جريدة النهج الديمقراطي كلمة العدد2013
جريدة النهج الديمقراطي
كلمة العدد
بعيدا عن هذه المسلسلات الهزلية المأساوية والبئيسة التي يمثلها ـ بإمرة من المخزن ـ خدامه القدامي/الجدد من شاكلة شباط ولشكر لابد، لمحاولة فهم ما يقع الآن التذكير بثوابت النظام في التعامل مع قوى المجتمع (أكانت سياسة أو نقابية أو جمعوية أو غيرها) والتي ترتكز إلى مبدأ أساسي وقار هو العمل، بكل الوسائل، على التحكم في الشعب المغربي من خلال حرمانه من أدواته النضالية المستقلة أو إضعافها وصولًا إلى تدجينها.
ويلجأ النظام للوصول إلى أهدافه إلى الأساليب التالية :
- الترغيب من خلال منح امتيازات (المشاركة في مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية : البرلمان، المجالس الجماعية، المجالس الوطنية المختلفة، الصناديق الاجتماعية المتنوعة : الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، صناديق التقاعد وغيرها) أو حتى من خلال شراء الذمم بواسطة الرشاوى والمناصب والأذون.
- الترهيب بواسطة القمع المباشر للمناضلات والمناضلين، أو التضييق أو المنع للقوى أو الأنشطة التي تقوم بها.
- الحرمان و/أو التهميش من الاستفادة من الامكانات العمومية الممولة من طرف الشعب (القاعات العمومية، مراكز التخييم، دور الشباب... والإعلام العمومي).
- المواجهة الدعائية بواسطة أبواقه المختلفة وأجهزته المتنوعة السياسية والإيديولوجية والإعلامية والمخابراتية وغيرها.
- التلغيم بواسطة دس عملائه وسطها بهدف تخريبها من الداخل من خلال تعميق التناقضات وتسعير نار الخلافات والدفع إلى الانشقاقات.
- اللعب على التناقضات وسط القوى السياسية المناضلة من خلال استمالة التوجهات الإصلاحية وقمع التوجهات الثورية (حالة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية).
- تشكيل قوى سياسية أو جمعوية مخزنية : الحركة الشعبية، التجمع الوطني للأحرار، الحزب الوطني الديموقراطي، الاتحاد الدستوري... وصولا إلى حزب الأصالة والمعاصرة، عدد ضخم من الجمعيات ينضاف إليها مجالس متعددة مثل المجلس الوطني لحقوق الانسان.
- السعي إلى تعميق التباعد بين القوى المناضلة المناهضة للمخزن، أكانت قوى ديموقراطية أو غيرها، لمنع قيام تنسيقات فيما بينها، فأحرى جبهات ولو كانت ظرفية.
لقد طبق النظام ولا زال هذه السياسات بحنكة ودهاء مع حزب الاستقلال الذي كان هو القوة المهيمنة غداة الاستقلال الشكلي ثم مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان يحظى بتعاطف شعبي واسع.
أما في فترات أزماته الكبرى، فإن النظام ينفذ، إضافة لما سبق، سياسات أخرى، نذكر منها:
- بعد التصدع الذي أصاب أركانه إثر انقلابات 1971 و1972، لجأ النظام إلى المخططات التالية:
ü الدعاية المكثفة ل "المسلسل الديمقراطي" الذي سرعان ما انكشف أنه تثبيت للاستبداد المخزني والحكم الفردي المطلق للملك : البرلمان مجرد غرفة للتسجيل، تزوير الانتخابات لضمان أغلبية ساحقة للقوى الموالية للمخزن...
ü "الإجماع الوطني" حول الصحراء للجم الحركة النضالية وتكبيل القوى السياسية المناضلة.
ü تنازلات طفيفة لبعض الشرائح والفئات الشعبية : "المغربة" التي استفاد منها بالأساس، الكمبرادور، توزيع الأراضي على فلاحين صغار، سياسة السكن الاجتماعي، زيادة أجور الموظفين...
- ولتوفير انتقال سلس للسلطة من ملك إلى آخر، عمد النظام لما سماه "التناوب التوافقي" الذي لا يحمل من التناوب والتوافق سوى الاسم حيث كان استمرارًا للاستبداد ولسلطة المخزن وكان استسلامًا لا مشروطًا لشروطه الذي وصل حد عدم اخبار عبد الرحمان اليوسفي رفاقه في المكتب السياسي بما دار بينه وبين الملك الراحل وقبول دستور 1996 الذي لا يختلف عن سابقيه من حيث الجوهر وقبول تزوير الانتخابات، بما في ذلك لصالح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وقد مهد النظام لهذا "التناوب" المخزني باتفاق 16 غشت 1996 مع المركزيات النقابية الذي حاول من خلاله ضمان "السلم الاجتماعي".
- وللإتفاف على السيرورة الثورية التي أطلقتها حركة 20 فبراير في بلادنا، استعمل النظام نفس الأساليب السابقة : محاولة شراء "سلم اجتماعي" بواسطة اتفاق 26 أبريل 2011، دستور جديد لا جديد فيه سوى الكثير من اللغو واستمالة القوى الأصولية والأمازيغ من خلال ترسيم اللغة الأمازيغية في حين أن ممارسة الدولة تسير في الاتجاه المعاكس. وقد توج هذا المسلسل الذي عرف تصاعدًا للقمع ضد حركة 20 فبراير والحركات الاحتجاجية والقوى المناضلة (استشهادات واعتقالات وأحكام جائرة وقاسية)، بتنصيب حكومة يرأسها حزب العدالة والتنمية.
ويعمل النظام حاليا على إضعاف هذا الحزب الذي لم يستطع إنجاز ولو إصلاح واحد من الإصلاحات التي وعد بها خلال الانتخابات وفي نفس الوقت الحفاظ عليه على رأس الحكومة لتحميله مسؤولية الإجراءات اللاشعبية التي يعتزم إقرارها (تصفية صندوق المقاصة، حل أزمة صناديق التقاعد على حساب المواطنين والمتقاعدين، قانون تكبيلي للإضراب...) وللمزيد من إذلاله.
هكذا يكون النظام قد استفاد من هرولة الاتجاهات الانتهازية وسط "اليسار" (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب التقدم والاشتراكية) ووسط القوى الأصولية (العدالة والتنمية) لإضعافها من جهة، ولعرقلة بناء قوة شعبية واسعة مناهضة للمخزن من جهة أخرى.
ولا شك أن هذه الانتهازية تعبر عن تدبدب فئات وشرائح من الطبقات الوسطى التي تخاف من تغيير جذري للأوضاع القائمة.
لكن الواقع الحالي عرف تغيرًا مهما وعميقا :
فإذا كانت مخططات النظام ومناوراته تلقى دائما مواجهة قوية ومقاومة شرسة من طرف قوى المعارضة الحقيقية : الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الحركة الماركسية اللينينية المغربية، وفي مقدمتها منظمة "إلى الأمام"، والاتجاه الثوري داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ثم اليسار المناضل، وفي مقدمته النهج الديمقراطي، فإن الجديد هو أن هذه المقاومة لم تعد محصورة في هذه القوى وفي بعض المنظمات الجماهيرية ولا في انتفاضات شعبية يتم إطفاؤها بالحديد والنار، بل أصبحت مقاومة شعبية حيث لم يعد الشعب يخاف المخزن بل أصبح يدافع عن مطالبه في الشارع مستعدًا لتقديم التضحيات، وتطور الوعي بأن التغيير إما سيكون شاملا بتقويض البنيات المخزنية وبناء ديمقراطية تخدم مصالح الشعب وتعبر عن إرادته، وإما لن يكون، ونخرط الشباب بقوة وحماس في معركة التغيير واستطاع بناء حركة 20 فبراير والحفاظ على استمراريتها رغم القمع والمناورات والطعنات التي تلقتها، بما في ذلك من قوى كانت فاعلة داخلها.
إن هذا التطور الهام فيما يخص الوعي والاستعدادات الشعبية النضالية يستوجب من كل القوى الغيورة على مصلحة الشعب و المناهضة للمخزن التحلي بالروح الوحدوية في النضال والسعي، بدون كلل أو ملل، لإعادة الزخم لحركة 20 فبراير لكي تصبح الإطار الموحد لكل نضالات الشعب المغربي من أجل الديمقراطية والكرامة والحرية.
وهذا ما يتطلب من اليسار المناضل العمل الدؤوب من أجل الالتحام بالطبقات الكادحة وبناء الجبهة الموحدة للنضال الشعبي ضد المخزن ومن أجل الديمقراطية. الشيء الذي يفترض خوض صراع قوي ضد التوجهات اليمينية التي تجعل من القوى الأصولية العدو الرئيسي وتنزع نحو التحالف مع قوى ممخزنة كالاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وتناصب العداء للنهج الديمقراطي من خلال التركيز على الخلافات وتراهن، بشكل كبير، على الانتخابات والمؤسسات التمثيلية المخزنية. كما لا مفر من مواجهة اليسراوية التي تكتفي بالطروحات الاستراتيجية دون البحث عن التكتيكات التي من شأنها تحقيق التقدم نحو هذه الأهداف وترفض أية تنسيقات فأحرى تحالفات وتظن أنها تمتلك الحقيقة وتستعمل العنف لحل التناقضات داخل الشعب وتميل، في بعض الأحيان، إلى محاربة الدين عوض محاربة استغلاله لأغراض سياسية.
أما القوى الأصولية المناهضة للمخزن وخاصة العدل والإحسان، إن كانت فعلا تريد خدمة مصالح الشعب الذي يطمح إلى القضاء على الاستبداد وإلى الحرية والعدالة الاجتماعية، يجب أن تراجع نفسها وأن تستفيد مما يجري في مصر بالخصوص والذي يبين أن الحلم بالرجوع إلى عصر ذهبي : عصر الخلفاء الراشدين ـ الذي لم يكن ذهبيا في الحقيقة حيث عرف حروبا ومقتل ثلاثة خلفاء من أصل أربعة ـ مسألة مستحيلة ولن تؤدي سوى إلى الفتن والحروب الأهلية والاستبداد في شكل جديد. إن الشعوب اليوم في حاجة، إضافة إلى تحسين أوضاعها المعيشية، إلى الحرية التي تعني، من ضمن ما تعني امتناع الدولة عن فرض أية قوانين فيما يخص المعتقدات. كما أنها تطمح إلى الديمقراطية التي تعني احترام إرادة الشعوب.
إن جماعة العدل والإحسان مطالبة، إن كانت تريد فعلا المساهمة، بجانب القوى الديمقراطية، في النضال من أجل التغيير الجدري وتسعى بصدق إلى المساهمة في بلورة ميثاق وطني للقوى المناضلة أن تقوم بنقد ذاتي واضح على انسحابها من حركة 20 فبراير لأن التبريرات التي قدمتها لا تقنع أحدًا وأن تعلن قبولها بالديمقراطية ليس كآلية للتداول على السلطة فقط، لكن أيضًا وأساسًا كقيم تضمن التعايش في المجتمع من خلال التسامح والتعددية الحقيقية وحرية المعتقد وفصل الدين عن الدولة وعن السياسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق