حين يتحوّل “الحزب العمالي” إلى قناع سياسي*فؤاد الخمليشي ورد الرفيق حسن أوالحاج
حين يتحوّل “الحزب العمالي” إلى قناع سياسي
لم يعد مقبولًا الاستمرار في تسويق أوهام حزبية باسم الطبقة العاملة، بينما العمال غائبون فعليًا عن التنظيم، وعن القرار، وعن القيادة. فالحزب الذي لا يعيش داخل مواقع الاستغلال، ولا يتشكّل من صلب الصراع اليومي، إنما هو جهاز سياسي يتغذّى على اسم الطبقة دون أن ينتمي إليها.
إن أخطر أشكال التحريف هو تحويل الحزب إلى ناطق رسمي باسم عمّال لا صوت لهم داخله. في هذه الحالة لا نكون أمام تنظيم، وإنما أمام وصاية. ولا نكون أمام طليعة، وإنما أمام طبقة سياسية برجوازية-صغيرة تبحث عن شرعية مستعارة. فالتحدث باسم العمال، دون تنظيمهم وتمكينهم من فرض حضورهم القيادي، هو مصادرة صريحة للصراع الطبقي، مهما كان الغلاف الإيديولوجي المستخدم.
كل حزب يدّعي تمثيل الطبقة العاملة، بينما تركيبته البشرية معزولة عن مواقع الإنتاج، وقيادته منفصلة عن شروط الاستغلال الملموسة، وخطابه مصاغ في دوائر مغلقة، يصبح عمليًا حزبًا مفصولًا عن طبقته. ولا تنقذه المراجع، ولا الشعارات، ولا الادّعاء بأن “التاريخ في صفّه”. فالتاريخ لا يعترف إلا بمن ينخرط فعليًا في الصراع، لا بمن يتغنّى به من الخارج.
أما التذرّع بالحتمية التاريخية لتبرير هذا الفراغ، فليس سوى كسل سياسي مقنّع. فالحتمية لا تبني تنظيمًا، ولا تُنتج وعيًا، ولا تُفرز قيادة. وما لا يُبنى في الواقع المادّي للصراع الطبقي، لا يمكن أن يولد تلقائيًا في النصوص ولا في البيانات.
الطليعة، في الفهم الماركسي-اللينيني، ليست نخبة تحاضر على العمال، ولا جهازًا يتحدث باسمهم؛ وإنما قوة منغرسة في نضالهم، تتعلّم منهم بقدر ما تنظّمهم، وتخضع لرقابتهم بقدر ما تقود. وأي تنظيم يعجز عن خلق قواعد عمالية حقيقية، وعن فتح مسارات صعود القيادة من القاعدة، وعن بناء إعلام يعكس صوت الاحتجاج لا لغة الصالونات، لا يملك أي حق في ادّعاء الانتماء إلى الطبقة العاملة.
إننا لسنا أمام أزمة خطاب، وإنما أمام أزمة شرعية طبقية. وأي حزب لا يُحاسَب على موقعه داخل علاقات الإنتاج، وعلى حضوره داخل أماكن العمل، وعلى صلته اليومية بالعمال، ليس سوى حزب يختبئ خلف اسم الطبقة ليغطي انفصاله عنها.
الخلاصة واضحة، إما حزب يُبنى داخل الصراع الطبقي، بعماله وتنظيماته وقواعده الحيّة،
وإمّا جهاز سياسي يتاجر باسم الطبقة العاملة، ويصادر نضالها، ثم يتساءل عن سبب بقائه معزولًا عنها.
ولا ثالث بينهما.
Fouad Khamlichi 25/12/2025
جميل جدا أن ينخرط الرفاق والرفيقات في نقد حزب النهج الديموقراطي العمالي كيف ما كانت مشاربهم السياسية والايديولوجية لكن بدون تجريح يجب أن يكون النقد بناء. نطرح قراءة نقدية ماركسية للمقال: “حين يتحوّل الحزب العمالي إلى قناع سياسي” الرفيق Fouad Khamlichi واامقال في التعليق الاول
1. الإيجابيات من منظور ماركسي
المقال يلتقط بدقة فكرة الفصل بين الطليعة السياسية وطبقتها، ويؤكد على ضرورة أن يكون الحزب منغرسًا في مواقع الإنتاج.
يؤكد على محور أساسي في الماركسية: أن القيادة الطبقية لا يمكن أن تكون مجرد خطاب أو شعارات، بل يجب أن تنشأ من الممارسة الملموسة للصراع.
النقد لمفهوم “الحتمية التاريخية” مقبول، لأنه يشدد على أن الوعي الطبقي والعمل التنظيمي لا يولدان تلقائيًا من مجرد قراءة التاريخ.
2. الهفوات والتحريفات المحتملة
الغموض في تعريف الطليعة والطبقة العاملة
المقال يصر على أن الحزب يجب أن يكون “منغرسًا في النضال العمالي”، لكنه لا يوضح معايير دقيقة لما يعنيه ذلك.
الماركسية الكلاسيكية، خاصة لينين، تعترف بأن الطليعة قد تتكون من عناصر تعليمية وسياسية متقدمة ليسوا بالضرورة عاملين في مواقع الإنتاج، شريطة أن يكونوا مرتبطين بالطبقة وتحركاتها. المقال يبدو وكأنه يرفض أي دور للمثقف أو المنظّم الخارجي.
تبسيط العلاقة بين التنظيم والقيادة
الكاتب يجعل العلاقة ثنائية: إما حزب أصيل من صلب العمال أو جهاز سياسي يختبئ وراء اسمهم.
من منظور ماركسي، الواقع أكثر تعقيدًا؛ هناك أحيانًا أحزاب هجينة، أو مراحل انتقالية، حيث يبني الحزب نفسه تدريجيًا في مواقع الإنتاج ولا يكون مكتملًا منذ البداية. المقال يتجاهل هذا البعد التاريخي والمرحلي.
الإغفال عن السياق التاريخي والسياسي
المقال يقدّم نقدًا تجريديًا دون الرجوع إلى السياق السياسي أو الاقتصادي الذي يمكن أن يفرض قيودًا على بناء الحزب: مثل تشريعات تمنع التنظيم العمالي، أو هشاشة الطبقة العاملة نفسها في بعض القطاعات.
ماركسية نقدية حقيقية تتطلب فهم ظروف إنتاج الوعي الطبقي، وليس مجرد رفض شكل التنظيم لعدم الانغراس الفوري.
الطابع المثالي للإصلاح السياسي
الكاتب يبدو وكأنه يطالب بحزب مثالي متكامل داخل كل مواقع الإنتاج ومنصات القرار العمالي، وهو ما قد يكون غير واقعي.
الماركسية العلمية تنظر إلى التنظيم كعملية مستمرة وصراع دائم بين الطليعة والطبقة، وليس كحالة ثابتة جاهزة.
استخدام اللغة الحادة والقطبية
مقاربة المقال “إما حزب حقيقي أو جهاز سياسي” تجعل النقد أكثر ايديولوجية منه تحليليًا، وهي قريبة من اللغة الدعائية أكثر من الأسلوب الماركسي النقدي الدقيق.
3. الاستنتاج
المقال صحيح في التأكيد على أن الحزب يجب أن يكون مرتبطًا بالطبقة العمالية، وأن الخطاب وحده لا يكفي، وأن القيادة لا يمكن أن تكون مفروضة من الخارج.
لكنه يقصر التحليل التاريخي والسياسي، ويطرح dichotomy صارمة بين “الحزب الأصيل” و”الجهاز السياسي” تتجاهل التعقيدات الواقعية في بناء التنظيمات العمالية.
القراءة الماركسية النقدية ستقول: نعم، نقد الفصل بين الطليعة والطبقة ضروري، لكن يجب أن يشمل فهم تطور التنظيم، الظروف الاقتصادية والسياسية، وأدوار المثقفين الثوريين في دعم النضال العمالي، وليس رفض أي تدخل غير عامل مباشر.
أقدم ردي على التعليق الكريم الذي تفضل به الرفيق المحترم حسن أوالحاج ، وذلك على مقالتي المنشورة بتاريخ الأمس
و للاشارة ما كتبه موجود في التعليق الاول
-----------------------------
أعتبر أن فتح نقاش عمومي حول حزب النهج الديمقراطي العمالي، أو أي تنظيم يدّعي تمثيل الطبقة العاملة، هو أمر مشروع وضروري. غير أن النقاش الماركسي الحقيقي لا يُراد منه تهدئة التناقضات أو تمييعها، وإنما تعميقها ووضعها في قلب الصراع السياسي.
لم أقل في أي موضع إن القيادة يجب أن تكون عمالية خالصة بالمعنى السوسيولوجي الضيق، ولم أرفض دور المثقف الثوري أو المنظّم غير العامل. هذا تأويل غير دقيق لما ورد في النص (يمكنك الرجوع الى النص). ما جرى انتقاده هو انفصال الطليعة عن شروط الصراع المادي وتحولها إلى قيادة قائمة بذاتها، لا تُختبر يوميًا داخل النضال العمالي. لينين لم يقدّس الأصل الطبقي، لكنه كان صارمًا في شرط الاندماج العضوي والخضوع لاختبار الطبقة. السؤال المطروح هنا مادي ومباشر: هل هذا الاندماج قائم فعليًا أم غائب؟
أما الحديث عن تبسيط العلاقة بين التنظيم والقيادة، فالثنائية المطروحة ليست أخلاقية ولا تجريدية، وإنما سياسية. الحزب، في التحليل الماركسي، يوجد داخل الصراع الطبقي بدرجات متفاوتة، أو يوجد خارجه بدرجات متفاوتة. ما يُسمّى أحزابًا هجينة أو مراحل انتقالية لا يمكن أن يتحول إلى وضعية دائمة خارج أي مساءلة. المرحلية لا تعني تعليق النقد، ولا تبرير الغياب المزمن للعمال عن القيادة والتنظيم تحت ذريعة التعقيد.
في ما يخص السياق السياسي والقمع، لا أحد ينكر القيود القانونية ولا الضغوط المفروضة على التنظيم العمالي. غير أن تحويل هذه الشروط إلى تفسير شامل لغياب الانغراس هو انزلاق تبريري. تاريخ الحركة العمالية، بما فيه تاريخ هذا البلد، يبيّن أن تنظيمات جذرية تشكّلت في ظروف أشد قسوة --و أنت أعلم بهذا اكثر من اي انسان آخر--. الماركسية النقدية لا تؤجل الأسئلة بحجة صعوبة الواقع، وإنما تطرح كيفية مواجهة هذه الشروط دون فقدان الطابع الطبقي.
أما الاتهام بالمثالية، فالنص لا يطالب بحزب كامل أو نموذج جاهز. ما يُطرح هو حد أدنى من الشرعية الطبقية: قواعد عمالية فعلية، ارتباط ملموس بمواقع الإنتاج، وآليات حقيقية تسمح بصعود القيادة من القاعدة. إذا كان هذا السقف يُعد مرتفعًا، فالإشكال لا يكمن في النص، وإنما في التعايش مع وضع مستقر يُسمّى انتقالًا منذ سنوات.
وبخصوص اللغة الحادة، فحدة اللغة ليست عيبًا حين يكون النقاش حول شرعية حزب يقول انه يمثل طبقة مستغَلّة. الماركسية لم تكن يومًا تمرينًا لغويًا محايدًا. كل التجارب الثورية الكبرى سمّت الانحرافات بأسمائها عندما تعلق الأمر بجوهر التنظيم والصراع الطبقي.
خلاصة موقفي واضحة. النص لا يدّعي امتلاك الحقيقة، لكنه يطرح سؤالًا لا يمكن القفز عليه: هل الحزب موجود داخل الصراع الطبقي أم يتحدث عنه من خارجه؟ تحويل هذا السؤال إلى نقاش لغوي، أو إلى تذكير عام بدور المثقفين، أو إلى دعوة دائمة لتفهّم التعقيد، يعيد إنتاج المأزق نفسه الذي يجري إنكاره نظريًا والتعايش معه عمليًا.
النقد الماركسي لا يُقاس بدرجة هدوئه، وإنما بقدرته على كشف التناقضات ودفعها إلى السطح.
Fouad Khamlichi 26/12/2025


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق