كلمة العدد 261من النهج الديموقراطي
المغرب بلد فلاحي لا يطعم شعبه خبزا.
مغرب الهوامش والبوادي يتحرك، ينتفض.إنه مؤشر على أن المغرب دخل عهدا جديدا، يقطع مع الوصف السائد سابقا لدى الباحثين، حيث البادية خزان القوى الاحتياطية للمخزن،والفلاح مدافع وفي عن الدولة ومؤسساتها.إن الأوضاع الحالية هي نتاج لتاريخ من السياسات المخططة تجاه البادية والفلاحتبدأ هذه السياسات بما تضعه وتخطط له مناهداف، وتنتهي بما تسكت عنه او لا تخطط له.
قبل استعراض مجمل هذه السياسات لا بد من التأكيد على أن البادية كمجال لممارسة النشاط الفلاحي من زراعة ورعي؛ تعتبر أيضا المجال الذي عانى و لازال من الثنائية المقيتة المتوارثة من الاستعمار، المتمثلة في تقسيم البلاد إلى "مغرب نافع" و"مغرب غير نافع".ففي ما سمي بالمغرب "الغير النافع" تعاني البوادي معاناة مشددة أو مزدوجة، فإلى جانب ما تعانيه كالبادية فيما يسمى "بالمغرب النافع"، فإنها تعاني بفعل وجودها في "المغرب الغير النافع" اقسى وأحط درجات الخصاص والحرمان، مما يترتب عليه من امراضفتاكة ليس لها وجود او اثر في باقي المناطق الأخرى، و من الفقر المدقع وسوء التغذية ،وما لذلك من انعكاسات ضارة على الصحة العامة وخاصة على المرأة والمواليد الجدد؛ وهو ما يفسر انخفاض معدل امل الحياة في تلك المناطق وارتفاع نسبة الوفيات.
من جهة ثانية يجب ايضا التأكيد على أن الوجه الحالي للبادية او واقعها الراهن ناتج عن سياسة طبقت منذ المرحلة الاستعمارية المباشرة، واستمرت محافظة على جوهرها في عهدالاستقلال الشكلي.وتتلخص هذه السياسة في اعتبار البادية مصدرا لإنتاج الثروات الفلاحية أو الطبيعية وتحويلها إلى خارج ترابها، ففي عهد الاستعمار تحول إلى فرنسا، واليومتذهب إلى التصدير أوالى المدن الكبرىكان من نتائج هذا السياسات والاختيارات الاقتصادية الكبرىأن تعرضت البادية الى استنزافالاراضي والغابات والمياه الجوفيةوالسطحية؛ كما هاجرتالملايين من الساكنة تحت ضغط الآفات الطبيعية أو الاستغلال المتوحش والتهميش، مما غير التركيبة الديموغرافية
للمغرب.
هذا هو العامل الرئيسيلتوسع ظاهرة التمدين،إنه عامل الطرد الذي نشأ في البوادي نتيجة سوء أوضاعها ،وليس كما يدعي بعض التقنوقراطيين، الذين يعتبرون أن توسع التمدين في المغرب يتم وفقنفس المسار التاريخي الذي تعرفه الدول المتقدمة.لا أيها السادة، والدليل هو هذا المنظ المورفولوجيالعشوائيالتي تنمو به مدننا ومظاهر الإقصاء الاجتماعي التي تعج بها،وعودة المهجرين، الذين يجربون حياة القهر والبطالة في المدن، لما تتوفر لهم ابسط الامكانيات إلى بواديهم .
لقد شكلت سياسة المخزن في البوادي عامل إفراغها من طاقاتها البشرية حيث لم تعد تمثل سوى 45% من سكان المغرب، وفي نفس الوقت خلقت تمدنا مشوها.
اعتمدت الدولة منذ السنوات الأولى للاستقلال الشكلي سياسة تنسجم مع خدمة مصالح الكتلة الطبقية السائدة من برجوازية كمبرادورية وملاك الأراضي الكبار، تمحورت أساسا حول ما سمي بسياسة السدود والمليون هكتار. افضت هذه السياسة الى تعميق ازدواجية متناقضة، قطاع عصري خصصت له كل العناية وتقليدي يعرف التهميش والتضييق لغرض غير معلن وهو تسهيل إفلاس ثم نزوح الفلاحين الصغار والمتوسطين، وتحويل ملكية أراضيهم إلى الملاكين الكبار. وبفعل هذا التوجه نحو الفلاحة العصرية والمخصصة في غالبية أنشطتها للتصدير، أهملت زراعة الحبوب وفقد المغرب سيادته الغذائية، وهو اليوم تحت رحمة استيراد الحبوب من أجل تغذية الإنسان والحيوان، لان ما ينتجه لا يكفي كميا ونوعيا.
نفس هذه السياسة سيتم الإعلان عنها في ما سمي بمخطط المغرب الأخضر.وهذه السياسة، وحدها كافية للتدليل عن طبيعة الدولة التي ترعى وتسير القطاعات الاستراتيجية بالبلاد.انها تسير هذه القطاعات تماما كما لو أنها شركات أو ضيعات فلاحية عصرية رأسمالية شديدة المكننة.فقد تم تكليف مكتب ماكينزي بوضع مخطط للنهوض بالقطاع الفلاحيعلى مدى 10 سنوات، تمخض عن برنامج سمي ب"مخطط المغرب الأخضر" الذي تم تبنيه من طرف الحكومة او تقنييها، في غيبة عن الشعب وفلاحيه وساكنة البوادي.وميزة هذا المخطط هي تعميق السياسة الطبقية المطبقة منذ القديم، زاد عليها الكرم والسخاء في تخصيص اعتمادات هائلة تصل إلى 75 مليار درهم لتنمية مشاريع ما سمي بالقطب الأول فيالمخطط، إنها أموال تذهب الى جيوب الملاكين الكبار. بينما تم رصد 20 مليار درهم كاعتمادات لمشاريع تخص القطاع التقليدي، لخلق شروط تحوله إلى تابع وملحق للقطبالأول.لقد وضع خبراء ماكينزي خطة تزيد من تبعية المغرب الى الخارج عبر تعيين الفلاحات
الاساسية التيستحظىبالدعم مثل الحوامض والبواكر وهي فلاحات لم تعد ملائمة
للخصاص المهول من الماء الذي أصبح معطى بنيويا للمغرب.
عند تقييم هذه السياسة والاختيارات الكبرى التي طبقتها الدولة في البادية نقف على حقيقة الاوضاع المتردية بالبادية:
+حيث تفاقمت الفوارق الطبقية أكثر فأكثر، بدليل استحواذ كمشة من كبار الملاكين على أجود الأراضي، وعلى أغلبية الاعتمادات التي رصدها المخطط الأخضر من تشجيعاتمالية ومن إعفاء من الضرائب ومن تسهيلات البنوك في القروض والضمانات السخية، بينما غرق الفلاحون الصغار والمتوسطون في الديونوهم اليوم ضحيةللوسطاء فيتسويقمنتوجاتهمسواء في السوقالداخلية أو الخارجية
+ حيث تم تحويل الأغلبية الساحقة من الكادحينالى جيشاحتياطي لليدالعاملةفيالضيعات الكبيرة والتي تنعدم فيها ابسط الحقوق، اولها حد ادنى للأجور يقل ب 40% عن نظيره في الصناعة والتجارة، وعدم تحديد ساعات العمل الاضافيةوإلزام العمال والعاملات الاشتغالاكثر من 48 ساعة في الأسبوع، ناهيك عن الأمراض المهنية وغيرها من التعسفاتخاصة ضد النساء وتجريم العمل النقابي.إن الطبقة العاملة الزراعية هي اليوم عبيد وبشر يباع في سوق النخاسة، ومن يشك في ذلك فليتفقد في الرابعة صباحا "موقف" في إحدى جهات "المغرب النافع".
+ أما القطاعات الاجتماعية بالبادية فهي في حالة من التخلف، ما يشهد على استقالة الدولة من واجباتها تجاه ساكنة هده المناطق.فالبادية تعرف أعلى مستويات الأمية وفي جميع الفئات العمرية وخاصة النساء.ان الغرض من ابقاء البادية في ظلام الجهل سياسة مخزنية متوارثة، لان الدولة تخطط دائما لتكوين جيش احتياطي لقمع كل نهوض شعبي واع.اما فيمجال الصحة فسبقت الإشارة الى نسبة الوفيات خاصة في النساء كاف للتدليل على انعدام إرادة حقيقية للاهتمام بالصحة العامة للشعب في البوادي.
بالأمسكان المخزن يطبق مقولته الشهيرة -جوع كلبك يتبعك- لكنها اليوم بدأت تنقلبالى عكسها بفعل عدة عوامل، هذا ما تشهد عليه انفجار انتفاضات العطش والجوع او المطالبة بالحق في الأرض وضد تعسف السلطة أو البرجوازية الاستغلالية للضيعات العصرية.أصبحت البادية تظهر وجها جديدا لم يعد يقبل الرضوخ او الصبر على الاضطهادوالظلم.إنها تعلمت ووعت ان كل ذلك إسمه الحقيقي الحكرة وهي لم تعد تقبل بها ولا ترضاها من أي كان، وهذا هو عنوان مختلف الحراكات القائمة حاليا أو المقبلة.ولكي تنهض البادية بوعي وعلى أسس صلبة فلا محيد للفلاحين الفقراءوالكادحينوحتى الصغارمن تنظيم انفسهم اولا في نقابتهم
المناضلة
حيث يتعلمون الوحدة النضالية، و يتدربون علىالتنظيم، ويستوعبون ان لهم رفاق اشد شكيمة وعزما على تحرير كل الشعب اي رفاقهم العمال والعاملات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق