جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

عن تنسيق جزء من اليسار مع قوى الإسلام السياسي*الرفيق السفريوي محمد

 أن يختار جزء من اليسار التنسيق مع قوى الإسلام السياسي، فإن السؤال الاصح يصبح هنا لا يتعلق بجواز هذا التنسيق، بل بمدى قدرته اولا ،على خدمة استراتيجية واضحة، تحمي اليسار من الذوبان وتضمن الحفاظ على تمايزه الطبقي والفكري. و ثانيا الإضافة النوعية في حقل الصراع الطبقي التي يحققها هذا التكتيك.

هنا يصبح التكتيك اليساري مشروطا بثلاثة أسس: وضوح الهدف، ضبط المجال، واختيار ساحات الاشتباك بدقة. هناك ميادين يمكن فيها لليسار والإسلاميين الالتقاء على أرضية نضالات مادية مشتركة: محاربة تغول رأس المال، الدفاع عن الخدمات العمومية، دعم النقابات، مواجهة هشاشة الشغل. في هذه المسارات يمكن لليسار أن يحافظ على هويته الطبقية وأن يشتغل داخل فضاء يسمح بتوسيع الوعي دون أن يتورط في خطاب هوياتي أو ديني.
لكن في المقابل، هناك معارك يصعب تبريرها لأنها تحول اليسار إلى ملحق بأجندة الإسلام السياسي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فهي ليست مجرد ملف سياسي، بل ساحة ذات حمولة أيديولوجية عميقة تتعلق بالتحرر، المساواة، ومناهضة كل أشكال الاستعمار. وهنا يبرز المثال المغربي الأكثر دلالة: " جماعة العدل والإحسان" . فالجماعة تتجنب الانخراط الفعلي في الجبهة الاجتماعية حين يتعلق الأمر بالنضال الطبقي المباشر، سواء في دعم المعارك النقابية أو الانخراط في الاحتجاجات التي تستهدف البنية الاقتصادية. لكنها في المقابل تسارع دائما إلى التموقع داخل كل الإطارات التي تدعم القضية الفلسطينية، لأنها بالنسبة إليها ساحة هوياتية تمنحها شرعية رمزية وقربا من الجمهور دون أن تفرض عليها كلفة سياسية في مواجهة السلطة أو رأس المال.
هذا السلوك يوضح أن التحالف في القضايا العقائدية أو الرمزية لا يخدم الاستراتيجية اليسارية، بل يعيد إنتاج ميزان قوى مختل لصالح الإسلاميين، ويحول اليسار إلى قوة ثانوية داخل فضاء لا يتحكم في لغته ولا رموزه.
القاعدة و المعيار الذي علينا الرجوع إليه دوما هو : التنسيق ممكن في المعارك الاجتماعية حيث المصلحة الطبقية واضحة، لكنه غير مقبول في المعارك الأيديولوجية حيث يسعى الإسلام السياسي إلى الهيمنة الرمزية. التكتيك ليس غاية، بل أداة. وإذا فقد اليسار استقلاليته فيها، فقد جوهر دوره في معركة التحرر نفسها.

يبدو انه من الضروري، لتقييم أداء الجبهة المغربية لدعم الشعب الفلسطيني و مناهضة التطبيع، أن نقوم على الأقل بتحليل لطبيعة الخطاب التي انتجته الجبهة منذ السابع من أكتوبر . فقراءة دقيقة للبيانات والبلاغات الصادرة خلال هاته الفترة تكشف عن ميل واضح نحو لغة انفعالية – أخلاقية تتجاوز أحيانا ما يفترض أن يكون جوهر المساهمة الواعية في بناء سردية مقنعة ، عبر إنتاج فهم سياسي للصراع، وتطوير أدوات تحليل تساعد على توجيه الفعل النضالي،بدل الاكتفاء بترديد الشعارات.
ما ميز بيانات و بلاغات الجبهة التركيز على عناصر التنديد والاستنكار، و تضخيم البعد الرمزي والوجداني، باستعمال عبارات “الانتصار العظيم”، أو “البطولات النوعية”، أو “الشهداء الأبرار”. ورغم أن هذا المستوى التعبيري له قيمته في التعبئة السياسية، إلا أنه يتحول إلى عائق حين يصبح بديلا عن التحليل. فلا نجد، في معظم البيانات، أي تفكيك لبنية المشروع الصهيوني بوصفه كولونيالية استيطانية، ولا تحليلا لاستراتيجية الحرب بعد 7 أكتوبر، ولا تقديرا لموازين القوى بين المقاومة و الكيان في سياق إقليمي معقد يعاد تشكيله.
يتعمق هذا الإشكال حين يتحول تعريف الصراع من قضية تحرر وطني إلى معركة هوية ذات مضامين دينية أو ما فوق سياسية، كما يظهر في عبارات مثل: “معركة الأقصى”، “المقاومة المباركة”. هذه الانزياحات ليست مجرد أسلوب لغوي، بل موقف إيديولوجي و ترجمة لتصور معين عن ماهية المعركة.
اليوم على اليسار مراجعة موقعه داخل هذا التنسيق. ليس بهدف الانسحاب، بل لحماية دوره التاريخي: تطوير وعي تحرري جذري، في فهم القضية، وإعادة وصل النضال الفلسطيني بنضالات الشعوب ضد الاستبداد المحلي والرأسمالية التابعة. من دون هذه المراجعة، يتحول اليسار إلى مجرد صدى لغضب أخلاقي عام، فيما جوهر الصراع يتطلب وضوحا نظريا وصلابة سياسية لا يملك أحد سواه إمكانية الدفع بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *