جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

هل تنجح ثورة ضدّ البرجوازية الكمبرادورية بعقلية برجوازية؟عمران حاضري

 هل تنجح ثورة ضدّ البرجوازية الكمبرادورية بعقلية برجوازية؟

بعد أيام قليلة من استحضار شرارة الثورة التونسية ، ثورة 17 ديسمبر / 14 جانفي 2011 و إسقاط رأس النظام ، يعود السؤال الجوهري لا بوصفه حنينًا إلى لحظة انفجار، بل بوصفه تفكيكًا نقديًا لمسار لم يبلغ انتظاراته و غاياته التاريخية... فالثورة التي رفعت شعارات : الشعب "يريد إسقاط النظام" الذي حولته الثورة المضادة من دليل شرف إلى عنوان إهانة ... كما "الشغل والحرية والكرامة الوطنية" اصطدمت الثورة ، منذ لحظاتها الأولى، بتناقض داخلي عميق: تناقض بين مضمون اجتماعي تحرري مفترض، وأدوات ذهنية وسياسية ظلت أسيرة العقل البرجوازي ذاته الذي ثارت عليه الجماهير...
من منظور طبقي تحرري وطني ديمقراطي شعبي ، لا تُهزم الثورات فقط بالقمع أو بالتدخلات الإمبريالية التي سعت بالتنسيق مع بقايا النظام القديم في كسر إرادة الجماهير المنتفضة و توريطها في الإسراع بعملية انتخابوية لصالح الإسلام السياسي تم تزيينها ببعض الأطياف الليبرالية القريبة من هكذا تيار اسلاموي ، حسب الهندسة الأمريكية عبر ما يسمى "بهيئة حماية اهداف الثورة و الإنتقال الديموقراطي" التي ترأسها عياض بن عاشور ، بل حينما تُفرَّغ من داخلها لما تُدار بعقلية تعيد إنتاج علاقات السيطرة نفسها، وإن غيّرت لغتها وشعاراتها. فالبرجوازية الكمبرادورية، بوصفها طبقة مهيمنة تابعة، لا تُواجَه بإصلاحات قانونية معزولة ولا بخطاب أخلاقي تجريدي، بل بقطيعة تاريخية مع نمط إنتاجها، ومع ثقافتها السياسية التي تختزل الدولة في جهاز، والديمقراطية في إجراءات شكلية، والسيادة في خطابات هلامية... ليست الطبقة الكمبرادورية مجرد فئة اقتصادية ، بل هي نمط وجود سياسي اقتصادي ثقافي يتجسد في الدولة ذاتها عبر تعبيراتها السياسية من مكونات نفس المنظومة التبعية من بقايا النظام القديم كما الاسلام السياسي كما الشعبوية المحافظة الحاكمة الآن... دولة لا تقوم بوظيفة الوسيط المحايد ، بل بوظيفة الحارس البنيوي لعلاقات التبعية ، حيث يعاد إنتاج الاقتصاد الريعي و الحفاظ على البنية التقليدية علما بأن هذه الطبقة فعلت كل شيء من أجل الاندماج في الاقتصاد الرأسمالي المعولم و مراكمة الأرباح لكنها حافظت على البنية التقليدية المتخلفة و مارست حداثتها الشكلانية التلفيقية على هواها... و إدارة السيادة كملف سطحي شعاراتي شكلاني و اختزال المجال العمومي في التعايش مع الأزمات ، لا حلها ، من هنا فإن أي ثورة لا تضع مسألة الدولة كما الوعي البديل في جوهر سؤالها الطبقي التاريخي التحرري ، تخاطر بأن تتحول في أعلى سقفها الى لحظة إصلاح داخل نفس النسق ، لا إلى إحداث قطيعة معه...!
لقد جرى التعامل مع الثورة كمسألة انتقال سياسي (في سياق ما يسمى" عدالة انتقالية" هجينة مشوهة قامت بالمصالحة على حساب المحاسبة في غياب للمعايير الدولية و التجارب ذات الصلة ) ، لا كصراع اجتماعي طبقي تحرري منشود... فتمّ تأجيل سؤال العدالة الاجتماعية، وتحييد المسألة الاقتصادية، وإفراغ مفهوم الحرية من شرطه الاجتماعي المادي... و هكذا تحوّلت الدولة من ساحة صراع إلى الزبونية و الغنيمة، وتحولت الديمقراطية من أداة تحرر شعبي إلى آلية لإعادة توزيع النفوذ داخل نفس البنية التابعة ...
لم يكن ذلك خطأ تقنيًا، بل موضوعيا يعد ، اختيارًا طبقياً ، يعكس حدود الأفق البرجوازي الصغير الذي تصدر المرحلة...
إن الثورة، في جوهرها الاجتماعي الطبقي ، ليست حدثًا أخلاقيًا عابراً ولا انفجار غضب جماهيري فقط، بل سيرورة وعي وتنظيم و تخطي العفوية و بلورة رؤية استراتيجية وطنية تحررية ديموقراطية شعبية وتغيير جذري في ميزان القوى. وحين تُدار هذه السيرورة بعقلية برجوازية تتأقلم مع التبعية، وبإصلاح ما لا يُصلَح، وبالحياد داخل صراع طبقي حاد و محتدم ، فإنها تتحول إلى لحظة انتقال إصلاحي داخل المنظومة لا ضدها. عندها تُستبدل الكرامة الوطنية بالاندماج المشروط، ويُستبدل الشغل بالهشاشة، وتُختزل الحرية في حرية السوق و في ظل غياب محكمة دستورية حقيقية مستقلة متسقة مع المعايير الدولية تنتهك الحريات و يتغول الاستبداد...
السؤال الأهم إذن ليس: لماذا فشلت الثورة؟ ببساطة الثورة فشلت لأسباب ذاتية و موضوعية و لأنها لم تتوفر على شروط نجاحها ، بل: أي ثورة أردنا و نريد ؟
فالثورة ضد البرجوازية الكمبرادورية النيوكلونيالية العميلة لا يمكن أن تنجح دون عقلية تاريخية بديلة، عقلية شعبية ديمقراطية تحررية، تدرك أن السيادة شرط للعدالة، وأن الديمقراطية بلا مضمون اجتماعي ليست سوى واجهة ناعمة للهيمنة، وأن التحرر الوطني لا ينفصل عن الانعتاق الاجتماعي الطبقي...
بهذا المعنى، لم تُهزم الثورة التونسية نهائيًا لأنها مسار طويل له انتكاسات و منعطفات و لم تنته كما يسوق له ضيقي الافق ، بل بدأت للتو طالما أن أسبابها قائمة بل تفاقمت في ظل الأزمة السياسية و الاقتصادية الطاحنة فالشعب لا يملك ترف النزول إلى الشارع ،بل تحركه أوضاعه المزرية التي لم يعد يحتمل التعايش معها و تقبلها ،،، لكن في غياب الوعي التاريخي المنشود ، وُضِعت قسرًا في قوس الانتظار التاريخي...!
فالثورة هي معركة تحرر مستمرة و فعل قصدي عقلاني تاريخي منظم و بناء قوة شعبية طبقية تحررية ناهضة قادرة على اقتناص اللحظة التاريخية و كسر منظومة الاستغلال و الاستبداد في الداخل و التصدي لأي مشروع هيمنة في الخارج...
وما لم يُحسم السؤال الطبقي، ويُستعاد البعد السياسي الاجتماعي التحرري للثورة، ستظل كل محاولة تغيير تدور داخل الدائرة نفسها: ثورة في الشارع، وإدارة برجوازية للنتائج...!
والتاريخ، كما علّمنا، لا يرحم التناقضات المؤجلة...!!!
فالثورة كر وفر و صراع منظم و برامج بديلة و تضحيات و معركة ميزان قوى و ليست نزهة... كذلك ليست أنيقة كما يصورها البعض و تسير على مسطرة... كما أنها لا تدار بقفازات من حرير و بالحوارات و التسويات و السقوف المنخفضة... ولم يحصل أن حققت ثورة أهدافها عن طريق الحوارات و التسويات و الآليات البرجوازية الشكلية و الاكتفاء بالدفاع و ردة الفعل و تقديس العفوية و إخماد الصراع الطبقي بدل تأجيجه ... لكنها مستمرة رغم الانتكاس و التعثر و حالات السكون...
و لن يهدأ الشعب الكادح إلا بتحقيق مطالبه الاقتصادية والاجتماعية أساساً ،التي ثار من أجلها و كسر أغلال الخوف و قدم في سبيلها كوكبة من الشهداء...
كل ثورة تفرض منتهاها و منتهاها في الفوز بالحكم...!
عمران حاضري
15/12/2025



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *