كلمة العدد // جريدة النهج الدمقراطي عدد يونيو2011
كلمة العدد // جريدة النهج الدمقراطي عدد يونيو2011
إن نضال الشعب المغربي الآن يتركز على تحقيق هدف بناء نظام ديمقراطي الذي لا يمكن اختزاله في قضية الدستور، رغم أهميتها الكبيرة، لأنه مرتبط أيضا بتغيير بنيات النظام السياسي القائم. ويعتبر النهج الديمقراطي أن المهمة المركزية الآن وهنا، هي مهمة استنهاض الشعب المغربي لتوفير شروط التغيير الديمقراطي الحقيقي وليس الخوض في تفاصيل الدست...ور.
وللتوضيح أكثر، فإن الدستور يجسد ويقنن موازين القوى في المجتمع بين الطبقات المتصارعة لتعارض مصالحها ويعتبر النهج الديمقراطي أن النظام السياسي السائد يعبر ويدافع عن مصالح الكتلة الطبقية السائدة في المغرب المشكلة من البرجوازية الوكيلة للرأسمال الأجنبي، وخاصة الفرنسي، وملاكي الأراضي الكبار. لذلك فتوفر بلادنا على دستور ديمقراطي يجسد إرادة الشعب المشكل، بالأساس وفي أغلبيته العظمى، من الكادحين والطبقات الوسطى يتطلب تغيير موازين القوى لصالح الشعب، وبالتالي فإن النهج الديمقراطي يعتبر أن الخوض في تفاصيل الدستور الآن، وفي ظل موازين القوى التي لا زالت مختلة لصالح الكتلة الطبقية السائدة ونظامها السياسي المخزني، لن يؤدي سوى إلى بلورة دستور يقنن سيطرة هذه الكتلة وهذا النظام مع إدخال بعض التعديلات التجميلية ويساهم في تحريف نضال الشعب المغربي عن مهمته المركزية المتمثلة في تغيير ميزان القوى لصالحه وقد يؤدي إلى انقسامات في صفوفه بين قوى ذات مرجعيات مختلفة مما قد يسهل مهمة الالتفاف على المطالب الشعبية، بينما المطروح الآن هو توحيد كل قوى الشعب المغربي ضد الاستبداد والظلم ونهب خيرات البلاد والمال العام والتبعية المطلقة للإمبريالية ومحاولة التطبيع مع الكيان الصهيوني والتصدي بحزم لكل محاولات زرع التفرقة واحتواء النضال والمطالب الشعبية
لذلك ساند النهج الديمقراطي، مند البداية ودون تردد وبكل قوة، حركة 20 فبراير، لكونها تناضل من أجل الحرية والديمقراطية والعيش الكريم وضد الاستبداد والفساد والنهب. ويعتبر النهج الديمقراطي أن التنازلات التي قدمها النظام لا تستجيب للحد الأدنى من المطالب الشعبية وأن هذفها هو القيام بتغييرات لا تمس جوهر النظام الاستبدادي والحكم الفردي المطلق للملك وسيطرة الكتلة الطبقية السائدة والامبريالية على البلاد والعباد. والأخطر من ذلك ستعطي شرعية شعبية لنظام سيحافظ على جوهره الاستبدادي مما قد يؤدي بالبلاد إلى المراوحة في مكانها لعشرات السنين. لمادا؟ لأن الملك عين لجنة لصياغة تعديلات دستورية وضع لها خطة طريق وهو ما يكرس مقاربة الدستور الممنوح الذي دأب النظام على اعتمادها مند الاستقلال الشكلي. وما طبيعة اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور المشكلة من
عناصر ممخزنة أو مخزنية واستشارة أحزاب ومنظمات نقابية وجمعيات "المجتمع المدني" 90 % منها لا تمثل أي شيء وكون الملك هو الذي سيحدد الصيغة النهائية للدستور إلا تعبير فاضح على استمرار نفس المقاربة المخزنية للدساتير الممنوحة. إضافة لما سبق، فإن الكلام عن مراجعة الدستور تعني اعتماد الدستور الحالي كأصل بينما هذا الأخير هو دستور غير قابل للإصلاح لأن فلسفته ترتكز إلى وضع كل المفاتيح في يد الملك، لذلك يجب إلغاؤه بالكامل.
كما أن الملك قد سيج اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور بالثوابت، وعلى رأسها إمارة المؤمنين، مما يفتح الباب واسعا أمام الحكم الفردي المعزز بالقداسة ويتناقض تناقضا جوهريا مع مبدأين أساسيين للديمقراطية الحقة وهي :
كون الشعب هو المصدر الوحيد للشرعية وهو ( أي الشعب) المصدر الوحيد لكل السلط وبالتالي فإن ممثليه يجب أن يتوفروا على كل الصلاحيات وليس بعضها. وتطرح بعض القوي أن يحافظ الملك على ما يسمى ب " الميادين السيادية "( الجيش، الأمن والعلاقات الدولية ... )، مما يتناقض مع السيادة للشعب والأخطر أن هذه الميادين هي الحاسمة في الصراع. ونعرف أن التحكم في هذه الميادين مكن القوى المناهضة للتغيير الديمقراطي لفرض الديكتاتورية في عدد من الدول،
كل من يتحمل المسؤولية يجب أن يحاسب ويراقب وهو ما يتناقض مع تواجد ميادين سيادية غير خاضعة للمراقبة والمحاسبة من طرف الشعب.
إن ما يجعلنا أكثر تشاؤما حول الإرادة الحقيقية للتغيير الديمقراطي هو تجربة بلادنا مند الاستقلال الشكلي حيث أن الملكية وقفت سدا منيعا ضد أي اختراق ديمقراطي ورسخت البنيات والتقاليد المخزنية العتيقة والمهينة في كثير من جوانبها وسعت بكل الوسائل إلى مركزة كل السلطات في يدها. هكذا تم إجهاض تجربة المجلس التأسيسي الذي كان يرأسه الشهيد المهدي بنبركة وأصرت الملكية أيام الحسن الثاني على تقوية سيطرتها واستبدادها و فرضت دساتير تشرعن كلها للاستبداد والحكم الفردي المطلق للملك، وأصر محمد السادس خلال أزيد من 11 سنة من حكمه وإلى حدود 9 مارس 2011 (أي بعض انطلاق حركة 20 فبراير) على رفض أي تغيير في الدستور وأكد مفهوم "الملكية التنفيذية ". والآن عين لجنة لمراجعة الدستور وحدد لها سقفا يمكن الملكية من الحفاظ على السلطات الحاسمة في الصراع والمعززة بالقداسة.
لكل هذه الأسباب رفض النهج الديمقراطي دعوة لجنة مراجعة الدستور وطرح شعار النضال من أجل إسقاطها.
إن إقامة نظام ديمقراطي في بلادنا - ومن بين مقوماته بلورة دستور ديمقراطي من طرف مجلس تأسيسي يمثل الشعب – يتناقض تناقضا جوهريا مع النظام المخزني المبني على الاستبداد والنهب والرشوة والمحسوبية والزبونية وكل أشكال الفساد، لذلك لا مفر لتوفير شروط بناء الديمقراطية من التقدم في تفكيك الأجهزة المخزنية وعلى رأسها :
الأجهزة القمعية السرية والموازية،
جهاز السلطة لوزارة الداخلية،
جهاز القضاء الغير المستقل عن السلطة والمرتشي في غالبيته.
وأول خطوة على هذه الطريق تتمثل في تركيز النضال ضد رموز المخزن الذين يسميهم النهج الديمقراطي بالمافيا المخزنية والمشكلة من مرتكبي الجرائم السياسية المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والذين لا زالوا في أغلبهم يحتلون مواقع حساسة في أجهزة الدولة وكذا مقترفي الجرائم الاقتصادية ( نهب المال العام والثروات الطبيعية – السمك ، المعادن ، الأراضي الفلاحية وأراضي المدارات الحضارية، الماء، المقالع، الغابات..._والقطاع العام ). هذه المافيا التي ستحارب أي تقدم حقيقي نحو الديمقراطية.
إن الصراع مع هذه المافيا يستوجب تعبئة الجماهير الشعبية ذات المصلحة في التغيير الديمقراطي ( الطبقة العاملة، الفلاحين الفقراء، كادحي الأحياء الشعبية في المدن...) وانخراطها في النضال الراهن وهو ما يتطلب الارتباط بها في مواقع تواجدها ومساندة وتأطير نضالاتها وطرح المطالب الاجتماعية التي توحدها وهي : الغلاء، البطالة، هزالة الأجور، التعليم، الصحة، السكن، الإصلاح الزراعي ، مياه الري، ومختلف قضايا الفلاحين وكذا فضح وإدانة كل أشكال الفساد والاضطهاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق