جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

عماد الحطبة أنا وصديقي محمد فرج

 عماد الحطبة

أنا وصديقي محمد فرج
التقيت محمد فرج، للمرة الأولى، بعيداً من صخب الإعلام، فقد كان ما يزال مهندساً، لكنه كان في الوقت نفسه شاباً متحمساً، وربما مندفعاً قليلاً تجاه القضايا الوطنية. فرقتنا سنوات لنلتقي مرة أخرى، كان الشاب الذي التقيته قد أصاب الكثير من النضوج، وأصبح ندّاً في الحوار يتفوّق في مجال البحث، فيدفعك إلى الإعداد قبل لقائه. في الوقت نفسه، بدأ نجمه يلمع كمحلل دائب الحضور على قناة الميادين، امتازت تحليلاته بالعمق والمنطقية والزخم الثقافي الواضح.
أصبحنا صديقيْن، أجمل ما في تلك الصداقة أنها كانت تشكّل تحدياً يومياً للعقل، نتناقش ونطرح تحليلاتنا للواقع. أعلق على برنامج من برامجه برسالة قصيرة، لا تلبث أن تتحوّل إلى مكالمة طويلة نتحدث عن البرنامج وعن الظروف التي تحيط بنا، ونصل إلى استنتاجات. كنت آخذ على محمد منطقيته الزائدة، وأتهمه أن الإعلام نال من ثوريته، وكان يرد بأنه تعلم الفرق بين الثورية والتهور.
أتابع حملة التضامن مع محمد فرج، تارة بعين الصديق الذي تزعجه حقيقة أن شخصاً مثل محمد يقبع وحيداً في زنزانة، لا يعرف كم له من محبين وداعمين، وتارة بعين السياسي الذي يرى في محمد رمزاً لقضية تستحق التضحية مهما عظمت، وتستحق الدعم والتأييد مهما بدا مكلفاً، وتارة أرى أن صديقي محمد يمثل كل هذه الأشياء الكاتب والإعلامي، والمناضل، وصوتاً من أصوات المقاومة.
لم يكن محمد فرج بلا موقف أو هوية، فاختياره الميادين هوية بحد ذاته، فهو الوفي لقضيته الأم، فلسطين، وهو المؤمن بحق الشعوب في المقاومة والحرية والعيش بكرامة، وهو المدافع عن الحق في كل ساحة، لكنه لم يكن متعصباً لرأيه، أتقن فن السؤال فأعطى من يحاورهم مساحة أوسع لطرح الإجابة، لم ينتقد بلداً أو حاكماً، لكنه تحدث بالسياسة وعن السياسة.
لا أنكر أنني أشعر بالفخر وأنا أسمع الرسائل التي يوجهها زملاء محمد وأصدقاؤه، وأطرب وأنا أسمع من حاورهم وهم يصفونه بالإعلامي الذكي، والمحاور المتمرس، وأكاد أقف بين هؤلاء وأقول بصوت عال يملؤه الفخر هذا صديقي. لقد كان محمد مؤثراً إلى درجة أن من أراد إسكات صوت المقاومة اختار محمد عنواناً، وأن من يشعر بالضعف أمام صوت الكرامة المتمسك بالحق والوطن وجد محمداً ممثلاً لهذا الصوت.
لست خائفاً على محمد، فأنا متأكد تماماً أنه لم يرتكب ولو مخالفة بسيطة لقوانين البلاد. أعرفه إلى هذه الدرجة، وخضت معه حوارات طويلة وكان يتبنى موقفاً سمعته كثيراً منه، من أن الأردن يشكّل حاجزاً في وجه العدو يمنعه من التقدم في العمق العربي، وأن علينا الحفاظ على الاستقرار في الأردن لنحمي فلسطين أولاً، والعراق وسوريا ثانياً. لم يتغير موقف محمد حتى بعد احتلال أجزاء من سوريا، وظل مصمماً أن استقرار الأردن هو واسطة البيت في المشرق العربي.
وسط كل هذا التقدير الذي ناله محمد فرج، يخطر على بالي سؤال: ماذا تريد هذه الأوطان من شبابها؟ ألم يكن الأجدى أن يستقبل مسؤول إعلامي كبير محمد فرج، ويعرض عليه عملاً قيادياً في مؤسسة إعلامية علّه يقودها على دروب الإنجاز الإعلامي الحقيقي، ويوظّف ما تعلّمه في الميادين لخدمة بلاده؟ كم هو غريب أن تعود إلى بلدك مزهواً بما حققت من إنجاز لتجد نفسك نزيل الزنازين.
سيخرج محمد سليماً معافى، مرفوع الرأس بما أنجز في عمله، وبالحب الذي أحاطه به زملاؤه وأصدقاؤه. لكن ما حدث سيجعل الكثيرين ممن نجحوا خارج الوطن يفكرون مرتين قبل اتخاذ قرار بالعودة، وسيدفع الكثير من شبابنا إلى اتباع نصيحة أحد المسؤولين بالهجرة.
صديقي محمد، أجمل الناس وألطف الأصدقاء اشتقت إليك.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *