشتباك معه ،و من أشكال الوعي والتنظيم القائمة، ومن تناقضات اللحظة التاريخية نفسها. أما استيراد الأدوات من حقل يفصلنا عنه قرن من الزمان، ثم تسميته وفاءً للماركسية أو للراديكالية، فليس سوى هروب من مهمة التحليل، وتعويض للكسل النظري بخطاب حماسي إنفعالي.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق