جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

رحلة صيد/الرفيق تاشفين الاندلسي

تعب الجميع بعد رحلة صيد ابتدأت منذ الصباح و استمرت الى ما بعد منتصف النهار تحت شمس غشت الملتهبة ، السراب يرقص و كأنه بساط ماء شفاف فانتهى الامر تحت شجرة زيتون بري ضلها بارد من دون ان نحصل على اي طريدة . كلنا مقتنعين بنصيب الضيزي لذلك اليوم خصوصا و أن وسائل صيدنا لم تعرف جديدا منذ جدنا الأول لما كان عيشه ينحصر على القنص و القطف و هي عبارة عن عصي مقوسة بشكل طفيف من طرفها و ملتف حولها بعناية نصف كيلو من السلك ، "الشريك سلام" وحده لا يقتنع أبدا بذلك النصيب لأنه كجدنا الاول تماما حتى في نمط عيشه بحيث أنه لازال يعتمد على القنص في كثير من الأحيان .
أنظروا ذلك الصقر في الأعلى على الشفق ، لابد و أنه يحوم حول سرب الحجل او حول ارنب بري ، قالها من دون ان ينتبه نحونا و هو يعرف ان التعب بلغ منا مبلغه و أننا لن نستطيع بداية الرحلة من أسفل الجبل الى قمته تحت شمس حارقة و في الأخير سنجني ذلك السراب الذي يتراءى أمامنا . من دون ان ينتظر انسحب صاعدا بشكل متعرج لا يفوته ان يقلب كل ما اعترض طريقه من أكوام الحجارة و شجيرات الدرو و العرعار . كنت اتابعه متعجبا : اصغره بحوالي النصف من عمره لكن من أين له بهذه القوة و العزيمة و هو يدرع الجبال برأسه الحديدي تحت هذه الشمس الحمراء الحارقة ،تابعته بصمت و انا أتأمل كل هذا الزمن الذي قطعه البشر من دون ان يترك فرقا كبيرا عند بعض الناس من بني جلدتنا ، انه على طبيعته الأولى صدقا و أخلاقا و طول نفس فقط تغيرت بعض مظاهر اللباس من جلد الحيوانات الى قماش . وصل الى القمة ثم غاب و لم نعرف اي اتجاه سار فيه ، كل ما نعرف أنه لن يرجع قبل الغروب و أي مفاجآت قد يصادفها ، لا يمر يومه من دون مفاجآة كعادته. يميل الى الوحدة ، فهو أكثر مردودية في الصيد لوحده من وجوده ضمن الجماعة لان الناس تقيد من مبادراته او انها تشوش على دهائه في فهم الحيوانات بكل أصنافها ، يكفيه تتبع بعض بقايا الفرو او الشعر ليعرف أين يستقر الحيوان مصدر الشعر . رأيته ذات رحلة صيد قصيرة يتفحص شعرة قصيرة رمادية اللون ليقرر أنها لأرنب حديث العبور من هنا يبقى فقط أن يجد شعيرات أخريات ليتلمس طريق الأرنب ليعرف في الأخير مكان تواجده مستعينا باتجاه هبوب الرياح
أما الثعالب و الذئاب كانوا يعرفون سلام الشريك حق المعرفة ؛ إنهم لا يلوون على شيء بمجرد شم رائحة كلابه الكثيرين ، كان ملكا للحيوان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، "الشريك سلام" يستطيع اخراج أرنب من جحره الغائر بواسطة عصا ، يدخلها الى ان يحس انها لمست جلد الأرنب فيبدأ ببرمها مع دفعها بقوة فيلتف الجلد على طرف العصا ثم يجرها بسلاسة واذا بالارنب المسكين مسحوبا لكن بجروح تكاد تخلع جلده الطري . لكن ليس كل مرة تسلم الجرة ، لقد نجا "الشريك سلام" عدة مرات من موت محقق . ذات رحلة صيد الى "عبدي" هذا الخلاء الشاسع و المهرب الآمن لكل الحيوانات التي يضايقها الانسان لم يسلم من غارات "سلام الشريك" المفاجئة ، يظهر ارنب بري بغتة تحت وقع الأصوات البدائية التي يطلقها الصيادون فيقفز هاربا لتتبعه الكلاب السلوقية و في مقدمتهم "بيكا" كلبة "سلام" و التي لماما ما يفلت ارنبا من مخالبها القوية ، لكن ذلك اليوم صادف ان دخل الارنب بين دفتي صخرة عظيمة منشطرة الى نصفين ، الفراغ الموجود بين فصي الصخرة ضيق لا يتسع لجسم إنسان ، و بما ان الصخرة عالية لم يجد "الشريك سلام " منفذا الا ان يتدلى برأسه من الأعلى الى الاسفل مع التزام الجماعة بأخذه من قدميه إن تعرض لمكروه و هو مدلى محاولا جلب الأرنب البري و هكذا يمكن أن يسحبوه بسلام ،لكن ليس دائما تجري الرياح بما تشتهيه السفن ، فعلق سلام مقلوبا رأسا على عقب . نعم مقلوب رأسا على عقب لغة و اصطلاحا ، رأسه منحشر اسفل الصخرة و مضغوطا بين نتوءات غير متوقعة بحيث ان اي محاولة لسحبه من القدمين من طرف الجماعة سوف تسحقه و يموت "الشريك سلام" ، لكن للطف الاقدار سيحرك رأسه قليلا بشكل دائري فينفلت لكن بعد أن سلخ عميقا وجنتيه الصلبتين و النافرتين ، رغم ذلك "سلام الشريك" لن يعتبر أبدا من ذلك الدرس لانه يعتبره ضريبة لقدره كملك للحيوانات .
ذات مرة في عز الصيف و اثناء عملية الدرس استدرجه شابين نزقين و هما يعرفان شغفه بالقبض على الطرائد فناداه بعد ان لمحا ثعبانا مجلجلا دلف مسرعا الى جحر قنية في دغل صبار كثيف و دلاه عليه ، أدخل يده اليمنى حتى كتفه فلمس شيئا رطبا للغاية لكن من دون فرو ، شك في الامر بداية و قبل ان يخرج يده تبعه الثعبان متثاقلا و في بطنه الكثير من صغار القنية من دون أن يلسعه ، ذلك راجع الى أنه بلع ما يكفي ليمنعه بالتفكير للسع "سلام الشريك". كان حظا نادرا .
سلام و كما جدنا الأول مشاعي بطبعه ، فهو يقتسم طرائده مع من سيلتقي في طريقه و يحتفظ بما سيكفيه لذك اليوم فقط لكن مشاعيته يؤكدها دوما في حقول الآخرين لانه الشخص الثابت دوما في عمليات تويزا . لا تصادف سلام الا و هو في رحلة صيد أو في تويزا .
الحديث بقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *