قراءة مختصرة في إستقالة الأمين للاتحاد العام التونسي للشغل و الأزمة النقابية في لحظة الانكشاف النقابي واستعادة المعنى*عمران حاضري
قراءة مختصرة في إستقالة الأمين للاتحاد العام التونسي للشغل و الأزمة النقابية
واستعادة المعنى
لا تُقرأ استقالة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل كواقعة تنظيمية عابرة، بل كلحظة انكشاف تاريخي لأزمة البيروقراطية النقابية في ذروة انسداد وطني شامل... فهي تأتي قبيل إضراب أُقرّته أخيراً الهيئة الإدارية الوطنية دون إرادة صراع اجتماعي حقيقي من القيادة المركزية ، و في سياق سلطة تستعدي الاجسام الوسيطة (و عادة القلاع تؤخذ من الداخل..!) و نمط اقتصادي تبعي ريعي يراكم الإفقار ويعمّق هشاشة الشغيلة والفئات الشعبية.
بالتالي ، إنّ ما يجري داخل القيادة المركزية ليس صراع مشاريع أو رؤى نقابية جوهرية ، بل تنازع زعامات بيروقراطية داخل البنية نفسها دون اعتبار حتى استهداف المنظمة كمكسب و محاولات تفكيكها و احتوائها ،،، بنية تشكّلت على عقلية براغماتية نفعية و "السلم الاجتماعي" المُفرغ من مضمونه الطبقي، وعلى امتصاص الغضب لا تنظيمه، وتأجيل الاشتباك بدل بنائه...
لذلك تبدو الاستقالة أقرب إلى انسحاب تكتيكي و القفز من المركب ، لإعادة ترتيب البيروقراطية، وترميم توازناتها، والتحصّن من تصاعد الخطّ النقابي الديمقراطي المناضل داخل المنظمة و المستقل عن مساعي التدجين و الاحتواء.
لقد أفضى هذا الخيار البيروقراطي ، تاريخياً، إلى إفراغ الاتحاد من دوره كقوة اجتماعية مناضلة : فغابت الديمقراطية القاعدية لصالح احتكار القرار، وتحول الإضراب من أداة اشتباك إلى ورقة تفاوض ظرفية محدودة الاثر ، وانكمش الاتحاد داخل عقلية نقابية فئوية سكتارية ، عاجزة عن لعب دورها الريادي في الدفاع عن العمال و سائر الكادحين و احتضان العمال المهشين و الفئات الشعبية الضعيفة،،، وفُصل الاجتماعي عن السياسي بما يخدم إعادة إنتاج الاستبداد والتبعية معاً.
ومن هنا، فإنّ الأزمة النقابية في عمقها ، ليست أزمة أشخاص و أعمق من اختزالها في تواريخ مؤتمرات بصفة عامة ، بل أزمة الديموقراطية و الاستقلالية و إلى ذلك ، انفصال القيادة عن شرطها الطبقي والتاريخي...
والخروج من هكذا أزمة ، من حيث المبدأ ، لا يكون بتغيير المواقع ولا بتغيير الواجهات، بل بإعادة بناء الفعل النقابي على أسس الاستقلالية عن السلطة و تكريس الديمقراطية من القاعدة إلى المركز، وعلى استعادة الإضراب والتحركات الجماعية بوصفها أدوات تنظيم و وعي وصراع، لا آليات تهدئة وضبط و مهادنة و عدم تحميل الأزمة للمتسببين الحقيقيين فيها.
إنّ استعادة المعنى النضالي الديموقراطي التحرّري للعمل النقابي تمرّ عبر كسر منطق البقرطة و النفعية و الوساطة الشكلية و الحرص على حماية المنظمة بوجه محاولات الاحتواء و التفكيك و التدجين،،، و من ثم ربط النضال الاجتماعي بالنضال الديمقراطي ربطاً عضوياً، باعتبار الحريات شرطاً مادياً للدفاع عن الأجور والحقوق، وعبر توسيع القاعدة الاجتماعية للاتحاد ليكون حاضنة فعلية للفئات الشعبية المفقّرة، لا جهازاً يدير توازنات داخل الدولة...
كما تفترض هذه الاستعادة للدور الحقيقي ، بناء وعي طبقي نقدي داخل المنظمة الشغلية، يضع الصراع مع رأس المال التبعي و تعبيراته السياسية في قلب الفعل النقابي اليومي، بما يحوّل الاتحاد من جهاز مفاوضات خاوية و إدارة أزمة إلى قوة تاريخية قادرة على الاشتباك مع الاستبداد الاقتصادي والسياسي معاً.
و في غياب هذا التحوّل، ستظلّ الاستقالات والمؤتمرات مجرّد حركات داخل حلقة مغلقة، بينما تُترك الطبقة العاملة و الفئات الشعبية تستنجد البديل الفعلي في مواجهة الإفقار و التهميش ، ويتحوّل الاتحاد العام التونسي للشغل ، رغم تاريخه، إلى ظلٍّ لا يليق بوزنه ولا بتضحيات من صنعوه.
# عاش الاتحاد ، ديموقراطيا مستقلاً ، مناضلا و موحدا بوجه أعدائه الطبقيين في الداخل والخارج #

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق