مداخلة القاص محمد عزوز في ملتقى بانياس الأدبي حول مجموعة ( في العالم السفلي ) للأديبة غادة اليوسف
مداخلة القاص محمد عزوز في ملتقى بانياس الأدبي
حول مجموعة ( في العالم السفلي ) للأديبة غادة اليوسفإذا كان الناقد الراحل يوسف سامي اليوسف قد قال في مقدمته لمجموعة الأديبة غادة اليوسف القصصية ( في العالم السفلي ) ( لو كتبت غادة اليوسف عشر قصص بمستوى قصة " المنديل " فإنها تضاهي يوسف إدريس الذي لم يبزه كاتب عربي حتى الآن ) . فأنا أقول – وأين مني ومن تلك القامة الأدبية المديدة – أن لدى غادة قصص أخرى لا تقل أهمية عن تلك القصة سواء في هذه المجموعة أو ما تلاها من مجموعات ، وأنها ذكرتني مراراً بأستاذنا في القص ( يوسف إدريس ) الذي لا أزال أعود إلى قصصه بين الفينة والأخرى ، كي أتنسم منها عبق الأصالة في القص ، عبق سكن مع ابتكار أنماط جديدة في القص المعاصر ، أصابتنا بحالة من الخواء الذي لم نتوقعه في يوم من الأيام .
وربما تتساءل صديقتي القاصة (غادة اليوسف ) لماذا لم أكتب عن هذه المجموعة أو سواها شيئاً ، ما دامت قد تركت ذاك الأثر في نفسي .. أنا الذي قرأتها جميعاً قبل عام تقريباً ؟
أقول مستنداً إلى رأيي المسبق ، أن هذا النوع من القص ، تماماً كقصص الراحل الكبير يوسف إدريس هي مكتوبة للقراءة المستمرة ، ولذلك وضعت بعد الإنتهاء من قراءتي الأولى إشارات ، أتبعتها بإشارات أخرى عند قراءاتي المتتالية ، ولم أعلق بكثير من الكلام في النهاية ، لقناعتي أن ذلك قد يقزم العمل الذي كتب كي يقرأ ويقرأ ..
فقد تقصر أي خلاصة عن ذكر كل التفاصيل الهامة في المتن ، تفاصيل لها أهميتها ، ولا يصح إغفالها بأي شكل من الأشكال .
وإذا كان أحد الدارسين قد اعتبر أن غادة كتبت رواية بأجزاء في هذه المجموعة ، فأنا لست مع رأيه ، لأنها قصص قصيرة بامتياز ، وإن أطالت في بعضها أحياناً كقصة ( فوق جثة الأقنعة ) ، قصص يوحدها أسلوبها ومفرداتها وموضوعها الذي قد نلمس تقاطعات ما له في بعض تفاصيل القصص مجتمعة ، لم لا .. وموضوع القصص هو الهم الحياتي العام ، ولذلك كان من الطبيعي أن نتلمس أجواء البيت والطفولة والشارع والحديقة والمدرسة والسجن بسجانه وسجنائه وأحداث فلسطين والعراق .. لكنها بكل تجرد قصص قصيرة ، وهذا الرابط لا يحولها إلى عمل روائي ، عناوين القصص فيه هي عناوين فصول في الرواية ..
وأوافق الشاعر ( عبد الكريم الناعم ) في رأي له مثبت على غلاف المجموعة الأخير ، في أن غادة اعتمدت الأناقة اللغوية ، وهي ميزة أعادتنا برأيي إلى جيل الرواد الذي كدنا ننسى دوره ، دون أن تغفل الكاتبة عن تجديد يتطلبه القص الأكثر حداثة .
لغة قصصية رشيقة ، بأخطاء بسيطة ، زادتها العامية التي خالطتها وخاصة في الحوار جمالاً .
وللأسباب المذكورة آنفاً ولأننا هنا في هذا الملتقى لا نقدم دراسات مستفيضة ، بل مداخلات سريعة ، تتطلبها طبيعة الجلسة والوقت المخصص لها ، وبما يفسح المجال لكل الحاضرين لإبداء آرائهم ، رأيت أن أقف برأي مختزل عند بعض قصص المجموعة :
1- بارقة : قدمت الكاتبة فيها فانتازيا بلغة سلسة محببة تماهى فيها الخيال مع الواقع لينجز عملاً ميزته اللغة والأسلوب ، فرغم أن موضوع العودة إلى الحياة مطروق كثيراً في مختلف صنوف الإبداع إلا أن أسلوب المعالجة واللغة القريبة من الروح كانتا وراء إحساسنا بالجدة فيه .
2- فوق جثة الأقنعة : قصة طويلة ، تسلل إليها الشعر بوضوح ، وهذا ليس غريباً على قاصة – شاعرة ، إطالات واضحة غيب السبك الجيد فيها أي تململ عند القارئ ، وخاصة أسلوب تداعي الذكريات . سرد موشى بحوار جميل زادته العامية جمالاً وقربته أكثر من القلب .
3- من العالم السفلي : سؤال يخطر في بال الجميع : لماذا بدلت ( من ) بـ ( في ) في عنوان المجموعة ؟ هي قصة من عالم السجن ، متقنة المعالجة ، عالم ذكوري أكدت عليه في جل قصصها ( حتى في عالم الحيوان هنا ) حيث أظهرت تسلط الذكورة وأضاءت الكثير من سلبياتها ، بينما أغفلت عيوب الأنوثة التي ربما كانت تضاهيها . أجمل ما في القصة هو الباب الموارب في خاتمتها .
4- نتقن لغة الزيتون : جميل أسلوب البدايات مغمضة العين التي تنكشف بعد بعض الوقت فتعطي للنص القصصي جمالاً مميزاً ، هي قصة متكاملة بموضوع مختلف ، ولكنه يلخص هم جيل بأكمله ، جيل هو الضياع بعد جيل الخمسينيات الذي تحدثت عنه .
5- الجسور المهشمة : وافق النص عنوانه المختار رغم أن الحدث بدا وكأنه رواية للعادي غير المهم أو المبهر . ويعتبر البعض ذلك خاصية مهمة في القصة القصيرة .
6- السلام عليكم وعلى الثورة السلام : عنوان يفضح الفحوى ، تحدثت القاصة بلسان الجميع ، لسان يسخر من ثورة وثوار تخلوا عن مبادئهم عند أول اختبار ( فلحية غيفارا تحولت إلى لحية طالبانية .. وسبّحة التسع والتسعين حبة تتدلى باستسلام بين السبابة والإبهام ) .
7- استعداد : أي استعداد ذاك الذي تحدثت عنه ؟ استعداد يشي بمقدمات تؤدي إلى هاوية نحن في أتونها الآن . براعة في التصوير .
8- مشوار : صور متلاحقة رسمت بإتقان ، كنت أتمنى أن لا تكون النهاية بكل هذا الوضوح ، أي أن يترك الباب موارباً بعض الشيء ، وقد فعلت القاصة ذلك في أكثر من قصة .
9- في الحديقة : الفكرة جيدة ، ولكن الكاتبة هنا برأينا حمّلت الطلاب لغة غير لغتهم ، لغة بدت وعظية باعترافها هي ، كنت أميل هنا إلى بساطة أكثر في الحوار والسرد معاً .
10- المنديل : من أجمل قصص المجموعة على الإطلاق ، أو هي بالتأكيد إحدى أجمل القصص التي قرأت حتى الآن على مستوى قراءاتي القصصية كلها . نجحت في الحوار والسرد ، أستطيع أن أقف عند عبارات شدت انتباهي أكثر من غيرها ( وجه شوهه الرعب – عصاب تربوي – أنا وهي وشهقاتها ، توضأت يدي بحرارة دمع حارق ، دفقة طيبة دافئة جاهزة للإنبثاق مقيمة في وجدان الجميع .. ) وغيرها .
11- وحشة : قصة مفتوحة تركت مساحة واسعة للقارئ ، مختلفة قليلاً عن قصصها الأخرى .
12- مواويل عراقية : هي أسمتها مواويلاً ولم تسمها قصصاً ، ومع ذلك هي إما وفية للقص فيها أو تكاد ، ففي :
- انهمار : قدمت لوحة قصصية مجتزأة .
- طمأنينة : لوحة أخرى أكثر وفاء للقص .
- من أين القبلة : قصة متكاملة .
- استشراف : قص متكامل مع نفحات من جمال .
وقد حاولنا في هذه العجالة أن نقدم وجهة نظر محايدة حول قصص ( في العالم السفلي )، وهو ما نسعى إليه في نشاط هام نعتز به كهذا النشاط .
غادة اليوسف : القصة القصيرة ميدانك الأرحب فلا تنشغلي عنها بغيرها ، وأنا لا أقصد الإقلال من أهمية ما كتبته في الشعر أو الدراسة الأدبية أو الإختصاصية ، ولكن الإبداع القصصي عندك يفوق أي إبداع آخر ، ولعله العالم الذي أراك فيه أجمل وأكثر ألقاً .
غادة اليوسف : قرأتك بعين القاص والمتابع والمتذوق فتسابقوا جميعاً ليعلنوك قاصة متميزة وأديبة حصيفة .
محمد عزوز
ت1 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق