جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

مقال بجريدة النهج الديمقراطي العدد 406 حول ( الشباب و الانتخابات ) الرفيق زهير اسبع

 مقال بجريدة النهج الديمقراطي العدد 406 حول ( الشباب و الانتخابات ) الرفيق زهير اسبع

مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، يعود النقاش حول المشاركة السياسية إلى الواجهة، ويثار حول الموضوع الكثير من اللغط، ويتّخذ ّمن نسبة مشاركة الشباب في العملية السياسية، مادة دسمة للأحاديث الحزبية والإعلامية، مدّعين أن الأرق يصيبهم بسبب "العزوف عن السياسة والانتخابات"، وفي هذا السياق لا بد من طرح بعض الأسئلة:
- هل يتعلق الأمر فعلا بالعزوف عن السياسة، أم بمقاطعة للعبة السياسية التي يقودها النظام؟
- هل هناك جهل بالسياسة وأهميتها من طرف الشباب، أم هو موقف شبابي من المؤسسات السياسية الرسمية برمتها؟
من خلال تتبع مسار العملية السياسية بالمغرب، وطبيعة الصراع الذي تخلله، يبدو واضحا أن الوضع الحالي، هو تحصيل حال، بعد سيرورة طويلة من تمييع العمل السياسي، وإغلاق الحقل السياسي في وجه القوى الجادة والمتطلعة إلى التغيير.
وعرف المغرب منذ بواكر الاستقلال الشكلي، بوادر بناء تجربة ديمقراطية، سرعان ما تم إجهاضها بإقالة حكومة عبد الله إبراهيم التقدمية، تلاه القمع الأهوج للحركات المناضلة، خصوصا حركات اليسار الجديد، والحركة الاتحادية، بداية السبعينات، فكانت مرحلة تكشير النظام عن أنيابه بعد أن استعاد زمام المبادرة، ليقود حملة قمع هوجاء لاجتثاث أي فعل سياسي حقيقي، ويعمل بذلك على إقصاء أيّة وجهة نظر تخالف توجهاته، ويحرص على تزيين اللعبة السياسية الرسمية من خلال تأسيس مسخ من الأحزاب الإدارية، تفتقد لأي مشروعية سياسية أو مشروع وبرنامج مجتمعيين يميزها عن بعضها، فكان دورها الأساس هو تأثيث طقوس الطاعة والولاء، والتشويش على الكتلة الناخبة، وبلقنة المشهد السياسي، وتكريس الريع والمحسوبية والزبونة؛ مشهد سرعان ما سيتم تعزيزه بعد انتكاسة حكومة التناوب.
وتميزت العشرية الأخيرة، بالنكوص والالتفاف على مطالب حركة 20 فبراير المجيدة، بعد مناورة المخزن بإقرار دستور ممنوح، رفضه الشعب، وتسليط القمع على الحركات المناضلة، فنصّب، من جديد، وزارة الداخلية أمّا للوزارات، وكرس نظام الحكم الفردي المطلق، ومركز السلطات، وغاب ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ بينما تؤكد التعديلات المستمرة في القوانين والأنظمة الانتخابية، استمرار التلاعب بالإرادة الشعبية، عبر تكريس آليات التحكم في الخريطة السياسية، والعملية الانتخابية، من خلال تفصيلها على المقاس الذي يناسب أهواء النظام المخزني.
إن "العزوف" أو ضعف مشاركة المواطنين، والشباب خصوصا، في المؤسسات الرسمية المنتخبة، يدخل في إطار هذه التراكمات، بعد أن تشكلت القناعات بأن هذه المؤسسات تفتقد لأي صلاحيات فعلية، حتى تعمل على تنفيذ إرادة الناخبين، وتستجيب لتطلعاتهم، وتأكد ذلك، من خلال تفاعل هذه المؤسسات مع ملفات الحراكات التي شهدها المغرب خلال السنوات الأخيرة، أبرزها بالريف وجرادة..، إضافة إلى طريقة التعامل مع مطالب حركات المهمشين والتنسيقيات، من أساتذة ومعطلين وطلبة.. وغيرها.
إن هذه التراكمات، أوصلت الشعب إلى الاقتناع بأن هذه المؤسسات لا تملك في الواقع الصلاحيات التي تدّعيها، لأن صاحب السلطة الفعلي هو المخزن، ومن خلال هذه الحقيقة، هبّت فئات عريضة من الجماهير إلى التخلي عن الترافع المؤسساتي، والاتجاه نحو الشارع، كخيار أخير لإيصال مطالبها والتعبير عن تطلعاتها، ومنه تناضل من أجل حقوقها، وعبر ذلك، تم تشكيل أشكال مختلفة من التنظيم، أبرزها التنسيقيات، التي تمثل المظهر العام لأدوات خوض الصراع الطبقي خلال المرحلة الراهنة، وبذلك، تخلت فئات واسعة عن الأمل في التغيير من خلال المؤسسات التمثيلية، واختارت ممارسة السياسة عبر الانخراط في المبادرات الشعبية والتعبئة النضالية، ونجحت في حالات محدودة تحقيق مكاسب وفي حالات أخرى قمعها النظام، لكنها في الواقع تدخل ضمن التراكمات الأساسية للتغيير الديمقراطي.
وانطلاقا مما سبق، يمكن القول إن الجماهير الشعبية، وفي طليعتها الشباب، ليست عازفة عن الفعل السياسي وغير مؤطرة كما يروج الكثيرون، لكنها راكمت خيبات أمل من أحزاب متخاذلة من جهة، وضعف ومحدودية المؤسسات المنتخبة من جهة أخرى؛ وبسبب ذلك اتجهت الجماهير إلى مقاطعة ما سبق، والاتجاه صوب الشارع كشكل من الممارسة السياسة ورفض ما هو قائم.
وفي هذا السياق، يجدر التذكير بأن ممارسة السياسة أكبر وأشمل من الانتخابات، ولا يمكن اختزال العمل السياسي في الترشح للانتخابات من عدمه، فحتى مقاطعو هذه الأخيرة يقومون بفعل سياسي يعبر عن موقف الرفض لشروط هذه المنظومة السياسية، التي تتطلب تغييرات جوهرية، كما أن موقف ممارسة العمل السياسي يرتبط بتقديرات وتكتيكات خاصة بكل مرحلة معينة، وليست واقعا مطلقا وسرمديا، ولا يجب تسفيهه أو تبخيسه أو قمعه لأنه في نهاية المطاف يدخل ضمن ممارسة الحرية السياسية التي يناضل من أجلها كل الغيورين على الوطن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *