حوار مع سعيد الطبل المناضل اليساري حول المجتمع المدني
حوار مع سعيد الطبل المناضل اليساري حول المجتمع المدني
سعيد الطبل يصرح :
المطالبة بحذف وزارة العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني جواب على محاولة الدولة تقزيم وإضعـاف المجتمع المـدني الديموقراطي
**- لماذا طالب جزء من المجتمع المدني في الشهور الأخيرة بحذف وزارة الشوباني ؟
-عندما أنشئت هذه الوزارة بإضافة اختصاص جديد إلى اختصاصها القديم وسميت ” وزارة العلاقة مع البرلمان ومع المجتمع المدني ” كردة فعل إيجابية للدولة على مطالب حركة 20 فبراير ، بدت كمحاولة لتأطير حركية المجتمع المدني – حسب دستور 2011 – والإنصات إلى نبضه ، لكن واقع حال تعامل هذه الوزارة مع المجتمع المدني وتجربتها معه ، أبرزت أنها كانت أداة ، عمدت الدولة من خلالها على إضعاف المجتمع المدني الديموقراطي ، وتقزيمه بل وتشويهه ، وبالموازاة مع ذلك استغلت الوزارة هذا المنحى لتثبيت وتقوية الجمعيات المرتبطة بحزب العدالة والتنمية والتابعة له . هذا الوضع أفرز اصطداما بين المجتمع المدني الديموقراطي وبين الحكومة ممثلة في وزارة العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني ، وانفجر في لحظة مشروع الحوار الوطني ، مشروع افتقر لشروط ومقومات ” الحوار الوطني ” ولم يحترم قواعد الحوار ، فقاطعته الحركة الجمعوية الديموقراطية . وفي هذا السياق تموقعت الوزارة ضد المجتمع المدني الديموقراطي محاولة تقزيم دوره وإضعاف حجمه ، فأدرك المجتمع المدني الديموقراطي أن رفع مطلب حذف الوزارة هو الجواب المناسب للدفاع عن نفسه أمام هجوم الدولة عليه .
**وهل الوزارة هي المشكلة ؟
لا ، المشكلة – من وجهة نظري – لا تقف عند حدود الوزارة ، بل تتعلق بطبيعة الدولة وعلاقتها بالمجتمع ، فالدولة تريد تقليم أجنحة المجتمع المدني الديموقراطي بهد ف التدجين والاحتواء ، والمثال على أن القضية أكبر من وزارة هو التضييق والحصار والتشويه الدي تنهجه الدولة عبر وزارات عديدة في مقدمتها وزارة الداخلية ضد العمل الجمعوي في توجهه الديموقراطي ، والحرب على الجمعية المغربية – مؤخرا – مثال واضح – على ذلك .
**المجتمع المدني أصلا يرتبط بالديموقراطية ، فما الداعي إلى حرصك على تمييز جزء منه بالديموقراطي ؟
صحيح أن المجتمع المدني نظريا لا معنى له إلا في إطار قواعد الثقافة الديموقراطية ، كالمواطنة والمساواة … ، لكن واقع حال العديد من الدول ضمنها المغرب مختلف . حيث نجد الدولة /السلطة تحاول جاهدة اختراقه واحتواءه من أجل الحيلولة دون تموقعه كسلطة مستقلة ومضادة لسلطة الدولة ، واللافت للانتباه في هذا السياق أن عدد الجمعيات الحقيقية بالكاد يتجاوز 100 جمعية من مجموع حوالي 100 ألف جمعية ، والتفسير الوحيد لهذا الباقي المتواجد على الورق فقط أنه خزان احتياطي لتنفيد وترجمة تعاليم وتوجيهات السلطة ، وقد شكلت بعض البرامج ، كالمبادرة الوطنية للتنمية أرضية لبروز نوع آخر من الجمعيات ، جمعيات ” تحت الطلب ” للاسترزاق وقضاء المصالح الشخصية . لذلك أعتقد أن تمييز المجتمع المدني الديموقراطي مسألة مهمة من باب التوضيح . وفي تاريخه اشتغل المجتمع المدني الديموقراطي في ظروف لاديموقراطية ، وكان رافعة للمساهمة في في تحقيق مكاسب ديموقراطية عديدة ،مثل تراجع الدولة عن قانون “كل ما من شأنه ..” ومكسب قانون الجمعيات ، والتوسع النسبي لدائرة حقوق الإنسان ولمجال حقوق المرأة ، فضلا مكتسبات تمس الطفولة ومحاربة الرشوة …وفي نفس الوقت عمدت الدولة إلى استغلال جزء من المجتمع المدني للتغطية على تراجعها وتخليها عن مهامها في العديد من المجالات الاجتماعية .
**استعمال العمل الجمعوي للاسترزاق الظاهرة التي باتت تؤثث صورة المجتمع المدني ألسيت مشكلة للمجتمع المدني نفسه بدل استعمال الدولة كشماعة ؟
هذا الجزء من الواقع الدي ذكرت ليس إراديا ولا صدفة بل نتيجة مقصودة من طرف الدولة أولا ومن طرف التمويل الدولي ثانيا ، ففي سياق منحى العمل على توسيع مجال الحريات ونشر ثقافة المواطنة والديموقراطية الذي انتظمت فيه صيرورة المجتمع المدني الديموقراطي ، انبثقت على على هامشه جمعيات الهضاب والسهول والجبال من أجل خدمة السلطة والدولة مقابل الحصول على منافع شخصية . والملاحظ في سياق انشغال الدولة اليوم بتجفيف منابع حركة20 فبراير ، أنها تحاول استقطاب مزيد من الجمعيات على قاعدة الولاء لاستعمالها .. وللأسف فإن مجموعة من الجمعيات الديموقراطية انساقت – بوعي أو بغير وعي – مع مخطط ضرب الحركة الجمعوية الديموقراطية ، والأخطر أن بعض الأحزاب تحاول احتواء بعض هذه الجمعيات لخدمة أجندتها الحزبية الضيقة .
وبالنسبة للتمويل الأجنبي في جزئه المرتبط بمؤسسات ذات مصالح مشتركة مع النظام المغربي ،فإنه عمل ويعمل على تمويل مشاريع تساهم فيها جمعيات بهدف تببيض وجه الدولة ومساندة ودعم التوجه الرسمي ،وتسويقه دوليا كنموذج يحتذى به ،خاصة بعد مرحلة الحراك الإقليمي والجهوي الذي عاشته العديد من دول المنطقة ، وتحضرني هنا بعض الأمثلة : كتمويل القروض الصغرى لبعض الجمعيات ، وتمويل ما يسمى المغرب الأخضر .
**أمام الصورة التي رسمتها ملامح القراءة هذه ، ما العمل من زاوية نظرك كفاعل جمعوي ؟
الجواب في أفق ثقافة المواطنةوالديموقراطية باختصار ، هو : تصليب عود المجتمع المدني الديموقراطي ووعيه بالشروط المؤطرة لحقل الصراع . والتشبت –ثانيا – بمبادئ المجتمع المدني الديموقراطي كقاعدة للنضال والعمل . وملحاحية خلق جبهة مدنية بتفاعل مع كل الحركات الديموقراطية في المجتمع على أساس المساهمة في بناء الدولة الديموقراطية . وفي هذا الاتجاه أعتقد أنه مطروح علينا كمناضلين في النهج الديموقراطي الاستمرار- كما كنا دوما – بالحرص على التشبت بمصداقيتنا والتزامنا بهموم وقضايا الشعب ، وانحيازنا كلما استطعنا إلى تقوية البعد النضالي للحركة الجمعوية ، ودعم العمل الجمعوي وتقويته بوصفه آلية من آليات المقاومة والدفاع الذاتي للجماهير والمجتمع .
…. الحوار سبق نشره في جريدة النهج الديموقراطي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق