جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

ماو تسي تونغ: حين تصير الثورة منهجًا لبناء التاريخ

 ماو تسي تونغ: حين تصير الثورة منهجًا لبناء التاريخ

لم يكن ماو تسي تونغ مجرد قائد سياسي قاد شعبه إلى تغيير نظام الحكم، بل كان مفكرًا ثوريًا صاغ مشروعًا أيديولوجيًا ومنهجيًا متكاملًا، جعل من التجربة الصينية مسارًا خاصًا في تاريخ الثورات العالمية. إن الاحتفاء بماو لا يكتمل إلا باستحضار الأبعاد العميقة لفكره، حيث التقت الأيديولوجيا بالمنهج، والتكتيك بالممارسة النضالية الطويلة.
على المستوى الأيديولوجي، أعاد ماو قراءة الماركسية من داخل الواقع الصيني، رافضًا نقلها كقالب جامد من التجربة الأوروبية. أدرك أن الصين، بتركيبتها الاجتماعية والفلاحية الواسعة، تحتاج إلى ثورة تنبع من شروطها الملموسة. من هنا برزت مركزية الفلاحين في فكره، باعتبارهم القوة الاجتماعية القادرة على حمل مشروع التغيير. لم تكن الماوية انحرافًا عن الماركسية بقدر ما كانت اجتهادًا خلاقًا في تبيئتها، وتحويلها من نظرية عامة إلى أداة تحليل وفعل مرتبطة بالواقع.
أما منهجيًا، فقد تميز فكر ماو بالاعتماد على مبدأ “التحليل الملموس للواقع الملموس”. كان يؤمن بأن النظرية لا تكتسب قيمتها إلا عندما تُختبر في الممارسة، وأن الخطأ جزء من عملية التعلم الثوري. لذلك شدد على جدلية النظرية والتطبيق، وعلى ضرورة النقد الذاتي داخل الحركة الثورية، معتبرًا إياه شرطًا للحفاظ على حيويتها ومنع تحولها إلى بنية جامدة أو منفصلة عن الجماهير.
وفي الجانب التكتيكي، أظهر ماو مرونة عالية وقدرة على التكيف مع موازين القوى المتغيرة. لم يكن أسيرًا لشعارات ثابتة، بل كان يغيّر أساليب النضال تبعًا للمرحلة: من حرب العصابات، إلى بناء القواعد الثورية، إلى توسيع الجبهة الوطنية في مواجهة الأخطار الكبرى. هذا الوعي التكتيكي جعله قادرًا على تحويل الضعف إلى قوة، وعلى إدارة الصراع الطويل النفس دون فقدان البوصلة الاستراتيجية.
أما نضاله، فقد اتسم بطول النفس والإيمان العميق بدور الجماهير. لم يرَ في الشعب مجرد قاعدة دعم، بل صانعًا فعليًا للتاريخ. لذلك ارتبط مشروعه بفكرة “الخط الجماهيري”، حيث تتشكل السياسات من تفاعل دائم بين القيادة والناس. هذا الارتباط هو ما منح الثورة الصينية قدرتها على الصمود والانتصار، وهو ما جعل ماو رمزًا لنموذج ثوري يرى في الوعي الشعبي أساسًا لأي تحول حقيقي.
إن الاحتفاء بماو تسي تونغ هو احتفاء بتجربة حاولت أن تجيب عن سؤال مركزي: كيف يمكن لفكرة أن تتحول إلى قوة مادية تغيّر مجرى التاريخ؟ في الإجابة عن هذا السؤال، ترك ماو إرثًا فكريًا ونضاليًا ما زال حاضرًا في النقاشات حول الثورة، والتنمية، ودور الإنسان في صناعة مصيره.منقول


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *